فوائد حديث : ( ... عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فسلم فقال : وعليك السلام فارجع فصل فإنك لم تصل فقال في الثانية أو في التي بعدها : علمني يا رسول الله فقال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعًا ثم ارفع حتى تستوي قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها وقال أبو أسامة في الأخير : حتى تستوي قائمًا ) حفظ
الشيخ : قال المؤلف رحمه الله تعالى : عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلا دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد، فصلى ثم جاء فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وعليك السلام ).
قوله : ( سلم عليه ) لم يذكر الصيغة صيغة السلام فيحتمل أنه قال : السلام عليك، ويحتمل أنه قال : السلام عليكم، فمن نظر إلى قوله : ( سلم عليه ) رجح أن يكون السلام بالإفراد، ومن نظر إلى قرينة الحال وأن النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده أصحابه رجح أن يكون قال إيش ؟ السلام عليكم.
لكنّ قوله صلى الله عليه وسلم : ( وعليك السلام ) قد يرجح أيضا أنه قال السلام عليك فقط، لأنه مفرد يقابل بمفرد.
وقد يقال إن هذا ليس بمرجح وذلك لأن الرجل سلم على جماعة فاقتضى أن يقول السلام عليكم، هذا إن كان هذا الاحتمال هو المتعين، بخلاف الرد فهو على واحد فيقول : عليك.
قال : ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) فرجع فصلى ثم جاء فسلم، فقال: ( وعليك السلام، فارجع فصل، فإنك لم تصل ) فقال في الثانية، أو في التي بعدها: علمني يا رسول الله.
طيب، قوله : ( فإنك لم تصل ) نفى أن يكون صلى، لأن صلاته هذه غير معتد بها شرعا، ومنه نأخذ أن الفعل الذي لا يعتد به شرعا يصح أن ينفى وإن كان قد وجد.
ومن فوائد هذا الحديث أيضا أن الإنسان إذا فارق القوم ثم رجع إليهم فإنه يسلم مرة ثانية، فإن الرجل لما فارقهم وصلى ثم عاد سلم.
ومن فوائده أيضا حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه، حيث جعله يذهب فيصلي ويذهب فيصلي، ولم يعلمه في أول مرة من أجل أن يكون متشوفا للعلم والمعرفة حتى يأتيه العلم ونفسه قابلة له ومتطلعة له.
لا يقال كيف أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي هذه الصلاة الباطلة ؟ أليس هذا أمرا بالباطل ؟ إذ نقول في الجواب عن هذا إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يصلي صلاة باطلة، بل أمره أن يعيد مرة ثانية لعله يوافق إيش ؟ الصواب، وفي النهاية سوف يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ما يجب عليه في هذا.
طيب، ويشبه هذا من بعض الوجوه حديث بريرة رضي الله عنها حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( خذيها واشترطي لهم الولاء ) مع أن هذا الشرط شرط فاسد، لكن ليبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا عقد عقدا فاسدا فإنه يجب إبطاله وإن تم العقد.
طيب، ومن فوائده قال : ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ) وهذا مجمل، ( بما تيسر ) ما هو المتيسر ؟ هذا مجمل، لكن دلت الأحاديث على أنه يجب أن يقرأ فاتحة الكتاب.
( ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تستوي قائما ) وفي لفظ : ( حتى تطمئن قائما ) ولا منافاة، لأن الاستواء بمعنى الاستقرار، والاستقرار والطمأنينة شيء واحد.
( ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا) بعد السجدة الثانية يقول : ( ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها )، وقال أبو أسامة، في الأخير: ( حتى تستوي قائما ) كأن البخاريّ عارض اللفظ الذي ساقه عبد الله بن نمير باللفظ الذي ساقه أبو أسامة، وهذا يدل على أنه يرجح ما رواه أبو أسامة : ( حتى تستوي قائما )، وبه نعرف أن هذا الحديث ليس فيه ما يدل على ثبوت جلسة الاستراحة، لأنه لو صح هذا اللفظ : ( حتى تطمئن جالسا ) لكان فيه دليل على أن جلسة الاستراحة ركن من أركان الصلاة، لأن الرسول قال : ( لم تصل ) ثم أمره أن يصلى على هذا الوجه، فدل ذلك على أن الرجل أخل بما يجب، ومنه أن يرفع من السجود الثاني حتى يطمئن جالسا، لكنّ جميع الألفاظ ليس فيها : ( حتى تطمئن جالسا ) إلا هذا السياق الذي ذكره من حديث عبد الله بن نمير، وأما بقية الرواة فمنهم من حذفه وهم الأكثر، يعني لم يقل : لا جالسا ولا قائما، وهو أكثر الروايات.
وعلى هذا يمكن من الناحية الاصطلاحية أن نقول إن هذه اللفظة شاذة لأن أكثر الذين رووها لم يأتوا بها، ومعروف أنه إذا خالف الثقة من هو أرجح منه في العدد أو في الأوثقية صار حديثه شاذا.
وأظن ابن حجر تكلّم على هذا.