عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أعطيت خمسا ، لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل ). وذكر الحديث . وفي حديث حذيفة رضي الله عنه ، عند مسلم :( وجعلت تربتها لنا طهوراً ، إذا لم نجد الماء ). وعن علي عند أحمد : ( وجعل التراب لي طهوراً ) . حفظ
الشيخ : حيث قال المؤلف -رحمه الله- فيما ساقه: " عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ) " :
( أعطيت ) والمعطي هو الله، فضل الله يؤتيه من يشاء ، ولهذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقسم الغنائم: ( إنّما أنا قاسم والله معطي ) : فالذي أعطاه هو الله عزّ وجلّ تفضّلا منه وكرما.
وقوله: ( خمسا ) هذا لا يفيد الحصر بل إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يأتي بمثل هذا العدد في بعض الأحيان مع وجود ما يماثله ولكنه يريد تقريب الشّيء، ولهذا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خصائص غير هذه، ولهذه الأمّة خصائص غير هذا، وهذا مثل قوله: ( ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم ) ففيه آخرون، ومثل قوله: ( سبعة يظلّهم الله في ظلّه ) وفيه آخرون ( لم يعطهنّ أحد ) ممّن؟
الطالب : من الأنبياء.
الشيخ : من الأنبياء وغيرهم ( قبلي ) ولماذا لم يقل ولا بعدي؟
الطالب : لا نبي بعده.
الشيخ : نعم لأنّه ليس بعده أحد، ليس بعده رسول عليه الصّلاة والسّلام الأوّل قال: ( نصرت بالرّعب مسيرة شهر ) : نصرتُ والنّاصر هو الله عزّ وجلّ كما قال الله تعالى: (( ولينصرنّ الله من ينصره ))، وقال تعالى: (( نعم المولى ونعم النّصير )) .
وقوله: ( بالرّعب ) أي: بالخوف الذي يلقيه الله تبارك وتعالى في قلوب الأعداء، كما قال تعالى في بني النّضير: (( وقذف في قلوبهم الرّعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين )).
ولا شكّ أنّ الرّعب في العدوّ أقوى سلاح يفتك به، لأنّ من في قلبه الرّعب لا يمكن أن يثبت قدمه لا بدّ أن يهرب، ولا يمكن أن يستقرّ، فالرّعب من أعظم بل إن لم أقل: أعظم سلاح يفتك بالعدوّ.
وقوله: ( مسيرة شهر ) يحمل هذا على ما كان معروفا في عهد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وهو سير الإبل المحمّلة، وليس في كلّ زمان ومكان، لأنّنا لو قلنا بهذا لكان في زماننا الآن مسيرة شهر يبلغ إيش؟
كلّ المعمورة ، مشارق الأرض ومغاربها ، لكن المراد ما كان معروفا في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
والثاني يقول: ( وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) هذا الشاهد، جعلت لي الأرض، الأرض هنا : " أل " فيها للعموم ، أي : كلّ الأرض.
( مسجدا ) أي: محلاّ للصّلاة وأصله محلّ السّجود لكنّ السّجود يطلق على الصّلاة فيكون معنى: مسجدا أي: مكانا للصّلاة أيّ مكان.
( وطَهورا ): الطّهور بالفتح ما يتطهّر به، فوصف الله الأرض بأنّها طهور وأطلق، ولم يقل: الأرض ذات التّراب ولا ذات الأحجار أطلق، وقال طهورا كما قال: (( وأنزل من السّماء ماء طهورا )) يتطهّر به، فالأرض طهور كما أنّ الماء طهور.
( فأيّما رجل أدركته الصّلاة فليصلّ ): أيّما رجل أدركته: هذه جملة شرطيّة مكوّنة من فعل الشّرط وهي أدركته الصّلاة ، وجوابه وهو قوله : فيصلّ، لأنه لا عذر له.
وإدراك الصّلاة يكون بدخول وقتها، فليصلّ في أيّ مكان، لأنّه إن قال: أريد أن أؤخّر لأجل أن أتوضّأ بالماء، قلنا له إيش؟
الأرض طهور.
وإذا قال: أؤخّر الصّلاة لأجد مكانا أطمئنّ إليه أكثر؟
قلنا: الأرض مسجد لا عذر لك، عندك طهورك وعندك مصلاّك، فلا عذر لك.
قال: " وذكر الحديث " وينبغي أن نذكره لما فيه من الفائدة:
( وأحلّت لي الغنائم -هذه الثّالثة- ولم تحلّ لأحد قبلي ) : الغنائم : ما يأخذه المسلمون من أعدائهم بقتال وما ألحق به، هذه الغنيمة، ما يأخذه المسلمون من أعدائهم الكفّار الحربيّين بقتال وما ألحق به.
وكانت فيما سبق تجمع وينزل الله عليها نارا من السّماء فتأكلها، ولهذا احتجّ المكذّبون للرّسول عليه الصّلاة والسّلام بقولهم: (( ليأتينا بقربان تأكله النّار )) ، فكانوا فيما سبق يجمعون الغنائم فينزل الله عليها النّار فتأكلها، وإذا حدث أنّ أحدًا غلّ من الغنيمة يعني أخذ منها لم تنزل النّار فيبحث من الغالّ؟ من الغالّ؟ حتى إذا أدرك وألقي الغلول في الغنيمة نزلت النّار فأكلتها، وهذه من آيات الله عزّ وجلّ.
والرّابعة: ( وأعطيتُ الشّفاعة ) والشّفاعة هنا المراد بها الشّفاعة العظمى التي لا ينالها إلاّ محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وهي التي تكون حين يصيب النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون في الموقف، لأنّ الموقف مقداره خمسون ألف سنة بأهواله العظيمة التي تجعل الولدان شيباً.
فيلحق النّاس همّ وكرب لا يطيقونه، فيلهمهم الله عزّ وجلّ أن يذهبوا إلى آدم أبو البشر، خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته، وعلّمه أسماء كلّ شيء، وجعل في ذريّته النّبوّة والكتاب، ولكنّه يعتذر، ثمّ يلهمهم الله إلى أن يذهبوا إلى نوح أوّل رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، وأثنى الله عليه في قوله: (( إنّه كان عبدًا شكورًا )) ولكنّه يعتذر، ثمّ يأتون إلى إبراهيم بالتّرتيب الزّمني فيعتذر، فيأتون إلى موسى فيعتذر، فيأتون إلى عيسى كلّ ذلك بإلهام الله عزّ وجلّ فلا يعتذر، لكنّه يتخلّى عنها لوجود من هو أحقّ بها وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذه من حكمة الله عزّ وجلّ أنّ الله ألهمهم أن يذهبوا إلى هؤلاء السّادة فيعتذرون بما يعتذرون به، والخامس منهم لا يعتذر بشيء، ولكنّه يحيل المسألة إلى من هو أولى بها وهو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيأتون إليه فيشفع لهم عند الله، ويأتي الله تعالى للفصل بين عباده، هذه الشّفاعة كما رأيتم أو كما سمعتم لم ينلها أحدٌ من النّاس، أشرف البشر ما نالوها، فادّخرها الله عزّ وجلّ لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لا أحد يحجر على الله لأنّ له الحكم يفعل ما يشاء، إذاً ( أعطيت الشّفاعة ) ما هي؟
الطالب : الشّفاعة العظمى.
الشيخ : الشّفاعة العظمى التي يعتذر عنها سادات البشر، وينالها محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
الخامسة: ( وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى النّاس عامّة ) : كان النّبي: المراد بالنّبيّ هنا الجنس ، يعني : النّبيّ من الأنبياء يبعث إلى قومه وذلك حين تتعدّد الأقوام، وإنّما قيّدت ذلك لئلاّ يرد علينا رسالة نوح، لأنّ نوحًا رسالته إلى أهل الأرض، لكن في ذلك الوقت ما كان هناك أمم متفرّقون، وأقوام لكلّ قوم نبيّ، بل النّاس واحد فبعث إليهم نوح وقصّته معروفة.
( وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى النّاس عامّة ) ويأتي إن شاء الله بقيّة الكلام على الحديث.
بقية الحديث إن شاء الله نتكلّم عليه في الدّرس القادم لأنّه يحتاج إلى بحث طويل.