شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي طريف عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حلف على يمين ثم رأى أتقى لله منها فليأت التقوى ) . رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من حلف على يمين فرأى غيرها أتقى لله منها فليأت الذي هو أتقى ) اليمين هي الحلف بالله عز وجل أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته ولا يجوز الحلف بغير الله لا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بجبريل ولا بأي أحد من الخلق لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ) وقال ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) فمن حلف بغير الله فهو آثم ولا يمين عليه لأنها يمين غير منعقدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) ولا ينبغي للإنسان أن يكثر من اليمين فإن هذا هو معنى قوله تعالى (( واحفظوا أيمانكم )) على رأي بعض المفسرين قال (( واحفظوا أيمانكم )) يعني لا تكثروا الحلف بالله وإذا حلفت فينبغي أن تقيد اليمين بالمشيئة بمشيئة الله فتقول " والله إن شاء الله " لتستفيد بذلك فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى أن يتيسر لك ما حلفت عليه
والفائدة الثانية أنك لو حنثت فلا كفارة عليك فمن حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث ولو خالف ما حلف عليه ولكن اليمين، اليمين التي توجب الكفارة هي اليمين على شيء مستقبل
أما اليمين على شيء ماضي فلا كفارة فيها ولكن إن كان الحالف كاذبا فهو آثم وإن كان صادقا فلا شيء عليه فالحلف على شيء ماضي لا تسأل فيه هل عليك كفارة أو ليس عليه كفارة لأنه لا كفارة على يمين في شيء ماضي وإنما يسأل عن هل يأثم أو يسلم؟ إن كان صادقا فهو سالم وإن كان كاذبا فهو آثم
مثال هذا لو قال قائل " والله ما فعلت كذا " فهنا ليس عليه كفارة صدق أو كذب لكن إن كان صادقا أنه لم يفعله فهو سالم من الإثم وإن كان كاذبا يعني إن كان قد فعله فهو آثم أما اليمين التي فيها الكفارة فهي التي على شيء مستقبل فإذا حلفت على شيء مستقبل فقلت والله لا أفعل كذا فهنا نقول إن فعلته فعليك الكفارة وإن لم تفعله فلا كفارة عليك " والله لا أفعل كذا " نقول الآن هذه يمين منعقدة فإن فعلته وجبت عليك الكفارة وإن لم تفعله فلا كفارة عليك ولكن هل الأفضل أن أفعل ما حلفت على تركه أو الأفضل ألا أفعل؟ في هذا الحديث بيّن النبي عليه الصلاة والسلام أنك إذا حلفت على يمين ورأيت غيرها أتقى لله منها فكفّر عن يمينك وأت الذي هو أتقى
فإذا قال قائل " والله لا أكلم فلانا " وهو مسلم فإن الأتقى لله أن تكلمه لأن هجر المسلم حرام فكلمه وكفر عن يمينك لأن هذا أتقى لله ولو قلت " والله لا أزور قريبي " فهنا نقول زيارة القريب صلة صلة رحم وصلة الرحم واجبة فصل قريبك وكفّر عن يمينك لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول ( فرأى غيرها أتقى لله منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير ) وعلى هذا فقس فصار الخلاصة الآن أن نقول اليمين على شيء ماضي لا يبحث فيه عن الكفارة لأنه ليس فيها كفارة لكن إما أن يكون الحالف سالما وإما أن يكون آثما فإن كان كاذبا فهو آثم وإن كان صادقا فهو سالم اليمين على المستقبل هي التي فيها الكفارة فإذا حلف الإنسان على شيء مستقبل وخالف ما حلف عليه وجبت عليه الكفارة إلا أن يقرن يمينه بمشيئة الله فيقول إن شاء الله فهذا لا كفارة عليه ولو خالف والله الموفق
القارئ : الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين