تتمة تفسير قوله تعالى : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) . حفظ
طيب قوله تعالى : (( ليس كمثله شيء )) نرى في بعض الكتب: " إن الله لا شبيه له " فهل هذا التعبير يماثل قولنا : إن الله لا مثل له ؟ لا، ولهذا التعبير بقولنا : نؤمن بإثبات ذلك بلا تمثيل خير من التعبير بقولنا : نثبت ذلك بلا تشبيه مع أننا نرى أكثر الكتب التي بأيدينا أنهم يقولون: بلا تشبيه، لكن هذا نقص، التعبير بلا تمثيل أولى، أولا: لأنه تعبير القرآن وكلما أمكنك أن تعبر بالقرآن أو السنة عن المعاني التي تريد فهو أولى .
ثانيا : أن التشبيه عند قوم يعنون به إثبات الصفات ويقولون : كل من أثبت لله صفة فهو مشبه فإذا قلت : أنت بلا تشبيه وكان هذا المخاطب لا يفهم من التشبيه إلا الإثبات فهم منك أنك لا تثبت شيئا، ثم إن التشبه أيضا له احتمالات، إن نفيت التشبيه من كل وجه فهذا لا يمكن، لأنه لابد أن يشترك الخالق والمخلوق في أصل الصفة، فالحياة مثلا عندنا حياة والله تعالى حي، أصل الحياة موجود، لكن المنفي أن تكون حياتنا مماثلة لحياة الله، السمع موجود فينا وموجود عند الله عز وجل، فإن الله تعالى سميع، فلابد من اشتراك في الأصل، وجودنا نحن موجودون والرب عز وجل كذلك واجب الوجود، وهلم جرا، فصار التعبير بنفي التمثيل أولى من التعبير بنفي التشبيه.
طيب قال تعالى : (( وهو السميع البصير )) هذا رد على من ؟ المعطلة، والجملة الأولى: (( ليس كمثله شيء )) على الممثلة، السميع أي ذو السمع وسمع الله عز وجل له معنيان :
المعنى الأول : الاستجابة كقوله تعالى : (( إن ربي لسميع الدعاء )) معنى سميع أي مستجيب، وليس المراد أنه يسمعه فقط لأن مجرد كونه يسمعه ولا يستجيب قليل الفائدة، لكن: (( إن ربي لسميع الدعاء )) أي مستجيبه، واستجابته إياه تستلزم سماعه لا شك، ومن ذلك أيضا، أي من كون السماع بمعنى الاستجابة، قول المصلي : " سمع الله لمن حمد " يعني أنه سمع صوته أو استجاب له ؟ استجاب له، لأن كما قلت لكم : مجرد سماع الصوت لا يفيد شيئا بالنسبة للداعي، ولهذا لو قال لك إنسان : يا فلان أرجوا أن تساعدني تقول : أسمع، يعني أسمع بأذني، هل يستفيد من هذا أو لا يستفيد ؟ لا يستفيد، لأنه سيقول لك : إذا كنت تسمع أعطني، فصار كل ما أضيف للدعاء من السمع فمعناه الاستجابة طيب .
النوع الثاني من السمع : إدراك المسموعات، بمعنى أنه لا يخفى على الله أي صوت، قرب أم بعد خفي أم بان، فإن الله يسمع كل شيء، أرأيتم قوله تعالى : (( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ))[المجادلة:1] أين الله ؟ في السماء على العرش، وأين المكان الذي كانت هذه تشتكي فيه ؟ في الأرض، تقول عائشة رضي الله عنها : " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد كانت تجادل الرسول عليه الصلاة والسلام وإني لفي الحجرة يخفى علي بعض حديثها " وهي في الحجرة، والله عز وجل لا يخفى عليه شيء، سمع المجادلة وسمع التحاور وأنزل حل المشكلة، إذا سمع بمعنى سمع الإدراك شامل لكل صوت، ثم هذا السمع إما أن يكون للتأييد أو للتهديد أو للإحاطة، ثلاثة أقسام : إما أن يكون للتأييد أو للتهديد أو للإحاطة، التأييد مثل قوله تبارك وتعالى لموسى وهارون : (( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) هذا لماذا قال الله عز وجل : (( أسمع وأرى )) ؟ تأييدا لهما، يعني أسمع ما تقولان وما يقال لكما، والأمر أمره عز وجل، هذا سماع يراد به التأييد .
الثاني : ما يراد به التهديد مثل قول الله تبارك وتعالى : (( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون )) ما المراد بهذه الآية ؟ ليس المراد مجرد أن الله يخبر أنه يسمع سرهم ونجواهم، المراد بذلك التهديد، ونظير هذا قوله تعالى : (( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء )) هذا تهديد بدليل قوله : (( سنكتب ما قالوا )) فهذا تهديد،
الإحاطة: أن يخبر مثل: (( وهو السميع البصير )) إخبار بأنه تعالى محيط بكل شيء سمعا، وكما في قصة المجادلة فإن الله تعالى أخبر بذلك ليعلمنا أنه محيط بها، أعود مرة ثانية في السمع، ينقسم إلى سمع بمعنى الاستجابة وسمع بمعنى إدراك المسموع، الأول مثاله قوله تعالى : (( إن ربي لسميع الدعاء )) وقول المصلي : " سمع الله لمن حمد ".
والثاني ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول ما يراد به التأييد .
والثاني : ما يراد به التهديد .
والثالث : ما يراد به الإحاطة، وعرفتم الأمثلة.
طيب: (( البصير )) لها معنيان :
المعنى الأول : إدراك الشيء بالبصر .
والثاني : العلم، فهنا: (( البصير )) تشمل المعنيين، فبصر الله تعالى محيط بكل شيء لا يخفى عليه، والدليل على أن بصير تتضمن البصر قوله في الحديث الصحيح : ( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه من انتهى إليه بصره من خلقه ) يعني لأحرقت كل شيء، لأن بصر الله ينتهي إلى كل شيء، فالمعنى لأحرقت هذه السبحات، والسبحات هي البهاء والعظمة كل شيء لا إله إلا الله.
بصير بمعنى عليم مثل قوله تعالى : (( بصير بما تعملون )) ومعلوم أنا نعمل أشياء لا ترى، في قلوبنا أشياء لا ترى والله يعلمها، فإذا البصير من أسماء الله عز وجل أي ذو البصر، وله معنيان: بصير بمعنى إدراك المرئيات ببصره.
والثاني : بمعنى العليم.
إخوتنا إذا سمعتم أسماء الله وصفاته فليس المقصود أن نعلم المعنى فقط، بل أن نتعبد لله بها، فإذا علمنا أنه سميع أوجب لنا أن نخاف من قول يغضب الله لأن الله يسمع، إذا علمنا أنه بصير أوجب لنا أن نحذر من كل فعل يغضب الله، لأن الله تعالى يبصره ويراه، ففي هذه الأسماء التي يخبرنا الله بها تربية للإنسان أن يحذر الله عز وجل من أن يخالفه بقول أو فعل.
(( ليس كمثله شيء هو السميع البصير )) ولعلنا أشبعنا الكلام في هذا، وأهم شيء أن تبني عقيدتك على أمرين : إثبات ما أثبته الله لنفسه في القرآن أو السنة .
والثاني: نفي المماثلة أنه لا مثيل له.