تحذير الشيخ من الوقوع في الغلو والإطراء وبيان ما ورد في ذلك من الأحاديث . حفظ
الشيخ : و تذكروا معنا بأن من طبيعة الإنسان المغالاة في تقدير الشخص الذي يحبه لا سيما إذا كان هذا الشخص لا مثل له في الدنيا كلها ألا و هو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فمن طبيعة الناس الغلو في تعظيم هذا الإنسان إلا الناس الذين يأتمرون بأوامر الله عز و جل و لا يعتدون أو يتذكرون دائما و أبدا مثل قوله تبارك و تعالى (( و تلك حدود الله فلا تعتدوها و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه )) فإذا كان الله عز و جل قد اتخذ محمدا صلى الله عليه و آله و سلم نبيا فهو قبل ذلك جعله بشرا سويا لم يجعله ملكا خلق من نور مثلا كما يزعمون و إنما هو بشر و هو نفسه تأكيدا لنص القرآن الكريم (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى )) إلى آخر الآية هو نفسه أكد ذلك في غير ما مناسبة فقال ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ) وقال لهم مرة ( لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها ، وإنما ضعوني حيث وضعني ربي عز و جل عبدا رسولا ) لذلك جاء في الحديث الصحيح في البخاري و مسلم عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله و رسوله ) هذا الحديث تفسير للحديث السابق ( لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها ) فهو يقول لا تمدحوني كما فعلت النصارى في عيسى بن مريم كأن قائلا يقول كيف نقول يا رسول الله كيف نمدحك ؟ قال ( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله و رسوله ) و نحن حينما نقول في رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله و رسوله فقد رفعناه و وضعناه في المرتبة التي وضعه الله عز و جل فيها لم ننزل بها عنها و لم نصعد به فوقها هذا الذي يريده رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم منا ثم نجد النبي صلوات الله و سلامه عليه يطبق هذه القواعد و يجعلها حياة يمشي عليها أصحابه صلوات الله و سلامه معه فقد ذكرت لكم غير ما مرة قصة معاذ بن جبل رضي الله عنه حينما جاء إلى الشام و هي يومئذ من بلاد الروم بلاد النصارى يعبدون القسيسين و الرهبان بقي في الشام ما بقي للتجارة فيما يبدو و لما عاد إلى المدينة فكان لما وقع بصره على النبي صلى الله عليه و آله و سلم همّ ليسجد ، ليسجد لمن ؟ لسيد الناس فقال له عليه الصلاة والسلام مهلا يا معاذ شو هاد قال يا رسول الله إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسيسيهم وعظمائهم فرأيتك أنت أحق بسجودي منهم فقال عليه الصلاة والسلام ( لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها ) و هذا الحديث جاء في مناسبات كثيرة لا أريد أن أستطرد إليها و حسبنا هنا أن نلفت النظر إلى ما أراد معاذ بن جبل أن يفعل من السجود للنبي صلى الله عليه و سلم ما الذي دفعه على هذا السجود هل هو بغضه للرسول عليه السلام ؟ بطبيعة الحال لا إنما هو العكس تماما هو حبه للنبي صلى الله عليه و سلم الذي أنقذه من النار لولاه هنا يقال الواسطة لا تنكر لولا الرسول عليه السلام أرسله الله إلى الناس لجميع العالم لكان الناس اليوم يعيشون في الجاهلية السابقة و أضعاف مضاعفة عليها فلذلك ليس غريبا أبدا لا سيما و التشريع بعد لم يكن قد كمل و تم ليس غريبا أبدا أن يهم معاذ بن جبل بالسجود للنبي صلى الله عليه و سلم كإظهار لتبجيله و احترامه و تعظيمه لكن النبي صلى الله عليه و آله و سلم الذي كان قرر في عقولهم و طبعهم على ذلك يريد أن يثبت عمليا بأنه بشر و أن هذا السجود لا يصلح إلا لرب البشر و يقول ( لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها ) في بعض الروايات في الحديث ( و لكن لا يصلح السجود إلا لله عز و جل ) إذن نحن لو استسلمنا لعواطفنا لسجدنا لنبينا صلى الله عليه و سلم سواء كان حيا أو ميتا لماذا ؟ تعظيما له لأن القصد تعظيمه و ليس القصد عبادته عليه السلام و لكن إذا كنا صادقين في حبه عليه الصلاة و السلام فيجب أن نأتمر بأمره و أن ننتهي بنهيه و ألا نضرب بالأمر و النهي عرض الحائط بزعم أنه نحن نفعل ذلك حبا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ليس هذا هذا أولا عكس للنص القرآني ثم عكس لمنطق العقل السليم ربنا عز و جل يقول (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) فإذن اتباع الرسول عليه السلام هو الدليل الحق الصادق الذي لا دليل سواه على أن هذا المتبع للرسول عليه السلام هو المحب لله و لرسوله صلى الله عليه و سلم و من هنا قال الشاعر قوله المشهور :
" تعصي الإله و أنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب يطيع "

هناك مثال دون هذا و مع ذلك فرسول الله صلى الله عليه و سلم ربى أصحابه عليه ذلك أن الناس في الجاهلية كانوا يعيشون على عادات جاهلية و زيادة أخرى عادات فارسية أعجمية و من ذلك أنه يقوم بعضهم لبعض كما نحن نفعل اليوم تماما بأننا لا نتبع الرسول عليه السلام و لا نطبق أنفسنا بأعمالنا أننا نحبه عليه الصلاة و السلام و إنما بأقوالنا فقط ذلك أن الناس كان يقوم بعضهم لبعض أما الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فقد كان أصحابه معه كما لو كان فردا منهم لا أحد يظهر له من ذلك التبجيل الوثني الفارسي الأعجمي شيئا إطلاقا و هذا نفهمه صراحة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال " ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك " انظروا هذا الصحابي الجليل الذي تفضل الله عليه فأولاه خدمة نبيه عشر سنين أنس بن مالك كيف يجمع في هذا الحديث بين الحقيقة الواقعة بينه عليه السلام و بين أصحابه من حبهم إياه و بين هذا الذي ندندن حوله أن هذا الحب يجب أن يقيد بالاتباع و أن لا ينصاع و أن لا يخضع صاحبه للهوى " و حبك الشيء يعمي و يصم " فهو يقول حقا ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه حقيقة لا جدال فيها لكنه يعطف على ذلك فيقول " و كانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك "إذن لماذا كان أصحاب الرسول عليه السلام لا يقومون له ؟ اتباعا له تحقيقا للآية السابقة (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني )) فاتباع الرسول هو الدليل لحب الله حبا صحيحا ما استسلموا لعواطفهم .