تتمة فوائد الآية (( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافلٍ عما تعملون )) والكلام على الصفات السلبية
لأن العدم المحض ليس بشيء فضلا عن أن يكون مدحا، فإن العدم ليس بشيء، لكنه يكون شيئا إذا تضمن إثباته، كل ما نفى الله عن نفسه فإنه صفة نقص وعيب، ويتضمن كم؟ شيئين: نفي هذه الصفة المعينة المنفية، والثاني: إثبات كمال ضدها، وبهذا نعلم أن صفات الله سبحانه وتعالى كاملة ليس فيها عيب بوجه من والوجوه.
مسألة: هل الإنسان مسير أو مخير، وهل للمشيئة تعلق في عمله. وذكر أقوال الناس في ذلك والرد على المخالفين.
ومنها: إضافة العمل إلى الإنسان، فيكون فيه رد على من؟ الجبرية،لقوله: ((عما تعملون)) أو ((عما يعملون)) ولا شك أن الإنسان يضاف إليه عمله، وعمله كسب له إن كان في الخير، واكتساب إن كان في الشر ((لها ما كسبت وعليه ما اكتسبت))وعلى كل حال الناس في هذه المسألة كما مر علينا في العقيدة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:قسم يرون أن الإنسان مجبر على العمل ما يفعل شيئا باختيارهم أبدا، وما فعله الاختياري إلا كفعله الاضطراري كمن نزل من السطح من الدرج درجة درجة هو في الحقيقة كمن سقط بدون علمه من أعلى السطح، عرفتم؟هذا مقبول لدي المعقول ولالا؟ غير مقبول.ومنهم من قال: إن الإنسان مستقل بعلمه وأن الله سبحانه و تعالى لا يصرف العبد إطلاقا، فالعبد له الحرية الكاملة في عمله ولا تعلق لمشيئة الله به ولا تعلق لتقدير الله وخلقه بعمل الإنسان، الإنسان حر تام الحرية، وهذا في الحقيقة قول باطل أيضا، لأنه يستلزم أن يكون في خلق الله ما لا يقدر عليه الله، أليس كذلك؟ بلى، لأنه مادام الإنسان حر في تصرفه معناه يقدر يعاكس ما يريد الله، فيكون في خلق الله ما لا يقدر عليه الله بل ما لا يشاءه الله، وهذا أيضا قول باطل، إذا تبين لنا بطلان هذا وهذا فإنه لابد أن يكون الحق في سواهما، فما هو الحق إذا؟ الحق أن نقول: إن الإنسان يفعل الفعل باختياره، ونعني بذلك الفعل الاختياري يقع منه باختياره دون رعش ومرتعش وحركة النائم الذي ما يدري، لكننا نريد ما يفعل الإنسان باختياره، يقع ذلك باختياره ولكنه تحت مشيئة الله وهو بخلق الله أيضا، ووجه كونه بخلق الله أن الإنسان مخلوق لله وفعله كائن بأمرين: بعزيمة صادقة وقدرة، توافقون على هذا؟ من خلق العظمية الصادقة؟ الله، الله عزوجل هو الذي خلق العظيمة الصادقة والقدرة، فالإنسان بصفاته وأجزائه وجميع ما فيه كله مخلوق لله عزوجل ولا يمكن أن يقع في ملك الله ما لا يريده ولا يشاءه، بل هو بمشيئته ، هذا القول الوسط أخذت بيديه بالأدلة جميعا، لأن الذين قالوا:إن الإنسان مجبر أخذوا بدليل واحد وأطلقوا من أيديهم الدليل الآخر، والذين قالوا إنه مستقل أخذوا بدليل واحد وأطلقوا الدليل الثاني، ولكن أهل السنة والجماعة والحمد الله أخذوا بأيديهم بالدليلين وقالوا: الإنسان يفعل باختياره كله ولكن تصرفه تحت مشيئة الله عزوجل، ولهذا إذا جاء الأمر بغير اختياره رفع عنه حكمه، رفع عنه حكمه، فالنائم لا حكم لفعله ولا لقوله، والمكره على الشيء لا حكم لفعله، بل أبلغ من ذلك الجاهل بالشيء لا حكم لفعله مع أنه قد قصد الفعل لكنه لجهله يعفى عنه، كل هذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده ((وما الله بغافل عما يعملون)) .
تفسير قوله تعالى : (( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجةٌ إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون )) وبيان فائدة تكرار قوله (( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ))
ثم قال سبحانه وتعالى: (( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)) هذه الجملة تقدم الكلام عليها، وكررت للتوكيد وتوطئة لما بعدها، يعني الفائدة هنا التوكيد والتوطئة لما بعدها، وهو قوله: ((لئلا يكون للناس))((لئلا يكون للناس عليكم))وقلنا قبل قليل إن التكرار في مثل هذه الأمور الهامة يراد منه ثلاثة أمور: الإثبات، والتثبيت، والمدافعة،نعم ولهذا قال هنا:((ولئلا يكون للناس عليكم حجة)). السائل :ما قال شيخنا ؟ الشيخ : لا ما هو بظاهر لأنها عامة كل واحد منها عامة، ولذلك لو جاءك واحد دون الآخرين لكان الحكم واحد.وقوله: ((لئلا يكون للناس)) اللام هنا للتعليل، اقترنت بها أن المصدرية، ولا النافية و((يكون)) فعل مضارع منصوب بأن المصدرية، ولا يضر الحيلولة بين الناصب والمنصوب بلا النافية، وقوله: ((لئلا يكون للناس عليكم حجة))((حجة)) ويش إعرابه؟ اسم يكون إن كانت ناقصة، أو فاعل إن كانت تامة، وقوله: ((لئلا يكون للناس)) للناس من المراد بالناس؟ الآية مجملة فتشمل كل من احتج على المسلمين بتحولهم من بيت المقدس إلى الكعبة، وقد احتج على المسلمين في هذه المسألة اليهود والمشركون، أما اليهود فقالوا إن الرجل ترك الملة إلى ملة آبائه فهو رجل يتعبد بهواه وليس على هدى، هذه حجة اليهود ـ والعياذ بالله ـ، بالأمس كان الأدنى كان يتجه إلى بيت المقدس والآن أخذته العصبية فاتجه إلى الكعبة، وهذا لاشك أنه ظلم،ظلم من اليهود وإلا هم يعرفون في كتبهم كما ذكر بعض أهل العلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم سيتجه إلى الكعبة فيكون من صفاته، ولهذا قال بعض العلماء إن الحجة أيضا لليهود، حجة لليهود يعني ((لئلايكون)) إن هذا التعليل تعليل للبقاء لا للانتقال، يعني لئلا يكون للناس عليكم حجة لو بقيتم على بيت المقدس، فما الحجة إذا؟ الحجة أن يقول اليهود إن محمدا يتجه إلى الكعبة، وعلى هذا فتكون حجة اليهود من وجهين، من الوجهين السلبي والإيجابي، يعني أنكم إن بقيتم احتج عليكم اليهود بأنكم بأن هذا ليس محمدا الذي أخبرت به التوراة، لأن محمدا أخبرت به التوراة يتجه إلى الكعبة، حجة أخرى أنهم يقولون لو كان محمدا من رسول ما صار بالأمس يتجه إلى بيت المقدس والآن يتجه إلى الكعبة ولكنه رجل يتبع هواه ويداهن، ففي الأول داهننا ثم بعد ذلك أخذت العصبية فاتجه إلى قبلة آبائه وأجداده، فصار حجة اليهود من وجهين سواء إن بقي فحجتهم أنه لما لم يتجهوا القبلة ما صار الرسول المنتظر، وإن تحول حجتهم أنه يتعبد بهواه ما هو على هدى من الله ـ والعياذ بالله ـ، إذا يكون التعليل هنا تعليل للتحول وللبقاء، ذكر بعض العلماء أن الناس يدخل فيها المشركون أيضا، يدخل فيها المشركون،يحتجون على الرسول عليه الصلاة والسلام يقولون هذا الرجل خالفنا في عقيدتنا وخالفنا في قبلتنا فينا حين هاجر إلى مدينة ثم رجع إلى قبلتنا فسيرجع إلى ديننا فيحتجون بهذا، أنتم تعرفون أهل الباطل مقلبون، يعني يقلبون ـ والعياذ بالله ـ(( زخرف القول غرورا)) يقلبون الحق باطلا، لأنهم يريدون غرضا والله سبحانه وتعالى يبتلي العباد بمثل هؤلاء الذين يقلبون الحقائق ويجعلون من الحق باطلا ، وإلا فكيف يمكن أن يكون حجة لهؤلاء وهؤلاء ما في حجة، بل إن تحوله مع تخوفه العظيم عليه الصلاة والسلام مما وقع من الاعتراضات والمضايقات، وتعرفون المسألة نحن ما نتصور يعني ما ندرك حقيقتها، حقيقة التي حصل، كونه يتحول مع توقعه بهذه المعارضات لأن الله قال له سبحانه وتعالى: ((سيقول السفهاء من الناس ما ولهم)) إذا المسألة سيكون فيها الأخذ والرد ومضايقات، تحوله مع هذه التوقعات ويش يدل عليه؟ يدل على صدقه، وفي الحقيقة ليس دليلا على ما يزعم هؤلاء، بل هو أكبر دليل على صدقه وأنه يتعبد لوحد من الله عزوجل، قيل له اتجه إلى هذا فاتجه وقيل اتجه إلى هذا فاتجه ما يريه أن يتبع هواه، بل يتبع ما جاءه من والوحي.وقوله: ((لئلا يكون للناس عليكم حجة))((عليكم)) الضمير يعود على من؟ المسلمين، على المؤمنونعموما الرسول عليه الصلاة والسلام ولأتباعه، لأن كل حجة يحتج بهاعلى الرسول للتلبيس وإبطال الدعوة فهي في الحقيقة حجة على جميع أتباعه، لأن أتباعه إنما تبعوه لأنه على الحق، فإذا جاء من يلبس صار ذلك تلبيسا لطريقهم ومنهاجهم، فهو حجة عل الجميع، وقوله: ((لئلا يكون للناس عليكم حجة )) حجة هل هذه حجة حقيقية أو حجة باطلة؟ حجة باطلة، ولا يلزم من الاحتجاج قبوله، قال الله تعالى: ((والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم)) باطلة، فالاحتجاجات ليست كلها مقبولة، إن كانت بحق فهي مقبولة وحجة، وإلا فهي باطلة ولو أقيمت أو ولو صيغت صيغة الدليل والبرهان، حتى لو صاغت من يحتج بها صيغة الدليل والبرهان فإنها تعتبر باطلة، أرأيتم الاحتجاج الفلاسفة على طريقتهم، احتجاج المعتزلة، احتجاج الجهمية على طريقتهم، احتجاج القدرية على طريقتهم وهكذا، هذه الحجج هم يأتون بحجج عظيمة لكنها كما قيل: حجج تهافت كالزجاج تخالها حقا وكل كاسر مكسور. نعم ما تقوم لهم حجة، حججهم كلها تعتبر شبهة باطلة نعم؟ هؤلاء الذين يريدون أن يحتجوا على المسلمين بتحولهم من بيت المقدس إلى مكة أو إلى مسجد الحرام هل هذه الحجة صحيحة؟ كلا، بل هي من أبطل الحجج، ولكن مع ذلك لا مانع أن الإنسان يتسلح ولو للحجج الباطلة، ولهذا قال الله: ((لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم))((إلا الذين ظلموا)) والمراد بالذين ظلموا المعاندون المكابرون الذين لا يرعون للحق مهما تبين، وقوله: ((إلا الذين ظلموا)) أيش تقولون في إلا هنا هل هي متصلة أو منقطعة؟ بمعنى هل الاستثناء متصل أو منقطع ؟ فمنهم من قال إنه متصل، ومنهم من قال إنه منقطع، فالذين قالوا إنه منقطع قالوا إلا بمعنى لكن يعني: لئلا يكون للناس عليكم حجة لكن الذين ظلموا منكم لن تنجوا من محاجتهم ومخاصمتهم، ومن قال إنه متصل قال لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا فيكون مستثنى من الناس، لأن الناس منهم ظالم ومنهم من ليس بظالم، والأقرب عندي والله أعلم أن الاستثناء منقطع، لأن قوله: ((لئلايكون للناس عليكم حجة)) هذا عام شامل، لكن من ظلم منهم من اليهود أو المشركين فإنه لن يرعوي لهذه الحكمة التي أبانها الله عزوجل لئلا تنتفع حجة هؤلاء الظالمين.ولكن الذي يقرب من هذا السياق أنه منقطع .يقول: ((لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا)) إن الله تعالى بين للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه إنه ما أحد يحتج عليهم إلا الظالمين، ولكن في الحقيقة هذا ضعيف المعنى، ضعيف جدا، فالذي يظهر لي أن الاستثناء منقطع .
تفسير قوله تعالى : (( فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون )) والفرق بين الخشية والخوف
قال: ((فلا تخشوهم واخشوني))الله أكبر، يعني مهما قالوا من الكلام ومهما قالوا من زخارف القول ومهما ضايقوا من المضايقات فلا تخشوهم، لا تخشوهم، فالخشية والخوف متقاربان إلا أن أهل العلم يقولون إن الفرق أن الخشية لا تكون إلا مع العلم،لقوله: ((إنما يخشى الله من عباده العلماء)) بخلاف الخوف فقد يخاف الإنسان من المخوفة ولا يعلم عن حاله أما الخشية لا يكون إلا مع العلم، والفرق الثاني يقولون: إن الخشية تكون لعظم المخشي والخوف لضعف الخائف وإن كان المخوف ليس بعظيم نعم؟ فتقول مثلا: الصبي يخاف من المراهقةنعم؟ لأيش؟ لضعفه، هكذا فرض، وعلى كل حال إن صح هذا الفرق فهو ظاهر لكن الفرق الأول واضحوهي إنما الخشية تكون مع العلم.السائل :أليس في فرق أن الخشية أشد من الخوف لأنها عن علم؟الشيخ :لا ما هو ظاهر وإلا بعضهم قالوا إنها أشد إذ أن هذه المادة الخاء والشين تدل على القوة ومنه الشيخ الكبير لكن فيها نظر.طيب وقال: ((فلا تخشوهم )) تخشوا من؟ الذين ظلموا، مهما كان ظلمهم لا تخشاهم مادمت على حق لا تخاف من أحد نعم؟ ((واخشوني)) أتى بعد النهي بالأمر، لأنه كما يقال التخلية قبل الحلية، أزل الموانع أولا ثم أسلم، فأولا فرغ قلبك من كل خشية بغير الله ثم مكن خشية الله من قلبك، فأنت أزل الشوائب حتى يكون المحل قابلا، فإذا كان المحل قابلا حينئذ يكون الوارد عليه واردا على شيء لا ممانعة فيه ((فلاتخشوهم واخشوني)) والأمر هنا كما سيأتينا إن شاء الله في الفوائد الأمر واخشوني لأي شيء؟ للوجوب، الوجوب بلاشك الواجب على المرء أن يخشى الله وحده .
تفسير قوله تعالى : (( ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون ))
((ولأتم نعمتي عليكم)) إتمام الشيء بلوغ غايته، وقوله: ((ولأتم)) معطوف على قوله: ((لئلا يكون)) نعم؟ لئلا يكون للناس ولأتم،((أتم نعمتي عليكم)) والإتمام بلوغ الشيء غايته، والغالب أنه يكون في الكمال، وقوله: ((نعمتي)) النعمة ما هي؟ ما ينعم به الإنسان، ويقال نعمة بالكسر ويقال نعمة بالفتح ، لكن الغالب في النعمة أن تكون في الخير، والنعمة التنعم من غير شكر كما قال تعالى: ((ونعمة كانوا فيها فاكهين)) ، وقوله: ((ولأتم نعمتي)) هذه نزلت متى؟ متى نزلت ((ولأتم نعمتي عليكم)) ؟ الطالب :بعد يوم الهجرة، يعني في أول الهجرة عند تحويل القبلة يعني في السنة الثانية ولا يعارضها قوله تعالى: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)) وقد نزلت في يوم عرفة في حجة الوداع نعم لا تعارضها لأن المراد في آية المائدة ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)) الإتمام العام في كل الشريعة، وأما هنا ((ولأتم نعمتي عليكم)) في هذه الشريعة الخاصة وهي استقبال الكعبة بدلا عن بيت المقدس، لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقلب وجهه في السماء ينتظر متى يؤمر بالتوجه إلى الكعبة، فهذه لاشك أنها من نعمة الله عزوجل أن أنعم على المسلمين بأن يتجهوا إلى هذا البيت الذي هو أول بيت وضع للناس، والذي كما قال بعض أهل العلم هو قبلة جميع الأنبياء كما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله أن الكعبة قبلة جميع الأنبياء وأن اتجاه اليهود إلى بيت المقدس والنصارى إلى المشرق هذا مما غيروا في من دينهم، وقوله: ((ولأتم نعمتي عليكم)) أضاف الله تعالى النعمة إليه لأنه صاحبها هو الذي يصديها ويوليها على عباده ولو لا هذه النعمة العظيمة ما بقي الناس طرفة عين، وانظر إلى قوله تعالى:((اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم)) في النعمة قال: ((أنعمت عليهم)) وفي الغضب ما قال: صراط الذين غضبت عليهم بل قال:((المغضوب عليهم)) نعم وهي نظير قوله: ((وأنى لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا)) ثم إن المغضوب عليهم الغضب على هؤلاء ليس من الله فقط بل من الله سبحانه وتعالى ومن أولياءه من الرسل وأتباعهم.((ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون)) لعل هنا أيش معناه؟ الطالب :للتعليل ، الشيخ :نعم للتعليل يعني ولأجل أن تهتدوا، والهداية كما مر علينا نوعان: هداية علمية، وهداية عملية، ويقال هداية الإرشاد وهداية التوفيق، فالهداية العلمية معناها أن الله يفتح على الإنسان من العلم ما يحتاج إليه في أمور دينه ودنياه، والعملية أن يوفق للعمل بهذا العلم، الأولى الوسيلة والثانية غاية، ولهذا لا خير في علم بدون عمل، بل إن العلم بدون عمل يكون وبالا على من رزقه، وقوله: ((ولعلكم تهتدون)) هذه هي العلة الثالثة من هذه العلل، العلة الأولى ما هي؟ ((لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم)) والعلة الثانية: ((ولأتم نعمتي عليكم))، والثالثة: ((ولعلكم تهتدون)) وهنا الهداية شاملة للهداية العلمية والعملية يعني علما وعملا، ووجه كونها شاملة أنهم ما علموا أن مرضات الله سبحانه وتعالى في التوجه إلى الكعبة إلا بما علمهم الله، ثم إن الله وفقهم للاهتداء إليها، هل مانعوا؟ أبدا، بل إن أهل قباء أتاهم الخبر وهم يصلون صلاة الفجر وكان الإمام إلى الشمال والمأمومون إلى الجنوب فأخبرهم بأن القبلة حولت إلى الكعبة فماذا صنعوا؟ توجهوا في صلاتهم إلى الكعبة، فصار الإمام نحو الجنوب والمأمومون نحو الشمال وكلهم وجوههم إلى الكعبة، هذه هداية عملية عظيمة، لأن انتقال الإنسان إلى ما أمر الله به بهذه السهولة مع توقع المعارضات والمضايقات ويش يدل عليه؟ يدل على قوة إيمانهم، وثقته بربه سبحانه وتعالى، هكذا يجب على كل مؤمن إذا جاء أمر الله أن يمتثل الأمر والله سبحانه وتعالى سيجعل له من أمره يسرا، لأن تقوى الله فيها تيسير الأمور، لا يقول والله هذا أخشى من المضايقات، أخشى أن الناس يعيرونني، أخشى أن الناس يستهزئون بي، هذا لا يضر، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا نعم؟ طيب((ولعلكم تهتدون)) .
تفسير قوله تعالى : (( كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ))
((كما أرسلنا فيكم رسولا)) هذه أيضا منة ثالثة، رابعة وجهت إلى المؤمنين ((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم)) يعني هذا داخل في قوله: ((لئلا يكون))((ولأتم))((ولعلكمتهتدون)) كما أنكم أيضا كما أنكم قد أرسل فيكم هذا الرسول النبي عليه الصلاة والسلام إلى آخره، يعني معناه أن نعمة الله علينا التوجه إلى الكعبة بدلا عن بيت المقدس أنها عظيمة كما أن نعمته علينا بالرسول صلى الله عليه وسلم عظيمة، ((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم))((رسولا منكم)) والإرسال بمعنى البعث، والبعث بمعنى الإرسال أيضا، يعني أنه مرسل من الله وذلك لأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق للعابدة وكيف يعبد؟ الطالب : بما شرع، نعم بما شرع، وكيف يعرف أن هذا مما يرضاه الله تعالى أن نتعبده به وهذا مما يرضاه؟ لا يمكن ذلك إلا بواسطة الرسل، لو أن الإنسان وكل إلى عقله بالعبادة ما أرجع بيت الله أليس كذلك؟ نعم، ولو وكل إليه بالعبادة ما اجتمع الناس على عبادة الله، لكان كل واحد هذا هو الصواب ويمشي، ولو أن الإنسان وكل إلى عقله بالعبادة ما كانت أمتنا أمة واحدة نعم فعلى كل حال لا يمكن لنا بمجرد عقولنا أن ندرك كيف نعبد الله، ومثل بسيط لو قيل لك تطهر للصلاة ولم يبين لك هذا الطهور كيف تتطهر؟ يجيء واحد يمكن يقول لك تطهر لازم أني أطهر من الهام إلى الهام، نعم، ويجيء واحد يقول ما أطهر إلا الكف والجبهة والأنف والركبتينوأطراف قدمين، يجيء آخر ويقول عندي شكلثاني، فلو لا أبان لنا كيف نعبده ما عرفنا كيف نعبده،وهذه من نعمة الله بإرسال هذا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي بين لنا كل شيء، ولهذا قال أبوذر: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب بجناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما) حتى الطيور في السماء علمنا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا عام في كل شيء، كل ما نحتاج إليه في أمور ديننا ودنيانا فقد علمنا إياه هذا الرسول، ولهذا قال: ((يتلوا عليكم))، وفي قوله: ((منكم)) ما سبق هل المراد منكم نسبا أو منكم جنسا؟ وقد سبق لنا أنه إذا قال:((من أنفسكم)) فالمراد الجنس، وإذا قال: منكم أو منهم فالمراد النسب، قال الله تعالى: ((هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم)) وقد قال الله: ((لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم)) والمؤمنون فيهم العرب وغير العرب،((يتلوا عليكم آياتنا)) ما معنى يتلوا؟ يقرأ، يقرأ عليكم آياتنا، فيأتي بها كما سمع، قال الله تعالى: ((إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم علينا بيانه )) ثلاث مراحل: جمع وقرآن بواسطة جبريل،((فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه)) بيانه ومعنى ولا لفظا؟ لفظا ومعنى، ولهذا القرآن والحمد لله مبين لفظه ومعناه، ليس فيه شيء يشتبه على الناس إلا اشتباها نسبيا بحيث يشتبه على دون آخر أو في حال دون أخرىأنه تقديره له،السائل سؤال حول ((ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)) هل هو تقدير ما سبق أو هو زائد على ما سبق؟الشيخ زائد على العام، طيب إذ كان زائدا على ما سبق فأين ما علم الرسول عليه الصلاة والسلام خارجا عن ال؟ أيه لكن رجحنا أنها عامة، فالظاهر لي أن القول بأنه من باب تقدير ما سبق فيعلمكم لم تكونوا تعلمون، أنه أوسع نعم؟ لأنه لو قال قائل: يعلمنا ما لم نكن نعلم من أمور الآخرة؟ قلنا هو داخل في الكتاب والسنة ما يخرج عنها، مهما قدرت من التقديرات وجدته داخلا في الكتاب والسنة، لكنه ذكر بالتقدير وبيان المهنة لأنه يعلمنا ما لم نكن نعلم، إذا الأصل في بني آدم الجهل أو العلم؟ أصل الجهل، لأن العلم وارد ، كل ما علمنا من العلم فإنه في الحقيقة وارد على الجهل، هو مما يدل على نقص الإنسان حيث كان الأصل فيه الجهل ولكنه يتعلم بتعليم الله . وقوله: ((يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون))هذا ليس على عمومه فإنه يخص منه ما لا يمكن الاطلاع عليه من عليم الغيب، فعلم الساعة مثلا علم ، علم مع أننا لا نعلمه لأن هناك أشياء من أمور الغيب ما تعلم، حتى أقرب الأمور إلينا ما نعلمه وهي؟ الروح ((ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)) فعلى هذايكون ما لم تكونوا تعلمون، أي ما لم تكونوا تعلمون مما تحتاجون إلي العلم به، أما ما لا يمكن العلم به فإن هذا ما علمنا به ولا أعلم منه مثل علم الغيب لا يعلمه إلا الله كعلم الساعة ونزول المطر وعلم المستقبل إلا ما أعطاه الله رسوله، وكذلك العلم بكيفية أسماء الله وصفاته فإن هذا لا يمكن الإحاطة به، مما يتعلق بصفات الله فإنه لا يمكن الإحاطة بكيفيته، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: ((لا تدركه الأبصار)) مع رؤيتها له، مع رؤيتها لله لكنها لا تدركه وهذا في الآخرة ((وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)) أخبرنا الله عن أفعال كثيرة من أفعاله كاستوىعلى الأرض ونزوله إلى سماء الدنيا وغير ذلك من أفعاله وهل نحن نعلم الكيفية؟ ما نعلمها، أخبرنا الله عن نفسه أنه يعجب لقوله:((بل عجبت ويسخرون))بقراءة بضم التاء وهي قراءة سبعية ((بل عجبت ويسخرون)) وكذلك أيضا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه يضحك فهل يمكن لنا أن نتصور أو أن نبين هذه الكيفية ؟ لا، لا يمكن أن نتصورها ولا أن نبين هذه الكيفية، لأن هذا مجهول، هذا مجهول لنا ولا يمكن لنا الإحاطة عنه .
تفسير قوله تعالى : (( فاذكروني أذكركم )) وإعراب الآية والكلام على ذكر الله.
ثم قال الله تعالى: ((فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)) أولا إعراب الآية ((أذكروني)) فعل أمر، يأتيها نون الوقاية فيك، كم من كلمات صارت؟ أربع كلمات: فعل أمر، واو الفاعل، نون الوقاية، ياء مفعول، هذا فعل أمر جوابه ((أذكركم)) لماذا ؟ لأنه كان جوابا للأمر وهو قوله: ((أذكروني))، فقوله تعالى: ((أذكروني أذكركم)) يعني عمل موجزة، العمل ذكر الله عزوجل والجزاء؟ ذكر الله لعبده، أيهما أعظم؟ الثاني، يعني كون الله يذكرك أعظم من كونك يذكره، ولهذا قال الله:((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)) الجواب ((يحببكم الله)) لأنه هذا هو الغاية، الغاية أن تحصل حب الله، ولهذا لم يأتي الجواب على الوجه المتوقع، الوجه المتوقع: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحب الله لكن الجواب يحببكم الله، لأن الشأن كل الشأن أن يحبه الله، هنا أذكروني هذا صفة الشأن، أذكركم، ((فاذكروني أذكركم))، وقوله: ((أذكروني)) فعل أمر، وبماذا يكون بالذكر؟ يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح، الأصل ذكر القلب (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ) وذكر الله باللسان أو بالجوار ح بدون القلب هو ما هو ذكر، حقيقة أن الذكر ذكر الله تعالى بالقلب، وكيف أذكره بالقلب؟ أذكره بالقلب أن الإنسان بقلبه ينيب إلى الله يتوسل عليه ويرجوه ويخافه ويستحضرحبه وعظمته وغير ذلك، وهذا أمر لازم للإنسان، كذلك أيضا الإنسان يعتقد أن الكون كلها من آيات الله، بعظمتها وانتظامها وطلوعها وغروبها، كذلكالقمر والنجوم وكذلك الليل والنهار والأحوال ((وتلك الأيام نداولها بين الناس)) إلى غير ذلك الدليل بهذه الأشياء على من ؟ على من دبر هذه الأشياءوكل شيء منها له دلالة خاصة منها ما يدل على عظمته ومنها ما يدل على عظمة السلطان ومنها ما يدل على الحكمة وهي كلها حكمة لكن بعضها أخص من بعض في الدلالة، هذا ذكر القلب بالمحبة والتعظيم والإنابة والخوف والرجاء والتفكر إلى غير ذلك، ذكر الله باللسان يشمل الذكر المعروف مثل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وسبحان الله والحمد لله والله أكبر، وما أشبه ذلك، ويشمل القراءة للقرآن، ويشمل الدعاء، ويشمل كل قول يقرب إلى الله عزوجل، لأن كل قول يقرب إلى الله فهو من الطاعة والطاعة مأمور بها وفاعل الطاعة يستشعر أنه يفعلها لأي شيء؟ طاعة لله وتقربا إليه، إذا فيكون هذا ذكر، يكون هذا ذكر الله عزوجل، وإذا جعلنا الذكر بهذا المعنى العام أمكن للإنسان أن يجعل جميع أقواله ذكرا لله، ولهذا ممكن أن تكون طاعة الذاكرين أن تكون عادة الذاكرين عبادتهم، وأن تكون عبادة الغافلين عادة كل هذا من أجل النية، يكون الذكر بالجوارح ، الذكر بالجوارح، كيف الذكر بالجوارح؟ القيام بالصلاة والركوع والسجود والجهاد والزكاة كلها ذكر لله، لأنك عندما تفعلها تكون طائعا لله، وحينئذ تكون ذاكرا لله في هذا الفعل، ولهذا قال الله : ((وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر)) قال بعض العلماء ولما تضمنته من ذكر الله أكبر، وهذا أحد القولين في هذه الآية. هذه المسألة يجبأن نعرف لأن المعاني إذا قرنت مع غيرها فسرت بما تقتضي، وعند الإطلاق، مثلا عندنا الفقير والمسكين إذا قرنا فسرت كل واحد بما تقتضي، البر والتقوى إذا قرنا جميعا فسرت كل واحد بما به، وإذا أفرد أحدهما شمل الآخر، الذكر عند الإفراد، أما مثلا هذا الرجل قرأ القرآن وذكر الله، قراءة القرآن خاصة والذكر خاص.وقوله تعالى: ((فاذكروني أذكركم))((أذكركم)) هل هي من صفات الله؟ وهل هي ذاتية؟ وهل هي من الإيجابية أو السلبية ؟ الجواب عن الأول من صفات الله ولا لا؟ من صفات الله، وعن الثاني هل هي ذاتية أو فعلية؟ فعلية، وعن الثالث إيجابية أو سلبية؟ إيجابية،كذا؟ . وقوله: ((أذكروني أذكركم )) هنا مطلق، وتبين من الصيغة أن الأمر الجزاء من جنس العمل، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (إن ذكرني في ملأذكرته في ملأ خير منه ).((فاذكروني أذكركم)) فيها قراءة ((فاذكروني أذكركم)) فاذكروني بفتح الياء،يعني ياء المتكلم يجوز إسكانهاوفتحها وحذفها تخفيفا، لكنها في القرآن تتوقف على السماع، إن من حيث اللغة العربية يجوز فيها الفتح والإسكان ويش بعد؟ والحذف، لكن بالنسبة للقرآن تتوقف على السماع، وهنا فيها قراءة ((فاذكروني أذكركم)).