شرح قول الناظم: وما أنت إلا جاهل ثم ظالم....وإنك بين الجاهلين مقـــــــــــــــــدم ( بيان حقيقة الإنسان )
الشيخ :" وما أنت إلا جَاهِلٌ ، ثُمَّ ظَالِم *** وإنَّكَ بَيْن الْجَاهِلِينَ مُقَدَّمُ " كذا عندك؟ " *** وإنَّكَ بَيْن الْجَاهِلِينَ مُقَدَّمُ " ، " وما أنت إلا جَاهِلٌ ، ثُمَّ ظَالِم *** " الطالب : ... الشيخ : ما هي مشكولة السائل : ... الشيخ : يصلح " وأنكَ " يعني وما أنت الا " انك بَيْن الْجَاهِلِينَ مُقَدَّمُ ". طيب. أظن المسألة واضحة. جاهل لا تعرف ، ظالم لا تعدل. ومن هنا يحصل الخلل وتضيع الأمانة كما قال الله عز وجل : (( وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )). وهذا هو الذي ذكره المؤلف الجهل والظلم بهما يكون الفساد ، فبالجهل لا يدري ماهو الحق حتى يتبعه ، وبالظلم يعلم ولكنه لا يعدل بل يظلم.
شرح قول الناظم: إذا كان هذا نصح عبدا لنفسه.....فمن ذا الذي منه الهدى يتـــــــــــعلم وفي مثل هذا الحال قد قال من مضى....وأحسن فيما قاله المتكـــــلم وما أنت إلا جاهل ثم ظالم....وإنك بين الجاهلين مقــــــــــــــــــــــــدم فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة....وإن كنت تدري فالمصيبةأعظــــــــم
الشيخ :" إِذَا كان هَذا نُصْحَ عَبْدٍ لِنَفْسِهِ *** فَمَنْ ذَا الَّذِي مِنْهُ الهُدي يُتَعَلَّمُ "؟ الجواب : لا أحد ! إذا كان هذا هو النصح فلا أحد يتعلم من أحد . " وَفِي مِثْلِ هَذَه الحال وَفِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ قَدْ قَالَ مَنْ مَضَى *** وِأَحْسَنَ فِيمَا قَــــــــــــالَهُ الْمُتَكَلِّمُ فــإن كُنْـــتَ لا تدري فَــتِلْكَ مُصِيبَةٌ *** وإن كنت تَدْرِي فَالْمُصِيبةُ أَعْظَمُ " صحيح. إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، ما هذه المصيبة ؟ الجهل. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم؟! الظلم. وهذا البيت حكمة ويقال في كل شيء. أحيانا تقول تلوم شخصا على مسألة ما فيقول والله ما دريت. فتقول إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
شرح قول الناظم: ولو تبصر الدنيا وراء ستورها.....رأيت خيالا في منام سيصــــــــــــرم كحلم بطيف زار في النوم وانقضى الـ....منام وراح الطيف والصب مغرم وظل أرته الشمس عند طلوعها.....سيقلص في وقت الزوال ويفصـــــــم ( بيان حال الدنيا وذكر أمثلة لها وموقف المؤمن منها )
الشيخ :" ولَوْ تُبْــصِــرُ الـــدُّنيا وَرَاءَ سُــتُورِها *** رَأيْـــتَ خــيــالاً فِــي مَــنَامِ سَــيُصْـرَمُ كَحِلْمٍ بِطَيْفٍ زَارَ فِي الْنَّومِ ، وانْقضى *** وانقضى الْمَنَامُ ، وَرَاحَ الطَّيْفُ ، والصَّبُ مُغْرَمُ وظِـــلٍّ أرَتْـــه الشمْسَ عِــنْدَ طُلُوعِهَا *** سَــيُقْــلَصُ أويَقلِص فِـي وَقْتِ الزَّوالِ ، ويَفْصَمُ وَمُزْنَــةِ صـيْفٍ طَــابَ منها مَــقِيلُهــا *** فــوَلَّــت سَــرِيــعاً ، والــحُرُورُ تَــضَرَّمُ ومَــطْــعَمِ ضَــيْــفٍ لـــذَّ مِـــنْهُ مسَاغُهُ *** وبَــعْدَ قَــليــلٍ حَــالُــهُ ، تِــلكَ تُــعْــلَــمُ كَـــذَا هَـــذهِ الــدُّنــيَــا كأحْـــلامِ نَــائـمٍ *** ومِــنْ بَــعْــدِها دَارُ الْــبقــــاءِ سَــتَقَـدَّمُ " الله أكبر! هذه هي حال الدنيا، شبهها المؤلف بعدة أمثلة " كحلم بطيف زار في النوم وانقضى وانقضى المنام وراح الطيف والصب مُغرم". الإنسان رأى في المنام شيئا أحبه أيّا كان، من بشر أو غيره، ثم انقضى النوم، وقلبه متعلق بما رأى، لكن أنى له ذلك، هكذا الدنيا كأنها أحلام نائم. وأنت الآن إذا تدبرت الأمر، تدبر لما كنت صغيرا مع زملائك في السوق تفرح وتمرح ولا تذكر شيئاً، تذكر من عندك في البيت أين ذهبوا وأين راحوا، نعم تذكر كل ما مضى تجد أنه كالحلم، راح وكأنه لم يكن ، كأنها أحلام رأيتها في البارحة أو في أقرب نومةٍ نمتها وذهبت ، اعتبر المستقبل بالماضي هذا المستقبل الذي تراه أمامك وكأنه آلاف السنين كأنك ستبقي آلاف السنين هذا سوف يزول كما زال ما مضى (( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ))(( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ )) إلا ساعة ، ساعة من نهار هكذا الدنيا. كذلك أيضا : " كظِـــلٍّ أرَتْـــه الشمْسَ عِــنْدَ طُلُوعِهَا *** سَــيَقْــلَصُ فِـي وَقْتِ الزَّوالِ ويُفْصَمُ " أو سيُقلص. الظل طيب وبارد ولذيذ تريه الشمس الرائي إذا طلعت. ثم كلَّ ماذا ؟ ينقص عند الزوال يضمحل ويزول. هكذا أيضا الدنيا عند الزوال تزول عند الزوال تزول. دار كهذه هل يليق بالعاقل فضلا عن المؤمن أن يجعلها في قلبه أغلى من دار البقاء ؟ الجواب : لا والله. ما يليق بعاقل فضلا عن مؤمن أن يجعلها في قلبه أغلى من دار البقاء أو ينظر إليها نظرة راغب راغب فيها زاهد في الآخرة ، لأنه يرى ، يرى أمه وأباه وأخته وأخاه وولده وزوجه كلهم كانوا معه على ظهر هذه الدنيا ثم ثم زالوا ثم زالوا وراحوا ودعوا خلصوا من الدنيا، ما بقي إلا الا الجزاء فقط ، كأن لم يكونوا على هذه الدنيا. " بين يرى الإنسان فيها مخبرا حتى يَرى حتى يُري خبراً من الأخبار" هو في الدنيا مخبر يتحدث كان فلان وكان فلان وصحبت فلانا وزارني فلان وزرت فلانا، يخبر عمن مضى، ثم سيكون هو الخبر. سيقال زرنا فلانا وزارنا فلان وجلسنا مع فلان وجلس معنا. وهو في قبره مرتهن بعمله. هذا هو الحقيقة الواقعة في هذه الدنيا. فإذا كانت هذه الحقيقة الواقعة في هذه الدنيا فكيف نغالي فيها؟ وكيف نؤمن البقاء؟ وكيف نجعل ما نحصله منها أكثر في نفوسنا وأكبر مما نحصله للآخرة؟ وما ذلك إلا من جهلنا و ظلمنا.
شرح قول الناظم: ومزنة صيف طاب منها مقيلها.....فولت سريعا والحرور تضـــــــــــــــرم ومطعم ضيف لذ منه مساغه......وبعد قليل حاله تلك تعلــــــــــــــــــــم كذا هذه الدنيا كأحلام نائم.....ومن بعدها دار البقاء ستــــــــــــــــقدم ( قصر الدنيا وحقيقتها واغتنام المؤمن الأعمال الصالحة فيها )
الشيخ : قال : " وَمُــزْنَــةِ طــيْــفٍ طَــابَ منها مَــقِيــلُــهــا - صيف طــيْــفٍ طَــابَ منها مَــقِيــلُــهــا *** فــوَلَّــت سَــرِيــعاً ، والــحرُورُ تَــضَرَّمُ " هذا الإنسان في الفلاة في حر شديد ــ صيف ــ ، أظله الله تعالى بمزنة - قطعة من الغمام - بيضاء باردة. والمزن كما نعرف جميعا يستقر وإلا يمشي ؟ يمشي. هذه المزنة أظلته ساعة من الزمن ثم راحت، فبقي عنده الحرور يتضرم. هكذا الدنيا أيضا وقد شبهها الرسول عليه الصلاة والسلام بأنها مثل الإنسان الذي قال في ظل دوحة ثم ثم قام وتركها. قال فيها حتى صار آخر النهار وبرد الجو ثم قام فتركها. قال : " ومَــطْــعَمِ ضَــيْــفٍ ضَــيْــفٍ لـــذَّ مِـــنْهُ مسَاغُهُ *** وبَــعْدَ قَــليــلٍ حَــالُــهُ ، تِــلكَ تُــعْــلَــمُ كَـــذَا هَـــذهِ الــدُّنــيَــا كأحْـــلامِ نَــائـمٍ *** ومِــنْ بَــعْــدِها دَارُ الْــبقــــاءِ سَــتَقْدمُ " والعجب أن هذا وصفها وهذه حقيقتها، ثم الإنسان لا يدري متى يرتحل منها. هذا الغريب أن تكون في نفوسنا إلى هذا الحد من الغلاء. ونحن لا ندري أي ساعة نجيب داعي الله عز وجل. ما يدري الإنسان. كل إنسان والله ما يستطيع أن يحكم بأنه سيدرك غدا ( إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ). وهذه حقيقة ليست أحاديث مجالس. هذه حقيقة واقعة يا جماعة واقعة. هل منكم أحد يستطيع أن يجزم بأنه سيعيش إلى غد ؟ أبدا. إذن مهما طابت الدنيا والله ليس فيها خير إلا ما كان منها مزرعة للآخرة فنعم الدار هي كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام في المال : ( نعم المال الصالح عند الرجل الصالح ) ، ( خيركم من طال عمره وحسن عمله ). إذا كان الإنسان يعدها مزرعة للآخرة لا يقول قولا و لا يفعل فعلا ولا يدع شيئا إلا وهو يريد التقرب به إلى الله حتى مكالمة إخوانه والأنس إليهم يبتغي بذلك وجه الله، حينئذ تكون مزرعة للآخرة بل تكون جنة مقتطعة ومقدمة من الآخرة كما قال أحمد بن تيمية ـــ رحمه الله ـــ شيخ الإسلام لما أدخلوه في الحبس قال : " ما يفعل أعدائي بي ؟ " يعني أي شيء يفعلون ؟ نعم؟ " إن جنتي في صدري "، جنته في صدره رحمه الله علم وإيمان ونور وطمأنينة هذه هي الجنة ... الفضل. والله ما هي بالجنة البستان التي إذا خرج الإنسان وإلا نخيل تهتز وفواكه وغيرها. هذه جنة جسد. لكن جنة القلب لا يعدلها شيء. قال : " جنتي في صدري إن حبسي خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة ". الله أكبر! شوف اليقين العجيب. سبحان الله العظيم! هذا من يقين الرسل عليهم الصلاة والسلام لما خرج موسى بقومه واتبعهم فرعون بقومه وصاروا بين البحر وبين جنود فرعون، بين فرعون وجنوده، ماذا قال أصحاب موسى (( قالوا إنا لمدركون )) خلاص البحر أمامنا إن خضناه غرقنا، وفرعون بجنوده خلفنا إن أدركنا أهلكنا فقال بطمأنينة : (( كلا )) لسنا مدركين (( إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )). الله أكبر! شوف اليقين في هذه الشدة. فأوحى الله أن يضرب البحر، فضربه فانفلق في الحال ويبس في الحال (( فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا )). فخرجوا كلهم عن آخرهم، ودخل فرعون بجنوده عن آخرهم فأوحى رب العزة والجلال إلى هذا البحر أن انطبق، فانطبق على فرعون وجنوده فغرقوا وأولئك نجوا. الله أكبر! اللهم ارزقنا الإيمان واليقين ، يعني من يصل إلى هذه الدرجة إلا من منَّ الله عليه باليقين التام. فأنا أقول أن الإنسان ينبغي له أن يجعل هذه الدنيا مزرعة للآخرة لينتفع منها . -الأذان يؤذن-. الشيخ : الله اكبر ... آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا واغفر اللهم لوالدي وللمسلمين ... السائل : ... الشيخ : الطـّيف : ما يطوف بالإنسان في النوم، مما يحبه من إنسان أو حيوان أو غيره. ... ما معنا مصطلح؟. الطالب : ... . الشيخ : ما في شيء؟ عجيب ... طيب اجل الآن ما وصلنا ... من قبل.
شرح قول الناظم: فجزها ممرا لا مقرا وكن بها.....غريبا تعش فيها حميدا وتســــــــــــلم أوابن سبيل قال في ظل دوحة.....وراح وخلى ظلها يتقســـــــــــــــم أخا سفر لا يستقر قراره......إلى أن يرى أوطانه ويســــــــــــــــــلم فيا عجبا كم مصرع وعظت به.....بنيها ولكن عن مصارعها عمــــــــوا ( الحذر من الركون إلى الدنيا وبيان ثمرة الإيمان بالقضاء والقدر )
الشيخ : طيب يقول : " فجُزْها مَمَرًّا لا مقرًّا وكنْ بِها *** غريبًا تَعِشْ فيها حمَيِدًا وتَسْلَمُ " صحيح. هذه نصيحة من ابن القيم رحمه الله أن نجوز هذه الدنيا على أنها ممر لا مقر وأن نكون فيها غرباء كالغريب الذي لا يريد الاستيطان. فإنك تعيش حميدا وتسلم. لكن البلاء لكن البلاء كل البلاء أن يتخذها الإنسان مقرّا وموطنا، لأنه إذا اتخذها مقرّا وموطنا غفل عن الآخرة بلا شك، بأن يرى أن هذه موطنه مع أنه يوم القيامة (( يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )). ويقول الله عز وجل : (( وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ )). هي الحياة العظيمة الحقيقية. ولهذا جاءت (( لَهِيَ الْحَيَوَانُ )) أي الحياة الكاملة. وهنا يقول : " تَعِشْ فيها حمَيِدًا وتَسْلَمُ ". " أو ابنَ أو ابنَ سبيلٍ قالَ في ظِلِّ دَوْحَةٍ *** وراحَ وخلَّى ظِلَّها يَتَقَسَّمُ " اللهم قوِّنا على ذلك . " أخا سَفَرٍ لا يستقرُّ قَرارُهُ *** إلى أنْ يَرى أوطانَهُ ويُسَلِّمُ فيا عجبًا كمْ مَصْرَعٍ وُعظت كم مصدر كم مصرع وُعظت به أو وَعَظَتْ بِهِ *** بنِيها ولكنْ عن مَصارعِها عَمُوا " صحيح. من العجب أن المصارع مصارع الدنيا التي وعظت به بنيها كثيرة. ولكن عن مصارعها عموا. ولنأخذ أمثلة من هذا : ما أكثر ما نرى من الأغنياء يعودون فقراء، بينما يتكفف الناس إليهم أيديهم صاروا يتكففون الناس! مثل هؤلاء الموت خير لهم من الحياة، لأنهم ذاقوا الذل بعد العز . كم من إنسان قوي العضلات في عنفوان شبابه، ونظر في وجهه، أصيب بحادث أهزله بعد السمن، واغبرَّ وجهه بعد النظارة، وصار من رآه يرق له، ويحزن عليه! هذا صحيح ؟نعم. كم من إنسان بنى وأمَّل وذهب خياله إلى زمن بعيد، ولكنه لم يسكن ما بنى! كم من إنسان غرس وحرث، يُؤمِّل أن يستمتع بثمرات ما غرس وما زرع، ولكن يحال بينه وبينها! وخذ من هذه الأمثلة الكثيرة. كم من أناس نحن علمناهم في عصرنا وسمعنا عنهم في ما سبقنا كانوا كثرة مجتمعين أخ مع أخيه مع أبنائهم مع بناتهم مع أهليهم مجتمعين في بيت أو في بيوت متقاربة. لكنهم على أكثر ما يكون من الأنس والفرح والسرور. فإذا بهم يتفرقون بموت أو مصائب أو فقر أو عدو أو غير ذلك. أليس هذا واقعا ؟ بلى، واقعا و كثيرا. إذن لماذا لا نتعظ ؟ يجب علينا أن نتعظ بما تعظ به الدنيا بنيها. كيف نتعظ ؟ ليس الاتعاظ معناه أن نبكي إذا ذكرنا هذه الأحوال. الاتعاظ أن نتخذ منها عبرة، وأن هذه الدنيا ليست ليست دار مقر. وليست دار نعيم مقيم. وأن الآخرة هي دار المقر وهي دار النعيم المقيم، فنأخذ من هذه الدنيا ما نجعله ثمنا للآخرة ما نجعله ثمنا للآخرة. كأنما تقدم الثمن لسلعة منتظرة لسلعة منتظرة. وحينئذ تربح الدنيا والآخرة تربح الدنيا والآخرة. ولا أحد ألذ وأنعم عيشا وأطيب قلبا وأهدأ بالا ، لا أحد مثل المؤمن العامل للصالحات. (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً )). أنا أقول لكم هذا مع أني مقصر. لكن أرجو أن يكون في كلامي خير وبركة لي ولكم . يجب أن نلاحظ الأمر بدقة ونعرف ماذا صنعنا؟ أين الإيمان الذي يحل في القلب حتى يتساوى عند حتى تتساوى عنده أقدار الله عزّ وجل؟ الخير والشر من الله، يطمئن إليه. وإن كان الشر لا ينسب إلى الله تعالى. لكنه من قضائه، أي من مقضياته. فتجد الإنسان مطمئنا إن أصابته سراء شكر، ولم يحمله ذلك على الأشر والبطر وإن أصابته ضراء صبر ولم يحمله ذلك على الجزع والتسخط وكراهة قضاء الله عز وجل. بل يعلم أن الله له الحكمة في ما قضى وقدر، فيطمئن القلب، ويبقى دائما مسرورا، والله لا أحد أنعم من الإنسان المؤمن بالقضاء والقدر على الوجه الصحيح المطلوب أبدا. أي نعم.
شرح قول الناظم: سقتهم كؤوس الحب حتى إذا نشوا.....سقتهم كؤوس السم والقوم نـوم وأعجب ما في العبد رؤية هذه الـ.....عظائم والمغمور فيها متيــــــــم وما ذاك إلا أن خمرة حبها.....لتسلب عقل المرء منه وتصلــــــــــــــــم وأعجب من ذا أن أحبابها الألى.....تهين وللأعدا تراعي وتكـــــــــــرم وذلك برهان على أن قدرها.....جناح بــــــــــــــــعوض أو أدق و ألأم وحسبك ما قال الرسول ممثلا.....لها ولدار الخلد والحق يفــــــــــــــهم كما يدلي الإنسان في اليم أصبعا.....وينزعها منه فما ذاك يغنـــــــــم ( بيان أن الطالب للدنيا فقير إليها حريص عليها وذكر حقارة الدنيا )
الشيخ : يقول : " سقتْهمْ كؤوسَ الحُبِّ حَتى إذا نَشَوْا *** سقتْهم كؤوسَ السُّمِّ والقومُ نُوَّمُ " الله أكبر ! أظن أن البيت واضح معناه ، يعني أنها تغريهم وتغرّهم، فإذا بها تخدعهم وتمكر بهم . ثم قال: " و أعجبُ ما في العَبْدِ رؤيةُ هذه الـْ *** ـعَظائِمِ والغرور والمغرورُ فيها مُتَــيَّــمُ وما ذاك إلا أنَّ خمــــــــــــــــــرةَ حُبِّها *** لَتَسْلِبُ عقلَ المــرءِ عنه وتَصْلِمُ " منه نعم. وتَصلم : يعني تقطع. " وأعجبُ مِن ذا أن أحبَابَها الأُلى *** تَهين تُهينُ ولِلأَعْدَاء تُراعِي وتُكْرِمُ " هذا المشكل أحيانا يكون المتيم بها المحب من أقل الناس حظا فيها تجده لا ينام الليل من طلب الحياة الدنيا، دائماً ...، في فكره، وعقله، وقوله، وفعله، لا ينام ولا يستريح. ومع ذلك هو أقل الناس حظا منها. وهذا الشيء مشاهد ومجرب. هذا من العجب. كيف تجعل أكبر همك ومبلغ علمك هذه الحياة الدنيا التي أنت فيها من أشقى عباد الله ؟ قال : " وذلكَ بُرهانٌ على أنّ قدْرَها *** جناحُ بعوضٍ أو أدقُّ و أَلْأَمُ وحَسْبُكَ ما قال الرسول مُمَثِّلا *** لها ولِدارِ الخُلدِ والحقُّ يُفهَمُ كما يُدلِي الإنسانُ في اليمِّ أُصْبُعًا *** ويَنْزِعهُا منه فما ذا " - ايش؟ - الطالب : ... الشيخ :" فما ذاك يَغْنِمُ " صح. يعني مثل الحياة الدنيا في الآخرة كرجل جعل إصبعه في اليم. ويش هو اليم؟ البحر. ثم نزعها فلينظر بم يرجع ؟ الطالب : ... الشيخ : لا شيء؟ كيف لا شيء؟ الطالب : ... الشيخ : هو وضع يده في البحر ثم أخرجها نقص البحر وإلا ما نقص؟ اه؟ الطالب : ما نقص الشيخ : ما نقص طبعا ما ينقص. اه؟ وهذا كقول الرسول كقول الله ـــ عز وجل ـــ في الحديث القدسي : ( يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ). الله أكبر ! هل ينقص ؟ لا، لكن هذا من باب تأكيد الشيء بما يشبه النفي. " ما نقص إلا " تتوقع أنه بيجي شيء بين أنه ناقص ( إلا كما ينقص البحر، المِخْيَط إذا غُمس في البحر ). طيب.
شرح قول الناظم: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة.....على حذر منها وأمري مبــــــــــــرم وهل أردن ماء الحياة وأرتوي.....على ظمإ من حوضه وهو مفــــــعم وهل تبدون أعلامها بعدما سفت.....على ربعها تلك السواقي فتــعلم وهل أفرشن خذي ثرى عتباتهم.....خضوعا لهم كيما يرقوا ويرحموا وهل أرمين نفسي طريحا ببابهم.....وطير منايا الحب فوقي تحـــــوم
الشيخ : يقول رحمه الله : " كما ألا ليتَ شِعْري هلْ أبِيتَنَّ ليلةً *** على حَذَرٍ مِنها وأمْريَ مُحكم " اه؟ كيف؟ السائل : ... الشيخ :" الا ليتَ شِعْري هلْ أبِيتَنَّ ليلةً *** على حَذَرٍ مِنها وأمْريَ مُبرم " وفي نسخة : " ومحكمُ ". هذا يقوله من ؟ ابن القيم. نعم. يقول : ليت شعره ، يعني شعوره. هل أنا أبيت ليلة على حذر منها وأمري مبرمُ ؟ وين هو يشوفنا نحن الآن؟ نعم احنا ما نبيت ولا ربع ليلة على حذر منها. بل دائما على أمن وطمأنينة إليها. نعم. يقول : " وهلْ أرِدَاً ماءَ الحياةِ وأرْتَوِي *** عَلى ظمإٍ مِن حوضِهِ وهوَ مُفْعَمُ " وماء الحياة بلا شك هو شريعة الله عز وجل. وهل السائل : ... الشيخ : كيف ... ولا ... السائل : ... الشيخ : عجيب ايشلون ... السائل : ... الشيخ : مقروء بلا شك مصحح على من؟ طيب " وهلْ أرِدَاً ماءَ الحياةِ وأرْتَوِي *** عَلى ظمإٍ مِن حوضِهِ وهوَ مُفْعَمُ وهلْ تَبْدُون أعلامُها بعدَما سَفَتْ *** على رَبْعِها تِلكَ السَّوافِي فَتُعْلَمُ ". يعنى هل تبدو أعلامها : أي علاماتها "بعدما سفت على ربعها تلك السوافي فتعلم" وهل هنا للتمني. " وهلْ أفرِشَنْ خدَّيَّ " الطالب : ... الشيخ :" وهلْ أفرِشَنْ خدِّي ثَرَى عتَبَاتِهِمْ *** خُضُوعًا لَهم كَيْما يَرِقُّوا ويَرْحَمُوا وهلْ أرْمِيَنْ نفسِي طرِيحًا ببابِهم *** " وايش؟ الطالب : ... الشيخ :" وطَيْرُ منايا الحبِّ فوقي تُحَوَّمُ " نعم يقول : " وهلْ أفرِشَنْ خدِّي ثَرَى عتَبَاتِهِمْ *** خُضُوعًا لَهم " يعني معناه هل أصل بالذل ، والمراد بالذل لعباد الله، لله عز وجل أذل لهم، أضع خدي، " كيما يَرِقُّوا ويَرْحَمُوا " لأن من تواضع لله عز وجل فإنه أقرب الناس إلى رحمة الله . " وهلْ أرْمِيَنْ نفسِي طرِيحًا ببابِهم *** وطَيْرُ منايا الحبِّ فوقي تَحَوَّمُ " السائل : ... ؟ الشيخ : تُحوِّم السائل : التاء مضمومة؟ الشيخ : بضم التاء. يصلح تُحوِّم. طيب يقول : " هلْ أرْمِي نفسِي طرِيحًا ببابِهم *** وطَيْرُ منايا الحبِّ فوقي تُحَوِّمُ "؟ هذا أيضا للتمني. يقول أتمنى أن أصل إلى هذا الحال .
شرح قول الناظم: فيا أسفي تفنى الحياة وتنقضي.....وذا العتب باق ما بقيتم وعشتـــم فما منكم بد ولا عنكم غنى......ومالي من صبر فأرسلوا عنكــــــــــــم ومن شاء فليغضب سواكم فلا إذا.....إذا كنتم عن عبدكم قد رضيـــــتم وعقبى اصطباري في هواكم حميدة.....ولكنها عنكم عقاب ومأثـــــم وما أنا بالشاكي لما ترتضونه......ولكنني أرضى به وأسلــــــــــــــم
الشيخ :" فيا أسفِي تفنَى الحياةُ وتنقضي *** وذا العتْبُ باقٍ ما بَقِيتُمْ وعِشْتُمُ " يعني تأسف أن الحياة تفنى وتنقضي. وما زلتم تعتبون علي ، أي تلوموني فيما أفعل . " فما منكمُ بُدٌّ ولا عنكمُ غِنًى *** ومالِيَ مِن صَبْرٍ فأسْلُوَ عنْكُمُ ومَن شاءَ فلْيَغْضَبْ سواكُم فلا إذن *** إذا كنتمُ عن عبْدِكُمْ قدْ رَضِيتُمُ ". هذا كله واضح ، يقول : " وعُقْبَى اصْطِباري فِي هَواكُم حميدةٌ *** ولكنها عنكمْ عِقابٌ ومَأثَمُ " المعنى : أنني إذا صبرت وتصبرت في هواكم ومحبتكم والميل إليكم فإني أرى ذا حميد حميدا. " ولكنها عنكمْ عِقابٌ ومَأثَمُ " المعنى : أنني لو صبرت عنكم لكنت آثما ومعذبا. لكني أرجو أن يكون العاقبة حميدة. " وما أنا بالشاكي لما ترتَضونَهُ *** ولكنَّنِي أرضَى به و أُسَلِّمُ " يعني أنكم إذا أوقعتم بي شيئا رضيتموه لي فإنني لا أشكو. ولكن أرضى وأسلم. وهكذا المؤمن يرضى بقضاء الله وقدره ولا يشكوه لأحد .
شرح قول الناظم: وحسبي انتسابي من بعيد إليكم..... ألا إنه حظ عظيم ومفخـــــــــــــم إذا قيل هذا عبدهم ومحبهم....تهلل بشرا وجهه يتبســـــــــــــــــــــــم وها هوقد أبدى الضراعة سائلا....لكم بلسان الحال والقال معلــــــــم أحبته عطفا عليه فإنه......لفي ظمإ والمورد العذب أنتـــــــــــــــــــم
الشيخ :" وحَسْبِي انْتِسابي مِن بُعَيْدٍ إلَيْكُمُ *** ألا إنهُ حظٌّ عظيمٌ مُفْخَّمُ " نعم إذا قيل عبد الله ونسب الإنسان إلى ربه فهذا أفضل. ولهذا قال المغرم بمعشوقته: " لا تدعُني إلا بيا عبدها *** فإنه أشرف أسمائي ". قال : " إذا قيلَ هذا عبدُهُم ومُحِبُّهُم *** تَهَلَّلَ بِشْرًا وجهُهُ يَتَبَسَّمُ وها هو قد أبدَى الضراعةَ سائلاً *** لكمْ بِلِسانِ الحالِ والقالُ مُعْلَمُ " يعني : أنه إذا قيل أن هذا هو عبد آل فلان. ومراده إذا قيل أنه عبد لله تهَلَّلَ وجهه بُشْرًا يَتَبَسَّمُ ، " وها هو قد أبدَى الضراعةَ " وهي : شدة الطلب والالتجاء ، " سائلاً لكمْ بِلِسانِ الحالِ والقالِ مُعْلِمُ ". لسان الحال : هو ما يعبر عنه الفعل، ولسان المقال: ما يعبر عنه اللسان. " أحِبَّتُهُ أحِبَّتَهُ " يعني يناديهم يقول يا احبتي " عَطْفًا عليهِ فإنهُ *** لَفِي ظمأٍ والوردُ " الطالب : ... الشيخ :" والمورد العَذْبُ أنْتُمُ ". أحبته يعني يا أحبته اعطفوا عطفا عليه. فإنهُ " لَفِي ظمأٍ والموردُ العَذْبُ أنْتُمُ ". " فَيَا ساهِيا في غمْرَةِ الجهلِ والهَوَى *** صريعَ صريعُ الأماني عن قَريبٍ سيَنْدَمُ ". الآن بدأ يوجه المؤلف الخطاب لغيره للنصيحة. وهذا منتهى الدرس درس الليلة.