الشيخ : وفيه أيضا دليل على أنه يجب على القاضي الحكم بما يسمع لا بما يعلم ، بما يسمع لا بما يعلم ، فلو كان القاضي يعلم أن المدعي مبطل ، مثل أن يدعي زيد على عمرو ألف ريال ويعلم القاضي أن عمرا قد قضاها على يده وليس عند عمرو بينة أنه قضاها ، هنا هل يحكم بما يعلم أو بما يسمع ؟ هو سمع الآن دعوى من شخص على آخر ثم دعوى أنه قضاه ولم يكن لمدعي القضاء ، لم يكن عنده بينة ، وهو يعلم القاضي أنه قد قضاه فماذا يصنع ؟ هل يقضي بنحو ما سمع ، ويقول يا عمرو أد الألف إلى زيد لأنه ثبت عليك وادعيت الرد وليس عندك بينة ، أو بما يعلم ؟. لا يقضي بما يعلم ، لكن كيف يقضي بما يسمع وهو يعلم أن الحق في خلافه ، مشكل هذا ؟ . قال العلماء في هذا الحال ، يدفع الخصمين إلى قاضٍ آخر ويكون هو شاهدا ، يكون هو شاهدا ، وبذلك يصل الحق إلى صاحبه دون أن يقضي ، وإنما منع ذلك لأننا لو أجزنا للقاضي الحكم بما يعلم لفسدت الأمور ، لكان كل قاضٍ له هوى يقول أنا أعلم أن فلانا يستحق كذا وكذا فأحكم به ، وما يدرينا فلعل القاضي يكون جائرا لا يبالي ، لهذا سُدّ الباب وقيل إن القاضي لا يحكم بعلمه أبدا ، إلا أنه يستثنى من هذا ، يستثنى من هذا ثلاثة أشياء : الأول : علمه بعدالة الشهود ، فلا يحتاج أن يقول لمن أتى بالشهود وهو يعلم أنهم ثقات عدول ، لا يحتاج أن يقول هات من يزكهم ، لأن القاضي يعلم ، وهنا لم يحكم القاضي بعلمه وإنما حكم بعدالة الشهود الذي بهم يثبت الحق ، هذه واحدة . ثانيا : ما ثبت بعلمه في مجلس الحكم فإنه يحكم به ، مثل أن يكون المدعى عليه أقر في مجلس الحكم ومع المخاصمة أنكر ، فهنا القاضي إذا نظر إلى آخر القضية وجد أن المدعى عليه منكرا لا يثبت عليه الحق ، لكن هو يعلم في أول القضية أقر ، فهنا يحكمبعلمه . الثالث : إذا كان من الأمور المشتهرة الظاهرة ، مثل أن يكون هذا البيت معلوما أنه لفلان ، كل الناس يعرفون هذا بيت فلان ، فأجّره شخصا ، فادعى المستأجر أن البيت بيته ، وقال هذا بيتي من يقول لك ؟! ، لكن المشهور عند عامة الناس أنه بيت المدعي المؤجر ، فهنا للقاضي أن يحكم بعلمه ، لأن التهمة هنا بالنسبة للقاضي بعيدة جدا ، كل الناس يشهدون أن هذا بيت فلان . ففي هذه المسائل الثلاث قال أهل العلم إن القاضي يحكم بعلمه ، وإلا فالواجب أن يحكم بسمعه بما سمع أو بما رأى ، نعم .
وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا عبدالله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال ( إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)
القارئ : وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال : إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها ) . الشيخ : هذا كالأول ، لكن فيه التصريح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر ، تعتريه جميع أحكام البشر الطبيعية : من نسيان ، وعدم علم بالغيب ، ومرض وجوع وعطش وبرد وحر وغير ذلك . ومن هذا أنه إذا مشى في الشمس كان له ظل ، خلافا لمن يدعي وهو يقول أنه يحب الرسول عليه الصلاة والسلام أنه إذا مشى في الشمس فليس له ظل لأنه نور ، سبحان الله من قال هذا ؟! مثل هذا لا بد أن يكون مشهورا لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله ، إن النبي صلى الله عليه وسلم نوره أبلغ من هذا النور الذي هم يقولون النور الحسي ، نوره نور معنوي ، أضاء بهديه ما بين المشرق والمغرب ممن انتفع به برسالته ، نعم .
وحدثنا عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبدالرزاق أخبرنا معمر كلاهما عن الزهري بهذا الإسناد نحو حديث يونس
وفي حديث معمر قالت سمع النبي صلى الله عليه وسلم لجبة خصم بباب أم سلمة
القارئ : وحدثنا عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر كلاهما عن الزهري بهذا الإسناد نحو حديث يونس . وفي حديث معمر قالت : ( سمع النبي صلى الله عليه وسلم لجبة خصم بباب أم سلمة ). الشيخ : في قوله هنا : ( بباب أم سلمة ) وفي الأول في اللفظ الأول : حجرته ، قد يكون هناك إشكال حيث أضافها في الأول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، في الثاني إلى أم سلمة ، فاختلف العلماء رحمهم الله هل الرسول عليه الصلاة والسلام ملّك أزواجه الحجر التي كن فيها أو أن إضافتهن إليهن من باب الإختصاص فقط ، وإلا فهن ملك الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ . والظاهر الأول ، أنه ملكهن إياه ، بدليل أن هذه الحجر لم تضف إلى بيت المال بعد موته ، ولو كانت له لأضيفت إلى بيت المال لأن الأنبياء لا يورثون ، فالظاهر أن إضافته إليه عليه الصلاة والسلام لأنه الذي وهبها لزوجاته ، وإليهن لأنها ملكهن . الشيخ : الحمد لله رب العالمين ، هذه الكلمة فيها الإشارة اليسيرة إلى غزوة تبوك لأن المقصود هو الحث على الصدق والتحذير من الكذب ، والصدق يكون مع الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع كتاب الله ومع عامة المسلمين . فالصدق مع الله يكون بالإخلاص والإنابة إلى الله عز وجل ، وأن يصدق مع الله فيعبده في السراء والضراء والعلانية والسر . ويصدق مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المتابعة التامة والأسوة الحسنة . ويصدق مع القرآن بتعظيمه واحترامه ، وتصديق أخباره والعمل بأحكامه . ويصدق مع عامة المسلمين في كل المعاملات . ولا شك أن الصدق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ) . وما ذكره أخونا من أننا تخلفنا عن غزوة تبوك فلا شك أننا تخلفنا لأنها مضت في أيام بعيدة ، ولكن إذا تمنى الإنسان الشهادة فإن الله تعالى يوصله إلى منازل الشهداء وإن مات على فراشه ، وكذلك إذا تمنى الخير والجهاد بصدق مع الله عز وجل ولكنه لم يتمكن فإنه يرجى أن يكتب له ما تمناه . وأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما إن صح ففيه شيء من الإشكال ، وهو أنه قال حين حضره الموت : أشهدكم أني قد زوجتهم ، فهذا إن كان إنشاءً ففيه إشكال ، إذ كيف يزوج من ليس بحاضر ولم يقبل ، وإن كان إخبارا فلا إشكال فيه أنه قد زوجه رضي الله عنه من قبل هذه الحال ؟. أما إذا لم يكن زوجه ولكنه يقول أشهدكم أني قد زوجته وفاء بوعدي فهذا فيه نظر ظاهر ، ولا يخفى على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النكاح لا بد فيه من إيجاب وقبول ، نعم لو قال إني قد وعدته فزوجوه زال الإشكال . وبهذه المناسبة أود منكم إذا وردت آثار مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة أو عن التابعين أو عن الأئمة وصار فيها شيء من الإشكال أن تبحثوا أولا في سندها ، فإذا صح فاطبلوا لها توجيها ، وإذا لم يصح فقد كفيتم ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين الصاحين المصلحين ...
حدثني علي بن حجر السعدي حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)
القارئ : حدثني علي بن حجر السعدي حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ( دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنيّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه ، فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك ). الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم هذا قضية هند بنت عتبة رضي الله عنها هو ما سمعتم ، جاءت تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يعطيها ما يكفيها وبنيها من النفقة فقالت : إن أبا سفيان رجل شحيح ،ولم تقل زوجي بل قالت : إن أبا سفيان .
الشيخ : فدل هذا على أنه يجوز للمرأة أن تخبر عن زوجها باسمه وكذلك يجوز أن تناديه باسمه ، وكذلك الرجل أن ينادي زوجته باسمها ، وأما ما يتحاشاه الناس اليوم من أن يخاطب الرجل زوجته باسمها أو هي تخاطب زوجها باسمه فهذا أمر عرفي عادي ، وإلا فلا بأس . وفيه أيضا جواز ذكر الإنسان بما يكره في الشكاية وأن هذا ليس بغيبة لقولها : ( إن أبا سفيان رجل شحيح ) والشحيح هو الممسك الذي لا يعطي ما ينبغي إعطاؤه ، وكذلك إذا ذُكر الإنسان بما يكره للنصيحة فإن هذا لا بأس به ، بل الثاني واجب . ومن ذلك قصة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها حين جاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة رجال خطبوها وهم معاوية بن أبي سفيان والثاني أبو جهم والثالث أسامة بن زيد ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما معاوية فصعلوك لا مال له ) وفي هذا إشارة إلى أن من أسباب الرغبة في التزويج أن يكون الزوج ذا مال لئلا يقع بينه وبين أهله مشاكل ، ( وأما أبو جهم فضرّاب للنساء ) يعني يضرب النساء ، ( انكحي أسامة ) فنحكته واغتبطت به ، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الأول بعيب لا طاقة له به وهو الفقر ، والثاني بعيب يمكنه أن يتخلص منه وهو ضرب النساء ، فعلى هذا إذا استنصحك أحد وجب عليك أن تبدي النصيحة حتى وإن ذكرت ما يكره الآخر ، لأن هذا من باب النصيحة ليس من باب الغيبة والشماتة . وفي هذا الحديث الذي معنا حديث هند أنه ينبغي للإنسان إذا وصف أحدا بوصف أن يبرهن على وصفه وذلك حين قالت : ( لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ). وفيه دليل أيضا على وجوب الإنفاق على الزوجة بما يكفيها ، وأن الأب ينفرد بالنفقة على أولاده . وفي هذا الحديث أيضا دليل على القضاء على الغائب كما قاله بعضهم ، ولكن عند التأمل يتبين أن هذا ليس بصواب ، لأن هذه ليست محاكمة ولكنها استفتاء ، والاستفتاء ليس فيه إلزام ، والحكم فيه إلزام ، فعليه نقول فيه دليل على جواز الفتوى وإن تعلقت بغائب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى هندا في أمر للغائب فيه علاقة . وفيه دليل على أن هندا رضي الله عنها كانت تأخذ من ماله بغير علمه ، وفي هذا إشكال ، كيف تأخذ من ماله بغير علمه قبل أن تستفتي ؟ . فيقال إن قولها : ( إلا ما أخذت ) يحتمل أن المعنى إلا أن آخذ ، وعليه فلم تستفت عن شيء فعلته ، وإن بقي الكلام على ظاهره وأنها أخذت فيحمل على أن الضرورة ألجأتها إلى ذلك ثم أرادت أن تطمئن بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم . وفيه أيضا في الحديث دليل على جواز أخذ المرأة من مال زوجها ما يكفيها من النفقة ، ولكن بالمعروف لا وكس ولا شطط . وفيه دليل أيضا على نوع ولاية للمرأة على أولادها ، لقوله : ( خذي ما يكفيك ويكفي بنيك ) وهذه نوع ولاية على أبنائها . والأمر هنا في قوله : ( خذي ) للإباحة أو للاستحباب أو للإيجاب ؟ . للإباحة لأنها تسأل هل عليها إثم فقال لا إثم عليكِ ، نعم . مسلم رحمه الله وضعه في باب القضاء فكأنه يميل إلى أن المسألة من باب القضاء ، وعرفتم أن هذا ليس بصحيح وأنه مجرد استفتاء ، ولهذا لم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم البينة عليها ، ما قال هاتي بينة أنه لا ينفق ، بل أفتاها بما يقتضيه كلامها دون سؤال ، نعم.
وحدثناه محمد بن عبدالله بن نمير وأبو كريب كلاهما عن عبدالله بن نمير ووكيع ح وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبدالعزيز ابن محمد ح وحدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك ( يعني ابن عثمان ) كلهم عن هشام بهذا الإسناد
القارئ : وحدثناه محمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب كلاهما عن عبد الله بن نمير ووكيع ح وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد العزيز بن محمد ح وحدثنا محمد بن رافع حدثنا ابن أبي فديك أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان كلهم عن هشام بهذا الإسناد .
وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: جاءت هند إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يذلهم الله من أهل خبائك وما على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يعزهم الله من أهل خبائك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( وأيضا والذي نفسي بيده ) ثم قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل ممسك فهل علي حرج أن أنفق على عياله من ماله بغير إذنه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف)
القارئ : وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : ( جاءت هند إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يذلهم الله من أهل خبائك وما على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي من أن يعزهم الله من أهل خبائك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأيضا والذي نفسي بيده . ثم قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل ممسك فهل علي حرج أن أنفق على عياله من ماله بغير إذنه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف ). الشيخ : شوف أول الحديث . القارئ : شرحه ؟. الشيخ : يا رسول الله ما كان ... القارئ : نعم .
القارئ : قال القرطبي رحمه الله تعالى في المفهم : " وقول هند : يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء ، أي أهل بيت كما قد جاء مفسرا في بعض طرقه ، وسمي البيت خباءً لأنه يخبيء ما فيه ، والخباء في الأصل مصدر تقول خبأتُ الشيء خبأً وخباءً ، ووصف هند في هذا الحديث حالها في الكفر وما كانت عليه من بغض رسول الله صلى الله عليه وسلم وبغض أهل بيته وما آلت إليه حالها لما أسلمت ، تذكر لنعمة الله عليها بما أنقذها الله منه وبما أوصلها إليه ، وتعظيم لحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتنبسط فيما تريد أن تسأل عنه ، ولتزول آلام القلوب لما كان منها يوم أحد في شأن حمزة وغير ذلك ".
الشيخ : هي على كل حال الحديث معناه واضح أنها كانت أولا لا شيء أحب إليها من أن يذل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أدل على ذلك من كونها أكلت كبد حمزة رضي الله عنه يوم أحد ، لكن من لطف الله بها أنها لاكتها ولم تبلعها ، وهذا من أشد مظاهر العداوة ، ثم قلّب قلبها مقلب القلوب جل وعلا حتى صار خباء النبي صلى الله عليه وسلم أحب خباء يعز عندها ، هذا ما فيه إشكال ، لكن لماذا قدمت هذا بين يدي إستفتائها ؟ . كأنها تقول ، وبناءً على ذلك فلا أرى قولا ولا هديا أصدق من قولك وأهدى من هديك ، فقدمت هذا بين يدي استفتائها رضي الله عنها .
الشيخ : وفيه أيضا في هذا الحديث بهذا السياق سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه الصلاة والسلام من أشد الناس حلما وإلا لكان لما ذكرته بما جرى قبل إسلامها لكان يغضب ويأنف ، ولكنه استطعمها حيث قال : ( والذي نفسي بيده وأيضا )، اللهم صل وسلم عليه ، نعم .
حدثنا زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي الزهري عن عمه أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة فقالت يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض خباء أحب إلي من أن يذلوا من أهل خبائك وما أصبح اليوم على ظهر الأرض خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل خبائك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وأيضا والذي نفسي بيده ) ثم قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج من أن أطعم من الذي له عيالنا ؟ فقال لها ( لا إلا بالمعروف)
القارئ : حدثنا زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي الزهري عن عمه أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت : ( جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة فقالت: يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض خباء أحب إلي من أن يذلوا من أهل خبائك وما أصبح اليوم على ظهر الأرض خباء أحب إلي من أن يعزوا من أهل خبائك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأيضا والذي نفسي بيده . ثم قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسّيك فهل علي حرج من أن أطعم من الذي له عيالنا ؟ فقال لها : لا إلا بالمعروف ).
حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يرضى لكم ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)
القارئ : حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا : فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ).
الشيخ : في هذا الحديث دليل على فوائد : منها إثبات الرضا والكراهة لله عز وجل ، وهل هما حقيقة أو على سبيل المجاز ، فيفسر الرضا بالثواب والكراهة بالعقاب ؟ . مذهب أهل السنة والجماعة أنهما حقيقة وأن الله تعالى يرضى ويكره ، ويترتب على رضاه الثواب ، وعلى كراهته العقاب ، وهل هما أعني الرضا والكراهة من الصفات الفعلية أو الذاتية ؟ . من الصفات الفعلية ، لأن القاعدة أن كل صفة ذات سبب فهي من الصفات الفعلية . ومن فوائد هذا الحديث أن الله يرضى لنا ثلاثا أن نعبده ولا نشرك به شيئا ، يعني نعبده عبادة خالصة ، ولا يمكن أن تكون عبادة إلا إذا وافقت الشريعة ، وعلى هذا فيكون الإتباع في ضمن العبادة ، لأن العبادة لا بد فيها من إخلاص ومتابعة ، فإذا قال : ( أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ) تضمن ذلك المتابعة إذ لا عبادة إلا بمتابعة . وقوله : ( لا تشركوا به شيئا ) عام يشمل أي أحد من المخلوقين الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم ، لا يشرك به شيئا . وقوله : ( وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )، أن تعتصموا بحبل الله وهو دين الله ، وسمي حبلا لله لأنه موصل إليه كحبل البئر يوصل إلى الماء ، فحبل الله تعالى هو دينه الذي شرعه لعباده ( ولا تفرقوا ) يعني لا تفرقوا فيه كما قال تعالى : (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )) . أين الثالثة ؟ لا بد نرجع لها في الشرح . ( ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال )، يكره ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال . أما ( قيل وقال ) فالمراد به كلام اللغو الذي لا فائدة منه ، قال الناس كذا وقيل كذا ولا فائدة منه ، أو أن المراد به نقل الكلام بغير تثبت بأن يقول قيل كذا أو قال فلان كذا بدون تثبت ، وكلاهما مذموم . والثاني كثرة السؤال ، السؤال عن أيش ؟ السؤال عن العلم إذا لم يكن هناك حاجة ، وكثرة سؤال طالب العلم من الحاجة ، لأن طالب العلم يعد نفسه ليكون على علم مما يرد عليه من المسائل ، ويأتي بقية الكلام عليه إن شاء الله والشرح .
وحدثنا شيبان بن فروخ أخبرنا أبو عوانة عن سهيل بهذا الإسناد مثله غير أنه قال ويسخط لكم ثلاثا ولم يذكر ولا تفرقوا
القارئ : وحدثنا شيبان بن فروخ أخبرنا أبو عوانة عن سهيل بهذا الإسناد مثله غير أنه قال : ( ويسخط لكم ثلاثا ) ولم يذكر : ( ولا تفرقوا ). الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم سبق لنا الكلام عن الرضا والكراهة أو السخط ، وأنها من صفات الله تبارك وتعالى الحقيقية ، ولا يجوز أن تفسر بأنها الثواب أو العقاب بل الثواب أو العقاب مرتب على ذلك ، وهي من الصفات الفعلية ، لأن كل صفة لها سبب فهي فعلية لأنها معلقة بهذا السبب ، وكل صفات تتعلق بمشيئة الله عز وجل فإنها من الصفات الفعلية ، نعم .
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا جرير عن منصور عن الشعبي عن وارد مولى المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات وكره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)
القارئ : وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا جرير عن منصور عن الشعبي عن وراد مولى المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات ، وكره لكم ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ). الشيخ :( عقوق الأمهات ) من العق وهو القطع يعني منع الأم حقها من البر ، وذكر الأم لأن عق الأم أهون على الإنسان من عق الأب ، إذ أنه قد يهاب عق أبيه لقوته وسلطته عليه ، ولكنه لا يهاب عق أمه ، هذا من وجه . من وجه آخر أن الأم أحق بالبر من الأب ، فلذلك نص على عقوقها ، فإذًا نص على عقوقها لوجهين : الأول أن عق الأم أهون على الابن من عق الأب . والثاني : أنها أحق بالبر من الأب . كذلك أيضا وأد البنات ، يعني دفنهن وهن أحياء ، وذكره لأن هذا هو الواقع ، فهو مطابق للحال لكن لو صار أناس يئدون الأبناء ، فالحكم واحد ، فيكون هذا القيد البنات ليس قيدا شرطيا ، بمعنى أن وأد الأبناء لا بأس به بل هو قيد لبيان الواقع . ( ومنعا وهات ) سبق معناها أن الإنسان يكون جموعا منوعا ، يمنع ما يجب عليه من حقوق ويطلب ما لا يستحقه سواء في المال أو غير المال . ( وكره لكم ثلاثا : قيل وقال ) وسبق الكلام عليها ( وكثرة السؤال ) وسبق الكلام عليها أيضا ( وإضاعة المال ).
وحدثني القاسم بن زكرياء حدثنا عبيدالله بن موسى عن شيبان عن منصور بهذا الإسناد مثله غير أنه قال وحرم عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل إن الله حرم عليكم
القارئ : وحدثني القاسم بن زكرياء حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن منصور بهذا الإسناد مثله غير أنه قال : ( وحرم عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ولم يقل : ( إن الله حرم عليكم ). الشيخ : والمعنى واحد لكن اللفظ الأول أبلغ وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم )، أبلغ من قوله : حرم عليكم رسول الله ، وإلا فمن المعلوم أن ما حرمه رسول الله في الحكم كالذي حرمه الله ولا فرق .
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء حدثني ابن أشوع عن الشعبي حدثني كاتب المغيرة بن شعبة قال كتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله كره لكم ثلاثا قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال)
القارئ : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء حدثني ابن أشوع عن الشعبي حدثني كاتب المغيرة بن شعبة قال : كتب معاوية إلى المغيرة اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه : أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال ). الشيخ : يبدو لي أن المغيرة رضي الله عنه كتب لمعاوية بهذا الحديث لمناسبة ، وهي أن الخليفة لا ينبغي أن يتحدث للناس ماذا قيل وماذا قال ، فيضيع الأوقات ، وأيضا الخليفة له السلطة ، ربما يأتي أناس والعياذ بالله يقولون قال فلان وهم يكذبون لكن ليتقربوا إلى الخليفة ، وتعلمون أن زمن معاوية رضي الله عنه فيه خوارج وفيه أناس يكرهون ولايته فما أكثر الوشاة ، وكذلك قيل فيه كذا وكذا ، فلحماية معاوية من إضاعة وقته وخشية من أن يصل إليه وشاة بما لم يكن فيحدثونه بما يحب وإن كان فيه كذب . كذلك أيضا إضاعة المال لأن الخلفاء قد يضيعون المال ويصرفونه في غير محله ويأخذونه من غير حله . كثرة السؤال كذلك ، لكن إذا كان الأمر هكذا فنقول إن ولي الأمر يلزمه أن يكثر السؤال إذا دعت الحاجة ، حتى يتبين الأمر ، فيسأل مثلا عن القضية واحدا أو اثنين أو ثلاثة حسب خطر هذه القضية وحسب كثرة الخوض فيها حتى يتبين الأمر ، نعم.
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن محمد بن سوقة أخبرنا محمد بن عبيدالله الثقفي عن وارد قال كتب المغيرة إلى معاوية سلام عليك أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله حرم ثلاثا ونهى عن ثلاث حرم عقوق الوالد ووأد البنات ولا وهات ونهى عن ثلاث قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)
القارئ : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن محمد بن سوقة . الشيخ : عندي محمد بن سُوَقَة بضم السين وفتح الواو ، ما هي بظاهرة الواو ، والقاف مفتوحة ، ما أدري ما هي باينة الفتحة ، نعم القارئ : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن محمد بن سوقة أخبرنا محمد بن عبيد الله الثقفي عن وراد قال كتب المغيرة إلى معاوية : سلام عليك أما بعد : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله حرم ثلاثا ونهى عن ثلاث حرم عقوق الوالد ووأد البنات ولا وهات ، ونهى عن ثلاث قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ). الشيخ : وهذا كالأول يختلف في اللفظ فقط.
الشيخ : وهذا وغيره يدلنا على فائدة مهمة وهي أن الرواة قد ينقلون الحديث بالمعنى ، وليس كلهم كذلك بل بعضهم يتحرى اللفظ حتى إنه يقول كذا أو كذا للفظتين متفقتين ، نعم .
من يقول بعدم حجية الحديث في الللغة احتجاجا بجواز الرواية في المعنى هل له وجه في ذلك؟
السائل : ... كما قيل أن الرواي قد ينقل الحديث بالمعنى ، فهل للذين يقولون بعدم حجية السنة النبوية في اللغة وجه ؟. الشيخ : لا ، ما أظن ، لأنه إذا كان الراوي الأعلى فهم قبل تغير اللغة ، إذا كان الراوي الأعلى وهو الصحابي فهو قبل تغير اللغة ، وهذا هو الأصل ، الأصل عدم هذا ، والأصل عدم الرواية بالمعنى ، هذا الأصل ، لكن إذا جاءنا حيث واحد المخرج واحد والمعنى واحد واختلف اللفظ نعرف أنه بالمعنى . السائل : لكنه لا يحسن إلى الناس في غيره من الأمور . الشيخ : إذا أدى الواجب فإنه لا يذم يقال إنه مانع لكنه لا يذم ، ونظير ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن المرأة ناقصة الدين لأنها لا تصلي وهي معذورة قائمة بالواجب ، فالإنسان الذي يمنع التطوع لا يذم لكنه ناقص عن من يتصدق . لا خلاص ثلاثة ، أربعة بعد! ، أجل استقرضنا واحد ، نعم ، هذا انتهى الآن بدأنا بالدرس ، لو كان قبل لا بأس .
حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا عبدالعزيز بن محمد عن يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)
القارئ : حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ...