التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم-04b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
اقتضاء الصراط المستقيم
الحجم ( 5.32 ميغابايت )
التنزيل ( 1106 )
الإستماع ( 109 )


1 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال سبحانه: { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيءٍ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون }. ومعلوم أن الكفار فرقوا دينهم ، وكانوا شيعا، كما قال سبحانه : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات }. وقال: { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } . وقال: { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظًا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة }. وقال عن اليهود: { وليزيدن كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانًا وكفرًا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة }. " أستمع حفظ

2 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: { لست منهم في شيءٍ } وذلك يقتضي تبرؤه منهم في جميع الأشياء. ومن تابع غيره في بعض أموره فهو منه في ذلك الأمر ؛ لأن قول القائل : أنا من هذا ، وهذا مني - أي أنا من نوعه ، وهو من نوعي - لأن الشخصين لا يتحدان إلا بالنوع ، كما في قوله تعالى : { بعضكم من بعضٍ } وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي : " أنت مني وأنا منك "، فقول القائل : لست من هذا في شيء ، أي لست مشاركا له في شيء ، بل أنا متبرئ من جميع أموره . وإذا كان الله قد برأ الله رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع أمورهم ؛ فمن كان متبعا للرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة كان متبرئا كتبرئه ، ومن كان موافقا لهم كان مخالفا للرسول بقدر موافقته لهم ، فإن الشخصين المختلفين من كل وجه في دينهما، كلما شابهت أحدهما ؛ خالفت الآخر. وقال سبحانه وتعالى: { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } إلى آخر السورة وقد روى مسلم في صحيحه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله }. الآية ، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم بركوا على الركب ، فقالوا : " أي رسول الله كلفنا ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما اقترأها القوم ، وذلت بها ألسنتهم ، أنزل الله تعالى في إثرها : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } فلما فعلوا ذلك نسخها الله ؛ فأنزل الله : { لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ، قال : نعم { ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا } قال : نعم { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } ، قال : نعم { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } ، قال : نعم ". فحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقوا أمر الله بما تلقاه. أهل الكتابين، وأمرهم بالسمع والطاعة ؛ فشكر الله لهم ذلك ، حتى رفع الله عنهم الآصار والأغلال التي كانت على من كان قبلنا ". أستمع حفظ

5 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يكره مشابهة أهل الكتابين في هذه الآصار والأغلال ، وزجر أصحابه عن التبتل وقال : " لا رهبانية في الإسلام " وأمر بالسحور ونهى عن المواصلة، وقال فيما يعيب به أهل الكتابين ويحذر موافقتهم: " فتلك بقاياهم في الصوامع " وهذا باب واسع جدا . وقال سبحانه: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولهم منكم فإنه منهم } وقال سبحانه : { ألم تر إلى الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم } يعيب بذلك المنافقين الذين تولوا اليهود إلى قوله : { لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه } إلى قوله : { أولئك حزب الله }. وقال تعالى : { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعضٍ } إلى قوله : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ } إلى قوله : { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم }. فعقد سبحانه الموالاة بين المهاجرين والأنصار ، وبين من آمن بعدهم وهاجر وجاهد إلى يوم القيامة . والمهاجر: من هجر ما نهى الله عنه والجهاد باق إلى يوم القيامة. فكل شخص يمكن أن يقوم به هذان الوصفان ، إذ كان كثير من النفوس اللينة تميل إلى هجر السيئات دون الجهاد ، والنفوس القوية قد تميل إلى الجهاد دون هجر السيئات ، وإنما عقد الموالاة لمن جمع الوصفين ، وهم أمة محمد حقيقة . وقال : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } ونظائر هذا في غير موضع من القرآن : يأمر سبحانه بموالاة المؤمنين حقا - الذين هم حزبه وجنده - ويخبر أن هؤلاء لا يوالون الكافرين ولا يوادونهم . والموالاة والموادة: وإن كانت متعلقة بالقلب ، لكن المخالفة في الظاهر أعون على مقاطعة الكافرين ومباينتهم . ومشاركتهم في الظاهر : إن لم تكن ذريعة أو سببا قريبا أو بعيدا إلى نوع ما من الموالاة والموادة ، فليس فيها مصلحة المقاطعة والمباينة ، مع أنها تدعو إلى نوع ما من المواصلة - كما توجبه الطبيعة وتدل عليه العادة - ولهذا كان السلف رضي الله عنهم يستدلون بهذه الآيات على ترك الاستعانة بهم في الولايات ." أستمع حفظ

6 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال : " قلت لعمر رضي الله عنه : إن لي كاتبا نصرانيا قال : ما لك؟ قاتلك الله ، أما سمعت الله يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ } ألا اتخذت حنيفا؟ قال : قلت : يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه . قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله " ولما دل عليه معنى الكتاب: وجاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين التي أجمع الفقهاء عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم." أستمع حفظ

7 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " أمر بمخالفتهم ؛ وذلك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمرا مقصودا للشارع ؛ لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود ، وإن كان الأمر بالمخالفة في تغيير الشعر فقط ، فهو لأجل ما فيه من المخالفة فالمخالفة : إما علة مفردة أو علة أخرى ، أو بعض علة ، وعلى التقديرات تكون مأمورا بها مطلوبة من الشارع " أستمع حفظ

8 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه: " لأن الفعل المأمور به إذا عبر عنه. بلفظ مشتق من معنى أعم من ذلك الفعل ؛ فلا بد أن يكون ما منه الاشتقاق أمرا مطلوبا ، لا سيما إن ظهر لنا أن المعنى المشتق منه معنى مناسب للحكمة ، كما لو قيل للضيف : أكرمه ، بمعنى أطعمه ، أو للشيخ الكبير : وقره ، بمعنى اخفض صوتك له ، أو نحو ذلك . وذلك لوجوه: أحدها: أن الأمر إذا تعلق باسم مفعول مشتق من معنى كان المعنى علة للحكم ، كما في قوله عز وجل : { فاقتلوا المشركين } وقوله: { فأصلحوا بين أخويكم } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عودوا المريض وأطعموا الجائع وفكوا العاني " وهذا كثير معلوم . فإذا كان نفس الفعل المأمور به مشتقا من معنى أعم منه ؛ كان نفس الطلب والاقتضاء قد علق بذلك المعنى الأعم ، فيكون مطلوبا بطريق الأولى ". أستمع حفظ

9 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الوجه الثاني : أن جميع الأفعال مشتقة ، سواء كانت مشتقة من المصدر ، أو كان المصدر مشتقا منها ، أو كان كل منهما مشتقا من الآخر ، بمعنى : أن بينهما مناسبة في اللفظ والمعنى ، لا بمعنى : أن أحدهما أصل والآخر فرع ، بمنزلة المعاني المتضايفة كالأبوة والبنوة أو كالأخوة من الجانبين ، ونحو ذلك . فعلى كل حال : إذا أمر بفعل كان نفس مصدر الفعل أمرا مطلوبا للآمر ، مقصودا له كما في قوله : {اتقوا الله }و { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } و { آمنوا بالله ورسوله } و { اعبدوا الله ربي وربكم } و { فعليه توكلوا } . فإن نفس التقوى ، والإحسان ، والإيمان ، والعبادة ، أمور مطلوبة مقصودة ، بل هي نفس المأمور به . ثم المأمور به أجناس لا يمكن أن تقع إلا معينة ، وبالتعيين تقترن بها أمور غير مقصودة للآمر ، لكن لا يمكن العبد إيقاع الفعل المأمور به ؛ إلا مع أمور معينة له ، فإنه إذا قال : { فتحرير رقبةٍ } فلا بد إذا أعتق العبد رقبة أن يقترن بهذا المطلق تعيين : من سواد ، أو بياض ، أو طول ، أو قصر ، أو عربية ، أو عجمية ، أو غير ذلك من الصفات ، لكن المقصود : هو المطلق المشترك بين هذه المعينات . وكذلك إذا قيل : اتقوا الله وخالفوا اليهود ؛ فإن التقوى تارة تكون بفعل واجب : من صلاة ، أو صيام ، وتارة تكون بترك محرم من كفر أو زنا ، أو نحو ذلك ، فخصوص ذلك الفعل إذا دخل في التقوى لم يمنع دخول غيره ، فإذا رئي رجل على زنا فقيل : له اتق الله ؛ كان أمرا له بعموم التقوى ، داخلا فيه خصوص ترك ذلك الزنا ؛ لأن سبب اللفظ العام لا بد أن يدخل فيه ". أستمع حفظ

10 - القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كذلك إذا قيل: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم " كان أمرا بعموم المخالفة، داخلا فيه المخالفة بصبغ اللحية، لأنه سبب اللفظ العام. وسببه : أن الفعل فيه عموم وإطلاق لفظي ومعنوي فيجب الوفاء به ، وخروجه على سبب يوجب أن يكون داخلا فيه لا يمنع أن يكون غيره داخلا فيه - وإن قيل: إن اللفظ العام يقصر على سببه - لأن العموم هاهنا من جهة المعنى - فلا يقبل من التخصيص ما يقبله العموم اللفظي . فإن قيل: الأمر بالمخالفة أمر بالحقيقة المطلقة وذلك لا عموم فيه بل يكفي فيه المخالفة في أمر ما ، وكذلك سائر ما يذكرونه فمن أين اقتضى ذلك المخالفة في غير ذلك الفعل المعين ؟ . قلت : هذا سؤال قد يورده بعض المتكلمين في عامة الأفعال المأمور بها ويلبسون به على الفقهاء وجوابه من وجهين: أحدهما: أن التقوى والمخالفة ونحو ذلك من الأسماء والأفعال المطلقة قد يكون العموم فيها من جهة عموم الكل لأجزائه لا من جهة عموم الجنس لأنواعه ؛ فإن العموم ثلاثة أقسام : 1 - عموم الكل لأجزائه: وهو ما لا يصدق فيه الاسم العام، ولا أفراده على جزئه 2 - عموم الجميع لأفراده: وهو ما يصدق فيه أفراد الاسم العام على آحاده 3 - عموم الجنس لأنواعه وأعيانه: وهو ما يصدق فيه نفس الاسم العام على أفراده" أستمع حفظ