تفسير قوله تعالى : (( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون )) ومناسبة هذه الآية لما قبلها. حفظ
عاقب به بني إسرائيل من ضرب الذلة والمسكنة والغضب، بين سبحانه وتعالى أنه لا يظلم أحدا وأن المؤمنين من بني إسرائيل وغيرهم كلهم لهم أجرهم عند الله، فهذه مناسبة الآية لما قبلها أنه لما قال: (( وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم )) بين أن من آمن منهم وعمل صالحا فإن الله لا يضيع أجرهم فقال: (( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر )) قوله: (( إن الذين آمنوا )) ثم قال: (( من آمن بالله واليوم الآخر )) هل الإيمان الثاني هو الأول وأنه كان بالأول مطلقا ثم بين بقوله: (( بالله واليوم الآخر )) ؟ أو أن الأول يراد به الإيمان مقيد يعني (( إن الذين آمنوا )) عام بما يجب الإيمان به ويكون قوله: (( من آمن بالله واليوم الآخر )) قيدا بقوله: (( والذين هادوا والنصارى والصابئين )) ؟ وعلى هذا فلا يكون فيه تكرار، فيه خلاف بين المفسرين منهم من قال: إن قوله: (( من آمن بالله واليوم الآخر )) هو معني قوله : (( إن الذين آمنوا ))، ولكن الصحيح أن الله ذكر خمسة أصناف : الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والنصارى، والصابئين ، أربعة (( من آمن )) هذا عائد على قوله : (( الذين هادوا والنصارى والصابئين )) ويكون المراد بالذين آمنوا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويكون المراد بالذين هادوا اليهود أتباع موسى، والنصارى أتباع عيسى، والصابئين اختلف فيهم على عدة أقوال فمنهم من يقول: إن الصابئين فرقة من النصارى، ومنهم من يقول: إنهم فرقة من اليهود، ومنهم من يقول: إنهم فرقة من المجوس، ومنهم من يقول: إنهم أمة مستقلة تدين بدين خاص بها، ومنهم من يقول: إنهم من لا دين لهم من كانوا على الفطرة ما يتدينون بدين،نعم ولكنهم إذا آمنوا بالله واليوم الآخر صار لهم هذا الأمر وهذا هو الأقرب، ولهذا سمت قريش النبي صلى الله عليه وسلم الصابئ، لأنه خرج عن دين قومه، فالصابئون ليسوا فرقة من اليهود والنصارى بل هم أمة مستقلة وذلك لأن الأصل في العطف التغاير جنسا ونوعا، ثم نقول إن الصابئ معناها الخارج عن الدين في اللغة العربية فهؤلاء قوم لا يدينون بدين على فطرتهم هؤلاء إذا أرسلت إليهم الرسل فآمنوا بالله واليوم الآخر يؤجرون أو لا أجر لهم لأنهم كانوا صابئين ؟ يؤجرون، ولهذا أن نقول: اليهود لا يذمون بأنهم يهود والنصارى لا يذم بأنه نصراني لكن إذا آمنوا فلهم أجرهم (( من آمن بالله واليوم الآخر )) فيقول لك الله أربعة أصناف المؤمنين، واليهود، والنصارى، والصابئين، هؤلاء من آمن منهم بالله واليوم الآخر يعني الأصناف الثلاثة التي غير المؤمنين من آمن بالله واليوم الآخر فإن الله لا يضيع أجرهم.
(( فلهم أجرهم عند ربهم )) أجرهم أي ثوابهم وسمى الله تعالى الثواب أجرا لأنه سبحانه وتعالى التزم على نفسه أن يجزي به كالتزام الأجير بدفع الأجرة كالتزام المستأجر بدفع الأجرة لمن؟ للأجير .