تفسير قوله تعالى : (وبنينا فوقكم سبعا شداداً ) إلى قوله (وجنات ألفافاً ) من سورة النبأ . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن هذه هي الجلسة الثانية من هذا الشهر شهر صفر عام 1413 الموافق أو الكائن في يوم الخميس وأخبر الإخوة أننا سنتوقف عن الجلسة لمدة أسبوعين نظرا للسفر إلى الحجاز إن شاء الله تعالى .
وقد رأينا أن نبدأ بتفسير جزء عم وأخذنا أول سورة عمّ في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : (( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً )) ثم قال تعالى : (( وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً )) وهي السماوات السبع وصفها الله تعالى بالشداد لأنها قوية كما قال تعالى : (( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )) أي : بنيناها بقوة .
(( وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً )) : يعني بذلك الشمس فهي سراج مضيء وهي أيضا ذات حرارة عظيمة وهاجة أي : وقادة وحرارتها كما تشاهدون في أيام الصيف حرارة شديدة مع بعدها الساحق عن الأرض فما ظنك بما يقرب منها .
ثم إنها تكون في أيام الحر في شدة حرها من فيح جهنم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( اشتكت النار إلى الله فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون منها الزمهرير ) من البرد من الزمهرير زمهرير جهنم نعوذ بالله منها ، ( وأشد ما تكون ما يكون من الحر من فيح جهنم ) .
ومع ذلك فإن فيها مصلحة عظيمة للخلق فهي توفر على الخلق أموالًا عظيمة في وقت النهار حيث يستغني الناس بها عن إيقاد الأنوار وكذلك الطاقة التي تستخرج منها تكون فيها فوائد كثيرة وكذلك إنضاج الثمار وغير هذا من الفوائد العديدة من هذه السراج التي جعلها الله عز وجل لعباده .
ولما ذكر السراج الوهاج الذي به الحرارة واليبوسة ذكر ما يقابل ذلك فقال : (( وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً )) والماء فيه الرطوبة وفيه البرودة وهذا الماء أيضًا تنبت به الأرض وتحيا به الأرض فإذا انضاف إلى هذا ماء السماء وحرارة الشمس حصل في هذا إنضاج للثمار ونمو لها على أكمل ما يكون .
(( وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ )) : يعني من السحاب ووصفها الله بأنها معصرات كأنما تعصر هذا الماء عند نزوله عصرا كما يعصر اللبن من الضرع وقوله : (( مَاءً ثَجَّاجاً )) أي : كثير التدفق واسعًا .
(( لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً )) لنخرج بهذا الماء الذي ينزل من السماء إلى الأرض فتنبت الأرض ليخرج الله به الحب من جميع أصنافه وأنواعه من البر والشعير والذرة وغيرها (( ونباتا )) والنبات من الثمار كالتين والعنب وما أشبه هذا .
(( وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً )) أي : بساتين ملتفًا بعضها إلى بعض لكثرتها وحسنها وبهائها .
ولما ذكر الله ما أنعم به على العباد ذكر حال اليوم الآخر وأنه ميقات يجمع الله فيه الأولين والآخرين وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه في جلسة أخرى نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يجعل عملنا خالصا لله موافقا لمرضاته ونبدأ الآن بالأسئلة ولكل واحد من الإخوة سؤال يسأل به .