تفسير الآية : (( مثل ما ينفقون في هـذه الحياة الدنيا كمثل ريحٍ فيها صرٌ ... )) . حفظ
ثم قال الله عزوجل في بيان أن أموالهم لا تغني عنهم شيئا ولا تنفعهم: (( مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته )) هذا تمثيل أو تشبيه تمثيلي، لأن التشبيه يقولون إنه نوعان: تشبيه إفرادي مثل أن تقول: فلان كالبحر، فلان كالأسد، وتشبيه تمثيلي بمعنى أنه تشبه الهيئة بالهيئة، يكون المشبه شيئا مؤلفا من عدة أمور والمشبه به كذلك يكون شيئا مؤلفا من عدة أمور، فيسمى عند البلاغيين تشبيها تمثيليا، والأول تشبيه إفراد تشبيها إفراديا (( كثمل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم )) الصورة الآن ريح شديدة فيها برودة عظيمة ولها ... صرير من شدتها (( أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم )) فالتشبيه مركب الآن، من ريح شديدة باردة أصابت حرث قوم يعني مصيب ومصاب، (( حرث قوم )) أي زرعهم، (( ظلموا أنفسهم )) أي استحقوا أن يعذبهم الله عزوجل بهذه الريح فأهلكته، فإذا هبت الريح العاصفة الباردة القوية انتقاما من بني آدم فإنها سوف تهلك هذا الحرث، وجه الشبه ظاهر لأنهم سلطوا على أموالهم تسليطا عظيما لكن لم ينتفعوا بهذا التسليط، عادت هباءا كما قال تعالى: (( إن الذين ينفقون أموالهم ليسدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون )) هذه حال الكفار إذا أنفقوا أموالهم لن ينتفعوها إطلاقا (( كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته )) طيب (( فيها صر )) يعني: مشتملة على الصر، وفسرنا الصر بأمرين، البرودة والشدة، الصوت لها صرير من شدتها، وباردة هذه لا تبقي على الزرع (( لا تبقي ولا تذر )) ((فأهلكتهم )) .
قال الله تعالى: (( وما ظلمهم الله )) يعني أن الله عزوجل ما ظلمهم حين سلطهم على إهلاك أموالهم بدون أن ينتفعوا بها، ما ظلمهم لأن الله تعالى لا يظلم الناس شيئا (( ولكن أنفسهم يظلمون )) يعني هم الذين يظلمون أنفسهم بكفرهم بآيات الله ولا أحد أجبرهم على هذا الكفر، وإذا فعل الإنسان الشيء بنفسه فلا يلومن إلا نفسه.
الشيخ : وقوله: (( ولكن أنفسهم يظلمون )) فيها إشكال وهو أنه نصب المبتداء والمعروف أن المبتداء يكون مرفوعا فما الجواب ؟
الطالب: هنا المبتدأ محذوف، الشيخ : المبتدأ محذوف و(( أنفسهم )) ؟
الطالب: خبر،
الشيخ : والخبر يكون منصوبا ...
الطالب: لكن ليست التي تعمل تلك لكنَّ،
الشيخ : طيب الآن عملت نصبت: (( أنفسهم )) ؟
الشيخ : عبد الرحمن بن داود ؟
الطالب: مفعول مقدم،
الشيخ : لأي شيء ؟
الشيخ : يظلمون أنفسهم، أي شيء تقولون ؟
الطالب: صحيح،
الشيخ : نعم هذه مفعول مقدم يا أحمد ليظلمون، علامة ذلك أنه لو كان في غير القرآن وحولت الجملة بالتقديم والتأخير فقلت: ولكن يظلمون أنفسهم، لاستقام الكلام، إذا فأنفس هذه مفعول به مقدم وفائدة التقديم الحصر، يعني أنهم ما ظلموا الله عزوجل، والله أيضا ما ظلمهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم، أما كونهم ما ظلموا الله فلأن الله قال: (( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )) وأما كونهم لم يظلموا فلأن الله تعالى يقول: (( وما ظلمهم الله )) فالله ما ظلمهم، وهم لم يظلموا الله أي لم ينقصوه شيئا وإنما نقصوا أنفسهم (( ولكن أنفسهم يظلمون ))