تفسير قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتمم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ...) الآية. حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فإننا نفتتح هذا اليوم جلساتنا بعد أن توقفنا مدة وهو الأسبوع الثالث من شهر ربيع الثاني عام 1413 هذه الجلسات المقررة في كل يوم خميس من الساعة العاشرة إلى ما قبل أذان الظهر بعشر دقائق نسأل الله تعالى أن يجعلها جلسات نافعة .
السائل : آمين .
الشيخ : لنا ولإخواننا إنه على كل شيء قدير هذه الجلسة نتكلم فيها على قول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) إلى آخر الآية ففي هذه الآية يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا أيديهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق ويمسحوا برؤوسهم ويغسلوا أرجلهم إلى الكعبين .
واعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا صدر الآية بقوله : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) فإنه إما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه كما قال ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إذا قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) فأرعها سمعك فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه ) .
وهذه الآية التي نتكلم عنها الآن هي خير يأمرنا الله به ، إذا قمنا إلى الصلاة أي : عزمتم على القيام إليها فافعلوا ما ذكر وإنما أمر الناس أن يتطهروا هذا التطهر لأنهم يقفون بين يدي الله عز وجل في صلاتهم يناجون الله بكلامه وتسبيحه وتعظيمه ودعائه .
فالصلاة روضة من رياض العبادات فلهذا أمر الله بالطهارة عند فعلها فقوله عز وجل : (( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )) .
قد يقول قائل : أين غسل الكفين الذي يكون قبل غسل الوجه ؟ والجواب أن نقول : إن غسل الكفين ليس شرطًا لصحة الوضوء ، بل هو سنة من سنن الوضوء إن قام به الإنسان أثيب عليها وإن لم يقم به فلا حرج عليه في ذلك .
وأول فروض الوضوء غسل الوجه والوجه قال العلماء : إن حده عرضًا من الأذن إلى الأذن وإن حده طولًا من منحنى الجبهة من الأعلى إلى أسفل اللحية حتى ما نزل من اللحية يعتبر من الوجه لأنه مأخوذ من المواجهة والإنسان يواجه غيره بكل هذا الجزء من بدنه .
ويدخل في غسل الوجه المضمضة والاستنشاق وذلك لأن الأنف والفم عضوان في الوجه فيكون غسلهما فيكون المضمضة والاستنشاق داخلا في الأمر بغسل الوجه لأن الأنف والفم عضوان من الوجه وعليه فيبدأ أولا بالمضمضة ثم الاستنشاق ثم يغسل جميع الوجه .
قوله عز وجل : (( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )) : المرافق هي المفاصل بين العضد والذراع وسميت مرافق لأن الإنسان يرتفق بها عند الاتكاء عليها في حال الجلوس وفي حال الاضطجاع فهي مرفق يرتفق به الإنسان .
والمرافق داخلة في الغسل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغسلها فهي داخلة ويجب أن نعلم أن اليد تشمل من أطراف الأصابع إلى المرفق لأن الله قال : (( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )) فلا بد أن يغسل من أطراف الأصابع إلى المرفق وكثير من الناس ربما يغسل الذراع فقط دون أن يغسل الكف إما جهلًا منه أو ظنا أن غسل الكف قبل غسل الوجه كافٍ في ذلك ولكن يجب أن ننتبه لأنه لا بد من أن نغسل جميع اليد التي أمر الله بغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفق .
ثم قال تعالى : (( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ )) : ففصل الرأس عما قبله لأن طهارته بالمسح وليست بالغسل (( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ )) والحكمة من كونه مسحًا مشقة غسله لاسيما في أيام الشتاء ، وفيما إذا كان له شعر كثير فإنه يشق عليه وربما يضره فلهذا خفف تطهير الرأس فكان بالمسح .
وفيه تخفيف آخر وهو أنه لا يكرر مسحه بخلاف بقية الأعضاء فإن الأفضل أن تكرر ثلاث مرات أما الرأس فلا يكرر .
وفيه تخفيف ثالث وهو أنه يجوز أن يمسح على العمامة إذا كان على رأسه عمامة فما دامت على رأسه فله أن يمسح سواء لبسها على طهارة أم لم يلبسها على طهارة وسواء مسحها في خلال يوم وليلة أو أكثر من ذلك لأنه لا ، لا تحديد له ولا يشترط أن تلبس على طهارة لأن ظاهر السنة عدم ذلك ففي تطهير الرأس ثلاث تخفيفات :
الأول إيش ؟ أنه مسح لا غسل والثاني : أنه يمسح مرة واحدة ولا يكرر والثالث : أنه يصح أن يمسح على العمامة ما دامت على رأسه كما جاءت به السنة ولم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه وقت للعمامة كما وقت للخفين الخفين على الرجل لهما يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر .
ولم يثبت أيضا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه علل مسحها بأن لبسها على طهارة فالمغيرة بن شعبة روى أنه مسح على العمامة وأنه مسح على الخف الخف قال : ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) ، والعمامة لم يذكر فيها ذلك فدل هذا على أنه لا يشترط في لبس العمامة أن يلبسها على طهارة ولا يشترط لها مدة معينة وقياسها على الجورب قياس مع الفارق لأن الجورب ملبوس على عضو يغسل وأما العمامة فهي ملبوس على عضو يمسح طهارته مخففة من الأصل .
ثم قال تعالى : (( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) (( أرجلكم )) فيها قراءتان سبعيتان (( أرجلَكم )) بالنصب و(( أرجلِكم )) بالجر :
فأما على قراءة النصب (( أرجلَكم )) فإنها معطوفة على الوجه يعني اغسلوا وجوهكم ثم عطف عليه وقال : (( وأرجلَكم )) أي : واغسلوا أرجلكم وأما على قراءة الجر و(( أرجلِكم )) فهي معطوفة على (( رءوسكم )) أي : امسحوا بأرجلكم .
فإذا قيل : كيف يمكن أن نوجه هاتين القراءتين أنه أن الرّجل تُمسَح أو أنها تُغسَل ؟ فالجواب أن يقال : إن السنة بينت متى تمسح ومتى تغسل فإذا لبس الجوارب أو الخفين فإن فرضها المسح وإذا كانت مكشوفة فإن فرضها الغسل فتكون القراءتان منزلتين على حالين للرّجِل في حال الكشف يجب الغسل وفي حال اللبس يكفي المسح .
وبهذا نكون عملنا بالآية الكريمة على الوجهين في القراءة فإن قلت : هل يجوز أن نقرأ بالقراءتين فنقول : (( وأرجلِكم )) (( وأرجلَكم )) ؟ الجواب : أما في حال واحدة فلا وأما أن تقرأ هذه أحيانًا وهذه أحيانًا فنعم الأفضل لمن كان يعرف قراءتين في الآية أن يقرأ بهذه القراءة أحيانا وبالقراءة الأخرى أحيانا وذلك لوجهين : الوجه الأول : أن ذلك أتبع للسنة لأن القراءتين كلتاهما قد وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
والثاني : لئلا ينسى وجهًا ثبتت به الآية الكريمة لأنه إذا لم يتابع ويقرأ بالقراءة هذه أحيانًا وهذه أحيانًا نسي القراءة التي كان لا يقرأ بها فيكون قد نسي وجهًا من أوجه القراءات التي جاءت بها الآية الكريمة .
ولكن هذا بشرط : أن تكون القراءة فيما بينه وبين نفسه أو فيما بينه وبين زملائه من طلبة العلم أما عند العامة فلا يقرأ بالقراءة غير الموجودة في المصحف الذي بين أيديهم لأنه إذا قرأ بقراءة أخرى غير الموجودة في أيديهم حصل في هذا ارتباك على العامة كيف القرآن يغير ؟ لو قرأ قوله تعالى : (( فَتَبَيَّنُوا )) وقرأ (( فَتَثَبتُوا )) في قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا )) .
لو قرأ (( فَتَثَبتُوا )) أمام العامة أنكروا عليه ورموه بما يرمونه به من مخالفة القرآن الذي بين أيديهم ثم حصل عندهم اضطراب وشك فلهذا لا نرى من الأفضل بل لا نرى من الحسن أن يقرأ الإنسان أمام العامة بقراءة غير المشهورة بينهم لما فيه من هذين المحذورين أما فيما بينه وبين نفسه فالأفضل أن يحفظ القراءات ويقرأ بهذه مرة وبهذه مرة للسببين اللذين ذكرناهما .
وقوله تعالى : (( إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) الكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق وهم داخلان في الغسل كما ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه صفة الوضوء الذي أمر الله به عند إرادة فعل الصلاة ، لكن له فروض وله سنن نذكرها الآن على الوجه الأكمل المسنون .
إذا أحضر الماء أو حضر هو في الحمام وأراد أن يتوضأ من صنبور الماء فإنه ينوي والنية معروفة لا بد أن ينوي الإنسان إذا كان عاقلًا ويسمي ويغسل كفيه ثلاث مرات ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات المضمضة والاستنشاق بكف واحدة ثلاث مرات ، وإن شاء تمضمض واستنشق من كف واحدة ثلاث مرات وإن شاء فصل فتمضمض ثلاثًا ثم استنشق ثلاثًا الأمر في هذا واسع ثم يغسل وجهه ثلاث مرات ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات ثم يمسح برأسه مرة واحدة يقبل بيديه ويدبر يبدأ بالناصية ويسحب يديه إلى العنق ثم يرجع إلى الناصية ويمسح بأذنيه لأن الأذنين من الرأس فهما في الرأس كالأنف والفم في الوجه فيمسح الأذنين بإدخال السبابتين في صماخيهما ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه ثم يغسل رجليه من أطراف الأصابع إلى الكعبين ثلاث مرات .
والسنة أن يخلل الأصابع أصابع اليدين وأصابع الرجلين ليتيقن دخول الماء إلى ما بين الأصابع لاسيما أصابع الرِّجِل لأنها متلاصقة .
وبعد هذا الوضوء السابغ يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فإن الإنسان إذا فعل هذا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيتها شاء وبهذا يكون قد طهر ظاهره وباطنه أما ظاهره فبالوضوء كما سمعتم وأما باطنه فبكلمة الإخلاص شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وسؤاله الله تعالى أن يجعله من التوابين لأن التوبة تطهير النفس من الذنوب ومن المتطهرين .
أسأل الله أن يطهر قلوبنا جميعا من دنس الشرك والشك والحقد والبغضاء للمسلمين وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين وصالحين مصلحين إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فإننا نفتتح هذا اليوم جلساتنا بعد أن توقفنا مدة وهو الأسبوع الثالث من شهر ربيع الثاني عام 1413 هذه الجلسات المقررة في كل يوم خميس من الساعة العاشرة إلى ما قبل أذان الظهر بعشر دقائق نسأل الله تعالى أن يجعلها جلسات نافعة .
السائل : آمين .
الشيخ : لنا ولإخواننا إنه على كل شيء قدير هذه الجلسة نتكلم فيها على قول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) إلى آخر الآية ففي هذه الآية يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا أيديهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق ويمسحوا برؤوسهم ويغسلوا أرجلهم إلى الكعبين .
واعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا صدر الآية بقوله : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) فإنه إما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه كما قال ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إذا قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) فأرعها سمعك فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه ) .
وهذه الآية التي نتكلم عنها الآن هي خير يأمرنا الله به ، إذا قمنا إلى الصلاة أي : عزمتم على القيام إليها فافعلوا ما ذكر وإنما أمر الناس أن يتطهروا هذا التطهر لأنهم يقفون بين يدي الله عز وجل في صلاتهم يناجون الله بكلامه وتسبيحه وتعظيمه ودعائه .
فالصلاة روضة من رياض العبادات فلهذا أمر الله بالطهارة عند فعلها فقوله عز وجل : (( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )) .
قد يقول قائل : أين غسل الكفين الذي يكون قبل غسل الوجه ؟ والجواب أن نقول : إن غسل الكفين ليس شرطًا لصحة الوضوء ، بل هو سنة من سنن الوضوء إن قام به الإنسان أثيب عليها وإن لم يقم به فلا حرج عليه في ذلك .
وأول فروض الوضوء غسل الوجه والوجه قال العلماء : إن حده عرضًا من الأذن إلى الأذن وإن حده طولًا من منحنى الجبهة من الأعلى إلى أسفل اللحية حتى ما نزل من اللحية يعتبر من الوجه لأنه مأخوذ من المواجهة والإنسان يواجه غيره بكل هذا الجزء من بدنه .
ويدخل في غسل الوجه المضمضة والاستنشاق وذلك لأن الأنف والفم عضوان في الوجه فيكون غسلهما فيكون المضمضة والاستنشاق داخلا في الأمر بغسل الوجه لأن الأنف والفم عضوان من الوجه وعليه فيبدأ أولا بالمضمضة ثم الاستنشاق ثم يغسل جميع الوجه .
قوله عز وجل : (( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )) : المرافق هي المفاصل بين العضد والذراع وسميت مرافق لأن الإنسان يرتفق بها عند الاتكاء عليها في حال الجلوس وفي حال الاضطجاع فهي مرفق يرتفق به الإنسان .
والمرافق داخلة في الغسل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغسلها فهي داخلة ويجب أن نعلم أن اليد تشمل من أطراف الأصابع إلى المرفق لأن الله قال : (( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ )) فلا بد أن يغسل من أطراف الأصابع إلى المرفق وكثير من الناس ربما يغسل الذراع فقط دون أن يغسل الكف إما جهلًا منه أو ظنا أن غسل الكف قبل غسل الوجه كافٍ في ذلك ولكن يجب أن ننتبه لأنه لا بد من أن نغسل جميع اليد التي أمر الله بغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفق .
ثم قال تعالى : (( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ )) : ففصل الرأس عما قبله لأن طهارته بالمسح وليست بالغسل (( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ )) والحكمة من كونه مسحًا مشقة غسله لاسيما في أيام الشتاء ، وفيما إذا كان له شعر كثير فإنه يشق عليه وربما يضره فلهذا خفف تطهير الرأس فكان بالمسح .
وفيه تخفيف آخر وهو أنه لا يكرر مسحه بخلاف بقية الأعضاء فإن الأفضل أن تكرر ثلاث مرات أما الرأس فلا يكرر .
وفيه تخفيف ثالث وهو أنه يجوز أن يمسح على العمامة إذا كان على رأسه عمامة فما دامت على رأسه فله أن يمسح سواء لبسها على طهارة أم لم يلبسها على طهارة وسواء مسحها في خلال يوم وليلة أو أكثر من ذلك لأنه لا ، لا تحديد له ولا يشترط أن تلبس على طهارة لأن ظاهر السنة عدم ذلك ففي تطهير الرأس ثلاث تخفيفات :
الأول إيش ؟ أنه مسح لا غسل والثاني : أنه يمسح مرة واحدة ولا يكرر والثالث : أنه يصح أن يمسح على العمامة ما دامت على رأسه كما جاءت به السنة ولم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه وقت للعمامة كما وقت للخفين الخفين على الرجل لهما يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر .
ولم يثبت أيضا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه علل مسحها بأن لبسها على طهارة فالمغيرة بن شعبة روى أنه مسح على العمامة وأنه مسح على الخف الخف قال : ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ) ، والعمامة لم يذكر فيها ذلك فدل هذا على أنه لا يشترط في لبس العمامة أن يلبسها على طهارة ولا يشترط لها مدة معينة وقياسها على الجورب قياس مع الفارق لأن الجورب ملبوس على عضو يغسل وأما العمامة فهي ملبوس على عضو يمسح طهارته مخففة من الأصل .
ثم قال تعالى : (( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) (( أرجلكم )) فيها قراءتان سبعيتان (( أرجلَكم )) بالنصب و(( أرجلِكم )) بالجر :
فأما على قراءة النصب (( أرجلَكم )) فإنها معطوفة على الوجه يعني اغسلوا وجوهكم ثم عطف عليه وقال : (( وأرجلَكم )) أي : واغسلوا أرجلكم وأما على قراءة الجر و(( أرجلِكم )) فهي معطوفة على (( رءوسكم )) أي : امسحوا بأرجلكم .
فإذا قيل : كيف يمكن أن نوجه هاتين القراءتين أنه أن الرّجل تُمسَح أو أنها تُغسَل ؟ فالجواب أن يقال : إن السنة بينت متى تمسح ومتى تغسل فإذا لبس الجوارب أو الخفين فإن فرضها المسح وإذا كانت مكشوفة فإن فرضها الغسل فتكون القراءتان منزلتين على حالين للرّجِل في حال الكشف يجب الغسل وفي حال اللبس يكفي المسح .
وبهذا نكون عملنا بالآية الكريمة على الوجهين في القراءة فإن قلت : هل يجوز أن نقرأ بالقراءتين فنقول : (( وأرجلِكم )) (( وأرجلَكم )) ؟ الجواب : أما في حال واحدة فلا وأما أن تقرأ هذه أحيانًا وهذه أحيانًا فنعم الأفضل لمن كان يعرف قراءتين في الآية أن يقرأ بهذه القراءة أحيانا وبالقراءة الأخرى أحيانا وذلك لوجهين : الوجه الأول : أن ذلك أتبع للسنة لأن القراءتين كلتاهما قد وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
والثاني : لئلا ينسى وجهًا ثبتت به الآية الكريمة لأنه إذا لم يتابع ويقرأ بالقراءة هذه أحيانًا وهذه أحيانًا نسي القراءة التي كان لا يقرأ بها فيكون قد نسي وجهًا من أوجه القراءات التي جاءت بها الآية الكريمة .
ولكن هذا بشرط : أن تكون القراءة فيما بينه وبين نفسه أو فيما بينه وبين زملائه من طلبة العلم أما عند العامة فلا يقرأ بالقراءة غير الموجودة في المصحف الذي بين أيديهم لأنه إذا قرأ بقراءة أخرى غير الموجودة في أيديهم حصل في هذا ارتباك على العامة كيف القرآن يغير ؟ لو قرأ قوله تعالى : (( فَتَبَيَّنُوا )) وقرأ (( فَتَثَبتُوا )) في قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا )) .
لو قرأ (( فَتَثَبتُوا )) أمام العامة أنكروا عليه ورموه بما يرمونه به من مخالفة القرآن الذي بين أيديهم ثم حصل عندهم اضطراب وشك فلهذا لا نرى من الأفضل بل لا نرى من الحسن أن يقرأ الإنسان أمام العامة بقراءة غير المشهورة بينهم لما فيه من هذين المحذورين أما فيما بينه وبين نفسه فالأفضل أن يحفظ القراءات ويقرأ بهذه مرة وبهذه مرة للسببين اللذين ذكرناهما .
وقوله تعالى : (( إِلَى الْكَعْبَيْنِ )) الكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق وهم داخلان في الغسل كما ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه صفة الوضوء الذي أمر الله به عند إرادة فعل الصلاة ، لكن له فروض وله سنن نذكرها الآن على الوجه الأكمل المسنون .
إذا أحضر الماء أو حضر هو في الحمام وأراد أن يتوضأ من صنبور الماء فإنه ينوي والنية معروفة لا بد أن ينوي الإنسان إذا كان عاقلًا ويسمي ويغسل كفيه ثلاث مرات ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات المضمضة والاستنشاق بكف واحدة ثلاث مرات ، وإن شاء تمضمض واستنشق من كف واحدة ثلاث مرات وإن شاء فصل فتمضمض ثلاثًا ثم استنشق ثلاثًا الأمر في هذا واسع ثم يغسل وجهه ثلاث مرات ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات ثم يمسح برأسه مرة واحدة يقبل بيديه ويدبر يبدأ بالناصية ويسحب يديه إلى العنق ثم يرجع إلى الناصية ويمسح بأذنيه لأن الأذنين من الرأس فهما في الرأس كالأنف والفم في الوجه فيمسح الأذنين بإدخال السبابتين في صماخيهما ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه ثم يغسل رجليه من أطراف الأصابع إلى الكعبين ثلاث مرات .
والسنة أن يخلل الأصابع أصابع اليدين وأصابع الرجلين ليتيقن دخول الماء إلى ما بين الأصابع لاسيما أصابع الرِّجِل لأنها متلاصقة .
وبعد هذا الوضوء السابغ يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فإن الإنسان إذا فعل هذا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيتها شاء وبهذا يكون قد طهر ظاهره وباطنه أما ظاهره فبالوضوء كما سمعتم وأما باطنه فبكلمة الإخلاص شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وسؤاله الله تعالى أن يجعله من التوابين لأن التوبة تطهير النفس من الذنوب ومن المتطهرين .
أسأل الله أن يطهر قلوبنا جميعا من دنس الشرك والشك والحقد والبغضاء للمسلمين وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين وصالحين مصلحين إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .