وعن جابر رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل ). متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: ( ورخص ). حفظ
الشيخ : الثالثة مبتدأ درس الليلة، وعن جابر رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ) وهذا الثالث مما يحرم من الحيوان الحمر الأهليّة، الحمُر جمع حمار، والحُمْر بسكون الميم جمع أحمر وحمراء، ويخطئ بعض الناس في هاتين الكلمتين فتجده يقول في قوله صلى الله عليه وسلم: ( خير لك من حُمْر النّعم ) يقول يا عبد الله؟ لا، عبد الله العامري؟
الطالب : حُمُر.
الشيخ : حُمُر بضمّ الميم وهذا غلط، إذن الحُمْر جمع حمراء، والحُمُر جمع حمار، وقوله: ( الأهليّة ) وصف مقيّد يخرج به الحُمُر الوحشيّة التي لا تألف الناس وليست أهلية، وهي ما يكون في البراري وقوله: ( يوم خيبر ) يعني: يوم فتح خيبر وذلك في السّنة السّادسة للهجرة، فإن الناس كانوا في مجاعة وخرجت الحمير فأخذوها وذبحوها وطبخوها حتى كانت القدور تغلي فيها، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإراقتها ونهى عن أكلها، ( وأذن في لحوم الخيل ) متّفق عليه، وفي لفظ البخاري: ( رخّص ) وهي بمعنى أذن فهنا منع وهنا ترخيص، المنع في لحوم الحمر الأهلية والترخيص في الخيل، والخيل معروفة أذن فيها عليه الصّلاة والسّلام، فهاتان قاعدتان: أما الأولى: فقاعدة تحريم لحوم الحمر الأهلية فهي مستثناة من الحِلّ، وأما الإذن في لحوم الخيل فهل نقول إنها مستثناة من التحريم أو نقول إنها على الأصل؟
الطالب : من التحريم.
الشيخ : نعم الصّحيح أنها على الأصل، الصّحيح أنها على الأصل لأنه لم يسبق أن منعت، وأما لفظ رخّص فهو في مقابل نهى، وليس المعنى أنه كان محرّمًا ثمّ رخّص فيه لا، هو في الأصل حلال، أما لحوم الحمر الأهلية الظاهر أن الإجماع انعقد عليها وأنها حرام وكان فيها خلاف عن بعض السّلف في جواز أكلها مطلقًا، أو في جواز أكلها عند الحاجة، أو في جواز أكلها إذا كثرت ولم نحتج إلى ظهرها، والصّحيح أنها حرام مطلقًا لأنّ الأدلّة عامّة، لكن من المعلوم أنّ الحرام إذا اضطرّ إليه صار حلالًا، حتى الخنزير وهو أخبث من الحمير إذا اضطرّ إليه الإنسان أكله، أما لحوم الخيل فالصّحيح الذي عليه الجمهور أنّ لحمها حلال لأنّ النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أذن فيها، وقالت أسماء: " نحرنا فرسًا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ونحن في المدينة فأكلناه " ففيه السّنّة القوليّة والسّنّة الإقراريّة أنه أقرّ أكل لحوم الخيل، وهذا هو الذي عليه الجمهور جمهور العلماء أنّ لحم الخيل حلال، وذهب بعض العلماء إلى أن لحم الخيل حرام واستدلوا بدلالة ضعيفة وهي قوله تعالى: (( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة )) بعد قوله: (( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس إن ربّكم لرؤوف رحيم * والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة )) فقالوا: إن الله قسّم هذه الحيوانات إلى قسمين: قسم لنا فيه دفء ومنافع وحمل أثقال وأكل، وقسم آخر الخيل والبغال والحمير لشيئين فقط هما الركوب والزّينة، فدلّ ذلك على تحريمها، ولكنّ هذا الاستدلال بعيد من وجهين: الوجه الأول أنه مخالف للنّصوص الدّالّة على إيش؟
الطالب : التحريم.
الشيخ : على التحريم.
الطالب : لا لا الدّالّة على الحلّ.
الشيخ : مخالف للنّصوص الدّالّة على التحريم، نتكلّم عن أيّها؟
الطالب : الخيل.
الشيخ : الخيل، فهو مخالف للنّصوص الدّالّة على الحلّ، ثانيًا: أن الآية في سورة النّحل مكّيّة، والحِلّ في لحوم الخيل في المدينة فعلى فرض أنّ الآية تدلّ على ذلك فإنه نسخ التحريم، ثالثًا: أن الذين يستدلّون بذلك أي بالآية على تحريم لحوم الخيل إنما استدلالهم مبني على دلالة الاقتران وهي ضعيفة، لأن الشّيئين قد يشتركان في أمر ويختلفان في أمر آخر أو أمور، فليست دلالة الاقتران ملزمة لكون القرين مساويًا لقرينه في كلّ شيء، رابعًا: أنهم لا يقولون بمقتضى الآية لأننا لو قلنا بأنّ الله قسّم الحيوانات إلى قسمين ما يحمل الأثقال وما يركب وما يؤكل قلنا إذن لا تحملوا الأثقال على البغال ولا على الحمير، لأن الله تعالى لم يذكر من منافعها إلاّ الرّكوب والزّينة، وعلى هذا فالآية لا دلالة فيها وعلى أعلى تقدير أنها تدلّ على تحريم الخيل فإننا نقول إنه ما جاء في حِلّ الخيل متأخّر ويكون ناسخًا لما تقتضيه الآية من التحريم.
طيب وقوله في لحوم الخيل يشمل جميع أجزائه، وما اشتهر عن العوام أن مقدّمها حرام لأنه يتّقى به سهام المشركين في القتال فيكون محرّمًا لاحترامه بخلاف عجزها ومؤخّرها فإنه لا يكون إلاّ عند الإدبار فلا حرمة له، فهذا حكم باطل وتعليل عليل، وليس في الشّريعة الإسلاميّة ما تختلف أجزاؤه أبدًا حِلاًّ وحرمة، نجاسة وطهارة، إيجابًا ومنعًا أبدًا، الشريعة الإسلامية لا يمكن يوجد فيها هذا أبدًا، وانتبهوا لهذه القاعدة المفيدة، في غير الشّريعة الإسلامية حرّم الله على الذين هادوا كلّ ذي ظفر ومن البقر والغنم حرّم عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، لكن الشّريعة الإسلامية لا يمكن يوجد فيها حيوان واحد تختلف أجزاؤه في الحكم أبدًا، وعلى هذه القاعدة يتبيّن أن القول الراجح في لحم الإبل أنّ جميع أجزاء البعير تنقض الوضوء، خلافًا لمن قال أن الكبد والكرش والمصران والرّئة وما أشبه ذلك لا ينقض الوضوء، نقول كلّها تنقض الوضوء إذن حكم العوام؟
الطالب : باطل.
الشيخ : نعم باطل، نعم سليم؟
الطالب : يا شيخ ...
الشيخ : إيش؟