تتمة تفسير قوله تعالى : (( ود كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق )) حفظ
ثم قال الله تعالى: (( ود كثير من أهل الكتاب )) (( ود كثير )) أظن قرأنا هذا؟ (( ود كثير )) ود المودة خالص الحب يعني أحب، وقوله: ((كثير من أهل الكتاب )) أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والمراد بالكتاب الجنس، أو نقول أل للعهد، والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل، وقوله: (( كثير من أهل الكتاب )) يعني لا كلهم فإن بعض أهل الكتاب لا يودون أن ترتدوا كفارا بل يحبون أن تبقوا مسلمين ويسلمون أيضا هم، ولكن كثيرا منهم يودون هذا.
وقوله: ((كثير من أهل الكتاب لو يردونكم )) لو هذه شرطية ولا مصدرية؟ مصدرية، والغالب أن لو التي تأتي بعد ود تكون مصدرية (( ودوا لو تدهنوا فيدهنون )) (( وودوا لو تكفرون )) (( ودوا لو تكفرون كما كفروا )) وغير ذلك، فالغالب أن لو إذا جاءت بعد ود فهي مصدرية. وقوله: (( لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا )) الكاف مفعول الأول ليردونكم، وكفارا مفعول ثاني يعني لو يرجعونكم كفارا، وهذان المفعولان أصلهما المبتدأ والخبر نعم أصلهما المبتدأ والخبر، لأنك لو حذفت الفعل وقلت: أنتم كفار استقام الكلام، فعلى هذا يكون أصلهما المبتدأ والخبر.
وقوله: (( من بعد إيمانكم )) (( لو يردونكم من بعد إيمانكم )) لأن الارتداد ما يكون إلا بعد الإيمان لكن بعد أن صح إيمانكم وخلص وتبين هم يودون أن يغيروكم ويحولوكم إلى الكفر كفارا. وقوله: (( حسدا من عند أنفسهم )) (( حسدا )) مفعول لأجله، عامله قوله: (( ود )) (( ود كثير )) أي ودوا حسدا أي من أجل الحسد نعم؟ لأن ما أنتم عليه نعمة عظيمة، فهو هؤلاء الكفار أعجز والعدو يحسد عدوه على ما أصابه من نعمة الله، وقوله: (( حسدا )) ما معنى الحسد؟ الحسد هو تمني زوال نعمة الغير سواء تمنى أنت أن تكون له أو لغيره أو لا لأحد، المهم الإنسان الذي يتمنى أن تزول نعمة غيره يعني نعمة الله على غيره هذا هو الحسد والواجب على المرء إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة أن يسأل الله من فضله الذي أعطاه يعطيك قال الله تعالى: (( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله )) خل نعمة الله على أخيك له، ولكن الذي أعطاه قادر على أن يعطيك وأكثر ولا تحسد لأنك مهما حسدت فلن ترد نعمة الله على غيرك، مهما حسدت ما يمكن تردها، الحاسد في الحقيقة ما يزداد بحسده إلا نارا تتلظى في جوفه، وكلما ازدادت نعمة الله على عباده ازداد حسرة، فهو في الحقيقة مع أنه كاره لنعمة الله على هذا الغير ومضاد لله في حكمه وقدره لأنه يكره أن ينعم الله على هذا الشخص والله تعالى قد أنعم وقدر عليه النعمه فيكون مضادا لله في حكمه، ثم إن الحاسد الحسود أو الحاسد مهما أعطاه الله من نعمة ما يرى لله فضلا فيها، لأنه يرى أن غيره أفضل منه، أفضل يعني حتى لو فرضنا إنه تميز بأموال كثيرة وجاء إنسان تاجر وربح كسب مكسب في سلعة معينة مكسب كبير في سلعة معينة تجد هذا الحاسد يحسد على هذا المكسب، لكن بينما عنده ملايين عظيمة، وكذلك أيضا بالنسبة للعلم بعض الحاسدين مثلا إذا برز أحد في مسألة من مسائل العلم تجد لو أن هذا الرجل أعلم منه وأنفع للناس منه مثلا تجده يحسده على هذه المسألة التي برز بها أو صارت حديث الناس من أجل أنه كتب فيها مثلا أو ما أشبه ذلك أو قالها هذا أيضا معناه أنه ما رأى نعمة الله عليه بهذا الذي أعطاه، فالحسد يا إخواننا أمره عظيم وعاقبته وخيمة والناس في خير والحسود في شر، الناس مطمئنون مستريحون لكن هذا الحسود ـ والعياذ بالله ـ يتتبع النعم نعم الله على العباد وكل ما رأى نعمة صارت جمرة في قلبه، فلهذا يجب على الإنسان أن يقول هذا من فضل الله على هذا الرجل أسأل الله أن يعطيني مثل ما أعطاه، فيسأل الله من فضله والله أرشدنا إلى هذا (( ولا تتمنوا بما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله )) و لو لكم يكن من خلق الحسد إلا أنه من صفات اليهود لكان كافيا في التنفير منه هم الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله نعم؟ فالحاصل إن هؤلاء اليهود والنصارى يودون أن يردوا المؤمنين بعد إيمانهم كفارا، واعلم أن من أحب شيئا سعى في تحصيله، سعى في تحصيله، وإلا لا؟ صحيح، إذا هؤلاء اليهود والنصارى يسعون بكل ما يستطيعون من قوة مادية أو أخلاقية أو غيرهما ويش هو؟ ليردوا المسلمين بعد الإيمان كفارا، شف ولم يقل الله: يردوكم يهودا أو نصارا، (( كفارا )) لأنهم النصارى واليهود الآن يعرفون أن المسلم بعيد أن يتهود أو يتنصر لكن يقولون زعماؤهم يقول لك فيكم أن تردوا المسلم عن الإيمان، تستخرجونهم عن الإيمان بس، أخرجوهم من الإيمان فقط أو شككوهم في الدين لأجل أن يكون مرحلة ثم بعد ذلك ينكرون ـ والعياذ بالله ـ فعلينا أن نحذر، لأن الله يقول: (( ود )) والود خالص المحبة والمحب للشيء لا بد أن يسعى إلى أيش؟ إلى تحصيله.
وقوله تعالى: (( من عند أنفسهم )) يعني هذا الحسد الذي أو هذه المودة التي يودونها ليست لله ولا من الله، ولكن من عند أنفسهم، وهو إشارة إلى أن هذا خبث في أنفسهم خبث أنفسهم خبيثة ما فيها الحق ولا تريد الخير لهذه الأمة بل إنهم يريدون أن يرتد هؤلاء أن ترتد الأمة حسدا من عند أنفسهم.
وقوله: (( من بعد ما تبين لهم الحق )) (( من بعد ما تبين )) أي ظهر، (( لهم )) لمن؟ أي لهؤلاء الكثيرين هم بعد ما تبين لهم الحق وعرفوا أنكم على حق أحبوا أن ترتدوا كفارا، نعم؟ لو كانوا جاهلين على أنكم على حق قالوا ما ودي أن يكونوا على دين مشكوك فيه لكان لهم بعض العذر لكن هم قد تبين لهم الحق وعلموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام حق، وأن دينه حق وأن المسلمين المؤمنين على حق ومع ذلك يودون هذه المودة ويسعون في كل سبيل إلى أن يصلوا إلى غايتهم (( من بعد ما تبين لهم الحق )) والحق ذكرنا فيما سبق أنه الشيء الثابت وأنه إن وصف به الحكم فالمراد به العدل وإن وصف به الخبر فالمراد به الصدق، فالحق الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام، ودين الإسلام على هذا وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام على هذا فإن أخباره صدق وأحكامه عدل.