باب الحضانة.
الحضانة : مأخوذة من الحِضن وهو الحِجر، حِجر الإنسان، يقال : احتضن الرجل إذا وضعه في حضنه والتزمه .
وهي : " حفظ الصغير والسفيه والمجنون عما يضره والقيام بمصالحه " ، هذه الحضانة اصطلاحًا ، حفظ الصغير والمجنون ومَن ؟ والسفيه عما يضره والقيام بمصالحه ، يعني : حفظ القاصر وحمايته مما يضره والقيام بمصالحه .
وهي واجبة ، ولكنها هل هي واجبة للحاضن أو واجبة عليه ؟ نقول : أما عند التزاحم فهي واجبة للحاضِن ، وأما عند التخاذل فهي واجبة ، فرض كفاية على الأقارب أن يحضنوا هؤلاء من أقاربهم ، يعني : الصغير والمجنون والسفيه .
السفيه بمعنى المعتوه الذي لا يحسن يتصرف .
حكمها أنها فرض كفاية ، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ، وقد علمتم أنه إذا كان هناك تزاحم فهي حق للمحضون وإذا لم يكن تزاحم فهي حق ، إذا كان هناك تخاذل فهي حق على المحضون ، تكون فرض كفاية على الأقارب .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني كان بطني له وعاءً ، وثديي له سقاءً ، وحجري له حواءً ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) . رواه أحمد وأبوا داود ، وصححه الحاكم .
هذا الحديث فيه هذه المرأة شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها حين طلقها وأراد أن يأخذ ابنها منها ، وجاءت بمبررات على سبيل السجع فقالت : ( إن ابني كان بطني له وعاءً ) : بمنزلة الوعاء الذي يوضع فيه الطعام وهذا وصف مطابق تمامًا ، ( وكان ثديي له سقاء ) : لأنه يشرب منه اللبن فهو بمنزلة السقاء الذي يشرب منه الإنسان الماء واللبن ، ( وكان حِجري له حواء ) : يعني تضعه في حجرها فيحويه وتحضنه إلى صدرها ، ( وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني ) : كما تجيء به العادة كثيرا إذا طلق الرجل زوجته ساءت العلاقة بينه وبينها فيريد أن يأخذ الولد ، أحيانا يريد أن يأخذه شفقة عليه ، وأحيانا يريد أن يأخذ حبا له ، وأحيانا يريد أن يأخذه إضرارا بأمه ، المهم أن الناس تختلف نياتهم وإراداتهم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) : يعني أنت أحق به في الحضانة ، وهو لك ما لم تنكحي ، فإذا نكحت فلا تكون أحق به منه بل يكون هو أحق ، ووجه ذلك : أن المرأة إذا تزوجت وبقي ابنها معها صار تحت حجر هذا الزوج الجديد ، فيمن عليه ، ويتعلق به الطفل أكثر مما يتعلق بأبيه ، وربما يستخدمه زوج أمه استخداما سيئا إذا أمكن أن يستخدمه ، فالمهم أنه إذا نَكَحت فإن حقها من الحضانة يسقط ويكون لأبيه .
ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هنا بين أن يحدث لها سفر أو لا يحدث بل قال : ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) ، ولم يقل : ما لم تنكحي أو تسافري ، وعلى هذا فيكون فيه دليل على أن السفر لا يسقط الحضانة كما سنبينه .
2 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني كان بطني له وعاءً ، وثديي له سقاءً ، وحجري له حواءً ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) . رواه أحمد وأبوا داود ، وصححه الحاكم . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني كان بطني له وعاءً ، وثديي له سقاءً ... ).
أولا : جواز السجع ، لقولها : ( كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء ) : ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها ، فإن قال قائل : كيف يقرها ولم يقر حَمَل بن النابغة حين قال : ( كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ، ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل ) ؟ قلنا : الفرق أن هذه سجعت هذا السجع لتطلب بحق ، وأما حَمَل بن النابغة فسجع السجع لأجل إبطال الحق وبينهما فرق ، ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المرأة .
ومن فوائد هذا الحديث : أن حضانة الأم لا تسقط بالطلاق لقوله : ( أنت أحق به ) وقد قالت : ( إنه طلقها ) ، فتكون الحضانة لها لا لأبيه .
ومن فوائد الحديث : أن الحضانة حق للحاضن ، لقوله : ( أنتِ أحق به ) وهو كذلك ، هي حق للحاضن إذا طلبها فإنه يعطى إياها ، ولكن لا بد من شروط : الشرط الذي ذكره الرسول : ( ما لم تنكحي ) ، فيستفاد منه أنها إذا تزوجت الأم فإن حقها من الحضانة يسقط .
طيب وظاهر الحديث العموم ، يعني سواء نكحت قريبا للمحضون أو بعيداً ، ولكن سيأتي إن شاء الله حديث تخاصم جعفر بن أبي طالب وزيد في بنت حمزة ، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : قضى بها لخالتها مع أنها قد تزوجت وقال : ( الخالة بمنزلة الأم ) : فيجمع بينهما بأنها تزوجت قريبا للمحضون وإذا تزوجت قريبا للمحضون فإن حضانتها لا تسقط .
وليعلم أنه يُشترط في الحضانة أن يتحقق المقصود بها وهو : نعم ، حفظ المحضون عما يضره ، والقيام بمصالحه ، فإن قدر أن الحاضن لا يهتم بهذا المحضون ، يسفه أو يرشد يضيع أو يهتدي ما يهمه ، فإن حضانته تسقط ، لأن الحضانة إنما ثبتت لحظ المحضون ، فإذا لم يكن للمحضون حظ فيها فإنها تسقط . نعم ، شوف الأسئلة .
3 - فوائد حديث : ( أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني كان بطني له وعاءً ، وثديي له سقاءً ... ). أستمع حفظ
هل للرجل الحق في مطالبة الولد من زوجتها المطلقة قبل البلوغ ؟
الشيخ : كيف ؟
السائل : ... ها قصدي من هذا السؤال ، جزاك الله خير .
الشيخ : نعم ، هو على كل حال إذا طالب إضرارا بها فإنه يأثم ، لكن ليس لنا إلا الظاهر : أنه طالب بحق ، ومعلوم أنه ليس له الحق إلا إذا تزوجت .
السائل : لكن يا شيخ هل يسقط هذا الشرط ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : هل هو خاص ؟
الشيخ : إي هذا خاص .
السائل : ...
الشيخ : لا لا ما يعجبه .
هل الفسخ يعد من الطلاق؟
الشيخ : نعم .
السائل : متى نقول للمرأة الحق بالطلاق ؟
الشيخ : إذا طالبت .
السائل : ويش الفرق بين الفسخ والطلاق ؟
الشيخ : الفسخ طلاق ما بينهما فرق ، المقصود الفراق ، لكن إن وقع بلفظ الطلاق حُسب من الطلاق ، وإذا وقع بلفظ الفسخ لم يحسب من الطلاق .
السائل : طيب يا شيخ هل نقول : مثلا إذا وجد العيب في الزوج أو الزوجة .
الشيخ : نعم .
السائل : عيب في الزوج أو الزوجة ، أو مثلا إذا أخل بشرط فتطلب الطلاق ؟
الشيخ : الفسخ الفسخ .
السائل : في أي حال يا شيخ ؟
الشيخ : إذا فات المقصود بما شرط ، أو وجد عيب يفوت المقصود .
السائل : تطلب الطلاق !
الشيخ : لا بس المرأة ما يمكن تطلق ، إذا كان العيب في الزوج ما فيه ، نعم .
السائل : في حديث خالد .
الشيخ : نعم !
السائل : ورد فيه لفظ : ( وابدأ بمن تعول ) ؟
الشيخ : نعم .
السائل : قوله : ( وابدأ بمن تعول ) هذا مجمل .
الشيخ : نعم .
السائل : تفسيره .
الشيخ : نعم .
السائل : طيب ، يرد عليه ابن الزوجة .
الشيخ : نعم .
السائل : كيف ؟
الشيخ : هذه لعله الرسول يعرف أن هذا الرجل ما عنده ... نعم .
السائل : شيخ ... .
الشيخ : نعم .
السائل : هو نفس الجواب عن الأخ ؟
الشيخ : نعم .
السائل : لم يكن له والدين .
الشيخ : إنو إيش ؟
السائل : لم يكن له والدين ، كما في حديث أبي هريرة .
الشيخ : أبو هريرة ! اقرأ الحديث اقرأ الحديث ، ها .
السائل : لا مو حديث أبو هريرة .
الشيخ : إي نعم .
السائل : شيخ قال : ( عندي دينار ، ثم قال بعدها : قال : عندي آخر ) : هل المقصود عندي دينار يعني ما عنده غير دينار بعدين يدخل في باب الكذب أو يعني قال : عندي دينار .
الشيخ : لا مهو كذب ، صادق ، لكن أراد أن يأخذ الجواب من الرسول عليه الصلاة والسلام مرتباً .
السائل : يعني ما يقول ما عندي غير دينار مجازا ؟
الشيخ : لا لا الأصل أنه حقيقة لا تقدير ، نعم .
أليست المرأة أعظم حقا من الأب على ابنه ولهذا كرر النبي صلى الله عليه وسلم على من سأل أي الناس أحق بالبر فقال أمك ثلاث مرات فتكون هي أحق بالحضانة من الزوج ؟
السائل : رضي الله عنكم : قيل إن أعظم الحقوق على المرأة حق الزوج ، والرسول صلى الله عليه وسلم كرر على السائل ثلاث مرات أن أحق الناس أمك ؟!
الشيخ : أحق الناس بالبر ، والذي تقول العكس : حق الزوج على الزوجة أعظم من حق أبيها عليها .
السائل : أمها الزوجة ، أمها أقدم من الزوج ؟
الشيخ : لا الزوج أقدم ، لكن الزوج ما تجب نفقته عليها إنما بالسلطة والإمرة الزوج أقدم .
6 - أليست المرأة أعظم حقا من الأب على ابنه ولهذا كرر النبي صلى الله عليه وسلم على من سأل أي الناس أحق بالبر فقال أمك ثلاث مرات فتكون هي أحق بالحضانة من الزوج ؟ أستمع حفظ
في قصة الخلاف الذي جرى بين جعفر وعلي وزيد بن حارثة في بنت حمزة فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم للخالة ؟
الشيخ : نعم .
الطالب : ما يكون لأنه اجتمع فيها يعني هاتان ؟
الشيخ : لا الرسول علل قال : ( الخالة بمنزلة الأم ) ، فبين أن المرجح هو الخالة دون القرابة ، سيأتينا الحديث إن شاء الله تعالى ، نعم .
الطالب : شيخ في إشكال : قوته ، إذا قلنا إنه ... النفقة ؟
الشيخ : ما يضر ، لأن كل فضله ، ( عمن يملك ) هذا فضلة ، والممنوع إذا كان عمدة ، نعم .
الطالب : عدم تواجد الحاضنة ، يعني لو كان زوج الأم مثلا كان يُعلم منه أنه لا يضر هذا الابن ، هل تسقط بذلك الحضانة ؟
الشيخ : هو لا بد من الشروط ، شروط الحاضن لا بد منها ، إن شاء الله نذكرها في الدرس القادم لأنه ما يمدينا الآن طيب .
الطالب : الحديث الثاني ؟
الشيخ : الحديث الثاني ، نعم .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
نقل المصنف -رحمه الله- :
" وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : ( أن امرأة قالت : يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني ، وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عِنبة ، فجاء زوجها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا غلام ! هذا أبوك ، وهذه أمك ، فخذ بيد أيهما شئت . فأخذ بيد أمه ، فانطلقت به ) رواه أحمد والأربعة ، وصححه الترمذي " .
الشيخ : نعم .
القارئ : " وعن رافع بن سنان رضي الله عنه : ( أنه أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم ، فأقعد النبي صلى الله عليه وسلم الأم ناحيةً ، والأب ناحيةً ، وأقعد الصبي بينهما ، فمال إلى أمه ، فقال : اللهم اهده . فمال إلى أبيه فأخذه ) أخرجه أبو داود والنسائي ، وصححه الحاكم .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة لخالتها ، وقال : الخالة بمنزلة الأم ) أخرجه البخاري .
وأخرجه أحمد من حديث علي رضي الله تعالى عنه قال : ( والجارية عند خالتها ، فإن الخالة والدة ) .
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ، فإن لم يُجلسه معه فليناوله لقمةً أو لقمتين ) متفق عليه، واللفظ للبخاري .
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عُذبت امرأةٌ في هرةٍ ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت النار فيها ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) متفق عليه " .
7 - في قصة الخلاف الذي جرى بين جعفر وعلي وزيد بن حارثة في بنت حمزة فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم للخالة ؟ أستمع حفظ
مناقشة ما سبق.
سبق لنا معنى الحضانة ، وأنها مشتقة في اللغة من الحِضن ، وهو الحِجر ، وفي الاصطلاح ؟
الطالب : " حفظ الصغير عما يضره والقيام بمصالحه " .
الشيخ : نعم حفظ الصغير والمجنون والسفيه عما يضره والقيام بمصالحه ، وسبق لنا هل هي حق للحاضن أو حق عليه ؟ شرافي ؟
الطالب : ... عند الازدحام .
الشيخ : هل هي حق له أو عليه ؟
الطالب : إذا كان فيه ازدحام فهي حق للحاضن وإذا كان عند المشاحة .
الشيخ : المشاحة هو الازدحام .
الطالب : وإذا كان عند يعني .
الشيخ : التخلي .
الطالب : التخلي فهو عليه .
الشيخ : أي نعم ، طيب اشرح هذا المعنى ، عبد الرزاق ؟
الطالب : إذا تشاحّ الأولياء !
الشيخ : إذا تشاح الأولياء ، كل واحد يقول : أنا أريد أن أحضنه .
الطالب : فهو حق للحاضن .
الشيخ : فيقدم الأولى فالأولى ، والتخلي ؟
الطالب : إذا سبق ... صار حق للأولى .
الشيخ : يلزم بها الأولى فالأولى طيب ، فصارت من وجه حق للحاضن ومن وجه حق عليه .
طيب من الذي يقدم ؟ هل هو الأم أو الأب أم ماذا ؟ سبق لنا بيان ذلك !
الطالب : الأم .
الشيخ : الأم ، دليله ؟
الطالب : دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى لامرأة فقال : ( أنت أحق به ) .
الشيخ : أحق به .
الطالب : ( أحق به ما لم تنكحي ) .
الشيخ : نعم أحسنت ، قال : ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) ، ولأن المعنى يقتضي ذلك ، عبيد الله !
الطالب : هي أحق بقيامها عليه !
الشيخ : لأنها أرأف به ، أرأف به وأشد شفقة ، فكانت أولى به من الأب ، نعم ، طيب فإذا تزوجت خالد ؟
الطالب : يأخه الأب .
الشيخ : يأخذه الأب ، ما هو الدليل سليم ؟
الطالب : قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما لم تنكجي ) .
الشيخ : نعم ، ( ما لم تنكحي ) طيب والمعنى ؟
الطالب : ما لم تتزوجي .
الشيخ : أي ، ما لم تتزوج يقتضيه أيضا المعنى ، يعني فعندنا دليل وعندنا تعليل نعم ؟
الطالب : سؤالكم .
الشيخ : السؤال : لماذا تسقط حضانتها إذا تزوجت ؟ قلنا لقوله : ( ما لم تنكحي ) هذا دليل ، تعليل ؟
الطالب : ربما زوجها لا يعتني بهذا الولد ، والأب أحن منه .
الشيخ : وهي تنشغل أيضا بالزوج الجديد ، لأنها تنشغل وكذلك الزوج ربما لا يمن عليه أن يبقى ولدها معها ، طيب إذا تزوجت وشرطت على الزوج الثاني أنها تحضن ولدها ، هل تكون أحق به أو لا ؟ عبد الرحمن ، آه ؟
الطالب : ما كملناه !
الشيخ : ما كملناه ؟
الطالب : وقفنا عند حق الأب .
الشيخ : عجيب ، بسم الله الرحمن الرحيم .
إذًا نأخذ الفوائد :
بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف فيما نقله عن عبد الله بن عمرو : ( أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني كان بطني له وعاء ) : يعني بمنزلة الوعاء ، ( وثديي له سقاء ) : لأنه يحمل اللبن له ، ( وحجري له حواء ) : يعني يحويه وذكرت هذا لتبرر مطالبتها بحضانة الولد ، لأنها ما دامت هذه الأمور حصلت منها لهذا الولد ، فإنها تبرر أن تكون هي أحقَ به من أبيه ، قالت : ( وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنت أحق به ) : يعني من أبيه ، ( ما لم تنكحي ) : فحكم به للأم ، وقال : ( أنت أحق به ) وهذا مقيد بقوله : ( ما لم تنكحي ) : وما هذه يسميها علماء النحو مصدرية ظرفية ، أي : مدة داوم عدم نكاحك ، يعني ما دمت لم تنكحي أحدا .
تتمة فوائد حديث : ( أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني كان بطني له وعاءً ، وثديي له سقاءً ... ).
أولا : ذكر الخَصم ما يبرر خصومته ويرجح جانبه ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرها .
ومن فوائده : أنه لا يُذم السجع إذا كان بحق ، لأن هذه المرأة سجعت : وعاء سقاء حواء ، ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنكر على حَمَل بن النباغة حين قال : ( كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يُطل ؟! فقال عليه الصلاة والسلام : إنما هذا من إخوان الكهان ) : من أجل سجعه ، وهنا لم يقل هذه المرأة من إخوان الكهان والفرق ظاهر ، لأن هذه المرأة تطالب بحق ، وذاك يريد أن يبطل حقا ، فلهذا لم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فدل هذا على جواز السجع إذا لم يتوصل به إلى إبطال حق أو إحقاق باطل .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز مخاصمة الزوجين بعضهما لبعض ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُنكر على هذه المرأة ، هذا إذا كانت المسألة من باب الخصومة ، أما إذا كان من باب الاستفتاء كما استفتت هند بنت عتبة في شأنها مع زوجها أبي سفيان ، فإنه لا يدل على ذلك ، ولكن لو سُئلنا : هل يجوز للمرأة أن تطالب زوجها أو الزوج أن يطالب امرأته بحق ؟
فالجواب : نعم يجوز ذلك ، لأنه لا يُمنع أحد من طلب حقه ، إنما الذي يمنع مطالبة الابن أو البنت أباهما فإنه لا يجوز لهما مطالبته ، لأن له أن يتملك من مالهما ما شاء إلا في حال واحدة استثناها العلماء ، وهي : النفقة الواجبة ، فإن النفقة الواجبة للولد ذكرا كان أو أنثى أن يطالب أباه بها ، لأن هذه لحفظ النفس ، وحفظ النفس ضرورة .
طيب ومن فوائد هذا الحديث : أن الأم مقدمة على الأب في الحضانة ، إلا إذا تزوجت لقوله : ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) .
ومن فوئد الحديث : الإشارة إلى أن أهم مقصود في الحضانة هي رعاية الطفل لقوله : ( ما لم تنكحي ) ، لأن الحكمة من سقوط حضانتها بنكاحها انشغالها بالزوج وضيق الزوج ذرعا بالولد .
ومن فوائد هذا الحديث : أن حضانتها تسقط ولو رضي الزوج بذلك ، أي بحضانتها ، بأن شُرط عليه أن تبقى حضانتها لولدها من الزوج السابق فرضي فإنها ليست أحق به لعموم قوله : ( ما لم تُنكحي ) ، أو ( ما لم تَنكحي ) ، ولأن الزوج ربما يرضى عن إكراه في أول الأمر ثم تختلف الحال .
ومن فوائد الحديث : أن ظاهره أنه لا فرق بين أن تتزوج بزوج قريب من المحضون ، أو بعيد منه ، وجهه ؟ العموم ، ( ما لم تنكحي ) ، لكن سيأتينا في حديث البراء بن عازب ما يخالف ذلك ويأتي الكلام عليه إن شاء الله . فإذا قال قائل : هل هناك من ضابط يضبط من يُقدم في الحضانة ؟
نقول : نعم ، ذكر العلماء ضوابط لكن اختلفوا واضطربوا فيها اضطرابا كثيرا وذلك لأنه ليس هناك دليل يفصل تفصيلا واضحاً ، وأحسن ما ما ذُكر في هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ، ورأيه يتلخص في البيتين الآتيين :
" وقدمِ الأقربَ ثم الأنثى *** وإن يكونا ذكرًا وأنثى
فأقرِعن في جهة وقدمِ *** أبوة إن "
نسيت آخر البيت من يحفظه منكم ؟
" إن لجهات تنتمي " ، " أبوة إن لجهات تنتمي " .
قوله : " وقدم الأقرب " : يعني لو اجتمعت جدة وأب فهنا يقدم الأب ، لأنه أقرب ، أُم وجدة ؟ الأم ، لأنها أقرب .
" ثم الأنثى " : إذا كانا سواء في القرب فقدم الأنثى ، فأم وأب ؟ الأم ، جد وجدة ؟ الجدة ، خال وخالة ؟ الخالة ، عم وعمة ؟ العمة وهلم جرا .
ووجه ذلك : القياس على الأب والأم ، حيث قضى النبي صلى الله عليه وسلم بأنه للأم مع نزاع الأب ، لأنهما في القرب سواء ، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الأنثى ، ولأن الأنثى في الغالب أشد شفقة وحناناً من الذكر .
" وإن يكونا ذكرا أو أنثى " : يعني أن يكون اثنين ذكور ، اثنين إناث ، " فأقرعن في جهة " : أقرع بين الذكرين أو بين الأنثيين إذا كانا في جهة ، مثاله : عمَّان ، تنازعا في حضانة ابن أخيهما ، فمن يقدم ؟ يقرع بينهما ، يقرع بينهما . عمتان تنازعتا في حضانة ابن أخيهما ! ماذا نعمل ؟ نُقرع لأنه لا فضل لواحد على الآخر ، والقرعة تعين المبهم .
فإن قال قائل : القرعة مبنية على الحظ والنصيب وهذا غرر ميسر ، فكيف تجوز القرعة ؟
قلنا : تجوز بالنص والنظر ، بالأثر والنظر : ففي كتاب الله عز وجل قصتان أُقرع فيهما ، القصة الأولى : (( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفُل مريم )) : تنازعوا في كفالة مريم واقترعوا .
والقصة الثانية يونس : (( فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم )) .
أما في السنة فوردت في عدة أشياء ، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) ، ومنها : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها ) .
وأما النظر فلأن الذين أقرعنا بينهم قد تساووا في الحقوق بدون مرجح ، ولا يمكن الجمع ، يعني لا يمكن أن نجعل هؤلاء في هذا الحق الواحد ، لأنه لا يمكن أن يكون إلا لواحد منهم ، فاستعمال القرعة خير من كون الشيء معلقا ، فيكون القرعة قد دل عليها الأثر والنظر ، إذًا إذا اجتمع حاضنان أو وليان في الحضانة وتنازعا فإنه يُقرع بينهما إذا كانا في جهة واحدة وكانا من جنس واحد إما ذكرين وإما أنثيين .
" وقدمِ أبوة إن لجهات تنتمي " : يعني إذا تساووا وهم في جهات ، فقدم جهة الأب ، لأن الأصل أن الانتماء للأب .
مثال ذلك : عمة وخالة ، عمة وخالة في جهتين ، وكلاهما أنثى ، أو كلتاهما أنثى ، فمن نُقدم الخالة أم العمة ؟ نقدم العمة ، لأنها من جهة الأب ، وهذا الضابط هو أحسن ما قيل في ضوابط الحضانة .
ولكن لا بد أن نلاحظ شرطا مهما وهو / مراعاة مصلحة المحضون ، فلو كان الأحق يضيع المحضون ، والمحقوق أشد مراعاة وتربية من الأحق ، فإنا نقدم المحقوق ، لأن المقصود بذلك رعاية الطفل .
ويستفاد من هذا الحديث : ( ما لم تنكحي ) أنها إذا نكحت انتقلت الحضانة إلى الأب ، ولكن هذا ما لم يكن انتقال الحضانة إلى الأب سببا لإضاعة الطفل ، مثل أن يجعله الأب عند ضرة أمه ، عند ضرة أمه التي تزوجت ، ومعروف ما بين الضرتين من الغيرة التي قد تؤدي إلى البغضاء ، وحينئذ لا تقوم زوجة أبيه بمصالحه ، فمثل هذا لا يجوز أن نعطيه الأب حتى وإن تزوجت الأم بل تكون الأم أحق ، فإن خفنا أن تضيعه أيضًا انتقلت الحضانة إلى ما بعدهما ، لأنه لا يجوز إقرار المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه طيب ، نعم ؟
الطالب : ... .
الشيخ : السؤال بعدين ، فنحن نقول : إذا كان يلزم من رده إلى أبيه بنكاح أمه أن يضيع الولد ، وألا يتربى ، فإنها تنتقل الحضانة من الأب إلى الأم إذا كان يمكن أن تقوم بواجب الحضانة أو إلى من سواها .
9 - تتمة فوائد حديث : ( أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني كان بطني له وعاءً ، وثديي له سقاءً ... ). أستمع حفظ
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن امرأة قالت : يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني ، وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة ، فجاء زوجها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام ! هذا أبوك ، وهذه أمك ، فخذ بيد أيهما شئت ) فأخذ بيد أمه ، فانطلقت به ، رواه أحمد والأربعة ، وصححه الترمذي .
قولها : ( يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني ) : ظاهر الحال أن زوجها قد طلقها لأنه لو لم يطلقها لكان ذهابه بابنها إلى بيتها ، الظاهر أنه طلقها .
( وقد نفعني ) الفاعل من ؟ الابن ( وسقاني من بئر أبي عنبة ) : وهي بئر مشهورة في المدينية يعرفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فجاء زوجها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به ) .
10 - وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن امرأة قالت : يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني ، وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة ، فجاء زوجها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام ! هذا أبوك ، وهذه أمك ، فخذ بيد أيهما شئت ) فأخذ بيد أمه ، فانطلقت به ، رواه أحمد والأربعة ، وصححه الترمذي . أستمع حفظ
فوائد حديث :( أن امرأة قالت : يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني ... ).
ومن فوائده : أن الغلام إذا بلغ سنا يعرف به مصالح نفسه فإنه يُخير بين أبيه وأمه ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيره بين أبيه وأمه ، فإن اختار أباه أخذه أبوه ، وإن اختار أمه أخذته أُمُّه ، ولكن هل يلزم من ذلك أن يهجر الآخر ؟ لا ، نقول : إذا اختار أباه صار عنده ، ولكن لا يمنعه من زيارة أمه ولا من زيارة أمه له ، إلا أن يخشى من ذلك ضررا فهو أعلم ، وأما بلا ضرر فالواجب أن يمكنه من زيارة أمه ومن زيارة أمه له بلا ضرر .
ومن فوائد هذا الحديث : أن التمييز لا يُشترط له سِن ، لأنه هنا عُلق بفهم الطفل واختياره من يرى أنه أصلح له ، ولم يُعلق بسن معين ، وهذا موضع اختلف فيه العلماء : فمنهم من قال : " إن التمييز يعتبر بالسن وهو بلوغ سبع سنوات ، وقال : إذا بلغ الطفل سبع سنوات فهو مميز وما دون ذلك فليس بمميز " : وذهب بعض العلماء إلى أن التمييز معتبر بالوصف ، فمن كان ذا تمييز فهو مميز وإن كان دون السبع ، ومن لم يكن ذا تمييز فليس بمميز وإن جاوز السبع ، وأن ذكر السبع في قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ) : بناء على الأغلب ، أن من بلغ السبع صار مميز .
فإن قال قائل : إذا اعتبرتم التمييز بالوصف فما هو الوصف ؟ قال العلماء : " هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب " ، يفهم ويرد وليس الذي يفهم ولا يرد ، لأن الذي لا يفهم ولا يرد يكون هذا بثلاث سنوات أو أقل ، طفل يفهم أن تقول : هات هذا هذه أمك وما أشبه ذلك ، لكن الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب هذا المميز .
طيب الحديث في محضون ذكر فهل الأنثى كذلك ؟ يعني أنها إذا بلغت سبعًا تخير بين أبيها وأمها أم ماذا ؟
هذا موضع خلاف بين العلماء ، منهم من قال : إنها تخير كالابن .
ومنهم من قال : يأخذها الأب ، لأن بقاءها وهي بنت شابة عند أمها يخشى عليها ، إذ أن الأم لا يمكن أن تدافع لو أنه سطا عليها رجل غاشم . ومنهم قال : بل تبقى عند أمها حتى تبلغ .
المذهب الأول : أن أباها يأخذها عنده ، ولكن القول الثاني أصح : أنها تبقى عند أمها ، لأن أمها أرحم بها من غيرها ، ولأن تعلق البنت بأمها أكثر من تعلق الطفل ، ولأن عناية الأم ببنتها في تعليمها حوائج البيت من طبخ وغيره أكثر بكثير من عناية زوجة أبيها أو جدتها من قِبل أبيها .
فالصواب أنها تبقى عند أمها حتى تتزوج إلا إذا خفنا من ذلك ضررا بأن تكون الأم في بيت غير مصون ، ويكثر الفساق الذين يتسورون البيوت ، ففي هذه الحال لا بد أن تكون عند أبيها الذي يحميها .
وعن رافع بن سنان رضي الله عنه أنه أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم ، فأقعد النبي صلى الله عليه وسلم الأم ناحيةً ، والأب ناحيةً ، وأقعد الصبي بينهما ، فمال إلى أمه ، فقال : ( اللهم اهده ) فمال إلى أبيه فأخذه . أخرجه أبو داود والنسائي ، وصححه الحاكم .
هذا أيضًا شبيه بالحديث الأول ، قول رافع بن سنان ( أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم ) : ولم يُذكر في الحديث ماذا يكون الحكم إذا أسلم الرجل وأبت المرأة أن تسلم !
والحكم فيه كما يلي : إن كانت المرأة يهودية أو نصرانية فالنكاح بحاله ، لا ينفسخ ، لماذا ؟ لأن المسلم يجوز له أن يتزوج اليهودية والنصرانية ابتداءً والاستدامة أقوى من الابتداء ، فإذا جاز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية ابتداءً فاستدامة النكاح من باب أولى .
وإذا لم تكن يهودية ولا نصرانية بل مشركة ، فإننا ننتظر حتى تنتهي العدة فإن انتهت العدة ولم تُسلم تبينا أن النكاح انفسخ منذ أسلم زوجها ، وإن أسلمت ، فالنكاح بحاله ، هذا هو المذهب : أننا ننتظر إيش ؟ العدة ثلاثة قروء ، إن أسلمت فيها فهي زوجته ، وإن لم تُسلم فإنه يتبين أن النكاح انفسخ مِن حين إسلامه لا من انقضاء العدة .
وقال بعض العلماء : " بل ينفسخ النكاح من حين إسلامه وإبائها ، لأنها صارت ممن لا يحل له " : فينفسخ النكاح بمجرد الإسلام ، إذا أسلم ولم تسلم صار هو مسلم وهي مشركة ، والمشركة لا يمكن أن تبقى في حبال المسلم . لكن المذهب الأول أوسع للناس ، لأنه ربما يحاول إذا أسلم أن يدعوها للإسلام وربما يهديها الله عز وجل .
الشاهد : في هذا الحديث أيضًا : أن الابن لا يُقر عند أبيه إذا كان كافرا ولو اختاره ، ولا عند أمه إذا كانت كافرة ولو اختارها ، لأن هذا الصبي مال إلى أمه وهي مشركة وكافرة ، ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دعا الله أن يهديه فمال إلى أبيه ، وكان الطفل في أول الأمر قد مال إلى أمه .
فإن قال قائل : إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يمنع الطفل من الميل إلى أمه ، وإنما دعا الله له ، وأنتم تقولون : إنه لا حضانة لكافر على مسلم ؟ قلنا : إن دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له مقبول وسيكون بمنزلة المنع ، ولهذا لو وقعت القصة عند حاكم اليوم أسلم الزوج وأبت المرأة أن تُسلم ومال الصبي إلى أمه ، فهل ندعو الله أن يهديه ، وإذا لم يرجع إلى أبيه نتركه أو نمنع ميله إلى أمه ؟!
الثاني ، الثاني ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس كغيره ، إذا دعا استجيب له ، وفي دعائه إلى أن يهديه الله عز وجل دليل على أنه إذا اختار أمه وهي كافرة على أن ذلك ليس بهدى ولكنه ضلال وغي ، فلهذا يتعين ألا يُمكَّن من الميل إلى أمه إذا كانت كافرة وأبوه مسلم .
12 - وعن رافع بن سنان رضي الله عنه أنه أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم ، فأقعد النبي صلى الله عليه وسلم الأم ناحيةً ، والأب ناحيةً ، وأقعد الصبي بينهما ، فمال إلى أمه ، فقال : ( اللهم اهده ) فمال إلى أبيه فأخذه . أخرجه أبو داود والنسائي ، وصححه الحاكم . أستمع حفظ
فوائد حديث :( رافع بن سنان رضي الله عنه أنه أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم ... ).
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن أهم شيء في الحِضانة أن يهتدي المحضون ، لقوله : ( اللهم اهده ) : فهذا أهم شيء ، وبناء عليه إذا كان الحاضن يُهمل المحضون ، لا يأمره بصلاة ولا يأمره بآداب ولا يقوم بواجبه التربوي ، فإن حضانته إيش ؟ تسقط ، وتكون الحضانة لمن يليه .
ثم قال : " وعن البراء بن عازب رضي الله عنه " نعم ؟ طيب .
سؤال عن حكم إغراء الولد من طرف الأب لحضانته ؟
الشيخ : نعم .
الطالب : فهل يبنى على ما رآه الابن من حنان أبويه السابق ، أو أن لأحد الأبوين يقول : أنا سأشتري لك كذا هذه اللعبة ، يغريه حتى ينجذب إليه ؟
الشيخ : إذا خير فإنه لا يمكَّن أحدهما من الإغراء فيما يتعلق بالطفل ، لأن الطفل ما عنده عقلية ، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله : " إذا اختار أباه أو أمه لكونه يُهمله ويطلق له العنان ولا يربيه فإنه لا يجاب إلى ذلك " ، وهذا حق ، لأن المقصود المصلحة نعم .
هل للكافر أن يحضن الابن المسلم ؟
الشيخ : مشرك ؟ ما يمكّن ، هذا هو الحديث الذي معنا الآن ، نقول : إنه لا يمكّن ، لأنه لا ولاية لكافر على مسلم .
السائل : وإن تزوجت أمه ؟
الشيخ : وإن تزوجت هي ، يُعطى لحاضن آخر أولى .
السائل : إذا قلنا إنه لا يمكن منه ، لماذا نخيره أصلا ؟
الشيخ : نعم .
السائل : لماذا لا نعطيه لأبيه المسلم ؟
الشيخ : لا ، إذا مال إلى من يهمله لا يمكّن .
السائل : إذا مال للكافر ؟
الشيخ : الكافر ما له حضانة أصلا ، يعني ليس من أهل الحضانة على المسلم ولهذا من شرط الحاضن أن يكون مسلما إذا كان المحضون مسلما .
السائل : لكن خير الولد !
الشيخ : نعم ؟
السائل : خيره !
الشيخ : غيره ؟
السائل : خيره ، ما ألزمه بأحد !
الشيخ : أيهم ؟
السائل : في قصة الرجل المسلم وامرأته كافرة .
الشيخ : لا أقعده بينهما فقط ، وهو ما يريد التخيير ، لكن لما رآه مائلا إلى أمه قال : ( اللهم اهده ) : فدل هذا على أن ميله إلى أمه ليس من الهداية نعم .
قوله صلى الله عليه وسلم ( أمه أحق به منه مالم تنكح ) هل هو من باب الفتوى ؟
الشيخ : ألسنا قلنا : يحتمل أن يكون حاضرًا ويحتمل ألَّا يكون حاضرًا ، فإن كان حاضرًا فهو حكم وإن كان غير حاضر فهو فتوى لكن يثبت به الحكم الشرعي على كل تقدير ، الحكم الشرعي لا يختلف على كل تقدير نعم .
لماذا لا يحضن العم الكبير ؟
الشيخ : نعم .
السائل : أن هذا يعني منع ، لو قال قائل : أن النبي ما يشترط إجابة دعوته .
الشيخ : نعم .
السائل : مثل دعاء نوح وإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وورد عن النبي عليه الصلاة والسلام دعا فلم يجب أيضا ، فقال إنه لا يشترط إجابة الدعاء !
الشيخ : مجرد دعاءه بالهداية له يدل على أن بقاءه عند أمه مخالف للهداية سواء استجيب أو لم يستجب .
السائل : يا شيخ بارك الله فيك إذا عمين تخاصموا على ابن الأخ قلت يا شيخ يُقرع بينهم ، لماذا لا نقول الأكبر أكبر يأخذه ؟
الشيخ : كيف ؟
السائل : العم الكبير لماذا لا يحضن هذا الولد ؟
الشيخ : نعم ، لماذا نأخذ الأكبر ؟
السائل : الكبير أفضل يا شيخ لأن .
الشيخ : لماذا ؟
السائل : لأن أكبر ، يعني أكبر الرجل يحترمه ممكن ابن الأخ ، ابن أخيه يمكن يحترمه أكثر منه .
الشيخ : لا يمكن أن نعلق الحكم بالكبر ، لأنه ربما يكون أكبر أيضا أضيع للطفل ، إذا كان كبيرا مُخرفا .
على كل حال يمكن أن نقول مع التساوي مع التساوي في الولاية والرعاية يمكن أن نقدم الأكبر .
وعن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة لخالتها ، وقال : ( الخالة بمنزلة الأم ) . أخرجه البخاري . وأخرجه أحمد من حديث علي - رضي الله تعالى عنه - قال : والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة .
قال : " وعن البراء بن عازب رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في ابنة حمزة لخالتها وقال : الخالة بمنزلة الأم ) "
حمزة هو عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ابن عبد المطلب ، قتل شهيدا في أحد ، وهو سيد الشهداء وأفضل الشهداء ، اللهم إلا من قتل بغير معركة كعمر بن الخطاب مثلا فإنه أفضل منه ، أفضل منه من حيث قيامه بالإسلام والدين ونفع المسلمين به ، وإن كان حمزة أفضل منه نسبًا .
هذه البنت قضى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخالتها ، وقال : ( الخالة بمنزلة الأم ) : وذلك أنه تنازع فيها ثلاث : علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأخوه جعفر بن أبي طالب وهو زوج خالتها ، والثالث زيد بن حارثة ، وقال : ( إنها ابنة أخي ) : يعني من الرضاع ، أو لأن الرسول أخى بينه وبين حمزة ، تنازع فيها الثلاثة فقاضى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخالتها ، وأعطاها جعفر بن أبي طالب ، وقال : ( الخالة بمنزلة الأم ) .
18 - وعن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة لخالتها ، وقال : ( الخالة بمنزلة الأم ) . أخرجه البخاري . وأخرجه أحمد من حديث علي - رضي الله تعالى عنه - قال : والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة لخالتها ... ).
الجواب أن هذا ليس فيه منازع ، وذلك لأن علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة ليسا معهما أم ، يعني امرأة تقوم مقام الأم ، وإلا فإن علي بن أبي طالب وجعفر بن أبي طالب متساويان في القرب من هذه البنت ، فلما كان جانب هذا أرجح وليس في جانب الآخر ما يرجحه قضي به بذلك ، وقيل : بل العلة شيء آخر ، وهي أنه : إذا كان الزوج أجنبياً من المحضون فإن حضانة أمه تسقط ، وأما إذا كان قريباً فإنها لا تسقط ، ومن المعلوم أن جعفر بن أبي طالب قريب من بنت حمزة بن عبد المطلب ، وهذا هو الذي مشى عليه فقهاؤنا -رحمهم الله- وقالوا : " إن نكاح الأم أو الأنثى التي لها حق الحضانة لا يسقط حضانتها إذا كان الزوج من أقارب المحضون " ، وقال بعض أهل العلم : " إن العلة في النكاح ليس مجرد النكاح بل عدم رضا الزوج الذي تزوج الأم " ، أو بعبارة أعم الذي تزوج الحاضنة ، فإذا كان الزوج راضيًا بذلك بل مطالبًا به ، فإن حق الأم أو المرأة ، أو بعبارة أعم فإن حق المرأة التي لها الحضانة لا يسقط ، وعلى هذا يكون المراعى حق مَن ؟ حق الزوج ، فإذا رضي بذلك فلا بأس ، وعلى الوجه الثاني يكون المراعى حق المحضون إن كان الزوج قريباً منه فالحضانة باقية ، وإن كان غير قريب فإن الحضانة تسقط ، والقولان الأخيران كلاهما في الميزان سواء ، وذلك أن الزوج الجديد إذا رضي بأن تبقى بنت زوجته التي لها حضانتها ، إذا رضي أن تبقى وعُلم أن الرجل ثقة وأمين فينبغي ألا يسقط حق الأم ، لأن بقاء الطفلة أو الطفل مع أمه في هذه الحال أقرب إلى مصلحته مما لو كان عند أبيه وجعله الأب عند ضرة أمه التي فارقها ، فإن الأمر يكون صعباً .
وعلى هذا فنختار أحد الوجهين : إما أن نقول : إذا تزوجت من لها الحضانة بزوج أجنبي من المحضون سقطت حَضانتها ، أو نقول : وإن تزوجت بقريب فإنها لا تسقط ، أو نقول : إذا تزوجت من لها الحضانة بزوج لا يختار أن يكون مع زوجته أحد ، فإن الحضانة تسقط ، وإن اختار ورضي بل طالب فإن الحضانة لا تسقط ، لأنه في هذه الحال لن يضيع المحضون .
وعلى كل قول من هذين القولين مشى طائفة مِن العلماء .
وأما القول بتقديم حديث البراء بن عازب على ما سبق لأنه في * الصحيحين * بل أخرجه البخاري ، فيكون أصح ، فنقول : لا ، لا صحة لهذا القول ، لأن من العلماء من قال : " إن حقها لا يسقط بالنكاح مطلقا ، واستدل بحديث البراء " ، ولكننا نقول : لا نعدل إلى الترجيح إلا إذا تعذر الجمع ، أما إذا أمكن الجمع بأحد الوجهين السابقين فإنه لا حاجة للترجيح .
في هذا الحديث فوائد :
من فوائده : عَدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا فمن المعلوم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل الثلاثة ، لكن لعدله عليه الصلاة والسلام قضى بما يقتضيه العدل .
ومن فوائد الحديث : تقديم الأنثى على الذكر في الحضانة إذا كانوا في منزلة واحدة ، وقد سبق ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رجح جانب جعفر لكون خالتها معه ، ولم يراع الأفضلية ولم يقرع بين علي وجعفر لتساويهما في القرابة ، بل رجح جانب الخالة .
ومن فوائد الحديث : أن الخالة بمنزلة الأم ، فهل هذا عام في كل شيء أو هو عام أريد به الخاص ؟ أي : أن الخالة بمنزلة الأم في الحضانة فقط ؟
الثاني هو المتفق عليه ، والأول فيه نزاع : القول بأنها بمنزلة الأم في كل شيء : فمن يرى أن ذوي الأرحام يرثون ، قال : الخالة بمنزلة الأم في الحضانة والميراث ، ومن رأى أنهم لا يرثون قال : الخالة بمنزلة الأم في الحضانة فقط .
وأخرجه أحمد من حديث علي - رضي الله تعالى عنه - قال : والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة .
الشاهد قوله : ( وإن الخالة والدة ) : وهي بمعنى قوله في الحديث الأول : ( بمنزلة الأم ) : لكن الحديث الثاني فيه ما يسمى عند البلاغيين بالتشبيه البليغ ، التشبيه البليغ .
والتشبيه البليغ هو الذي حُذفت فيه الأداة ووجه الشبه ، فإنه يسمى تشبيها بليغا ، وإن حُذفت الأداة وحدها سمي مرسلا ، وإن حذف وجه الشبه سمى مجملا ، وهذه المسألة معروفة في البلاغة .
20 - وأخرجه أحمد من حديث علي - رضي الله تعالى عنه - قال : والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة . أستمع حفظ
وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمةً أو لقمتين ) . متفق عليه ، واللفظ للبخاري .
( إذا أتى أحدكم خادِمُه ) : لماذا صار الذي يلي الفعل منصوباً والآخر مرفوعاً ؟
لأنه من باب تقديم المفعول على الفاعل ، وتقديم المفعول على الفاعل جائز ومنه قوله تعالى : (( وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات )) ، وقوله : ( إذا أتى أحدكم خادمُه بطعام ) أي بطعام السيد ، ( فإن لم يُجلسه فليناوله لقمة أو لقمتين ) متفق عليه : يعني فالأفضل أن يجلسه معه ، لأن في ذلك فائدتين : الفائدة الأولى : التواضع حيث يجعل الخادم يأكل معه .
والفائدة الثانية : جبر خاطر الخادم ، لأنه إذا قال : اجلس تفضل كل فإنه يجبر خاطره ، ولكن لو لم يفعل فلا حرج عليه ، لأن الخادم نفسه أيضًا لا يكون في قلبه شيء على سيده إذا لم يجلسه معه ، لأنه يعرف نفسه أنه خادم ولكن يقول : ( فليناوله لقمة أو لقمتين ) : يعني لا يحرمه منه يعطه ولو بعض الشيء .
متفق عليه واللفظ للبخاري : وهنا نسأل ما وجه مناسبة هذا الحديث لباب الحضانة ؟ نعم ؟
الطالب : السيد يقوم على إطعام ومصالح هذا الخادم .
الشيخ : نعم ، إي نعم .
الطالب : لأن الزوجة إذا حضنته يكون يخدم زوجها .
الشيخ : لا لا هذا بعيد .
الطالب : إذا كان معاملة الخادم بهذه الطريقة فمعاملة الولد من باب أولى تكون بالرفق .
الشيخ : طيب ، نعم .
الطالب : إذا كانت تربية الخادم مهمة ، من باب أولى أن يهتم بالحضانة .
الشيخ : تغذية الجسم .
الطالب : تغذية الجسم نعم من باب أولى في الحضانة .
الشيخ : على كل حال هي المناسبة لها عدة أوجه منها : ما ذكره الإخوان وهو أنه إذا كان الإنسان يلاطف الخادم هذه الملاطفة فملاطفته للمحضون من باب أولى ، لأنه إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا وأرشدنا إلى أن نلاطف الخدم وهم خدم فما بالك بالمحضون ؟! فإذا جاء المحضون بالطعام فنقول : أجلسه معك أو ناوله لقمة أو لقمتين ، وهذا أقرب ما يكون من المناسبة .
ومنها : أنه إذا كان يجب علينا تغذية الأبدان في مَن ولَّانا الله عليه فتغذية الأرواح من باب أولى .
21 - وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمةً أو لقمتين ) . متفق عليه ، واللفظ للبخاري . أستمع حفظ
فوائد حديث :( إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ... ).
منها جواز استخدام الغير لقوله : ( إذا أتى أحدكم خادمُه بطعام ) ، ويتفرع على هذه الفائدة أن ذلك ليس من باب الترف ، ولكن هل الأفضل أن يستخدم الغير أو أن يخدم نفسه إلا لحاجة ؟
هذا أحسن ، أن يخدم نفسه إلا لحاجة ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام غالب أحواله أنه يكون في مهنة أهله ، في البيت يصلحه مع أن له خدمًا لكنه كان يباشر ذلك بنفسه .
ومن فوائد هذا الحديث : أن الخادم مؤتمن على طعام السيد لقوله : ( إذا أتى أحدكم خادمه بطعام ) ، ولكن هل نأتمن الخدم على الطعام مطلقا ، أو نقول : الأصل الائتمان ما لم يوجد سبب يغير هذا الأصل ؟
الثاني ، وبناء على ذلك نقول : لا يكن في قلبك شك مما يقدم إليك الخادم ، ولكن إن حَصل ريبة فلا حرج أن تحتاط ، ويُذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قُدمت له الشاة المسمومة في خيبر : ( كان لا يأكل من طعام الرجل إلا إذا أكل الرجل منه قبله ) : وهذا يستعمله كثير من الناس الذين يخافون على أنفسهم إذا قدم لهم الطعام أو الشراب قالوا للذي جاء به كل منه منه أنت أو اشرب منه ، لأجل إذا كان فيه ما يحذر يكون هذا الذي أكله هو أول الفريسة .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للإنسان أن يكون متواضعًا لقوله عليه الصلاة والسلام : ( فإن لم يجلسه معه فليناوله ) .
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للإنسان أن يجبر خاطر من خدمه بالجبر الأعلى أو بالجبر الأدنى ، الأعلى أن يجعل مساويًا له والأدنى دون ذلك .
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عذبت امرأةٌ في هرةٍ ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت النار فيها ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) . متفق عليه .
( عُذبت امرأة في هرة ) : امرأة نكرة ولم يعين اسمها ، لأن المقصود هو الحكم وقوله : ( في هرة سجنتها ) : في هنا للظرفية !
الطالب : لا تصلح للظرفية .
الشيخ : لا تصلح للظرفية ؟ لا ، لا تصلح للظرفية ، لأنه كيف تكون المرأة في وسط الهرة ؟! ولكنها للسببية ـ في هرة أي : بسببها .
وقوله : ( سجنتها ) يعني حبستها حتى ماتت ، ( فدخلت النار فيها ) فيها أي : بسببها ، ( لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض ) متفق عليه :
( خشاش الأرض ) ما فيها من حشرات ، لأن الهرة تأكل حشرات الأرض كما هو معروف.
في هذا الحديث يخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن امرأة دخلت النار بسبب هذه الهرة التي حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض ، فعُذبت لذلك .
ولكن هل هذا العذاب عذاب مستمر ؟ لا ، لأن العذاب الذي على المعاصي دون الكفر لا يستوجب الخلود في النار .
فإن قال قائل : ما وجه مناسبة هذا الحديث لباب الحضانة ؟ نعم ؟
الطالب : من باب أولى يعني ، من باب أولى أنه إذا عذبت في هرة فإذا عذب بمنع الطعام عن المحضون يكون العذاب أشد .
الشيخ : يعني أن الإنسان إذا أهمل ما تحت يده من غير البشر وعُذب بذلك ، فتعذيبه بالبشر من باب أولى نعم هذا صحيح .
23 - وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عذبت امرأةٌ في هرةٍ ، سجنتها حتى ماتت ، فدخلت النار فيها ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) . متفق عليه . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( عذبت امرأةٌ في هرةٍ ، سجنتها حتى ماتت ... ).
اطلع على ذلك في صلاة الكسوف ، حين عرضت له النار ، فرأى فيها عمرو بن لُحي الخُزاعي الذي هو أول من أدخل الضلالة والشرك على العرب ، ورأى فيها صاحب المحجن الذي يسرق الحُجاج بمحجنه ، والمِحجن هو العصا المحني الرأس ، فإذا مرَّ بالحاج أخذه بهذا المحجن، إن تفطن له قال : هذا من المحجن وإن لم يتفطن له أخذه ومشى ورأى فيها صاحبة الهرة تعذب بالنار بسبب هذه الهرة .
ويستفاد من ذلك : تحريم حبس البهائم في محل تهلك فيه سواء كان ذلك للجوع أو العطش أو الحر الشديد أو البرد الشديد ، لأن الحيوان قد يموت بغير الجوع والعطش قد يموت بالبرد الشديد قد يموت بالحر الشديد ، فيحرم حبسه بما يكون سببا لهلاكه .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز حبس الحيوان إذا قام الإنسان بالواجب ، واجب الأكل والشرب والتدفئة والتبريد ، الدليل قوله : ( لا هي أطعمتها وسقتها ) : ويتفرع من هذه الفائدة ما يفعله كثير من الناس اليوم بحبس الطيور في الأقفاص ، لكن يقومون بواجبها من الأكل والشرب ، فإنهم لا يعذبون بذلك ، ولكن هل يجوز أن تبذل الدراهم في شراء هذه الطيور مع أنا سمعنا أنها تباع بثمن غالي ؟
الجواب على هذا أن نقول : إذا كان فيها فائدة فلا بأس أن تبذل الدراهم بشرائها ، لأن بعض هذه الطيور فيه فائدة وهي : أنه إذا دخل رجل غريب البيت جعل يصرخ حتى ينتبه أهل البيت ، وبعضها يعرب ويفصح بلسانه يعني يقول قولا مفصحاً ويسمى هذا الببغاء ، وهو معروف ، ومن ذلك أيضا إذا كان الإنسان يحبس الصقور التي يُصطاد بها في الأقفاص ولكنه يقوم بطعامها وشرابها فلا بأس بهذا .
فإن قال قائل : وماذا تقولون في الطيور المحنطة ؟
أولًا : هل يجوز شراؤها بالثمن مع أنه لا فائدة منها ؟ وثانيًا : هل هي نجسة أو طاهرة ؟
أما الأول فنقول : إن اشتراها لمنفعة كالاطلاع على هذه الأنواع التي خلقها الله عز وجل والاستدلال بها على كمال قدرة الله عز وجل وحكمته فهذا لا بأس به .
أما لمجرد أن يجعلها زينة فإن هذا في جوازه نظر ، أما إذا جعلها عند المدخل من أجل حماية البيت من الشياطين ، فإن هذا لا يجوز ، لأن هذا سبب غير شرعي ، وإذا كان سببا غير شرعي فإنه يكون نوعا من الشرك .
وأما النجاسة فإن كانت مذكاة وهي مما يباح بالذكاة فليست بنجسة وأما إذا خُنقت خنقا فهي نجسة ، سواء كانت مما يحل بالذكاة أو لا ، إلا إذا كانت مما لا نفس له سائلة ، أو كانت مما تحل ميتته ، مثال الأول : العقرب والجعل وما أشبهها ، هذا ميتته طاهرة .
ومثال الثاني : السمك والجراد ونحو ذلك فإن ميتته طاهرة وليست بنجسة .
اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة ، نعم .
قلنا إن الطيور إذا كان فيها فائدة فلا بأس أن تشترى ؟
الشيخ : نعم .
الطالب : فهل من الفائدة التمتع بمنظر هذا الطير الجميل ، أو لمن يرتاح بسماع صوته ؟
الشيخ : هذا هو الظاهر ، أنت تقصد الحي ولا الميت ؟
السائل : لا ، الحي .
الشيخ : الحي ، إي نعم الظاهر أن هذا من المصلحة ، وتدخل في عموم قوله تعالى : (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا )) .
سؤال عن حكم تحنيط الحيوانات كالطيور مثلا ؟
السائل : هل نفس عملية التحنيط جائزة ولا فيها شيء من التعذيب ؟
الشيخ : لا ، ما فيه تعذيب لأن بعضهم يحنط إذا ذبح .
السائل : ما يذبح .
الشيخ : نعم ؟
السائل : تخنق خنقا .
الشيخ : خنق ؟
السائل : أو إبرة وهو حي .
الشيخ : طيب إذا أعطوه إبرة وهو حي ومات هو ميت ، هو ميتة ، لكن إذا كان مما يحل بالموت أو مما يكون طاهرًا بعد موته فلا إشكال . نعم ؟
السائل : شيخ مثلا لو كان محنط من الطيور أو غيرها !
الشيخ : إي نعم .
السائل : هل هذا نجس ... وهل ينجس ؟
الشيخ : له نحكم بالنجاسة ، أما مسألة هل ينجس أو لا ؟ هو إذا كان يابسا فإنه لا ينجس حتى لو مسسته بيدك لا ينجس ، إذا كان رطبا تنتقل النجاسة إلى اليد أو إلى الثوب إذا مسه ، فإنه ينجس ، على أن الريش والشعر ونحوه بعض العلماء يرى أنه لا ينجس بالموت ، يعني لو مات الحيوان فإنه لا ينجس ، لأنه لا تحله الحياة .
السائل : ... .
الشيخ : يخرج ما في جوفه نعم ، لا ، يبقى هيكل ، الهيكل كله .
السائل : حتى العظم شيخ ؟
الشيخ : ما يبقى ، ما يبقى ؟
السائل : حتى العظم .
الشيخ : سبحان الله ! نعم .
السائل : لا يبقي إلا اليد .
الشيخ : بس اليد فقط ؟! على كل حال إذا كان فيه مصلحة لا بأس ، قد يكون فيه مصلحة للإنسان يعرف ما خلق الله في الأرض من هذه الحيوانات ، نعم ؟
هل يعذب الجسد مع الروح في القبر ؟
السائل : شيخ في قول الله عز وجل ... فعل ماضي !
الشيخ : نعم .
السائل : ثم يقول عز وجل ... (( يوم القيامة )) .
الشيخ : نعم .
السائل : وآيات كثيرة تدل على أن العذاب لا يقع إلا يوم القيامة .
الشيخ : نعم العذاب على البدن والروح على وجه مستقر هذا لا يكون إلا يوم القيامة ، لكن قد تعذب الروح قبل يوم القيامة ، ولهذا شاهد النبي عليه الصلاة والسلام المرأة شاهدها في النار تعذب .
السائل : بدنا ولا روحًا ؟
الشيخ : لا روحًا لكن يعني شكل البدن .
السائل : البدن ما يعذب ؟
الشيخ : قد يعذب ، مر علينا أن البدن قد يعذب ، يعني الروح قد تتصل بالبدن أحيانا وقد لا تتصل ، نعم ؟ يوسف !
السائل : يا شيخنا ما حصل بين علي بن أبي طالب وجعفر وزيد هل لاحتساب الأجر أو لمصلحة البنت ؟
الشيخ : الظاهر يحتمل الأجر مع مصلحة البنت الطفلة هذه ، انتهى الوقت .
كتاب الجنايات.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " كتاب الجنايات " :
الجنايات جمع جناية ، وهي التعدي على النفس أو البدن أو المال ، والمراد هنا التعدي على البدن بما يوجب قصاصاً أو مالًا ، فهي أخص من المعنى اللغوي ، وهذا هو الغالب في الحدود : أن تكون أخص في الاصطلاح منها في اللغة إلا في مواضع يسيرة ، مثل الإيمان في اللغة : التصديق ، وفي الشرع : تصديق وقول وعمل ، فهو أعم من المعنى اللغوي .
وذكر المؤلف وغيره -رحمه الله- الجنايات بعد أن ذكر ما يتعلق بكمال النفس ، فالعبادات قبل كل شيء ، وبعدها المعاملات ، لأن الإنسان يحتاج إليها ، ثم الأنكحة ، وما يتعلق بها ، والعِدد ثم النفقات ، لاحتياج البدن إليها ، وما يتبعها من الرضاع والحضانة ونحو ذلك ثم العدوان ، وذلك أن الاعتداء يكون في الغالب عند تمام النعم حيث يكون الأشر والبطر ، إذا تمت النعمة حصل من بني آدم أشر وبطر وجناية وعدوان ، ولهذا نجد أن الفقراء تلحقهم الذلة والمسكنة ، ولهذا يسمون مساكين .
والجنايات محرمة مطلقًا سواء على البدن أو على المال أو على العِرض لقول النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الواداع وهو يخطب الناس : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) ، ولقوله تعالى في الحديث القدسي : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا ) .
وأعظم الجنايات الجناية على النفس ، لقوله تعالى : (( والين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنُون )) : فبدأ بقتل النفس قبل العِرض ، وهو الزنا ، لأنه أعظم ، أعظم ما يكون من الذنوب بعد الشرك بالله عز وجل .
وقد قسم العلماء -رحمهم الله- الجنايات إلى أقسام ثلاثة : العمد ، وشبه العمد ، والخطأ .
ما رأيكم لو أننا منعنا الكتابة يا جماعة ، لأن الحقيقة أن الكتابة تلهيكم عن الاستماع التام للدرس وما دام فيه مسجلات يمكن أن تكتبوا منها ؟ كيف ؟
الطالب : نسمع ونكتب !
الشيخ : لكن كيف الإنسان يكون له قلبان ؟ لو سمعت بالأذن ما تفقه بالقلب كيف ؟ نعم ؟
الطالب : الكتابة قيد .
الشيخ : نعم ؟ كيف ؟
الطالب : الكتابة قيد .
الشيخ : قيد ، إي لكن بس في وقت الاستماع ما تنفع الظاهر ما هو ؟!
قلنا ثلاثة أقسام : عمد ، وشبه عمد ، وخطأ .
فالعمد : أن يتعمد الجناية فيما يقتل غالباً على معصوم يعلم أنه معصوم . يتعمد الجناية فيما يقتل غالباً على معصوم ، يعني : من يعلم أنه معصوم ، مثل أن يرى فلانا وهو يعرف أنه معصوم مسلم أو ذمي فيتعمد قتله بسيف أو خنجر أو سكين أو رصاص فهذا عمد عدوان ، لأنه ليس فيه أدنى شبهة .
وأما شبه العمد : فأن يتعمد الجناية على معصوم بما لا يقتل في الغالب ، يتعمد الجنابة على معصوم بما لا يقتل في الغالب ، كالعصا ، السوط العادي فإنه إذا ضرب به إنساناً في غير مقتل لم يقتله في الغالب ، لكن لو فُرض أن الضربة ازدادت وسرت حتى مات فإنه شبه عمد ، وليس بعمد .
والخطأ ألا يقصد الجناية ، ألا يقصد الجناية أصلا ، مثل أن يرمي صيدًا فيصيب آدميًا ، فهذه أقسام الجنايات عند العلماء .
والذي فيه القصاص هو الأول العمد العدوان ، وأما شبه العمد والخطأ فليس فيه قصاص ، وإنما فيه الدية والكفارة ، والعمد فيه القصاص وليس فيه دية ولا كفارة ، إلا إذا اختار أولياء المقتول الدية فإنهم يأخذونها .
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم; يشهد أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله, إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني, والنفس بالنفس, والتارك لدينه; المفارق للجماعة ) متفق عليه
وحديث عائشة الذي بعده أعم منه حيث قال : ( لا يحل قتل مسلم ) : فهو أعم من أن يكون دمًا ، لأنه قد يقتله بخنق أو وطء على بطنه ، أو عصر لخصيتيه ، أو ما أشبه ذلك .
وقوله : ( مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ) : هذه الجملة تفسير لما قبلها ، لأن المسلم هو الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ومعنى يشهد أي : يعتقد بقلبه ناطقاً بلسانه أن لا إله إلا الله ، وجملة لا إله إلا الله جملة تشتمل على نفي وإثبات ، على نفي لكل معبود ، وإثبات لمعبود واحد وهو الله عز وجل .
وقد اختلف المعربون في إعرابها على نحو ستة أوجه ، واختلف المقدرون في تقديرها : فمنهم من قال : التقدير لا إله إلا موجود إلا الله : وهذا خطأ وليس بصحيح ، لأنه توجد آلهة تعبد من دون الله .
ومنهم من قال : المقدر محذوف تقديره : حق ، لا إله إلا حق إلا الله ، وهذا هو الصواب بل هو المتعين ، لأنه مطابق تمامًا لقوله تعالى : (( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل )) .