التعليق على تفسير الجلالين : (( وإذا مس الإنسان )) أي الكافر (( ضر دعا ربه )) تضرع (( منيبا )) راجعا (( إليه ثم إذا خوله نعمة )) أعطاه إنعاما (( منه نسى )) ترك (( ما كان يدعو )) يتضرع (( إليه من قبل )) وهو الله ، فما في موضع من (( وجعل لله أندادا )) شركاء (( ليضل )) بفتح الياء وضمها ((عن سبيله )) . حفظ
ثم قال الله تعالى -في ابتداء الدرس اليوم-: (( وإذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبًا إليه )) (إذا مَسَّ) أي أصاب، و(الإنسان) يقول المؤلف: " المراد به الكافر " وإنما جعل هذا العام خاصًّا، لظاهر سياق الآية كما يتبين وإلا فالأصل أن الانسان من ألفاظ العموم، الإنسان من ألفاظ العموم فـ(ال) فيه لاستغراق الجنس وعلامة (ال) التي لاستغراق الجنس أن يحِلَّ محلَّها (كل) أي: كل انسان، لكن المؤلف رحمه الله جعله عامًّا أريد به الخاص بقرينة السياق، فإن السياق يدل على أن المراد به الكافر، لأنه لا يمكن أن يتأتى ما يدُلُّ عليه السياق من مؤمن، (( إذا مس الانسان ضُرٌّ )) (ضُرّ) نكرة في سياق؟
الطالب: الشرط
الشيخ : الشرط فتكون
الطالب: عامة
الشيخ : عامة: أي ضر يكون في بدنه، في أهله، في مالِه، عام، خاص، أي ضُرًّ يكون يدخل في قوله: (( ضر ))، (( دعا ربَّه )) انظر إلى قوله: (( دعا ربَّه )) ولم يقل: دعا الله ففي هذه الحال أي في إصابة الضر عرَفَ ربَّه وأنه لا ملجَأَ منه إلا إليه فيدعو ربَّه معتقدًا أنه ربه يملك ما شاء ويتصرف فيما شاء، قال المؤلف: " تَضَرَّع " يعني فسر (دعا) بمعنى تضرَّع، لقوله تعالى: (( ادْعُوا ربَّكم تضَرُّعًا )) والتَّضَرُّع هو الاستكانة والذُّلّ أمام الله عز وجل، (( منيبًا )) راجعًا إليه فإذا دعا ربَّه منيبًا إليه كشف الله ضُرَّه، لأنه سبحانه وتعالى قال: (( أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض )) وإجابة الله للمضطر تشمل الكافر والمسلم حتى الكافر الذي يعلم الله أنه سيكفر بعد زوال اضطراره يُجِيبُ دعوتَه (( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ )) فهو يعلم عز وجل أنهم سيشركون بعد النجاة ومع ذلك يجيبهم، لأنَّ رحمتَه سبقت غضبَه ففي حال الضرورة يصْدُقُ لجوء الانسان إلى ربه لأنه يعلم أنه لا يكشف الضر إلا الله، فإذا رجع إلى ربِّه سبحانه وتعالى فإنَّ رحمتَه سبقت غضبه يجيبُه رحمةً به فهنا يقول عز وجل: (( ثم إذا خوَّلَهُ نعمة منه )) إلى آخره قال: (( ثم إذا خوله )) يعني كأن هذا -والله أعلم- إشارة إلى أنه بعد أن تغمره النعمة ويستمِرّ فيها وقتًا ينعَمُ به بعد ذلك يكفر، وقوله: (( إذا خوَّله نعمة )) قال: " أعطاه " تفسير لايش؟ لـ(خوله)، " إنعامًا " تفسير لـ(نعمة)، أما تفسير (خوله) بـ(أعطاه) فواضح، وأما تفسير (نعمة) بـ(إنعام) فلا وجه له، لأن المعطَى ليس الإنعام وإنما المعطى النِّعْمَة وعلى هذا فإبقاء الآية على ظاهرها أولى مما ذهب اليه المؤلف رحمه الله، انتبه! إذا اعطيناه إنعامًا لا يستقيم الكلام لماذا؟ لأنَّ الإنعام فِعْلُ الله، والمعطَى هو النعمة وليس فعْل الله، فإبقاءُ الآية على ظاهرها لا شك أنَّه هو الموافق للواقع، طيب يقول: (( إذا خوله نعمة منه )) (منه) (من) هنا للابتداء أي: نعمةً صادرةً من الله عز وجل يتبين بها أنها فضْلٌ محْضٌ من الله نعم.
" (( نسي )) ترك (( ما كان يدعو )) يتضرع (( إليه من قبل )) وهو الله " انظر يا أخي: كان يتضرع إلى الله في أن يكشف عنه الضر، كشف الله عنه الضُرَّ وأعطاه نعمة زائدة على كشْفِ الضُّر، ماذا تكون حاله؟ قال: (( نسِي ما كان يدعُو إليه من قبل )) والنِّسْيَان هنا بمعنى الغفلة وليس المرادُ به ذُهُولَ القلبِ، وإنما المراد الغفلة المتضمنة للتَّرْك، ومِن ذلك قوله تعالى: (( فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون )) أي غافِلُون عن صلاتهم، (( نسي ما كان يدعو إليه من قبل )) يقول: " (( ما كان يدعو )) يتضرع (( إليه من قبل )) " (إليه) الضمير يعود على الله عز وجل، و(ما) تعود على الله ولهذا قال المؤلف رحمه الله: " فـ(ما) في موضع (مَن) " (ما) في قوله: (( ما كان يدعو )) في موضع (مَن) يعني مراد المؤلف أنَّ (ما) بمعنى (مَن) أي: نسِيَ مَن كان يدعو إليه مِن قبْلُ، يعني مَن يدعو إليه مَن يوجه الدعاء اليه أو كما قال المؤلف يتضَرَّع إليه وهو الله عز وجل فغَفَل، وما كأَنَّ الله أنعم عليه بكَشْفِ الضر وتخويلِه النعمة، (( نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادًا )) الأنداد ما غفل عنهم والواحد القهار غفَل عنه -والعياذ بالله- مع أنَّ الأنداد لم تنفعه ولم يتضَرَّعْ إليها حين أصابه الضر ومع ذلك يُقبِل عليها ويدَع مَن أنْعَمَ عليه.
" (( وجعل لله أندادًا )) شركاء " والأنداد جمع نِدّ والنِّدّ هو الـمُسَامِي لِنِدِّه المماثل له فيجعَلُ لله أندادًا بماذا؟ في العبادة يعبُد هذه الأصنام كما يعبد الله عز وجل، ينذر لها كما ينذُر لله، يذبح لها كما يذبح لله، وهكذا.
" قال تعالى: (( ليُضِلَّ عن سبيله )) بفتح الياء وضمها (( عن سبيلِه )) دين الإسلام " (أندادًا لِيضل) اللام هذه: إما أن تكون للتعليل وإما أن تكون للعاقبة -حطوا بالكم يا جماعة- فعلى قراءة الفتح (( لِيَضِلَّ )) هو فاللام للعاقبة يعني جعل لله أندادًا أدَّت به إلى الضلال، وإن كانت بضم الياء (( لِيُضِلَّ )) فاللام للتعليل يعني جعل لله أندادًا لِيقتَدِيَ به الناس فيضِلُّوا، والآية فيها قراءتان: يَضِلّ ويُضِلّ، فـ(يَضِلّ) تعود إلى نفسه و(يُضِلّ) تعود إلى غيرِه -حطوا بالكم- وهاتان قراءتان كلاهما صحيح أو كلتاهما صحيح، وكلُّ واحدة تفيد معنًى يكَمِّل معنى الأخرى فهو يَضِلُّ بنفسه ويُضِلُّ غيرًه أيضًا انتبهوا! اللام قلنا إنها للعاقبة متى؟ على أي قراءة؟
الطالب: ...
الشيخ : على قراءة الفتح يعني أنه إذا اتخذ أندادًا صار عاقبتُه الضلال، وتكونُ للتعليل على أيِّ القراءتين؟
الطالب: الضَّم
الشيخ : على الضم يعني جعل لله أندادًا لِيُقْتَدَى به فيَضِلّ غيرُه، طيب لام العاقبة هل تأتي في اللغة العربية؟ نعم تأتي قال الله تعالى: (( فالتقطه آلُ فرعون ليكون لهم عدُوًّا وحزَنًا )) هل آل فرعون التقطوا موسى مِن أجل أن يكون لهم عدُوًّا وحزَنًا؟ أبدا يقولون: (( عسى أن ينفعنا أو نتَّخِذَه ولدًا ))، لكن العاقبة: صار عدُوًّا وحزنًا، وتأتي زائدة تأتي اللام زائدة كما في قوله تعالى: (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس )) (إنما يريد الله لِيذهب عنكم) أي أن يذهب، وكما في قوله: (( يريد الله لِيُبَيِّن لكم )) (يريد الله ليبين) أي أن يُبَيِّن، وإنما قالوا إنها زائدة، لأنَّ (أراد) تتعدى بنفسها لا باللام، ولا تصلُح أن تكونَ للتعليل، لأنَّ التعليلَ مستفادٌ مِن الإرادة، وعلى هذا فيعربونها على أنها زائدة فتَبَيَّن أنَّ اللام التي تدخل المضارع تكون زائدة، وتكون تعليلِيَّة وهي الأكثر، وتكون للعاقبة نعم