كتاب الصيام والإعتكاف-09a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
صحيح مسلم
الحجم ( 5.62 ميغابايت )
التنزيل ( 408 )
الإستماع ( 26 )


6 - قال المصنف رحمه الله : وفى السنن حديثان : أحدهما حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة رضي الله عنه : ( قال قال رسول الله من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، وإن استقاء فليقض ) وهذا الحديث لم يثبت عند طائفة من أهل العلم بل قالوا : هو من قول أبي هريرة قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل قال : ليس من ذا شىء . قال الخطابي : يريد أن الحديث غير محفوظ ، وقال : الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخارى عنه فلم يعرفه إلا عن عيسى بن يونس ، قال : وما أراه محفوظا . قال :وروى يحيى بن كثير عن عمر بن الحكم أن أبا هريرة كان لا يرى القىء يفطر الصائم . أستمع حفظ

8 - قال المصنف رحمه الله : قال الخطابي : وذكر أبو داود أن حفص بن غياث رواه عن هشام كما رواه عيسى بن يونس قال : ولا أعلم خلافا بين أهل العلم فى أن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه ولا في أن من استقاء عامدا فعليه القضاء ولكن اختلفوا فى الكفارة فقال عامة أهل العلم : ليس عليه غير القضاء وقال عطاء : عليه القضاء والكفارة وحكي عن الأوزاعى وهو قول أبى ثور . قلت : وهو مقتضى إحدى الروايتين عن أحمد فى إيجابه الكفارة على المحتجم فإنه إذا أوجبها على المحتجم فعلى المستقيء أولى ، لكن ظاهر مذهبه أن الكفارة لا تجب بغير الجماع كقول الشافعى . أستمع حفظ

10 - قال المصنف رحمه الله : والذين لم يثبتوا هذا الحديث لم يبلغهم من وجه يعتمدونه وقد أشاروا إلى علته وهو انفراد عيسى بن يونس ، وقد ثبت أنه لم ينفرد به ، بل وافقه عليه حفص بن غياث ، والحديث الأخير يشهد له ، وهو ما رواه أحمد وأهل السنن كالترمذي عن ابي الدرداء : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر ) ، فذكرت ذلك لثوبان فقال : صدق ، أنا صببت له وضوءا ، لكن لفظ أحمد : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قاء فتوضأ ) . رواه أحمد عن حسين المعلم . قال الأثرم : قلت لأحمد : قد اضطربوا في هذا الحديث ، فقال : حسين المعلم يجوده ، وقال الترمذي : حديث حسين أرجح شىء في هذا الباب ، وهذا قد استدل به على وجوب الوضوء من القيء ولا يدل على ذلك فإنه إذا أراد بالوضوء الوضوء الشرعي فليس فيه ألا أنه توضأ ، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب ، بل يدل على أن الوضوء من ذلك مشروع فإذا قيل إنه مستحب كان فيه عمل بالحديث . أستمع حفظ

13 - قال المصنف رحمه الله : وأما الحديث الذي يروى : ( ثلاث لا تفطر القيء والحجامة والاحتلام ) ، وفى لفظ : ( لا يفطرن لا من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم ) فهذا إسناده الثابت ما رواه الثوري وغيره عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هكذا رواه أبو داود وهذا الرجل لا يعرف ، وقد رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي سعيد عن النبى صلى الله عليه و سلم ، لكن عبد الرحمن ضعيف عند أهل العلم بالرجال . قلت : روايته عن زيد من وجهين مرفوعا لا يخالف روايته المرسلة بل يقويها . أستمع حفظ

15 - قال المصنف رحمه الله : وأما حديث الحجامة ، فإما أن يكون منسوخا وإما أن يكون ناسخا ، لحديث ابن عباس : (أنه احتجم وهو محرم صائم ) أيضا ، ولعل فيه القيء إن كان متناولا للاستقاءة هو ايضا منسوخ . وهذا يؤيد أن النهي عن الحجامة هو المتأخر ، فإنه إذا تعارض نصان ناقل وباق على الاستصحاب ، فالناقل هو الراجح في أنه الناسخ ، ونسخ أحدهما يقوي نسخ قرينه . ورواه غير واحد عن زيد بن أسلم مرسلا ، وقال يحيى بن معين : حديث زيد بن أسلم ليس بشىء ، ولو قدر صحته لكان المراد : من ذرعه القىء ، فإنه قرنه بالاحتلام ومن احتلم بغير اختياره ، كالنائم لم يفطر باتفاق الناس . أستمع حفظ

17 - قال المصنف رحمه الله : وأما من استمنى فأنزل فإنه يفطر ، ولفظ الاحتلام إنما يطلق على من احتلم فى منامه ، وقد ظن طائفة أن القياس أن لا يفطر شيء من الخارج ، وأن المستقيء إنما أفطر لأنه مظنة رجوع بعض الطعام . وقالوا : أن فطر الحائض على خلاف القياس . وقد بسطنا في الأصول أنه ليس فى الشريعة شىء على خلاف القياس الصحيح . فإن قيل فقد ذكرتم ان من افطر عامدا بغير عذر كان فطره من الكبائر وكذلك من فوت صلاة النهار الى الليل عامدا من غير عذر كان تفويته لها من الكبائر وانها ما بقيت تقبل منه على اظهر قولي العلماء كمن فوت الجمعة ورمى الجمار وغير ذلك من العبادات المؤقتة وهذا قد امره بالقضاء وقد روى فى حديث المجامع فى رمضان انه امره بالقضاء قيل هذا انما امره بالقضاء لأن الانسان انما يتقيأ لعذر كالمريض يتداوى بالقىء او يتقيأ لانه اكل ما فيه شبهة كما تقيأ ابو بكر من كسب المتكهن وإذا كان المتقىء معذورا كان ما فعله جائزا وصار من جملة المرضى الذين يقضون ولم يكن من اهل الكبائر الذين افطروا بغير عذر واما امره للمجامع بالقضاء فضعيف ضعفه غير واحد من الحفاظ وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه فى الصحيحين من حديث ابي هريرة ومن حديث عائشة ولم يذكر احد امره بالقضاء ولو كان امره بذلك لما اهمله هؤلاء كلهم وهو حكم شرعى يجب بيانه ولما لم أستمع حفظ

19 - قال المصنف رحمه الله : وقد بسطنا في الأصول أنه ليس فى الشريعة شىء على خلاف القياس الصحيح . فإن قيل : فقد ذكرتم أن من أفطر عامدا بغير عذر ، كان فطره من الكبائر ، وكذلك من فوت صلاة النهار إلى الليل عامدا من غير عذر ، كان تفويته لها من الكبائر ، وأنها ما بقيت تقبل منه على أظهر قولي العلماء ، كمن فوت الجمعة ورمي الجمار ، وغير ذلك من العبادات المؤقتة ، وهذا قد أمره بالقضاء . وقد روى فى حديث المجامع فى رمضان أنه أمره بالقضاء . قيل : هذا إنما أمره بالقضاء لأن الإنسان إنما يتقيأ لعذر ، كالمريض يتداوى بالقيء ، أو يتقيأ لأنه أكل ما فيه شبهة كما تقيأ أبو بكر من كسب المتكهن . أستمع حفظ

23 - قال المصنف رحمه الله : وإذا كان المتقيء معذورا ، كان ما فعله جائزا ، وصار من جملة المرضى الذين يقضون ، ولم يكن من أهل الكبائر الذين افطروا بغير عذر . وأما أمره للمجامع بالقضاء فضعيف ، ضعفه غير واحد من الحفاظ . وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه فى الصحيحين ، من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة ، ولم يذكر أحد أمره بالقضاء ، ولو كان أمره بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم ، وهو حكم شرعي يجب بيانه ولما لم يأمره به دل على أن القضاء لم يبق مقبولا منه ، وهذا يدل على أنه كان متعمدا للفطر لم يكن ناسيا ولا جاهلا . أستمع حفظ

29 - قال المصنف رحمه الله : فإنه قد ثبت بدلالة الكتاب والسنة أن من فعل محظورا مخطئا أو ناسيا لم يؤاخذه الله بذلك ، وحينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله ، فلا يكون عليه إثم ، ومن لا إثم عليه لم يكن عاصيا ولا مرتكبا لما نهي عنه ، وحينئذ فيكون قد فعل ما أمر به ولم يفعل ما نهى عنه . ومثل هذا لا يبطل عبادته ، إنما يبطل العبادات إذا لم يفعل ما أمر به أو فعل ما حظر عليه ، وطرد هذا أن الحج لا يبطل بفعل شىء من المحظورات لا ناسيا ولا مخطئا ، لا الجماع ولا غيره ، وهو أظهر قولي الشافعي . أستمع حفظ

35 - قال المصنف رحمه الله : فأظهر الأقوال فى الناسي والمخطيء إذا فعل محظورا أن لا يضمن من ذلك إلا الصيد . وللناس فيه أقوال : هذا أحدها وهو قول أهل الظاهر . والثاني : يضمن الجميع مع النسيان ، كقول أبي حنيفة ، وإحدى الروايات عن أحمد ، واختاره القاضي وأصحابه . والثالث : يفرق بين ما فيه اتلاف ، كقتل الصيد والحلق والتقليم وما ليس فيه اتلاف ، كالطيب واللباس ، وهذا قول الشافعي ، وأحمد في الرواية الثانية ، واختارها طائفة من أصحابه ، وهذا القول أجود من غيره ، لكن إزالة الشعر والظفر ملحق باللباس والطيب لا بقتل الصيد . هذا أجود . والرابع : أن قتل الصيد خطأ لا يضمنه ، وهو رواية عن أحمد ، فخرّجوا عليه الشعر والظفر بطريق الأولى . أستمع حفظ

37 - قال المصنف رحمه الله : وكذلك طرد هذا ، أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيا أو مخطئا ، فلا قضاء عليه ، وهو قول طائفة من السلف والخلف ، ومنهم من يفطر الناسي والمخطيء كمالك ، وقال أبو حنيفة : هذا هو القياس ، لكن خالفه لحديث أبي هريرة فى الناسي ، ومنهم من قال : لا يفطر الناسي ويفطر المخطيء ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، فأبو حنيفة جعل الناسي موضع استحسان ، وأما أصحاب الشافعي وأحمد فقالوا : النسيان لا يفطر ، لأنه لا يمكن الاحتراز منه ، بخلاف الخطأ ، فإنه يمكنه أن لا يفطر حتى يتيقن غروب الشمس ، وأن يمسك إذا شك فى طلوع الفجر . وهذا التفريق ضعيف ، والأمر بالعكس . فإن السنة للصائم أن يعجل الفطر ويؤخر السحور ، ومع الغيم المطبق لا يمكن اليقين الذي لا يقبل الشك إلا بعد أن يذهب وقت طويل جدا يفوت مع المغرب ويفوت معه تعجيل الفطور ، والمصلي مأمور بصلاة المغرب وتعجيلها ، فإذا غلب على ظنه غروب الشمس ، و أمر بتأخير المغرب إلى حد اليقين ، فربما يؤخرها حتى يغيب الشفق وهو لا يستيقن غروب الشمس . أستمع حفظ

39 - قال المصنف رحمه الله : فإذا غلب على ظنه غروب الشمس ، و أمر بتأخير المغرب إلى حد اليقين ، فربما يؤخرها حتى يغيب الشفق وهو لا يستيقن غروب الشمس . وقد جاء عن إبراهيم النخعي وغيره من السلف ، وهو مذهب أبي حنيفة أنهم كانوا يستحبون فى الغيم تأخير المغرب وتعجيل العشاء ، وتأخير الظهر وتقديم العصر ، وقد نص على ذلك أحمد وغيره ، وقد علل ذلك بعض أصحابه بالاحتياط لدخول الوقت ، وليس كذلك ، فإن هذا خلاف الاحتياط فى وقت العصر والعشاء ، وإنما سن ذلك لأن هاتين الصلاتين يجمع بينهما للعذر ، وحال الغيم حال عذر ، فأخرت الأولى من صلاتي الجمع وقدمت الثانية لمصلحتين : إحداهما : التخفيف عن الناس حتى يصلوها مرة واحدة لأجل خوف المطر ، كالجمع بينهما مع المطر . والثانية : أن يتيقن دخول وقت المغرب ، وكذلك يجمع بين الظهر والعصر على أظهر القولين ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، ويجمع بينهما للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة ونحو ذلك ، فى أظهر قولي العلماء ، وهو قول مالك ، وأظهر القولين فى مذهب أحمد . الثاني أن الخطأ فى تقديم العصر والعشاء أولى من الخطأ فى تقديم الظهر والمغرب ، فإن فعل هاتين قبل الوقت لا يجوز بحال ، بخلاف تينك ، فإنه يجوز فعلهما في وقت الظهر والمغرب ، لأن ذلك وقت لهما حال العذر ، وحال الاشتباه حال عذر ، فكان الجمع بين الصلاتين مع الاشتباه أولى من الصلاة مع الشك . وهذا فيه ما ذكره أصحاب المأخذ الأول من الاحتياط ، لكنه احتياط مع تيقن الصلاة ف] الوقت المشترك ، ألا ترى أن الفجر لم يذكروا فيها هذا الاستحباب ، ولا في العشاء والعصر ، ولو كان لعلم خوف الصلاة قبل الوقت لطرد هذا فى الفجر ، ثم يطرد فى العصر والعشاء . أستمع حفظ