باب : الخلع وكيف الطلاق فيه . وقول الله تعالى : (( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله - إلى قوله - الظالمون )) وأجاز عمر الخلع دون السلطان وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها وقال طاوس إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة ولم يقل قول السفهاء لا يحل حتى تقول لا أغتسل لك من جنابة . حفظ
القارئ : باب : الخلع وكيف الطلاق فيه ، وقول الله تعالى : (( لا يحل لكم أن تأخذوا )) .
الشيخ : (( ولا )) .
القارئ : جزاكم الله خير .
الشيخ : موجودة عندنا ، وهي في القرآن كذلك .
القارئ : ألحق ؟
الشيخ : إلحق ، إلحق .
القارئ : (( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا )) إلى قوله : (( الظالمون )) ، وأجاز عمر الخلع دون السلطان ، وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها ، وقال طاووس : إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة ، ولم يقل قول السفهاء : لا يحل ، حتى تقول : لا أغتسل لك من جنابة .
الشيخ : هذا الخلع هو فراق المرأة بعوض ، سواء كان هذا العوض عينا أو منفعة ، هذا هو الخلع ، يبذله ، تبذله المرأة أو يبذله أحد من أوليائها ، أو من أصدقائها ، أو من غيرهم ، المهم أن الخلع هو فراق الزوجة بعوض ، سواء كان عينا أم منفعة ، وسواء كان البازل له المرأة أو وليها أو أحد سواه ، هذا هو الخلع ، وهو عبارة عن شراء المرأة نفسها من زوجها ، تتعب معه ، ولا تستطيع أن تقوم بواجب العشرة ، فتعطيه مالا ، عينا أو منفعة على أن يفارقها ، هذا هو الخلع ، اتضحت الصورة الآن ، نعم ، واضحة ؟
طيب ، هل الخلع طلاق ؟ يحسب من الطلاق ، ويتمم به العدد ؟ أو هو فداء وفسخ ؟ لا يحسب من الطلاق ولا يتم به العدد ؟
في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من قال : إنه ليس بطلاق بكل حال ، ومنهم من قال إنه طلاق بكل حال ، ومنهم من فصل فقال : إن وقع بلفظ الطلاق فهو طلاق وإن لم يقع بلفظ الطلاق فهو فسخ وفداء ، لا يحسب من الطلاق ولا يتمم به العدد ، مثال ذلك : رجل كان قد طلق زوجته مرتين ، ثم راجعها ، ثم ساءت العشرة بينهما ، فخالعته ، فخالعها ، فهل تحل له بعد هذا الخلع ؟ ينبني على الخلاف ، من قال إن الخلع طلاق ، صار هذا هو الطلقة الثالثة ، فلا تحل له ، ومن قال ليس بطلاق حلّت له ، لأنه لم يقع منه إلا طلقتان ، ومن فصل قال إن وقع بلفظ الطلاق فهو طلاق فلا تحل له بعد ، وإن وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو الفداء فهو فسخ ، لا يتم به عدد الطلاق ، وهذا التفصيل هو المذهب ، المشهور من مذهب الحنابلة ، والأول هو المعروف بمذهب الشافعي الذي يقول : إنه طلاق بكل حال ، والثالث الذي يقول : أنه فسخ وفداء بكل حال اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. استدل القائلون بأنه فسخ في كل حال بقوله تعالى : (( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )) مرتان ، ثم قال : (( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ، فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره )) ، قال : (( فإن طلقها )) ، بعد قوله : (( فلا جناح عليهما فيما افتدت به )) ، ولو كان الخلع طلاقا لكانت لا تحرم عليه إلا إذا طلقها الرابعة ، لأن الطلاق مرتان ثم ذكر الخلع ، ثم قال : (( فإن طلقها فلا تحل له )) ، ومعلوم أنها تحرم عليه بالثالثة بالنص والإجماع ، وأما الذين فصلوا فقالوا : إنه إذا قال : أنت طالق ، فقد طلق ، أتى بصريح الطلاق ، وبنية الطلاق ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) ، والآية تقول : (( فلا جناح عليهما فيما افتدت به ))، فهي تنوي الفداء، والزوج ينوي الطلاق ، ولكل امرئ ما نوى ، وسيأتي إن شاء الله في الحديث، حديث ثابت بن قيس، ما يتبين به أي القولين أصوب. قوله : (( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله )) ظاهره أن الخلع لا يجوز إلا إذا خيف ألا يقيما حدود الله ، كل من الزوج والزوجة ، (( إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله )) ، ولكن السنة تدل على أنه إذا كان الخوف من أحدهما جاز الخلع ، ولا سيما إذا كان الخوف من الزوجة ، (( فإن خفتم إلا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به )) إن خفتم أن لا يقيما ، من هنا ، من قوله : (( فإن خفتم )) استدل بعض العلماء على أن الخلع لا يصح إلا بأمر السلطان ، لأنه قال : (( إلا أن يخافا أن لا يقيما )) ، ثم قال : (( فإن خفتم أن لا يقيما )) ، فدل هذا على أن الأمر راجع إلى السلطان ، لكن الصحيح خلاف ذلك، وأنه لا يحتاج إلى مراجعة السلطان ، إلا إذا احتيج إلى هذا في المحاكمة ، بأن أبى الزوج أن يفسخ النكاح ، وهي رافعته ، كما فعلت امرأة ثابت بن قيس .
وقوله سبحانه وتعالى : (( فيما افتدت به )) ، ما : اسم موصول ، والموصول يفيد العموم ، فظاهره أنه يصح الخلع ، لكل قليل وكثير ، لأنها تفدي نفسها ، والفداء يكون بالقليل ويكون بالكثير ، وظاهر الآية ، ولو تجاوز ما أمهرها ، مثل أن يكون قد أمهرها عشرة آلاف ، فيفرض عليها عشرين ألفا ، لعموم قوله : (( فيما افتدت به )) ، وقيل : لا يطلب أكثر من مهرها ، لأن قوله : (( فيما افتدت به )) ، عائد على قوله : (( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا )) ، يعني إلا فيما افتدت به مما آتيتموهن ، فيكون العموم هنا باعتبار المهر، يعني لا بأس أن تأخذوا من المهر ما شئتم ، وأما ما سواه فلا تأخذوه ، ولا شك أنه ليس من المروءة أن يأخذ الإنسان أكثر مما أعطى ، لأن الرجل قد استحل منها ما لا يستحله إلا الزوج ، وقد استمتع بها ولم يعطها أكثر ، فلا ينبغي أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ولهذا كان القول الوسط في هذه المسألة ، أنه يصح بأكثر مما أعطاها مع الكراهة ، طيب يقول عمر ، يقول : أجاز عمر الخلع دون السلطان ، يعني دون أن يصلوا إلى السلطان ، القاضي ، السلطان أو نائبه ، وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها ، يعني أجازه بكل شيء، حتى لو لم يبق من مالها إلا عقاص رأسها ، عقاص رأسها هو خيط أو شبهه ، تجمع به رأسها وتشده ، هذا من الحاجات التي تشبه أن تكون ضرورية ، وهذا يدل على أنه يجوز أن تخالع المرأة زوجها بكل ما عندها ، حتى لو لم يبق إلا عقاص الرأس ، وقال طاووس في قوله : (( إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ))، يقول : أن لا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة ، يعني المرأة مثلا عرفت أنها إذا بقيت مع هذا الزوج لا تستطيع أن تقوم بالواجب له ، فرأت أن تفتدي نفسها ، أو رأت أن هذا الزوج سيء العشرة ، لا يمكن أن تبقى معه ، لأنه يتعبها ، فافتدت نفسها منه بشيء من مالها ، قال : ولم يقل قول السفهاء : لا يحل ، يعني لا يحل الخلع ، حتى تقول : لا أغتسل لك من جنابة ، يعني بعض العلماء يشدد يقول : أنه لا يحل الخلع حتى تمتنع منه امتناعا كاملا ، فتقول : لا أغتسل لك من جنابة ، يعني لا أمكنك من نفسي حتى أغتسل من الجنابة ، على كل حال خلاصة هذا أن نقول : الخلع جائز ، لكن بشرط أن يكون له سبب ، فإن لم يكن له سبب ، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) . نعم .