وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد ) رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان. حفظ
الشيخ : طيب، وعن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد ) نهى عن قتل أربع، والنهي عن قتل أربع لا يعني أنّ النّهي مقصور عليها، بل قد يكون هناك أشياء منهيّ عنها كما يوجد هذا في كثير من السّنّة مثل: ( سبعة يظلّهم الله في ظلّه ) وقد وردت أحاديث صحيحة أنّ الله يظلّ غيرهم ( ثلاثة لا يكلّمهم الله ) وقد ورد غيرهم، الحاصل أن مثل هذا الحصر يأتي به النّبيّ صلى الله عليه وسلّم لمناسبة المقام ولا يعني ذلك أنّ الحصر ينفي ما سواه، ولذلك قال الأصوليون في أصول الفقه: " إن أضعف المفاهيم مفهوم العدد " حتى إنّ بعضهم قال إنه لا مفهوم للعدد إطلاقًا، فإذا قال مثلًا: ( ثلاث من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا ) أو ( أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا ) لا نقول إنّ هذا حصر قد يكون هناك أشياء أخرى من النّفاق إلاّ إذا وجد قرينة تدلّ على الحصر فإن العدد يكون دالاّ على الحصر، مثاله حديث البراء بن عازب: ( أنّ النبّيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل ماذا يتّقى من الضّحايا؟ قال أربع -وأشار بأصابعه- ) فهذا يدلّ على الحصر لأنّ السّؤال يقتضي ذلك والجواب مركّب على السؤال، أما إذا جاء عدد من دون قرينة تدلّ على الحصر فإنه لا يستلزم الحصر، طيب ( نهى عن قتل أربع من الدّواب ) والنّهي هنا هل هو للكراهة أو للتحريم؟
الطالب : على الأصل.
الشيخ : الأصل؟
الطالب : للتحريم.
الشيخ : الأصل للتحريم وقال بعض العلماء إنه للكراهة، لكن ما جوابنا يوم القيامة إذا قتلنا هذه الأربع من الدّوابّ وقد وردنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم أنه نهى عن ذلك نقول إنه للكراهة؟ إذن نقول ينهى عن هذا نهي تحريم، وما هو النهي؟ النهي في تعريفه عند البلاغيين والأصوليين هو: طلب الكفّ على وجه الاستعلاء، طلب الكفّ على وجه الاستعلاء، أي: أنّ الطالب يشعر بأنّه عالٍ على المطلوب، لأنه لو نهى وهو يعتقد أنه دون المطلوب لكان هذا من باب الدّعاء، ولو نهى وهو يعتقد أنه مثله لكان هذا من باب الالتماس، لكن لا بدّ أن يشعر الناهي بأنه أعلى حتى يتوجّه الأمر بالكف.
طيب يقول: ( نهى عن قتل أربع من الدّواب: النّملة ) معروفة؟ نعم النّملة معروفة، وظاهر الحديث أنه يشمل الصّغار منها والكبار، فالذرّ من النّمل وما هو أكبر هو أيضًا من النّمل نهي عن قتلها احترامًا لها وإلاّ استقباحًا لها؟
الطالب : احترامًا.
الشيخ : نعم؟
الطالب : احترامًا.
الشيخ : الأوّل احتراما لها، وذلك جزاء لما قامت به حين مرّ سليمان بقرية النّمل (( قالت نملة يا أيها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون )) تضمّنت هذه الجملة إرشادًا وتوجيهًا وتعليلًا للحكم واعتذارًا ممّا يقع نعم وهي نملة، كلام بليغ أولًا: (( يا أيها النّمل )) دعتهم بنداء حتى ينتبهوا لما تقول (( ادخلوا مساكنكم )) هذا إرشاد وتوجيه أن يدخلوا الملاجئ لأن الإنسان عندما تقوم الحرب لا بدّ أن يدخل إلى الملاجئ لم يكن عنده ما يقاوم، العلّة (( لا يحطمنّكم سليمان وجنوده )) معلوم إذا مرت الخيول والإبل على النّمل ستحطمهم، ثم قالت لا يحطمنكم وما قالت لا يطأنّكم ليكون هذا أبلغ في التنفير حطم ما فيه (( وهم لا يشعرون )) هذا؟
الطالب : اعتذار.
الشيخ : اعتذار (( وهم لا يشعرون )) هذه النملة صارت بركة على النّمل أكرم النّمل من أجلها فنهي عن قتلها، فلا تقتل النملة لا في حرم ولا في حلّ ولا في إحرام ولا في إحلال.
الثاني: النحلة، النّحلة نهي عن قتلها لأنّ قتلها إضاعة مال وحرمان خير كثير، إذ أنّ النّحل يكون منها العسل الذي فيه شفاء للناس، فإذا قتلت واحدة ثمّ الثانية ثمّ الثالثة وهكذا فإن ذلك سبب لضياع ما ينتج منها من العسل المبارك.
الهدهد: الهدهد معروف؟
الطالب : لا.
الشيخ : هو طائر معروف، طائر معروف، نعم هذا الهدهد أيضًا نهي عن قتله احترامًا له وذلك في قصّته مع من؟ مع سليمان، مع سليمان فإن سليمان حشر له جنوده من الجنّ والإنس والطّير، فتفقّد الطير لأنه عليه الصّلاة والسّلام كان ملكًا وكان منظّمًا لملكه، تفقّد الطّير فقد الهدهد ومع ذلك لم يحكم عليه بأنه غائب قال: (( ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين )) يعني: بل أكان من الغائبين وهذا واقع أنت إذا تفقّدت جنودك أو أولادك ولم تقع عينك على أحد منهم لا تحكم بأنه غائب ربما أنك بصرك صرف عنه، ثمّ توعّده قال: (( لأعذبّنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنّه )) إعدام بالكلّيّة (( أو ليأتينّي بسلطان مبين )) يعني: إمّا عذاب وهذا العذاب حدّ وإلاّ تعزير؟
الطالب : تعزير.
الشيخ : تعزير، أو لأذبحنّه إعدام، (( أو ليأتينّي بسلطان مبين )) يعني بحجّة قويّة تكون عذرًا له (( فمكث غير بعيد )) فقال الهدهد حين جاء بخبر لا يحيط به سليمان قال كلمة الإنسان الواثق، كلمة الطّير الواثق من نفسه قال له: (( أحطت بما لم تحط به )) يعني: أتعجّب كيف يقول الهدهد لسليمان هذا الكلام (( أحطت بما لم تحط به )) فجعل نفسه في هذه القضيّة أعلى من سليمان قال: (( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبإ يقين )) ما فيه شكّ (( إنّي وجدت امرأة تملكهم )) إلى آخر القصّة، فمن أجل أنه كان سببًا في إسلام أمّة كان بركة على جنسه من الطّيور وهو الهدهد، فقد نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتله.
بقي لنا الرابع وهو الصّرد، الصّرد معروف؟
الطالب : نوع من الطير.
الشيخ : طائر معروف، ويمكن أن ترجعوا إلى المنجد المصوّر حتى تعرفوه بصورته، وهو طائر أكبر من العصفور قليلًا له منقار أحمر، لكن الناس أهل الطّيور اختلفوا عندي في ما هو؟ ولكن نرجع إلى كتب اللغة هذا الأخير المجهول الحال هو مجهول العلّة أيضًا لا ندري ما السّبب، وليس لنا إلاّ أن نقول نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتله وكفى، هذه أربع من الدّواب نهى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قتلها، والنّهي عن قتلها يتضمّن النّهي عن أكلها لأنها لم تؤكل إلاّ بعد أن تذبح أو تقتل، فيكون النّهي عن القتل مستلزمًا النّهي عن الأكل والنّتيجة أنها تكون حرامًا، النّتيجة أنها تكون حرامًا ولهذا يمكن أن نكوّن قاعدة فنقول: " كلّ ما أمر الشّرع بقتله فهو حرام، وكلّ ما نهى عن قتله فهو حرام ".
الطالب : ...
الشيخ : نعم؟ وكأن بعضكم يشرئب نعم؟
الطالب : ما وجه ذلك؟
الشيخ : ووجه ذلك أنه أمر بقتل الفواسق مثل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور أمر بقتلها لفسقها، وإذا كانت فاسقة فإنه ربّما يتأثّر المتغذّي بها ويأخذ من فسقها وعدوانها، أما المنهي عن قتلها فظاهر أنه حرام لأنه لا يمكن أكله إلاّ بقتله فلهذا نأخذ قاعدتين الأولى: كلّ ما أمر الشّارع بقتله من الحيوان فهو حرام، وكلّ ما نهى عن قتله فهو حرام، طيب وحينئذ أيضًا نرجع إلى مسألة جواز قتل الحيوانات، هل يجوز أن نقتل الحيوانات كلّها أو لا؟ نقول أما من كان مباحًا إيش؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : فقتله حلال أو حرام؟ انتبهوا للعبارة ما كان حلالًا فقتله حلال أو حرام؟
الطالب : حلال.
الشيخ : سبحانك اللهم وبحمدك!
الطالب : حرام يا شيخ.
الشيخ : ههه، قتله حرام بارك الله فيكم لأننا نقول قتله ولا نقول تذكيته، يعني: لو تأتي الآن إلى شاة وتقتلها تخنقها حتى تموت هذا قتل، حرام وإلاّ غير حرام؟
الطالب : حرام.
الشيخ : طيب ما أحلّه الله فأجزاؤه مثلًا حلال، أو قتله بمعنى تذكيته حلال وما أمر بقتله مما هو حرام، ما أمر بقتله من المحرّمات فقتله؟
الطالب : ...
الشيخ : ما أمر بقتله من المحرّمات؟
الطالب : حلال حلال.
الشيخ : فقتله؟ مشروع كلّه مشروع إما وجوبًا أو استحبابًا وما نهى عن قتله من المحرّمات فقتله حرام أو مكروه على حسب اختلاف العلماء في هذا، وما سكت عنه؟
الطالب : ...
الشيخ : ما هو الأصل؟
الطالب : الحلّ.
الشيخ : الحلّ معناه يجوز أن كلّ الصّوارير الي عندك في البيت اقتلها وكلّ الذّبّان اقتلها، نعم؟
الطالب : الضرر يا شيخ.
الشيخ : لا، دعنا من الضّرر، الضّرر والمؤذي هذا ما فيه شكّ يقتل مأمور به، لكن إذا كان ما فيه ضرر لا يخوّف الصّبيان ولا يوقظ النُّوَّم ولا يتلف الطّعام، نعم ولا يفسد البيت فقال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز قتله وإن كان ممّا سكت عنه، لأن الله تعالى يقول: (( وما من دابّة في الأرض إلاّ على الله رزقها )) ويقول: (( وإن من شيء إلاّ يسبّح بحمده )) وأنت الآن قطعت رزقها وقطعت تسبيحها لله عزّ وجلّ فلا يحلّ لك، وقال بعض أهل العلم: بل يكره ولا يحرم، لأن الإنسان إذا قتل هذه الدّواب أو هذه الحشرات تعوّدت نفسه على انتهاك ذوات الأرواح وصار فيه شيء من العدوان وهذا أقرب الأحوال أن يكون مكروهًا، وقول ثالث: أنه حلال لأنه مما سكت عنه وقد قال الله تعالى: (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا )) وأقرب الأقوال عندي أنه مكروه إلاّ لسبب إذا كان هناك سبب فلا بأس، طيب بقينا فيما نهي عن قتله إذا آذوا، فكانت النّملة تحفر الرّمل الذي تحت البلاط ويبقى البلاط في الهواء ويخرب هل تقتل؟
الطالب : نعم.
الشيخ : تقتل؟ نعم.
الطالب : دفعًا للأذى.
الشيخ : إيه طيب، لكن إن اندفعت بغير القتل فافعل، وإن لم تندفع إلاّ بالقتل فاقتلها، لأنه إذا كان المؤذي من بني آدم لا يندفع إلاّ بالقتل يجوز قتله فالنّمل من باب أولى، لكن قد تندفع بغير ذلك يعني بغير مبيد، فمن ذلك أن بعض الناس يحفظ قراءة للنمل، يجلس على كرسي بين النّمل الكثير ثمّ يقرأ آيات فإذا بها ترحل ما تبقى، فإذا وجد هذا الرّجل قلنا تعال جزاك الله خيرًا نعم عندنا نمل آذانا، ووجدنا أيضًا مما يخفف من ضررها أو يصرفها أن تصبّ على جحرها قاز، القاز معروف وإلاّ غير معروف؟
الطالب : معروف.
الشيخ : أي نعم.
الطالب : تموت.
الشيخ : لا ما تموت، يمكن الذي يصيبها القاز تموت، لكن إذا كان لا يصيبها ترحل وهذا شيء جرّبناه، على كلّ حال هي إذا آذت فلك قتلها إذا لم تندفع إلاّ بالقتل لأنّ كلّ مؤذٍ يجوز قتله.
الطالب : ...
الشيخ : نعم؟ على العموم، على العموم لأنك ما يمكن تعرف، وقد ذكر شيخ الإسلام قصّة أظنّ أنّي قد ذكرتها لكم، نعم؟
الطالب : ...
الشيخ : يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه " مفتاح دار السّعادة ": إنه حكى لشيخه ابن تيمية رحمه الله قصّة رجل وجد ذرّة فوضع أمامها طعمًا لحمًا أو غيره طعمًا، فجاءت هذه الذّرّة تجرّه فعجزت فذهبت إلى صاحبتها في البيت فدعتهم هلمّوا إلى الطعام، فلما أقبل القوم، -ولا بأس أن نقول القوم- لما أقبل القوم نزع هذا الطّعم بحثوا لم يجدوا شيئا والنّملة التي ندبتهم لما انصرف قومها بقيت لعلّها تجد شيئًا، فوضع الطّعم مرّة ثانية فجاءت إليه وتيقّنت أنه موجود ولكن عجزت أن تحمله فذهبت إلى قومها ودعتهم هلمّوا إلى الطّعام جاؤوا، فلما أقبل القوم نزعه وجعلوا يطلبونه ما وجدوه فبقيت هي أيضًا تطلب وتبحث فوضع الطّعم فلمّا وضعته وتيقّنت ذهبت إلى قومها ودعتهم المرّة الثالثة، فلمّا أقبلوا نزعه فلما جاؤوا لم يجدوه يقول اجتمع النّمل عليها فأكلوها قتلوها، وهذا سبحان الله العظيم كيف لم يقتلوها لأوّل مرّة وإنما قتلوها بعد الثالثة كأن الحيوان مفطور على أن التكرار ثلاثًا يغني عما زاد عنه ولا ينقص عن التّكرار، وثانيًا: قال شيخ الإسلام: " هذا صحيح لأنّ كلّ شيء مفطور على كراهة الكذب وعقوبة الظّالم " لأنّ هذه كذبت عليهم باعتبار ما ظنوا وإلاّ فالمسكينة هي كانت تجد الطّعم، النّهاية على كلّ حال نقول إنّ النّمل منهي عن قتله، ولكن إذا لم يندفع أذاه إلاّ بقتله فلا بأس، طيب وكذلك البقيّة النحلة والهدهد والصّرد، ثمّ قال، نعم؟
السائل : ... لأمرت بقتلها...
الشيخ : نعم.
السائل : لا يدلّ على ...