وعن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أستسلف من رجل بكراً فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة ، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ، فقال : لا أجد إلا خياراً رباعياً ، فقال : ( أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاءً ) . رواه مسلم . حفظ
الشيخ : ثم قال : " وعن أبي رافع : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرًا ) " :
استسلف: أي: اقترض، لأن السلف يُطلق على السَّلَم، ويطلق على القرض، لأن في كل منهما تقديماً، ففي السَّلَم تقديم الثمن وتأخير المثمن، وفي القرض تقديم المقترَض وتأخير الوفاء.
وقوله: بَكرًا : البكر هو الصغير من الإبل .
" ( فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة -يعني: الزكاة- فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره ) ": يقضيه بكره أي: يوفيه، وقوله: بكره أي: عِوض بكره، لا البكر الذي استسلف، لأن البكر الذي استسلف مضى على سبيله، ويحتمل أن يقال: بكره أي: بكراً مماثلا لبكره، وعلى هذا فيكون فيه استعارة، وهي استعارة المقضي الذي حصل به القضاء للمقضي الأول الذي ثبت به القضاء، أفهمتم الآن ؟!
طيب الفرق إذا قلنا أن المراد بالبكر هنا البكر نفسه الأول، إذا قلنا أن المراد بالكبر هنا البكر الأول الذي استُسلف ، صار لابد من تقدير ما هو؟
عوض بكره، لأن بكره الأول راح .
وإذا قلنا: إن المراد بالبكر هنا البكر المدفوع قضاء ، صار إطلاق البكر عليه من باب الاستعارة ، لأنه يكون شبيهاً للأول، كأنه قال: اردد عليه بكرا مثل بكره.
فقال: ( لا أجد إلا خيارا رباعيا ) : لا أجد إلا خياراً رباعياً : الخيار : الجيد الذي يختاره الإنسان على غيره، والرباعي: ما بلغ سبع سنين، هذا بالنسبة للإبل، وبالنسبة للبقر ما بلغ خمس سنين، وبالنسبة للغنم ما بلغ أربع سنين، فالرباعي يختلف، إن أضيف إلى الغنم فله أربع سنوات، إن أضيف إلى البقر خمس سنوات، وإن أضيف إلى الإبل فسبع سنوات.
طيب : ( خياراً رباعياً ، فقال له: أعطه إياه ) : يعني: أعطه هذا الخيار الرَّباعي بدلا عن البكر .
( فإن خيار الناس أحسنهم قضاء ) : فإن خيار الناس أحسنهم قضاء ، خيارهم، أي: في الوفاء وقضاء الدين أحسنهم قضاءً ، وليس المراد: الخيار المطلق، بل المراد: خيار الناس في قضاء ما عليه من الدين ( أحسنهم قضاءً ) .
هذا الحديث كما تشاهدون أن الرسول عليه الصلاة والسلام احتاج إلى إبل فاستسلف بكراً من رجل بواسطة أبي رافع رضي الله عنه ، فلما قدمت إبل الصدقة قضاه النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه لم يجد مثل بكره بل وجد خيراً منه فأمرَ النبي صلى الله عليه وسلم بقضائه ، وقال : ( خيار الناس أحسنهم قضاءً ) .