جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الفطرة خمس ...فذكر قص الشارب وجاء من حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا طويل الشارب فدعا بسواك وشفرة فقص شارب الرجل على عرض السواك وجاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حفوا الشوارب وأعفوا اللحى وجاء عن أنس مثله وزاد "ولا تشبهوا باليهود "وجاء من حديث أبي هريرة "جزوا الشوارب وأعفوا اللحى " فما هو الجمع الصحيح بين هذه الألفاظ المختلفة وكيف ينجلي الإشكال عن معنى حديث أنس إذا كنا نرى اليوم اليهود قد أعفوا شواربهم وأرخوا لحاهم أفتونا في ذلك وفقكم الله ؟ حفظ
السائل : سائل يقول جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( الفطرة خمس ... ) فذكر قصّ الشارب ، وجاء من حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا طويل الشارب فدعا بسواك وشفرة فقصّ شارب الرجل على عود السواك ، وجا من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أحفوا الشارب وأعفوا اللحى ) ، وجاء من حديث أنس مثله وزاد ( ولا تشبّهوا باليهود ) ، وجاء من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جزّوا الشوارب وأرخوا اللحى ) ، فما هو الجمع الصحيح بين هذه الألفاظ المختلفة وكيف ينجلي الإشكال عن معنى حديث أنس إذا كنا نرى اليوم اليهود قد أحفوا شواربهم وأرخوا لحاهم ، أفتونا في ذلك وفقكم الله ؟
الشيخ : الجواب واضح بالرجوع إلى قاعدة أعتبرها أيضا من القواعد الفقهية العامة وهي تفسير النصوص القولية بالآثار الفعلية ، تفسير النصوص القولية باالأحاديث الفعلية ، ذلك لأن بعض النصوص الشرعية كهذه تحتمل أكثر من معنى فيأتي الشارع ملهماً لرسولنا صلى الله عليه وسلم أن يبين هذه النصوص القولية بفعله ، ... فالأحاديث القولية تفسّرها الأحاديث الفعلية وهذا من معاني قوله تعالى (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) وبيانه عليه السلام في غالب الأحيان يكون بالفعل وإن كان أحيانا يكون بالقول لكن يكون بالقول المحدد الذي لا يحتمل وجوهاً من التأويل ، من هذا القبيل مثلا قوله عليه السلام ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا ) فحدد ما يجوز أن تقطع اليد به بينما الآية مطلقة (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )) ، فسواءٌ سرق ربع دينار أو ثمن دينار أو قرشاً أو فلسا لغةً اسمه سارق ، فلولا هذا الحديث لوجب إعمال الآية على إطلاقها وشمولها ، لكن أكثر بيان الرسول عليه السلام كان الملاحظ يكون بفعله حتى في هذه الآية والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، اليد هذه كلها يد لكن تارة تطلق اليد ويراد الكف وتارة تطلق اليد ويراد الذراع وتارة يراد العضد مع الذراع ، وهكذا ، فمن أين تقطع اليد لا يوجد عندنا بيان من قوله عليه السلام لكن لدينا بيان من فعله عند الرسغ ، وهكذا كثير من الأحكام الشرعية ، فالأحاديث القولية تأتي مجملة أو مطلقة أو عامة فتأتي السنّة لتوضح ذلك .
هذه الأقوال التي جاءت في الأحاديث أحفوا الشارب أو إحفاء الشاربين ومن الأمر بِجَزّ الشارب ونحو ذلك ، نجد أيضا هناك حديث آخر ... .