الجواب عن استدلال عباد القبور بقوله تعالى:" ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ". حفظ
الشيخ : لكن قد يقول قائل: يستثنى من هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله قال: (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرّسول لوجدوا الله توابا رحيما ))، (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله )) لأنفسهم (( واستغفر لهم الرّسول لوجدوا الله توابا رحيما )) وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر لهم إذا جاءوه، فما هو الجواب عن هذه الشبهة التي اشتبهت على كثير من الناس؟
الجواب: أن الآية لا تدل على شيء مستقبل، تدل على شيء مضى وحصل في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه قال (( ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم ))، ولم يقل: ولو أنهم إذا ظلموا، وهناك فرق بين إذ ظلموا وبين إذا ظلموا، فرق في اللغة العربية التي نزل بها القرآن، إذ لما مضى، وإذا للمستقبل، فالآية لا تدل على هذا.
ثم إنه قال (( واستغفر لهم الرسول )) والرسول لا يمكن أن يستغفر لأحد بعد موته، لأنه لا يمكن أن يستغفر لنفسه فضلا عن أن يستغفر لغيره.
الدليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله ) ( إذا مات الإنسان انقطع عمله ) والرسول عليه الصلاة والسلام إنسان، مات أو لم يمت؟ مات، إذن انقطع عمله، والاستغفار عمل أو غير عمل؟ قول القائل اللهم اغفر لي هذا عمل أو غير عمل؟ عمل لكن عمل باللسان، العمل يكون باللسان ويكون بالجوارح، الفعل يكون بالجوارح، والقول باللسان، ولهذا قبيل الفعل القول، وأما العمل فهو صالح للقول وللفعل.
إذن قد انقطع عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بموته، فكيف يستغفر لك؟ هو لا يستغفر لنفسه فضلا عن أن يستغفر لك، ولكن انتبه لآخر الحديث ( انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) فالنبي عليه الصلاة والسلام وإن انقطع عمله الخاص بنفسه، فكل الأمة تعمل بعلمه عليه الصلاة والسلام يعني تعمل بما علّمه إياها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فما أدركت الأمة علما إلا عن طريق من؟ عن طريق الرسول عليه الصلاة والسلام، إذن فكل أعمالنا المبنية على علم الشريعة ينتفع بها الرسول أو لا ينتفع؟
الطالب : ينتفع.
الشيخ : ينتفع، ويثاب عليها، يثاب عليها كما نثاب نحن، لأن جميع العلوم الشرعية متلقاة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تبارك وتعالى: (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليبدروا آياته وليتذكّر أولو الألباب ))، وقال (( ونزّلنا عليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكّرون )).
وبهذا نعرف قصور الذين إذا فعلوا طاعة أهدوها للرسول عليه الصلاة والسلام، في أناس إذا فعلوا طاعة أهدوها للرسول قالوا هذه صدقة لروح رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى ركعتين قال هذه لروح رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
نقول: هذا قصور في الفهم، الصدقة التي تتصدّق بها أنت يكون للرسول عليه الصلاة والسلام مثل أجرك وإن لم تقل ذلك، ولهذا كان الفقهاء العلماء بالله وبشريعته أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكونوا يفعلون ذلك أبدا، ما منهم أحد تصدّق وقال هذه لروح الرسول، ولا منهم أحد صلّى وقال هذه لروح الرسول، كل القرون المفضلة لم تعمل هذا، الصحابة والتابعون وتابعوهم لم يكن أحد منهم يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثواب شيء من الأعمال لماذا؟ لأنهم فقهاء، علماء يعلمون أنهم ما عملوا طاعة إلا ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل أجرها، لأنه هو الذي دلّ الناس على ذلك، أي على ذلك العمل الصالح فكان له مثل أجره، حتى أنت لو أنّك رأيت شخصا مقصّرا في عمل فأرشدته إلى الصواب فلك أجر عمله المبني على تعليمك إياه إلى أن يموت، لك أجر عمله، الدال على الخير كفاعل الخير، الدال على الخير كفاعل الخير.
إذن الإخلاص لله عزّ وجلّ في العبادة شرط أساسي لقبولها والشرك بالله سواء كان في هذه العبادة أو في غيرها مبطل للعبادة وغيرها، ولهذا قلت لكم إنّ الذي يدعو قبرا أو وليا أو صالحا أو نبيا أو غيرهم من المخلوقين لا يقبل منه عمل وإن أخلص في ذلك العمل، لأن المشرك لا يقبل عمله (( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )).