تحت باب صفة الحج ودخول مكة.
تتمة الحديث السابق ( عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه ، حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس فقال : ( اغتسلي واستنفري بثوب ، واحرمي ) ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) . حتى إذا أتينا البيت استلم الركن ، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ، ... ).
ولكن التثنية هنا يراد بها مطلق التكرار لا حصره ، فهي بمعنى إجابة بعد إجابة، وهي منصوبة على الفعل المطلق المحذوف عامله : يعني ألبي لك تلبية بعد تلبية .
طيب وقوله : ( اللهم ) : يعني يا الله ، فهي منادى حذفت منها ياء النداء وعوض عنها الميم .
وقول : ( لبيك ) : من باب التوكيد لأن المقام مقام عظيم ينبغي فيه توكيد القول .
( لبيك لا شريك لك لبيك ) : هذا توكيد آخر .
( لا شريك لك ) : في أي شيء ؟
في كل شيء فلا شريك لله تعالى في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته ولا يستثنى من ذلك شيء ، فإن الله لا يشركه أحد في هذا أبدا .
ثم قال : ( إن الحمد والنعمة لك والملك ) : إن أفصح وأعم من أن وإلا فإن بعض النحويين أجاز الفتح ، والصواب الكسر ، لأنه أعم ، لأن إن هنا استئنافية ، لكن أن تعليلية كأنه لو قال : أن الحمد والنعمة لك كأنه يقول : بناء على ذلك أن الحمد والنعمة لك ، مع أن الله تعالى يحمد على كل شيء، فهي أعم .
( إن الحمد والنعمة لك ) : الحمد : وصف المحمود بالكمال على كماله وعلى إنعامه ، والنعمة العطاء ، وكل ذلك لله وحده ، فالمنعم هو الله ، والمحمود هو الله هو المستحق لذلك وحده ولهذا قال : ( والملك ) : والملك لله أيضا ملك الذوات والأعيان وملك التصرف والأفعال ، فالله مالك للسموات والأرض بأعيانهما والتصرف فيهما .
قال : ( لا شريك لك ) : لا شريك لك في ملكك ولا في نعمتك ولا في الحمد الذي تستحقه ، كانوا في الجاهلية يلبون بنحو هذه التلبية ، لكن يقولون : لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، طيب وشلون ما دام أنه له ومملوك كيف يكون شريكا له ؟!
ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: (( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء )) ؟! وش الجواب ؟
الطالب : الجواب : لا .
الشيخ : سؤال ؟ الجواب : لا واضح ، (( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء )) :
يعني هل عبيدكم يشاركونكم في الأموال التي بين أيديكم التي أعطيناكم إياها ؟ وش الجواب ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا ، طيب هذا مثل من نفسك تعرفه أنت بنفسك كيف تجعل لله عز وجل شريكا يكون مملوكا له شريكا وهو مملوك له في عباده، أظن الإلزام واضح .
إذا كنتم أنتم لا تجيزون ولا تسوغون أن يكون لكم شريك فيما رزقكم الله وليس بعد من حولكم وقوتكم فكيف تسوغون أن يكون لله شريك في ملكه الذي خلقه.
طيب هذه الجملة لبى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان صلى الله عليه وسلم يسمع الناس يقولون : لا إله إلا الله ، وآخرون يكبرون ولا ينكر على هذا ، لأن المقصود هو الذكر وتعظيم الله ، ولكن لا شك أن ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام فهو أولى .
يستفاد من هذه الجملة من الحديث : أنه إذا أحرم من ذي الحليفة فلا يلبي إلا إذا استوت به على البيداء .
ولكن ابن عمر أنكر ذلك وقال : ( بيداؤكم هذه التي تقولون ) : يعني ينكر هذا ، ( ما أهل رسول الله إلا من عند المسجد ) : إذن أهل قبل أن تستوي به ناقته على البيداء ، ولكن الجمع بين قول جابر وقول ابن عمر الجمع بينهما قريب وظاهر :
هو أن ابن عمر سمعه حين استوت به ناقته عند المسجد ، وجابر سمعه حين استوت به على البيداء ، وكل إنسان حكى ما سمع ، وهذا هو الواجب على كل إنسان أن يحكي ما سمع أو ما ثبت عنده بطريق صحيح ، فلا منافاة .ولهذا وردت أحاديث : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم أهل دبر الصلاة قبل أن يركب ) : ومع هذا فالجمع بينه وبين حديث جابر وابن عمر قريب أيضا كما جمع ذلك ابن عباس رضي الله عنه فيما رواه الحاكم وغيره : ( وهو أن الناس يدركون النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات مختلفة ، فأدركه قوم عند صلاته وقالوا : أهل بعد الصلاة وصدقوا ، وأدركه قوم بعد أن ركب عند المسجد وقالوا : أهل حين استوت به ناقته عند المسجد وصدقوا ، وأدركه آخرون حين استوت به على البيداء فقالوا : أهل حين استوت به ناقته على البيداء وصدقوا ) : والجمع هذا قريب وليس فيه إشكال .
ومن فوائد الحديث : أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر أنه في مجيئه إلى مكة وإحرامه إنما يفعل ذلك تلبية لدعاء الله ، فأين الدعاء ؟
قال الله تعالى: (( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم )) :
فالأذان بأمر الله يُعتبر أذاناً من الله، فإذا كان الله هو الذي أذَّن فأنا أجيبه وأقول: لبيك اللهم لبيك إلى آخره.
ثم قال جابر رضي الله عنه : ( حتى إذا أتينا البيت استلم الركن ) : حتى إذا أتينا البيت يعني الكعبة .
استلم الركن أي: مسحه بيده.
أي اليدين ؟
اليمنى، لأن اليد اليمنى تقدم للإكرام والتعظيم، واليد اليسرى في الإهانة نعم فمسحه بيده اليمنى قال : ( فرمل ثلاثا ومشى أربعاً ) : رمل قال العلماء : الرمل هو سرعة المشي مع مقاربة الخطا .
ثلاثا أي : ثلاثة أشواط ، ومشى أربعا يعني أربعة أشواط ، وفيه دليل على أن الطواف سبعة أشواط ، وأن طواف القدوم يرمل فيه الإنسان في الأشواط الثلاثة الأولى ويمشي في الأشواط الأربعة الباقية .
وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الرمل من الحجر إلى الحجر ، وليس من الحجر إلى الركن اليماني كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء . فإن قلت: ما الحكمة من الرمل في الطواف في الأشواط الثلاثة الأولى دون الأربعة الباقية ؟
فالجواب : أن الحكمة في ذلك تذكير المؤمنين في أصل هذا الرمل ، لأن أصله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قاضى أهل مكة في غزوة الحديبية على أن يرجع من العام القادم معتمراً ، أهل مكة أعداء للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والعدو يحب الشماتة بعدوه فقال بعضهم لبعض : " دعونا نجلس هنا ننظر إلى هؤلاء القوم الذي وهنتهم حمى يثرب كيف يطوفون " ، لأن عندهم إن هؤلاء قوم أصابهم المرض وأنهك قواهم ، يريدون بذلك إيش ؟
هاه الشماتة ، وجلسوا في شمالي الكعبة من جهة الشمال وقالوا : ننظر ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا ليظهروا إيش ؟
الجلد والقوة والنشاط ليغيضوا الكفار ، وإغاضة الكفار يا إخوتي المسلمين إغاضة الكفار أمرٌ مقصود لله عز وجل ، كما قال الله تعالى : (( محمد رسول الله والذين معه أشداءُ على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلا من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع )) إيش ؟ (( ليغيظ بهم الكفار )) .
وقال تعالى : (( ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح )) .
أراد النبي عليه الصلاة والسلام من قومه أن يغيظوا الكفار ، لكنه أمرهم أن يرمُلوا من الحجر إلى الركن اليماني دون ما بين الركنين ، لأنهم بين الركنين يختفون عن المشركين ، وأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرفق بأصحابه ، ولهذا جعل الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى لأن الثلاثة أقل من الأربعة ، فاعتبر الأقل في جانب الصعوبة .
الرَمَل أصعب من المشي العادي أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : فجعل له الأقل وهو ثلاثة من سبعة ، ثم إن اختيار الثلاثة دون الأربعة مثلا فيها القطع على وتر ، والله سبحانه وتعالى إذا تأملنا مشروعاته وجدنا غالبها مقطوعا على وتر ، ففيه فائدتان ، يعني في كونه أي : الرمل خاصا بالثلاثة الأولى فقط :
أولًا : الأخذ بالأخف في باب المشقة .
وثانيًا : القطع على وتر .
2 - تتمة الحديث السابق ( عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه ، حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس فقال : ( اغتسلي واستنفري بثوب ، واحرمي ) ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) . حتى إذا أتينا البيت استلم الركن ، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ، ... ). أستمع حفظ
تتمة الحديث ( ..... ثم أتى مقام إبراهيم ، فصلى ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ... ).
طيب هل أنا أذكر في هذه الحال ، هل أذكر حال النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه حين قدموا في عمرة القضاء ، أو أنني أذكر المعنى الأصلي المقصود وهو إغاظة الكفار ؟
الطالب : الأول .
الشيخ : هاه أو الأمرين ؟ ها ؟
الطالب : الأمرين .
الشيخ : إذا تذكرت الأمرين فهو خير يعني : أتذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه فعلوا ذلك فأقتدي بهم ، ولاسيما فعله في حجة الوداع ، وأيضا أتذكر أن من شأن المسلم أن يفعل ما يغيظ الكفار إي نعم .
طيب : ( فرمل ثلاثا ومشى أربعا ) : وجعل المشي في الأربعة إبقاء على أصحابه حتى لا يتعبوا من الطواف بجميع البيت على وجه الرمل.
( ثم أتى مقام إبراهيم ) : مقام إبراهيم هو الذي قام عليه حين بناء الكعبة ، فإن الكعبة لما ارتفع بناؤها احتاجت إلى بشيء يقوم عليه حتى يُدرك أعلى البناء ، وهو حجر ، وهذا الحجر جعل الله فيه آية : وهي أثر قدمي إبراهيم ، وقد شهده أوائل هذه الأمة ، شهدوا أثر القدم ، ولكنه انمحى بكثرة مَسِّه من الناس انمحى وزال ، وقد أشار إلى هذا أبو طالب بقوله :
" وموطأ إبراهيمَ في الصخر رطبةً *** على قدميه حافيًا غير ناعل " .
قد تقدم إلى مقام إبراهيم يقول : ( فقرأ : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) ) ، إيه ما ذكرها المؤلف .
تقدم إلى مقام إبراهيم فصلى : حذف المؤلف لهذه الآية حذف مخل -رحمه الله- وكان عليه أن يقولها لأنها من صفة الحج ، فإنه يسن للإنسان إذا فرغ من الطواف أن يتقدم إلى مقام إبراهيم وأن يقرأ : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) .
وفائدة قراءتها شعور الإنسان بأنه يتقدم إلى هذا المقام فيصلي به امتثالاً لأمر الله عز وجل ، ولا شك أن شعور الإنسان حين القيام بفعل العبادة بأنه يفعلها امتثالا لأمر الله لا شك أن هذا يزيد في إيمانه ، بخلاف الذي يفعل العبادة وهو غافل عن هذا المعنى فإن العبادة تكون كالعادة ، ولهذا قال المتكلمون على النيات : إن النية نوعان :
نية العمل ونية المعمول له ، والأخيرة أعظم مقاماً من الأولى ، لأن نية العمل تأتي ضرورة ، ما من إنسان عاقل يقوم بعمل إلا وقد نواه وقصده ، حتى قال بعض العلماء : " لو كلفنا الله عملا بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق " ، لو نقول لواحد : تعال صل ولكن اصح تنو الصلاة يصلح ؟
هاه يقول ما أقدر ، ما دام قلت : تعال صل وجئت لأصلي ما أستطيع إني ما أنوي الصلاة أبدا ، لكن المقام الأسمى والأعلى نية المعمول له التي تغيب عنا كثيرا : لو أننا عندما نتوضأ نشعر بالإخلاص والمتابعة، فكيف نتذكر؟
نتذكر أن الله أمرنا بالوضوء : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم )) : هذا الإخلاص.
وكأن الرسول عليه الصلاة والسلام يتوضأ أمامنا هذا هو المتابعة ، إذن فإذا فرغت من الطواف فتقدم إلى مقام إبراهيم واقرأ : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) .
فيستفاد من هذا : أنه ينبغي أنه إذا فرغ من الطواف أن يتقدم فورا إلى مقام إبراهيم بدون تأخر ، ويقرأ هذه الآية .
كلمة : ( تقدم إلى مقام إبراهيم ) : هل تشعر بأن المقام في مكانه الحاضر الحالي أو يحتمل أنه في مكانه كما قيل الذي عند باب الكعبة ؟
الحقيقة أنها لا يستفاد منها ولا هذا ، لأن التقدم في كلا الأمرين : إن كان في مكانه الآن فهو يتقدم ، إن كان كما قيل إنه لاصق بالكعبة فهو أيضا يتقدم ولا لا؟
الطالب : نعم .
طالب آخر : ما في بالحديث !
الشيخ : لا ، في الحديث تقدم إلى مقام إبراهيم لكن هذا من اختصار المؤلف رحمه الله .
طيب المقام اختلف المؤرخون فيه : هل هو في مكانه الحالي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنه كان لاصقا بالكعبة وأخّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كثر الناس وكثر الطائفون الذين يطوفون بين يدي المصلين ؟ وأكثر المؤرخين على أنه في مكانه الحاضر الحالي ، وأنه لم يجر فيه تغيير.
طيب يقول: ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، متى ؟
بعد أن صلى ركعتين ، واعلم أن المشروع في هاتين الركعتين التخفيف، وأن يقرأ فيهما بـ (( قل يا أيها الكافرون )) و (( قل هو الله أحد )) ، وأنه ليس قبلهما دعاء وليس بعدهما دعاء.
والحكمة من تخفيفهما أن يُفسح المجال لمن هو أحق منك، فالناس ينتهون من الطواف أرسالًا، فإذا انتهى الطائفون وأنت حاجز هذا المكان تطيل الصلاة فمعناه أنك حجزت مكانًا لمن هو أحق منك ، فلا تطل الصلاة .
ثم إنه قد يكون المطاف مزدحمًا فيحتاج الطائفون إلى المكان الذي أنت فيه أيضًا، فمن ثَم خفف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، واختار أن يقرأ بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص: (( قل يا أيها الكافرون )) و (( قل هو الله أحد )) ، لأن إمام الحنفاء هو صاحب هذا المقام وهو إبراهيم الذي قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين )) .
طيب بعد الركعتين يدعو ؟
الطالب : لا يدعو .
الشيخ : لا يدعو .
وهل للمقام دعاء ؟
الطالب : لا .
الشيخ : كيف لا ؟ مقام إبراهيم له دعاء ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا هذه ماهي دعاء ، إني جدت كتابا مكتوبا فيه دعاء المقام مكتوب مطبوع بحرف جيد ومعرب .
الطالب : وعلى المذاهب الأربعة يا شيخ .
الشيخ : وعلى المذاهب الأربعة ، طيب هذا ليس له أصل ، ما في دعاء للمقام ولا دعاء قبل الركعتين ولا بعدهما .
ولكن المشكل أن مثل هذه البدع الآن صارت كأنها قضايا مسلمة مشروعة ، حتى إن الحاج ليرى أن حجه ناقص إذا لم يفعل هذا ، وكل هذا بسبب تقصير العلماء أو قصورهم ، وإلا فمن الممكن أن يعطى هؤلاء الحجاج المناسك من بلادهم ، إي نعم .
طيب يقول : ( ثم رجع إلى الركن فاستلمه ) : الركن يعني الحجر الأسود ، وفيه استحباب الرجوع إلى الركن بعد الركعتين لاستلامهما ، فإن لم يتمكن فلا إشارة ، لأن العبادات مبنية على النقل فقط ، فإذا لم يتمكن فلا إشارة لأن ذلك لم يرد ، ولهذا قلنا : إن الركن اليماني إذا لم يستطع استلامه ، فإنه لا يشير إليه .
قال: ( ثم خرج من الباب إلى الصفا ) .
وقد انتهى الوقت .
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث جابر : " ( ثم أتى مقام إبراهيم فصلى ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : (( إن الصفا و المروة من شعائر الله )) أبدأ بما بدأ الله به ، فرقى الصفا حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك ) " .
الطالب : لا إله إلا الله ما عندنا .
الشيخ : نعم ؟
الطالب : لا إله إلا الله وحده ما عندنا هذه !
الشيخ : لا عندنا هذه .
القارئ : " ( ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدها مشى ، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا وذكر الحديث وفيه : فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، وركب النبي صلى الله عليه وسلم ) " .
الطالب : أهلوا بالحج !
الشيخ : لا ماهي عندنا ، ( توجهوا إلى منى وركب النبي صلى الله عليه وسلم ) .
القارئ : " ( وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرُحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ودفع ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : يا أيها الناس السكينة السكينة ، وكلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر ، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جداً ، فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسّر فحرك قليلًا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها ، كل حصاة مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ) رواه مسلم مطولا " :
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين :
سبق أن تكلمنا على أول حديث جابر رضي الله عنه حتى انتهينا إلى إيش؟
الطالب : ثم رجع .
الشيخ : إلى قوله : ( ثم رجع إلى الركن فاستلمه ) :
إذن ذكرنا الطواف والصلاة ركعتين خلف المقام ، وذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخففهما ولا يدعو قبلهما ولا بعدهما ولا يطيلهما ، وأنه لم يقف للدعاء بعدهما أيضًا، وبه نعرف ضلال من يجعلون للمقام دعاءً يدعون به، وأن هذا بدعة ويحصل منه مع كونه بدعة أذية عظيمة للمصلين، لأنهم يقفون ويدعو لهم واحد بصوت مرتفع، فيحصل في هذا تشويش على الناس وأذية.
تتمة الحديث ( ..... ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : ( إن الصفا و المروة من شعائر الله ) [ البقرة : 158 ] ( أبدأ بما بدأ الله به ) فرقى الصفا ، حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله ، وكبره وقال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا - وذكر الحديث - وفيه : فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، وركب النبي صلى الله عليه وسلم ، فصلى بهم الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى عرفه . فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس ...).
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه ، وعلى هذا فيكون هنا استلام بلا تقبيل ولا إشارة عند التعذر.
( ثم خرج من الباب إلى الصفا ) : من باب المسجد إلى الصفا .
( فلما دنا من الصفا قرأ : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) ، أبدأ بما بدأ الله به ) :
قوله : ( قرأ : (( إن الصفا )) ) : فائدة القراءة هذه إشعار نفسه بأنه إنما اتجه إلى السعي امتثالا لما أرشد الله إليه لقوله في قوله : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) .
وليعلم الناس أنهم إنما يسعون بين الصفا والمروة من أجل أنهما من شعائر الله . وليعلم الناس أيضًا أنه ينبغي للإنسان إذا فعل عبادة أن يشعر نفسه بأنه يفعلها طاعة لله عز وجل ، كما لو توضأ الإنسان فينبغي أن يستشعر عند وضوئه أنه يتوضأ امتثالا لقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم )) .
ويشعر أيضًا أنه يتوضأ وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أمامه ، يتبعه في وضوئه ، وهكذا جميع العبادات ، فإذا استشعر الإنسان عند فعل العبادة أنه يفعلها امتثالا لأمر الله ، فإنه يجد لها لذة وأثراً طيباً .
وقوله : ( أبدأ بما بدأ الله به ) : لأن الله بدأ بالصفا فقال : (( إن الصفا والمروة )) وفيه إشارة إلى أن الله إذا بدأ بشيء كان دليلا على أنه مقدم إلا بدليل . يقول : ( فبدأ بالصفا فرقى الصفا ) : يعني رقي عليه .
( حتى رأى البيت ) : أي الكعبة .
( فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ) : أي قال الله أكبر ووحد الله يعني بالذكر مثل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال : يعني بعد التكبير والتوحيد قال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) : وقد سبق لنا مرارا شرح هذه الجملة .
وقوله : ( لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ) : في هذا دليل على جواز السجع بشرط أن يكون غير متكلف.
لا إله إلا الله وحده يعني : لا معبود حق إلا الله وحده .
أنجز وعده بماذا ؟ بنصر المؤمنين ، فإن الله أنجز لرسوله صلى الله عليه وسلم ما وعده .
ونصر عبده : يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يراد به الجنس أي نصر كل عبد له .
وهزم الأحزاب وحده : الأحزاب متى ؟ في غزوة الأحزاب ، فإنه عز وجل هزمهم بالريح التي أرسلها عليهم والرعب الذي ألقاه في قلوبهم ، ويحتمل أن يراد بالأحزاب هنا ما هو أعم ، يعني : كل حزب يحارب الله فالله سبحانه وتعالى يهزمه ، كما قال الله تعالى : (( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز )) .
( ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ) : إذن يقول هذا الذكر ثم يدعو ، ثم يقوله مرة أخرى ثم يدعو ، ثم يقوله مرة ثالثة ثم ينزل ، لأنه قال : ( ثم دعا بين ذلك ) : والبينية تقتضي أن يكون محاطا بالذكر من الجانبين فيكون الدعاء مرتين والذكر كم ؟
ثلاث مرات .
( ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ) :
يقول : ( ثم نزل إلى المروة ماشيا ) : بدليل قوله : ( حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ) : وبطن الوادي هو مجرى السيل ومكانه ما بين العلمين الأخضرين الآن ، وكان آنذاك في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مسيل المياه النازلة من الجبال ، وإنما سعى لأن أصل السعي من أجل سعي أم إسماعيل رضي الله عنها ، فإن أم إسماعيل لما وضعها إبراهيم عليه الصلاة والسلام هي وولدها في هذا المكان وجعل عندهما ماء وتمراً ، فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء وترضع الطفل ، فنفذ التمر والماء ، وجاعت الأم ، وعطشت ونقص لبنها ، فجاع الطفل ، فجعل الطفل يصيح ويتلوى من الجوع ، فأمه من أجل الأمومة رَحِمته وخرجت إلى أدنى جبل إليها لعلها تسمع أحدًا أو ترى أحدًا فصعدت الصفا ، وجعلت تستمع وتنظر فلم تجد أحدًا ، فرأت أقرب جبل إليها بعد الصفا : المروة ، فاتجهت إليه تمشي وهي تنظر الولد، فلما نزلت بطن الوادي احتجب الولد عنها، فجعلت تركض ركضًا شديدًا من أجل أن تلاحظ الولد، فلما صعدت من المسيل مشت حتى أتت المروة ففعلت ذلك سبع مرات ، وهي في أشد ما يكون من الشدة ، لا بالنسبة إليها جائعة عطشى ، ولا بالنسبة إلى الولد.
وعند الشدة يأتي الفرج، فبعث الله عز وجل جبريل فضربَ بعقبه أو جناحه الأرض في مكان زمزم فنبع الماء، نبع الماء بشدة، فجعلت أم إسماعيل تحجِّر الماء تخشى أن يضيع من شدة شفقتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يرحم اللهُ أم اسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينًا ) : لكنها حجرتها ثم شربت من هذا الماء فكان هذا الماء طعاماً وشراباً ، وجعلت تسقي الولد والحديث ذكره البخاري مطولا.
المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى من أجل أن الناس إنما سعوا من أجل سعي أم إسماعيل.
يقول : ( حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، وذكر الحديث ) : فعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك سبع مرات ، فلما كان آخر طواف عن المروة نادى وهو على المروة ، وأمر الناس أن من لم يسق الهدي منهم أن يجعلوه أي : نسكهم عمرة ، فجعلوا يراجعون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالوا : ( الحل كله يا رسول الله ؟ قال : الحل كله ، قالوا : نخرج إلى منى ومذاكيرنا أو قالوا ذكر أحدنا يقطر منيا : يعني من جماع أهله قال : افعلوا ما آمركم به فلولا أن معي الهدي لأحللت معكم ) :
فأحلوا رضي الله عنهم أما النبي صلى الله عليه وسلم ومن ساق الهدي فلم يحل، ثم نزلوا بالأبطح في ظهر مكة، فلما كان يوم التروية خرجوا إلى منى، فمن كان منهم باقياً على إحرامه فهو مستمر في إحرامه، ومن كان قد أحل أحرم بالحج من جديد.
يقول : ( فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ) : ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة ، وسمي بذلك لأن الناس يتروون فيه الماء لموسم الحج ، ومن هذا اليوم إلى اليوم الثالث عشر ، ولكل يوم من هذه الأيام الخمسة اسم خاص : فالثامن يوم التروية ، والتاسع ؟
الطالب : عرفة .
الشيخ : والعاشر : يوم النحر ، والحادي عشر يوم القر ، والثاني عشر يوم النفر الأول ، والثالث عشر يوم النفر الثاني .
يقول : ( توجهوا إلى منى وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ) قصرًا بلا جمع .
( ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بِنَمِرة ) : أجاز بمعنى تعدى وإنما قال: أجاز يعني تعدى، لأن قريشا كانوا يقفون يوم عرفة في مزدلفة المشعر الحرام، ويقولون : " إنا أهل مكة وأهل الحرم فلا نقف بالحل " ، وهذا من الحمية الجاهلية والعياذ بالله ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فأجاز حتى أتى عرفة ، وكان قد أمر أن تضرب له قبة بنمرة ، وهي قرية قرب عرفة ضُربت له قبة بنمرة ، فنزلها حتى زالت الشمس ، وهذا النزول فيه استراحة بعد التعب من المشي من منى إلى عرفة ، لأن هذا أطول مسافة في الحج ، من منى إلى عرفة .
من منى إلى مكة قريب، ومن منى إلى مزدلفة قريب، ومن عرفة إلى مزدلفة قريب، وأطول ما يكون من منى إلى عرفة، فبقي النبي صلى الله عليه وسلم هنالك واستراح .
4 - تتمة الحديث ( ..... ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : ( إن الصفا و المروة من شعائر الله ) [ البقرة : 158 ] ( أبدأ بما بدأ الله به ) فرقى الصفا ، حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله ، وكبره وقال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا - وذكر الحديث - وفيه : فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، وركب النبي صلى الله عليه وسلم ، فصلى بهم الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى عرفه . فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس ...). أستمع حفظ
تتمة الحديث ( .....أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، ثم أذن ثم أقام ، فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلاً ، حتى غاب القرص
القصواء اسم ناقته.
( فرحلت له ) : أي جعل رحله عليها .
( ثم ركب عليه الصلاة والسلام فأتى بطن الوادي ) : أي وادي عرنة .
( فخطب الناس ثم أذّن ثم أقام ) : أذّن يعني أمر من يؤذن وكذلك في الإقامة. ( فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ) : ففي هذه الجملة أنه ينبغي الإحرام بالحج في اليوم الثامن ، وأن يبقى الإنسان الحاج في منى يوم الثامن ، وليلة التاسع ، وأن ينزل بنمرة إلى زوال الشمس ، وهذا على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب ؟
الطالب : الاستحباب .
الشيخ : كل هذا على سبيل الاستحباب ، ثم فيه أيضا أنه يصلي الظهر والعصر في بطن الوادي بطن عرنة وهو في مكان المصلى الموجود الآن ، في مكان المسجد الموجود الآن .
وفيه أيضا أنه ينبغي أن يخطب الخطبة ، وهذه الخطبة قال بها حتى من لم يقولوا بخطبة صلاة الكسوف .
والصحيح أن الخطبة في صلاة الكسوف سنة ، وكذلك الخطبة هنا سنة.
هذه الخطبة بيّن فيها الرسول عليه الصلاة والسلام قواعد الإسلام وشيئا من الفروع الهامة كتحريم الربا الذي قال فيه : ( ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا : ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ) .
( وصلى الظهر والعصر جمع تقديم ) : وفيه أنه يسن جمع التقديم في يوم عرفة ، وإنما صلى جمع تقديم من أجل اجتماع الناس ، لأن الناس إذا تفرقوا بعد الصلاة تفرقوا في مواقفهم ، فلو أُخرت صلاة العصر لكان كل طائفة يصلون وحدهم في مكانهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يجتمع الناس حتى وإن أدَّى ذلك إلى جمع الصلوات التي يجمع بعضها إلى بعض ، أرأيتم جمعه في المدينة من أجل المطر ما المقصود منه ؟
حرصًا على الجماعة، وإلا فبإمكانهم أن يذهبوا إلى بيوتهم ويصلوا فيها وهم معذورون في هذه الحال، لكن من أجل الجماعة جمع عليه الصلاة والسلام.
هذا مثله.
كذلك أيضا أبدى بعض العلماء أبدى حكمة أخرى قال : من أجل أن يطول زمن الوقوف والدعاء ، حتى لا يشتغل الناس بالصلاة بالطهارة لها والنداء والاجتماع إليها، ويبقَون في الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل مِن حين أن يصلوا الظهر والعصر جمع تقديم.
يقول : ( ولم يصل بينهما شيئا ) : يعني أنه ما صلى بين الظهر والعصر شيئا لأن سنة الظهر تسقط عن المسافر .
( ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ) :
ذهب عليه الصلاة والسلام في موقفه إلى أقصى عرفة من الشرق ، من خلف الجبل ، جعل بطن الناقة إلى الصخرات : يعني يلي الصخرات .
وحبل المشاة وهو : طريق يمشون فيه الناس جعله بين يديه عليه الصلاة والسلام .
واستقبل القبلة ولم يزل واقفا على بعيره حتى غربت الشمس ، وهو مشتغل بالابتهال إلى الله عز وجل ، والتضرع إليه ، رافعا يديه إلى الله تبارك وتعالى حتى غربت الشمس ، ولم يمل ولم يتعب مع طول القيام ، ولكن الله عز وجل أعانه على طاعته أعانه عونًا.
( وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا ) : قوله ( كفنوه في ثوبيه ) : يعني ثيابي الإحرام ، فلا يكفن بغيرها ولو تيسر أن يكفن بغيرها ، بل إن الأفضل والسنة أن يكفن بها ، لأنه سيخرج من قبره يوم القيامة يقول : لبيك اللهم لبيك ، نسأل الله من فضله .
وثبت أنه عليه الصلاة والسلام : ( سقط خطام ناقته ، فأخذه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى ) : وهذا يدل على تأكد رفع اليدين هنا .
المهم أنه بقي يدعو يقول : ( فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص ودفع ) :
في هذا من الفوائد أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب إلى ذلك الموقف لأنه والله أعلم كان مِن عادته أن يكون في أخريات القوم، وهذا هو آخر حدود عرفة من الناحية الشرقية، أو هو آخر ما يصل إليه الحجاج في ذلك الوقت.
ووقف هذا الموقف وقال للناس : ( وقفت ههنا وعرفة كلها موقف ) ، حتى لا يجتمع الناس إلى هذا المكان فيحصل الضيق والعنت عليهم .
كأنه يقول : الزموا أماكنكم فإن عرفة كلها موقف.
ويستفاد من ذلك استقبال القبلة حال الدعاء يوم عرفة، ورفع اليدين.
وأن الإنسان إذا تشاغل بما ينفع المسلمين من إجابة سؤال أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر، فإن ذلك لا يقطع دعاءه، لأن نفع هذا متعدٍ والدعاء نفعه خاص غير متعدي ، فلا ينبغي للإنسان مثلا إذا اشتغل بالدعاء في عرفة وجاء شخص يسأله أن يُكشر في وجهه أو يقول: لا تشغلني أو ما أشبه ذلك. اللهم إلا في مسائل لا تفوت، وهذا السائل الذي معك سيدركك ويسألك في وقت آخر، فهنا ربما نقول: إنه يسوغ لك أن تقول: لا تشغلني واشتغل بالدعاء.
قد يكون هذا السائل من رفقتك ويكون السؤال لا داعي له ، يعني لا حاجة إلى بيانه في هذا الوقت لأنها مسألة علمية تناقشوا فيها واختلفوا وجاءوا إليك يسألونك مثلا ، فلكل مقام مقال .
لكن لو تكون مسألة واقعة حادثة تحتاج إلى حل فإن التشاغل بإجابة السائل هنا أفضل من التشاغل بالدعاء.
ومن فوائد هذه الجملة أنه لا دفع من عرفة إلا بعد الغروب ، لقوله رضي الله عنه : ( حتى غاب القرص ودفع ) :
ولا يجوز الدفع قبل الغروب ، لكن لو دفع فهو آثم ، والحج صحيح ، لحديث عروة بن مضرِّس رضي الله عنه وسيأتي إن شاء الله تعالى .
الدفع قبل الغروب فيه عدة مفاسد :
المفسدة الأولى : أنه خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
الثانية : أنه موافق لهدي المشركين ، لأن المشركين كانوا يدفعون من عرفة إذا كانت الشمس على الجبال كالعمائم على الرؤوس ، دفعوا .
الثالث : أن فيه نقصًا في الوقوف الذي هو الركن ، ومعلوم أن الأركان أفضل من الواجبات ، والواجبات أفضل من السنن ، لأنه كلما تأكدت العبادة كانت أفضل ، لقوله تعالى في الحديث القدسي : ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ) .
5 - تتمة الحديث ( .....أمر بالقصواء ، فرحلت له ، فأتى بطن الوادي ، فخطب الناس ، ثم أذن ثم أقام ، فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلاً ، حتى غاب القرص أستمع حفظ
تتمة الحديث ( ..... ودفع ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى ، ( يا أيها الناس ، السكينة ، السكينة ) وكلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد . حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر ، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة فدعاه ، وكبره ، وهلله ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها ، كل حصاة مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر . رواه مسلم مطولاً .
شنقه: يعني جذبه.
حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله : يعني عنان رقبتها ، لماذا ؟
لئلا تندفع ، لأن دفع الناس جميعاً والإبل ومشيها يعني يأخذ بعضها بعضًا حتى تسرع كما يقول العامة : " إن بعضها يشيل بعض " ، لكن الرسول شنق لها الزمام لئلا تسرع ، وهو يقول بيده عليه الصلاة والسلام ، يقول بيده اليمنى : ( أيها الناس السكينة السكينة ) : يعني اسكنوا اطمئنوا .
يقول : ( وكلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ) : في هذه الجملة كيف يدفع الإنسان من عرفة ؟
يدفع بسكينة بقدر ما يستطيع ، ويأمر الناس بالسكينة ليسكنوا ، يأمرهم بالسكينة إما بصوته إن تمكن ، أو بمكبر الصوت : أيها الناس السكينة السكينة ، نعم ، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام .
وفيه أيضًا حسن رعاية الرسول صلى الله عليه وسلم لما هو مولاً عليه ، هذه البهيمة إذا أتى حبلا من الحبال يعني شيئا مرتفعًا أرخى لها قليلا حتى تصعد رفقاً بها ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم : ( أنه إذا وجد فجوة نص ) أي أسرع السير ، فيؤخذ من هذا أنه ينبغي للإنسان مراعاة ما هو راكب عليه وأنه إذا وجد فجوة ومتسعا فليسرع .
طيب يقول : ( حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله فلم يزل واقفا حتى أسفر جدًا فدفع قبل أن تطلع الشمس ) :
هذا موقف مزدلفة ، دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة وهو يسكن الناس عليه الصلاة والسلام ، وفي أثناء الطريق نزل فبال ، وتوضأ وضوءً خفيفا فقال له أسامة وكان رديفه : قال له : ( الصلاة يا رسول الله ؟ قال : الصلاة أمامك ) ، لأنه لا يمكن الصلاة في الطريق ، لأن إيقاف الناس وهم مندفعون فيه شيء من الصعوبة ، ثم المبادرة ما دام ضوء النهار باقيا أرفق بالناس ، ولهذا قال : ( الصلاة أمامك ) .
فلما وصل إلى مزدلفة أمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى المغرب ثم أناخ كل واحد بعيره ثم صلى العشاء .
وفيه أيضا دليل على أنه لا ينبغي في ليلة مزدلفة أن يشتغل الناس بالذكر أو بالقرآن أو بالصلاة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اضطجع حتى طلع الفجر ، وهذا من حسن رعايته لنفسه عليه الصلاة والسلام ، لأنه بعد التعب في المسير من عرفة إلى مزدلفة ، وفي النهار أيضًا كان مشتغلا بالدعاء وبتعليم الناس وتوجيههم تحتاج النفس إلى راحة ، فنام كل الليل ، ولم يذكر جابرٌ ولا غيره فيما أعلم : هل أوتر النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟
والظاهر أنه أوتر، لأنه لم يكن يدع الوتر لا حضرًا ولا سفرًا.
وفيه أنه ينبغي تقديم صلاة الفجر في يوم العيد في مزدلفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر من حين تبين له الفجر، ولكن يجب الحذر من الاغترار بفعل بعض الناس، فإنه في ليلة مزدلفة تسمع بعض الناس يؤذن قبل الوقت بساعة أحياناً أو أكثر، يستطيلون الليل، ثم يقوم يؤذن ويصلي الفجر ويمشي، وليته لم يضر إلا نفسه، لكن إذا سمعه غيره يؤذن أذن وتتابع الناس، ولهذا يجب الحذر في صلاة الفجر ليلة المزدلفة .
وفيه أنه ينبغي للإنسان أن يتقدم إلى المشعر الحرام إما براحلته إن كان على راحلة ، أو بقدميه إن كان ماشياً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم إليه ومع ذلك قال : ( وقفت ها هنا وجمعٌ كلها موقف ) .
ويدعو إلى أن يسفر جدًا ويتبين النهار تماما ثم يدفع إلى منى.
قال رضي الله عنه : ( حتى أتى بطن محسِّر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى ) إلى آخره .
أتى بطن محسر هذا بطن الوادي وسمي محسِّرا لأنه يحسر سالكه ، لأن فيه رملا ودعثا فيحسّر سالكه .
فحرك قليلا لماذا حرك ؟
قيل: لأن هذا هو المكان الذي نزلت فيه عقوبة أصحاب الفيل فأسرع فيه ، ولهذا أمر أن يسرع الناس إذا مروا بديار ثمود .
وقيل: إنه أسرع فيه من أجل أنه دعث، وعادة يكون المشي في الدعث بطيئًا، فحرك .
وقيل: إنه حرك لأن قريشًا كانوا ينزلون في هذا الوادي ويذكرون أمجاد آبائهم يفتخرون بهم، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعاكسهم، وأن يسرع بدلا من وقوف قريش.
على كل حال كل هذا ممكن ، إلا القول بأنه أسرع ، لأن الله أنزل فيه عقوبة أصحاب الفيل ففيه نظر ، لأن المعروف أن عقوبة أصحاب الفيل كانت في المغمَّس وليست هنا .
قال ثم سلك الطريق الوسطى : لأن منى فيها ثلاثة طرق : شمالية وجنوبية ووسطى ، فسلك عليه الصلاة والسلام الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، الجمرة : يعني مكان اجتماع الناس ، لأن الناس كلهم ينصبون في هذه الجمرة، ورماها عليه الصلاة والسلام وهو راكب، وكان معه أسامة وبلال أحدهما يقود به راحلته ، والثاني يظلله بثوب يستره من الحر .
حتى رمى الجمرة صلوات الله وسلامه عليه .
قال : ( حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ) : يعني يقول : الله أكبر .
( كل حصاة منها مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ) :
رمى صلى الله عليه وسلم من بطن الوادي لأنه أيسر ، وكانت جمرة العقبة في ذلك الوقت كانت في سفح جبل ، وأنا أدركت ذلك ، فرمى من بطن الوادي لأنه أيسر من أن يرمي من فوق ، ولكن كيف رمى ؟
جعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ، والجمرة أمامه ، هذا هو الذي ثبت في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه .
رمى بسبع حصيات : فيستفاد من هذا أنه ينبغي للإنسان في أسفاره أن يسلك أقرب الطرق إلى حصول المقصود ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلك الطريق الوسطى التي تخرج رأسًا على الجمرة الكبرى .
وفيه أيضًا المبادرة برمي جمرة العقبة ، يرميها قبل أن ينزل من رحله .
وفيها أيضا أنها ترمى بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة .
وفيه أن هذا الحصى ليس بالكبير ولا بالصغير ، بل هو مثل حصى الخذف قال العلماء : " وهو بين الحمص والبندق " .
وفيه أيضا أنه يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ، فلو رماها من فوق الجبل فالرمي صحيح ، لكن لا ينبغي للإنسان أن يسلك الأشق مع إمكان الأسهل ،إلا أنه يقال : ربما يكون رميها من فوق الجبل أسهل إذا كثر الزحام ، كما كان الناس يفعلونه من قبل .
لكن هنا بنوا هذا الجدار من خلفها لما أزالوا الجبل لئلا ترمى من الخلف ، ومع الأسف أنها صارت الآن ترمى من الخلف ، لا سيما في يوم العيد ، يأتي الناس بكثرة وزحام ويشوفون هذا الجدار فيرمونه .
طيب يقول : " ( ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ) رواه مسلم مطولا " :
انصرف إلى المنحر يعني مكان نحر الإبل ، وكان صلى الله عليه وسلم قد أهدى مئة بعير ، والواحد منا الآن يتعثر على شاة واحدة واجبة أيضًا، ويقول: أي الأنساك الثلاثة أيها أسهل ، وأيها التي ما فيها ذبح نعم فيختاره خوفا من هذه الشاة .
أما الرسول عليه الصلاة والسلام فأهدى مئة بعير وأشرك علي بن أبي طالب في هديه ، ونحر منها ثلاثا وستين بيده ، وأعطى عليًا فنحر الباقي ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها تحقيقا لقوله تعالى : (( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير )) .
قال العلماء : ومن الأمور العجيبة أنه نحر ثلاثا وستين بيده الكريمة، وكان هذا العدد مطابقًا لسني عمره، فإن عمره كان ثلاثا وستين سنة صلوات الله وسلامه عليه.
ثم إنه عليه الصلاة والسلام حلَّ من إحرامه بعد أن رمى ونحر وحلق حل من إحرامه وتطيب ونزل إلى البيت فطاف وصلى بمكة الظهر.
والحقيقة أنه عند التأمل يجد الإنسان بركة عظيمة في هذا الوقت الموجز وكانت حجة الرسول عليه الصلاة والسلام في الاعتدال الربيعي يعني : النهار والليل متساويان تقريبا ، في هذه المدة الوجيزة عمل هذه الأعمال الكثيرة ، نعم : دفع من مزدلفة ، ورمى ونحر ثلاثا وستين بل مئة الذي نحر وأمر بأن تطبخ وأكل من لحمها ، وشرب من مرقها ، وحلق وحل ووقف للناس يسألونه ، ونزل إلى مكة وطاف وسعى وصلى الظهر بمكة !
نعم أعمال عظيمة في زمن قليل، ولكن الله عز وجل إذا بارك للإنسان صار يفعل في الوقت القصير أفعالًا كثيرة، وهذا شيء مشاهد، نسأل الله أن يبارك لنا ولكم في الأعمار والأعمال .
يقول هنا : ( فصلى بمكة الظهر ) ، وفي حديث أنس في الصحيحين : ( أنه صلى الظهر في منى ) :
فاختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم : نقدم حديث أنس لأنه في الصحيحين.
وقال آخرون: نقدم حديث جابر لأن جابرا ضبط الحج ضبطا وافيا فكان أعلم بذلك من غيره .
وقال بعضهم: بل نجمع بينهما فنقول: صلى الظهر بمكة في وقتها ولما خرج إلى منى وجد جماعة من أصحابه لم يصلوا فصلى بهم فيكون صلى الظهر مرتين. طيب هنا يقول : ( فطاف بالبيت ) : الجمع أولى كلما أمكن الجمع فهو أولى طاف بالبيت ولم يذكر السعي لماذا ؟
لأنه سعى بعد طواف القدوم ، والقارن إذا سعى بعد طواف القدوم كفاه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : ( طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك ).
فقد أدى الواجب وكذلك أصحابه الذين لم يَحلوا طافوا معه، ولم يسعوا، لأنهم كانوا قد سعوا، وعلى هذا يحمل حديث جابر: ( لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدًا طوافه الأول ) : فيعني بأصحابه هنا الذين لم يحلوا معه ، يتعين هذا ، لأن الذين حلوا ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( أنه لما كان عشية يوم التروية أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فأحرموا ) .
فلما أنهوا المناسك ، لما قضوا المناسك : ( طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ) هكذا جاء في صحيح البخاري في حديث ابن عباس قال : ( طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ) : وهو صريح بأنهم طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، وكذلك ثبت في الصحيح من حديث عائشة : أن الذين أحرموا بالعمرة طافوا بالصفا والمروة مرتين .
وما دام عندنا حديثان صحيحان صريحان في أن المتمتع يطوف ويسعى مرتين فإن حديث جابر يتعين أن يحمل على أي شيء ؟
على الذين لم يحلوا ، وبهذا نعرف أن ما ذهب إليه جماعة من أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية : في أن المتمتع يكفيه سعي واحد أنه قول ضعيف ، ويتبين لنا أيضًا أن الإنسان مهما بلغ من العلم والفهم فإنه لا يسلم من الخطأ ، لأنه لا معصوم إلا من عصم الله عز وجل ، والإنسان يخطئ ويصيب ، وحديث ابن عباس وعائشة كلاهما في البخاري ، ومثل هذا لا يخفى على شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه -رحمه الله- من حفاظ الحديث حتى قال بعضهم : " كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بصحيح " ، ولكن الإنسان بشر فالصواب بلا شك أن المتمتع يلزمه طوافان وسعيان ، والقياس يقتضي ذلك لأن العمرة انفردت وفصل بينها وبين الحج حِل كامل ، وأحرم الإنسان بالحج إحراما جديدًا نعم .
بعد ما ينتهي الدرس إن شاء الله .
الطالب : ما خلينا .
6 - تتمة الحديث ( ..... ودفع ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى ، ( يا أيها الناس ، السكينة ، السكينة ) وكلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد . حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر ، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة فدعاه ، وكبره ، وهلله ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها ، كل حصاة مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر . رواه مسلم مطولاً . أستمع حفظ
وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار . رواه الشافعي بإسناد ضعيف .
وإذا كان بإسناد ضعيف فلا يكون ذلك سنة ، بل يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا سأل الله الجنة واستعاذ به من النار لا معتقدًا أنه سنة فلا بأس.
7 - وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار . رواه الشافعي بإسناد ضعيف . أستمع حفظ
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نحرت ها هنا ، ومنى كلها منحر ، فانحروا في رحالكم ، ووقفت ها هنا وعرفة كلها موقف ، ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف ) . رواه مسلم
هذا من تيسير الله عز وجل أن الرسول نحر في مكان معين ، ولكن قال للناس : ( منى كلها منحر ) انحروا في أي مكان منها .
وكذلك الوقوف في عرفة وفي مزدلفة ، وهذا من يسر الشريعة الإسلامية ولله الحمد .
وقوله: ( ومنى كلها منحر ) يفيد أنه لا نحر إلا في منى ، ولكن قال الإمام أحمد : " مكة ومنى واحد " ، فلو نحر الإنسان في مكة فلا بأس .
وقد جاء في الحديث : ( فجاج مكة طريق ومنحر ) ، أما في الحل فلا ، فلو ذبح الإنسان هديه في عرفة ولو في يوم العيد فإنه لا يجزيه على ما قاله أهل العلم ، فلابد أن يكون النحر في الحرم .
8 - وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نحرت ها هنا ، ومنى كلها منحر ، فانحروا في رحالكم ، ووقفت ها هنا وعرفة كلها موقف ، ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف ) . رواه مسلم أستمع حفظ
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها ، وخرج من أسفلها متفق عليه .
من أعلاها : من شرق من الحجون .
وخرج من أسفلها : من المكان الذي يسمى المسفلة .
وهل هذا على سبيل الاستحباب أو على سبيل المصادفة ؟
المعروف عند أكثر أهل العلم أن هذا على سبيل الاستحباب ، قالوا : " وهذا كمخالفة الطريق في العيد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج في العيدين خالف الطريق " ، يخرج من طريق ويرجع من آخر .
9 - وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها ، وخرج من أسفلها متفق عليه . أستمع حفظ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . متفق عليه .
ففيه استحباب البيات بذي طُوى ، وهي المعروفة في الوقت الحاضر : بآبار الزاهر، معروفة في مكة .
وفيه استحباب الاغتسال لدخول مكة .
وفيه جواز اغتسال المحرم ولو من غير جنابة.
10 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه . رواه الحاكم مرفوعاً والبيهقي موقوفاً .
11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه . رواه الحاكم مرفوعاً والبيهقي موقوفاً . أستمع حفظ
وعنه رضي الله عنهما قال : أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا أربعاً ما بين الركنين ) . متفق عليه .
المراد بالركنين الحجر الأسود واليماني ، هكذا عندي أنا : ( أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا أربعا ) ها ؟
الطالب : ما بينهما .
الشيخ : ( ما بين الركنين ) : لكن بالترتيب نظر كل النسخ عندكم هكذا في الشرح وش يقول؟ ها؟
الطالب : " أن يرملوا بضم الميم ثلاثة أشواط أي: يهرولون فيها في الطواف ويمشوا أربعًا ما بين الركنين ) متفق عليه " .
الشيخ : بس ؟
لأنه الذي نعرف ويمشي في عمرة القضاء ، أما في حجة الوداع فإن الرسول رمل من الحَجر إلى الحَجر .
12 - وعنه رضي الله عنهما قال : أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا أربعاً ما بين الركنين ) . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً ، ومشى أربعاً . وفي رواية : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة . متفق عليه .
وفي رواية : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة ) متفق عليه " .
13 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً ، ومشى أربعاً . وفي رواية : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة . متفق عليه . أستمع حفظ
وعنه رضي الله عنهما قال : لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم : يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين . رواه مسلم .
من الذي يقوله ؟
الطالب : ابن عمر.
الشيخ : ابن عمر.
الطالب : في الشرح كتب وعنه أي ابن عباس.
الشيخ : هاه نعم ؟
الطالب : في الشرح كتب عن ابن عباس.
الشيخ : هو المعروف أنه عن ابن عباس في قصة مناظرته مع معاوية رضي الله عنه ولكن لا يمنع أن يكون ابن عمر وابن عباس رواياه جميعا.
14 - وعنه رضي الله عنهما قال : لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم : يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين . رواه مسلم . أستمع حفظ
وعن عمر رضي الله عنه أنه قبل الحجر فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . متفق عليه .
ففيه رد على ما يفعله بعض الناس في الحجر الأسود والركن اليماني ، يظنون أن الرسول فعل ذلك للتبرك به ، حتى إنك لتشاهدهم يمسحون الركن اليماني بيده ثم يمسح بها وجه طفله وبدنه ، يظن أن هذا من باب التبرك وليس من باب التبرك ، ولكنه من باب التعبد .
ولهذا قال عمر : ( لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ) .
راجعوا الحديث الذي قبل شوفوا هل هو عن ابن عمر أو عن ابن عباس؟
الطالب : في الشرح !
الشيخ : وش يقول ؟
الطالب : يقول : " فالأولى أن يقال : وعن ابن عباس رضي الله عنهما حتى لا يتوهم أنه ابن عمر " .
الشيخ : إي .
الطالب : " رضي الله عنهما كما جرت عادته إذا تكرر الصحابي يقول: وعنه وهذا الحديث من رواية ابن عباس ، أما ابن عمر فروايته : ( لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين عندهما ) ، وهذا لفظ البخاري ولفظ مسلم يمسح كذا " .
الشيخ : طيب الفرق بين رواية ابن عمر وابن عباس إلا وغير ، بمعناه ، طيب .
15 - وعن عمر رضي الله عنه أنه قبل الحجر فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن . رواه مسلم .
الطالب : عن أبي الطفيل !
الشيخ : " وعن أبي الطفيل قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن ) رواه مسلم ":
ففيه دليل على أن الإنسان إذا طاف بالبيت ولم يتمكن من استلامه بيده ومعه شيء فإنه يستلمه بهذا الشيء ويقبل يده .
ولكن يشترط في ذلك أن لا يؤذي أحدًا، فإن كان يؤذي أحدًا فإنه لا يفعل لأن الأذية محرمة واستلامه بهذا الشيء سنة.
طيب فإن قال قائل : النبي عليه الصلاة والسلام ألا يمكن أن يؤذي أحدًا ؟
فالجواب : لا ، لأن الناس إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يستلمه بالمحجن سوف يبتعدون ولا يتأذون بذلك ، وإنما فعل هذا عليه الصلاة والسلام لأنه كان راكباً ومعه المحجن.
الِمحجن العصا المحنية الرأس مر علينا هذا، مر علينا في الرجل الذي كان يسرق الحجاج بمِحجنه.
16 - وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن . رواه مسلم . أستمع حفظ
وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال : طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً ببرد أخضر . رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه الترمذي .
هذا فيه الاضطباع وهو أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، لكن هذا في الطواف أول ما يقدم وليس في جميع الأحوال كما يفعله العامة.
17 - وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال : طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً ببرد أخضر . رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه الترمذي . أستمع حفظ
وعن أنس رضي الله عنه قال : كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه . متفق عليه .
يعني ويلبي الملبي فلا ينكر عليه ، أما الملبي فظاهر ، لكن المكبر والمهلل ربما يقول قائل : قد ننكر عليه لأن المقام مقام تلبية ولكن يقال كله ذكر لله عز وجل فلا ينكر على هذا ولا على هذا.
18 - وعن أنس رضي الله عنه قال : كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل ، أو قال في الضعفة من جمع بليل . متفق عليه .
19 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل ، أو قال في الضعفة من جمع بليل . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : أستأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة : أن تدفع قبله ، وكانت ثبطة - تعني ثقيلة - فأذن لها . متفق عليه .
في هذا دليل على أن الثقيل والضعيف ومن لا يتمكن من مزاحمة الناس في جمرة العقبة له أن يدفع بليل .
وكلمة : ( بليل ) : مبهمة فمن العلماء من يقيدها بنصف الليل وهو غالب المذاهب.
ومنهم من يقول: إنها مقيدة بغروب القمر وهذا ظاهر حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : " أنها كانت ترقب غروب القمر فإذا غاب دفعت " وهذا هو الأولى .
وظاهر الحديث أنهم يرمون الجمرة من حين أن يصلوا إليها ، لأنه إذا جاز الدفع من مزدلفة فإنما يدفع من أجل الرمي ، لأن الرمي تحية منى ، وأول ما يفعل في منى ، ولا يمكن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يأذن لهم في ترك المبيت في مزدلفة وهو واجب من واجبات الحج إلى أن يذهبوا إلى منى ويبقوا من غير رمي لجمرة العقبة.
20 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت : أستأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة : أن تدفع قبله ، وكانت ثبطة - تعني ثقيلة - فأذن لها . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ) . رواه الخمسة إلا النسائي ، وفيه انقطاع .
والانقطاع يوجب ضعف الحديث.
فنقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لهم أن يتقدموا قبل الفجر ليرموا، لأنه من المعروف أن الناس إذا قدموا منى أول ما يفعلون الرمي، ولا نرى حكمة مِن أن يقال للناس: ادفعوا من مزدلفة وانتظروا في منى، فإنهم إذا دفعوا من مزدلفة وانتظروا في منى لم يكن فيه حكمة إطلاقًا، بل فيه ترك أمر واجب لأمر لا فائدة منه .
فالصواب بلا شك أن من جاز له الدفع في آخر الليل من مزدلفة، جاز له الرمي ولو قبل الفجر .
الطالب : إن كان قوي؟
الشيخ : والقوي إن قلنا بجواز الدفع له.
الطالب : إذا كان مع الضعفاء؟
الشيخ : إذا كان مع الضعفاء فأرجو أن لا يكون فيه بأس، لأنه في الوقت الحاضر في الحقيقة من شاهد الناس ومشقة الرمي يرى أن الدين بيسره وسهولته لا يمنع هذا الذي ذهب مع أهله أن يرمي معهم.
21 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ) . رواه الخمسة إلا النسائي ، وفيه انقطاع . أستمع حفظ
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر ، فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت . رواه أبو داود وإسناده على شرط مسلم.
وهو يقوي ما أشرنا إليه مِن أن من دفع من مزدلفة فيرمي ولو قبل الفجر ، وثبت في صحيح البخاري : ( أن ابن عمر رضي الله عنه كان يبعث بأهله فيوافون منى مع الفجر أو قبل الفجر ويرمون ، وقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعن ) يعني للنساء.
22 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت : أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر ، فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت . رواه أبو داود وإسناده على شرط مسلم. أستمع حفظ
وعن عروة بن مضرس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد صلاتنا هذه - يعني بالمزدلفة - فوقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه ) . رواه الخمسة ، وصححه الترمذي وابن خزيمة.
والحديث هذا سببه أن عروة رضي الله عنه كان من أهل الشمال من حائل من جبل طيء ، فجاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يسأله وهو في صلاة الفجر في مزدلفة وقال : ( يا رسول الله أتعبت نفسي وأكللت راحلتي وما تركت جبلا إلا وقفت عنده ، يعني فهل لي من حج ؟ فقال له ) هذا الكلام . وفيه دليل على أن من لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر لكنه في وقت صلاة الفجر التي صلاها الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه لا شيء عليه ،لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( فقد تم حجه وقضى تفثه ).
وفي قوله: ( وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ) استدل الحنابلة -رحمهم الله- على أن من وقف بعرفة قبل الزوال تم حجه، وإن لم يبق حتى الزوال أخذا بعموم قوله: ( ليلا أو نهارا ) .
وقال جمهور العلماء ليلا أو نهارًا .
الطالب : حتى الزوال .
الشيخ : حتى الزوال ، قبل الزوال ، لو انصرف قبل الزوال صح حجه لكن عليه الدم ، لكن جمهور أهل العلم على خلاف ذلك وقالوا إن قوله : ( أو نهارا ) يعني به وقت الوقوف ، ووقت الوقوف لم يكن إلا بعد الزوال .
وينبني على ذلك : رجل جاء في الضحى إلى عرفة ، ووقف بها ثم طرأ له عذر فذهب من عرفة قبل أن تزول الشمس إما مرض أو ضياع شيء ، المهم أنه خرج من عرفة قبل زوال الشمس ثم عاد إلى مزدلفة بعد الغروب وبات بمزدلفة ، فعلى مذهب الحنابلة حجه صحيح ، لكن عليه دم لترك الواجب .
وعلى رأي الجمهور حجه ليس بصحيح وقد فاته الحج ، لأنهم يرون أن وقت الوقوف يكون من بعد الزوال .
وقول الجمهور له وجه ، ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف إلا بعد الزوال وقال : ( خذوا عني مناسككم ) .
والجواب عن حديث عروة بن مضرس : أن النهار قد يراد به بعضه ، فيحمل على النهار الذي وقف فيه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو ما بعد الزوال .
23 - وعن عروة بن مضرس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد صلاتنا هذه - يعني بالمزدلفة - فوقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه ) . رواه الخمسة ، وصححه الترمذي وابن خزيمة. أستمع حفظ
وعن عمر رضي الله عنه قال : إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم ، فأفاض قبل أن تطلع الشمس . رواه البخاري .
لا يفيضون من أين ؟
الطالب : من مزدلفة .
الشيخ : من مزدلفة .
" حتى تطلع الشمس ويقولون : أشرق ثبير " :
ثبير جبل مرتفع يبين فيه طلوع الشمس قبل غيره .
" ويقولون : أشرق ثبير " : كيف يوجهون الأمر إلى الجبل ؟
هذا من باب التمني ، إذا وجه الأمر أو الطلب إلى الجماد فهو من باب التمني وليس أمرًا نعم ولكنه يتمنى ذلك، ومنه قول الشاعر :
" ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي *** بصبح وما الإصباح منك بأمثل " .
قال : " ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي " : ما يمكن ينجلي هو بنفسه لكنه على سبيل التمني .
الطالب : ... من جهة المغرب يا شيخ ؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : المغرب لا من جهة المشرق .
الشيخ : إي ، لا أشرق يعني يريدون أن الشمس تشرق فيه يعني وجهه مقابل الشمس .
الطالب : ... من جهتين يعني ؟
الشيخ : نعم ؟ لا لا ما هو داخل من الجهتين ، لأنه من جهة المغرب ما شافوه عشان يشوفون الشمس .
يقول : " ( وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس ) رواه البخاري " :
كما خالفهم في الدفع من عرفة فدفع بعد الغروب وهم يدفعون قبل الغروب.
24 - وعن عمر رضي الله عنه قال : إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم ، فأفاض قبل أن تطلع الشمس . رواه البخاري . أستمع حفظ
وعن ابن عباس وأسامة بن زيد رضي الله عنهم قالا : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة . رواه البخاري .
حتى رمى جمرة العقبة : حتى شرع في ذلك أو حتى أتم ؟
الصواب أن المعنى حتى شرع ، لأن حديث جابر فيه : ( أنه رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ) : ولم يذكر التلبية، وعلى هذا فيقطع الإنسان التلبية إذا شرع في رمي جمرة العقبة.
25 - وعن ابن عباس وأسامة بن زيد رضي الله عنهم قالا : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة . رواه البخاري . أستمع حفظ
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه جعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه ، ورمى الجمرة بسبع حصيات ، وقال : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة . متفق عليه .
صلى الله عليه وسلم أظن واضح الآن؟
الجمرة تكون أمامه ومنى عن يمنه والكعبة عن يساره ، وإنما خص سورة البقرة لأن فيها آيات كثيرة في الحج ، فهذا وجه المناسبة في قوله : ( الذي أنزلت عليه سورة البقرة ).
26 - وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه جعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه ، ورمى الجمرة بسبع حصيات ، وقال : هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن جابر رضي الله عنه قال : رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى ، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس . رواه مسلم .
ففيه دليل على أن رمي الجمرات في الأيام التي بعد العيد بعد الزوال ، وهذا واجب ، ولا يصح الرمي قبل الزوال .
وفي قوله : ( إذا زالت الشمس ) : ولم يبين منتهى الوقت دليل على أنه له أن يرمي ولو بعد غروب الشمس ويؤيده عموم حديث : ( رميت بعدما أمسيت ، فقال : لا حرج ) طيب .
27 - وعن جابر رضي الله عنه قال : رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى ، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس . رواه مسلم . أستمع حفظ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ، يكبر على أثر كل حصاة ، ثم يتقدم ، ثم يسهل ، فيقوم فيستقبل القبلة ، فيقوم طويلاً ، ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى ، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة ، ثم يدعو فيرفع يديه ويقوم طويلاً ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف ، فيقول : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . رواه البخاري .
طيب لاحظ قوله : ( يكبر على إثر كل حصاة ) ، وفي حديث جابر : ( مع كل حصاة ) : وظاهر حديث ابن عمر يخالف حديث جابر ، وقد يقال: إن الأمر في ذلك هيّن ، يعني سواء حذف وقال : الله أكبر ، أو يحذف بدون تكبير ثم يقول بعد الحذف الله أكبر الأمر في هذا واسع ، فإن فعل وكبر مع الرمي فجائز ، وإن كبر على إثره فجائز أيضا .
يقول : ( يكبر على إثر كل حصاة ويتقدم ثم يسهل فيقوم ويستقبل القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي الوسطى ، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ) يعني ينزل مع سهل الطريق .
( ويقوم مستقبل القبلة ثم يدعو فيرفع يديه طويلا ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف فيقول : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ) رواه البخاري " .
والله أعلم ، طيب نقرأ الحديث الذي بعده بعد .
28 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ، يكبر على أثر كل حصاة ، ثم يتقدم ، ثم يسهل ، فيقوم فيستقبل القبلة ، فيقوم طويلاً ، ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى ، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة ، ثم يدعو فيرفع يديه ويقوم طويلاً ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف ، فيقول : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله . رواه البخاري . أستمع حفظ
وعنه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم ارحم المحلقين ) قالوا : والمقصرين يا رسول الله ، قال في الثالثة : ( والمقصرين ) . متفق عليه .
الطالب : للمحلقين !
الشيخ : إي صح .
ففيه دليل على أن الحلق أفضل ، لأنه دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة .
29 - وعنه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم ارحم المحلقين ) قالوا : والمقصرين يا رسول الله ، قال في الثالثة : ( والمقصرين ) . متفق عليه . أستمع حفظ
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع ، فجعلوا يسألونه ، فقال رجل : لم أشعر ، فحلقت قبل أن أذبح ، قال : ( اذبح ولا حرج ) ، وجاء آخر ، فقال : لم أشعر ، فنحرت قبل أن أرمي ، قال : ( ارم ولا حرج ) ، فما سئل يومئذ عن شي قدم ولا أخر إلا قال : ( افعل ولا حرج ) . متفق عليه .
ففي هذا الترتيب بين الأفعال التي تفعل يوم العيد ، وهي خمسة : الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف ثم السعي ، هكذا مرتبة ، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج .
لكن هل يشترط أن يكون ذلك عن جهل أو نسيان : لقوله : لم أشعر أو لا؟ في هذا خلاف بين العلماء منهم من قال: إنه يشترط أن يكون ذلك عن جهل أو نسيان لأنه قال لم أشعر ، والجواب .
30 - وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع ، فجعلوا يسألونه ، فقال رجل : لم أشعر ، فحلقت قبل أن أذبح ، قال : ( اذبح ولا حرج ) ، وجاء آخر ، فقال : لم أشعر ، فنحرت قبل أن أرمي ، قال : ( ارم ولا حرج ) ، فما سئل يومئذ عن شي قدم ولا أخر إلا قال : ( افعل ولا حرج ) . متفق عليه . أستمع حفظ