تتمة تفسير الآية : (( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ... )) . حفظ
تتمة تفسير الآية الكريمة: (( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا )) . ثم قال الله تعالى: (( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ... )) . (( إن خفتم )) يعني خشيتم وتوقعتم ، وقيل: المعنى (( إن خفتم )): إن علمتم ، والصواب أنها على المعنى الأول أي: خشيتم ، وقوله: (( ألا تقسطوا )) أي ألا تعدلوا (( في اليتامى فانكحوا ... )) وكانوا في الجاهلية يكون الرجل تحته يتيمة أي عنده ثم يؤخر زواجها لنفسه حتى يتزوجها أو يتزوجها وهو كاره لها لكن من أجل رعايتها والقيام بنفقتها ، فبين الله تعالى في هذه الآية أنهم إذا خافوا ألا يعدلوا في اليتامى فليعدلوا عنهن ، إلى أي شيء ؟ قال: (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء )) يعني انكحوا المرأة التي تطيب لكم أي ترونها طيبة وتستحسنونها ، ولهذا قال: (( ما طاب لكم من النساء )) فأتى بـ" ما " دون " من " ، لأن " من " للعاقل إذا قصد شخص ، فإن قصد الوصف أتي بـ" ما " ، قالوا ومنه قول العرب " سبحان ما سخركن لنا " يعني الإبل ، يريد سبحان من ؟ يعني سبحان الله ، لكن لما كان أراد هذا القائل الوصف وهو كمال قوة الله عزوجل وتسخيره أتى بما ، قال: (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء )) وقوله: (( ما طاب لكم من النساء )) هل هي متعلقة بـ " انكحوا " ؟ أي انكحوا من النساء ما طاب لكم ؟ أو بيان لما لقوله: (( ما طاب لكم )) ؟ الثاني أقرب والأول جائز ، لكن الثاني أقرب ، فينكحوا ما يطيب لكم من النساء (( مثنى وثلاث ورباع )) هذه الكلمات الثلاث يقول النحويون إنها لا تنصرف ، والمانع لها من الصرف الوصفية والعدل ، لأن معنى (( مثنى )) أي: اثنتين اثنتين ، (( ثلاث )) ثلاثا ثلاثا ، (( رباع )) أربعا أربعا ، فالمانع من الصرف هو الوصفية والعدل ، وعلى هذا نقول (( مثنى )) حال من (( النساء )) يعني حال كونهن مثنى وثلاث ورباع ، أي انكحوا على اثنتين اثنتين أو على ثلاثا ثلاثا أو على أربع أربع ، وليس المعنى انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا خلافا لمن زعم ذلك وقال إن الآية تدل على جواز نكاح التسع ، لأن اثنتين وثلاث خمس ، ورباع أربعة ، الجمع تسعة ، وهذا بعيد من هذا الأسلوب في اللغة العربية هذا الأسلوب للتقسيم يعني منكم من ينكح اثنتين اثنتين ومنكم من ينكح ثلاثا ثلاثا ومنكم من ينكح أربعا أربعا ، لأن الخطاب (( انكحوا )) الخطاب للجماعة ، الخطاب للجماعة ليس لواحد ، فإذا كان الخطاب للجماعة فوزع (( مثنى وثلاث )) على الجماعة يكون المعنى: ينكح بعضكم اثنتين وبعضهم ثلاثا وبعضكم أربعا ، ويدل على هذا الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الرجل لا يتزوج أكثر من أربعة ، أما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه مخصوص بخصائص متعددة في نكاح ، منها أنه يتزوج أكثر من أربعة ، ومنها أنه يتزوج بالهبة ، ومنها أنه لا يجب عليه القسم على أحد الأقوال ، ومنها أنه بعد أن خيرهن فاخترن الله ورسوله حرم عليه أن يتزوج غيرهن إلى أن مات ، ومنها أن زوجاته لا يحل لأحد بعده أن يتزوجهن ، فالرسول عليه الصلاة والسلام خص بخصائص لا توجد في غيره ، وهذه الآية من حيث الدلالة كقوله تعالى: (( جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع )) ولو أراد الله عزوجل أن يقول أعني ولو أراد الله تعالى أن يبين لعباده حل النساء إلى التسع لقال: فانكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين أو ثلاثا أو أربعا أو ستا إلى تسعة ، ولا يأتي بهذا الأسلوب المشتبه ، لأن القرآن نزل تبيانا لكل شيء ، وقوله: (( مثنى وثلاث ورباع )) لم يذكر الواحدة ، لأن المقام مقام تخيير ومقام إعطاء النفس حظها إذا خاف الإنسان أن لا يقسط في اليتامى ، نقول إذا خفت ألا تقسط في اليتيمة فأمامك النساء كمية وكيفية ، كمية متى تكون الكمية ؟ اثنتين فصاعدا ، الكيفية ؟ قال: (( ما طاب لكم )) فأنت أمامك الباب مفتوح فيما تريد من النساء كيفية وكمية ، ومعلوم أن الواحدة ليس فيها الكمية واحدة ، الكمية يعني الزيادة بالكم من اثنتين فصاعدا ، (( مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا )) (( خفتم )) أي ظننتم (( ألا تعدلوا فواحدة )) أي فانكحوا واحدة ولا تزيدوا عليها (( أو ما ملكت أيمانكم )) يعني أو انكحوا ما ملكت أيمانكم ؟ لا ، لأن ما ملكت اليمين لا تنكح ، ملك اليمين توطء بالملك ولا توطء بالنكاح ، ولهذا يحرم على الرجل أن يتزوج أمته ، صح ؟ يحرم على الرجل أن يتزوج أمته ؟ يحرم أن يتزوج أمته ، لأنها تحل له بعقد أقوى من النكاح وهو ملك اليمين ، والأضعف لا يرد على الأقوى بخلاف العكس فإنه يرد الأقوى على الأضعف ، لو اشترى الرجل زوجته انفسخ النكاح وحلت له بملك اليمين ، أعرفتم ؟ أما لو كانت عنده أمة فإنه لا يمكن أن يتزوجها ، لأنه ملكها بعقد أقوى من النكاح فإن السيد يملك الرقبة وال ... بخلاف الزوج فإنه لا يملك إلا ... ، إذا ما يصح أن نقول إن قوله: (( أو ما ملكت أيمانكم )) معطوفة على قوله: (( فواحدة )) لأنه يختلف المعنى ، بل المعنى: فانكحوا واحدة أو استمتعوا بما ملكت أيمانكم أو كلمة نحوها ، المهم أنها ليست معطوفة على ما سبق إلا من بعد عطف الجمل فيقدر فعل مناسب لقوله: (( أو ما ملكت أيمانكم )) . (( ذلك أدنى ألا تعولوا )) " ذلك " المشار إليه نكاح الواحدة عند خوف عدم العدل ؟ أو المشار إليه أن يتزوج الإنسان اثنتين أو ثلاثا أو أربعا عند خوف عدم العدل في اليتامى ؟ أو الأمرين ؟ الأمرين ، يعني (( ذلك )) يعني نكاحكم مثنى وثلاث ورباع إذا خفتم ألا تقسطوا في اليتامى أو نكاحكم واحدة إذا خفتم ألا تعدلوا (( أدنى )) أي أقرب (( ألا تعولوا )) يعني ألا تجورا ، هذا هو معنى الآية المتعين ، وأما ما يروى عن الشافعي من أن المعنى أدنى ألا تكثر عيالكم ، فهو قول ضعيف جدا ، جدا ضعيف ، لماذا ؟ لأن كثرة العيال مرغوبة عند الله ، ولأن العيال يكثرون إذا جامع الإنسان ما ملكت يمينه ، والله يقول: (( فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا )) فإذا كان عند الإنسان مائة وليدة مائة جارية وجامع كل واحدة كم يأتيه في السنة ؟ مائة ولد ، يأتيه في السنة مائة ولد ، فإذا كان الأمر كذلك فكيف نقول إن الإنسان إذا جامع ما ملكت يمينه يكون أدنى إلى عدم العيال ، ولهذا يعتبر هذا القول ضعيف جدا لمنافاته مقصود الشارع في كثرة الأولاد ولأن قلة الأولاد لا تكون فيما إذا جامع الإنسان مملوكاته .