تفسير قوله تعالى : (( والسآئلين )) وبيان ذم سؤال المال حفظ
قال: (( والسائلين )) السائلين جمع السائل وهو المستفهم أو المستجدي ؟ الطالب : مستجدي ، الشيخ : كيف مستجدي ؟ هل فيه فرق بين المستفهم والمستجدي ؟ أي نعم ، المستفهم الذي يقول أين المال؟ والمستجدي الذي يقول أعطني مالا، فالمراد بالآية هنا السائلين أي المستجدين الذين يقولون أعطنا ، فالسائل له حق لا من أجله هو لأنه قد يسأل هو ليس بمحتاج لكن من أجل صفة الكرم والحياء بمن ؟ بالمعطي ، لأن الإنسان إذا سئل وكان عنده كرم ما يمكن يقول لا ، إذا سئل وكان عنده حياء والحياء من الإيمان ما يمكن يقول لا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه فسأله رجل ذات يوم فأعطاه غنما بين جبلين وأهدي إلى النبي عليه الصلاة والسلام جبة فسألها وكان عليه الصلاة والسلام محتاجا إليها فسألها رجل عنده فأعطاه إياها فقيل للرجل لم صنعت ؟ والنبي عليه الصلاة والسلام محتاج إليها قال إني أريد أن تكون كفنا فكانت كفنه فالنبي عليه الصلاة والسلام لكرمه وحياءه لا يسأل شيئا إلا أعطاه، فالسائل له حق وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام لكنه لا يصح ( للسائل حق وإن جاء على فرس ) لكن هذا الحديث لا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واعلم أن السؤال سؤال المال الأصل فيه المنع والتحريم ولهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام من سؤال المال وأخبر أن الرجل لا يزال يسأل الناس حتى يأتي يوم القيمة وليس في وجهه مضغة لحم ـ والعياذ بالله ـ يكون وجهه يوم القيمة مقشر لأنه مثل ما أذل وجهه لعباد الله عوقب بذلك بهذه العقوبة العظيمة في هذا المشهد العظيم وقد بايع النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه من جملة ما بايعهم عليه: ( أن لا يسألوا الناس شيئا ) فكان الواحد منهم يسقط سوطه من ناقته فينزل ويأخذه ولا يقول لأخيه أعطني سوطي ولا شك أن التنزه عن السؤال فيه عفة النفس والعزة والكرامة ، وأما السؤال ففيه ذل للمخلوق والإنسان السائل لاشك أن المسئول مهما في الكرم والحياء وفي الجود ينزل عنده هذا السائل تنزل قيمته وينحط من عينه ، ولهذا لا يجوز السؤال إلا في الحاجة الملحة، حاجة الملحة التي لا بد منها يسأل الإنسان وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام : (من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر) ، ثم اعلم أن السؤال نوعان: سؤال بلسان المقال ، وسؤال بلسان الحال ، أما السؤال بلسان المقال فظاهر يجيء إنسان إليك ويقول أعطني كذا وكذا ، وأما السؤال بلسان الحال فأن ترى شخصا عفيفا لا يسأل لكنك تعرف حاجته أو تجده مثلا يخطم أمامك نعم أو يدور حولك فهذا ما سأل بلسان المقال لكنه سأل بلسان الحال ، فإذا قال قائل: فإذا كان معطي المال للسائلين من أهل البدع وأنتم حذرتم من سؤال الناس فكيف يتفق هذا وهذا ؟ فالجواب لا معارضة لأن الجهة منفكة فالممدوح المعطي والمحذر السائل المعطى فإذا فكت الجهة فلا تعارض ، فلو رأيت شخصا مبتلا بهذه المهنة وهي مهنة سؤال الناس فأعطه إذا سألك ثم انصحه وحذر لتكون معطيا للمال وناصحا للسائل معطيا للمال من أجل السؤال وناصح للسائل لأن بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ تعلم علم اليقين أو يغلب على ظنك ظن المؤكد بأنه غني وأنه إنما يسأل الناس أموالهم تكثرا فأنت إذا أعطيته ستغريه لاشك يذهب ويسأل غيرك لكن أعطه لتكون ممن أعطى المال السائلين وانصحه لتكون من الناصحين ،