فائدة : إستدلال شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الحديث أن الطلاق يجري مجرى الأيمان إذا أراد به اليمين حفظ
الشيخ : ومن هنا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق يجري مجرى الأيمان كما أن العتق يجري مجرى الأيمان.
يعني مثلاً لو قال إنسان : إن دخلت هذا البيت فزوجتي طالق، هو لا يريد أن يطلق زوجته لكن يريد أن يمتنع فهذا عند جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة أنه لو دخل البيت الذي علق الطلاق على دخوله لو دخله لطلقت المرأة ولو كان ينوي المنع، ولكن شيخ الإسلام يقول لا ما دام أنه لا يريد طلاق امرأته وإنما يريد منع نفسه لكنه جعل هذا من باب التغليظ على نفسه فإن زوجته لا تطلق وعليه كفارة يمين، واستدل بهذا الحديث : ( إنما الأعمال بالنيات ) وهذا ما نوى الطلاق. واستدل أيضاً بالآثار التي جاءت عن الصحابة في العتق أن الإنسان إذا نذر أن يعتق عبده نذراً جارياً مجرى اليمين فإنه يجزؤه كفارة يمين، يعني مثل أن يقول إن كلمت زيداً فعبدي حر فقد ورد عن الصحابة أنه لا يلزمه تحرير عبده وعليه كفارة يمين، لكن لم يرد عنهم شيء في الطلاق، في الطلاق ما ورد عن الصحابة شيء، ورد في العتق.
فيقول شيخ الإسلام جواباً عن ذلك إن الحلف بالطلاق ليس معهوداً في عهد الصحابة ولذلك لم يرد عنهم في ذلك فتيا، كما أن الحلف بالعتق ليس معهوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يقع فيه فتيا من الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال وإذا كان الصحابة حكموا بأن العتق المعلق على شرط الجارية مجرى اليمين حكمه حكم اليمين مع تشوف الشارع للعتق وتغليبه في السريان فالطلاق المكروه شرعاً من باب أولى أن لا يقع.
وما قاله رحمه الله لا شك أنه عين الصواب وأن الطلاق المقصود به الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب جار مجرى اليمين. ويؤيده من حيث الدليل قوله تعالى : (( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم )) فجعل التحريم جعله يميناً مع أنه لم يحلف، قال حرام علي أن أدخل هذا البيت فدخل نقول عليك كفارة يمين.
والصحيح أن هذا شامل حتى للزوجة لو قال حرام علي زوجتي إن دخلت هذا البيت فدخله فإن الزوجة لا تحرم عليه ولكن عليه كفارة يمين، لأن تحريم الزوجة وغيرها سواء، لا فرق بين تحريم الزوجة وغيرها، الكل مما أباح الله فإذا حرمه على نفسه قاصداً بذلك معنى اليمين كان له حكم اليمين، بل حتى الظهار على القول الراجح إذا أجراه مجرى اليمين كان يميناً مثل أن يقول إن فعلت كذا فزوجتي كظهر أمي علي فهذا حكمه حكم اليمين إذا أراد به اليمين.
كل هذا نأخذه من قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى ).
ثم ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً بالهجرة، الهجرة هجرتان هجرة بالبدن وهجرة بالعمل، وقد أشار إلى ذلك النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : ( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) هذه هجرة إيش؟ هذه هجرة عمل.
وقوله تعالى : (( للفقراء المهاجرين )) هجرة بدن. هجرة البدن أن ينتقل الإنسان من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وبلد الشرك ليست التي يحكم حكامها بغير ما أنزل الله، لا، التي يعلم أنها بلاد شرك ليس فيها شعائر الإسلام، لا أذان ولا جماعة ولا جمعة، هذه بلاد الشرك، أما بلاد يعلن فيها بالأذان ويحضر الناس الجماعة والجمعات فهي بلاد إسلام ولو كان حكامها يحكمون بغير ما أنزل الله لأن الكفر هنا ما هو في الدار، فيمن؟ في الحاكم، أما الدار فهي دار إسلام، ولذلك تجد أهلها يتربصون بهذا الحاكم ريب المنون أن يقضي الله عليه أو يقضي الله عليه بأيديهم، لأنها دار إسلام، ولو أننا جعلنا كل بلد يحكم حكامها بغير ما أنزل الله بلاد كفر ما أظن أننا نجد اليوم بلاد إسلام إلا نادرا، عرفتم؟ لذلك نقول بلاد الكفر هي التي يعلن فيها شعائر الكفر نواقيس، وتخفض فيها شعائر الإسلام فلا أذان ولا جمعة ولا جماعة ولا شهر رمضان، ولا جمعة يوم جمعة، هذه بلاد الكفر.
إذن الهجرة نوعان: هجرة بدن، وهجرة عمل، هجرة العمل هجرة المعاصي، ويمكن أن تكون لله أو لا؟ يمكن أن تكون لله ويمكن أن تكون لغير الله، فرجل يتصنع أمام شخص يرجوه يتصنع بترك المحرمات وكان يشرب الدخان لكن تصنع بتركه عند من يرجوه، كان يحلق لحيته لكن يتصنع بإعفائها عند من يرجوه، وحدثت أن جماعة من المدرسين تقرر رحيلهم إلى بلادهم في يوم الثلاثاء مثلاً، وكانوا يعفون لحاهم في البلاد التي يدرسون فيها، فلما كان ليلة الثلاثاء قالوا في الصباح سنسافر وسنقدم على أهلنا نحلق اللحية، فحلقوا اللحى تماماً ولكن الله فضحهم، ما سافروا الرحلة تأخرت، فلما كان في الصباح وجاؤوا للناس سبحان الله أنشأكم الله خلقاً آخر، فهذا خجل عظيم، هجرة حلق اللحية في مثل هذا هجرة عمل أو لا ؟ هجرة عمل لكن من الناس من يهجر حلق اللحية ويعفي اللحية لله، ومنهم من يفعل ذلك تصنعاً لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها. كذلك الهجرة من البلد من الناس من يخرج من البلد مهاجرا إلى الله عز وجل، ومنهم من يخرج لدينا يصيبها أو امرأة يتزوجها.
ثم انظر إلى قول النبي صلوات الله وسلامه عليه : ( من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ) كيف أظهر، ولم يقل فهجرته إلى ما هاجر إليه، بل قال : ( إلى الله ورسوله ) لأن هذا شرف وتعظيم وتكريم، يعني هجرته إلى أمر عظيم شريف وهو أن تكون هجرته إلى الله ورسوله، الثاني هجرته إلى دينا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، ولم يقل إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها لأن المراد حقير فلحقارته طوى ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من بلاغت كلام الرسول عليه الصلاة والسلام.