-
تعليق على قول المصنف: " لا ريب أن من فعلها متأولًا مجتهدًا أو مقلدًا كان له أجر على حسن قصده ، وعلى عمله ، من حيث ما فيه من المشروع ، وكان ما فيه من المبتدع مغفورًا له ، إذا كان في اجتهاده أو تقليده من المعذورين "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهذا المعنى ثابت في كل ما يذكر في بعض البدع المكروهة من الفائدة . لكن هذا القدر لا يمنع كراهتها والنهي عنها ، والاعتياض عنها بالمشروع ، الذي لا بدعة فيه ، كما أن الذين زادوا الأذان في العيدين هم كذلك ، بل اليهود والنصارى يجدون في عباداتهم أيضًا فوائد ، وذلك لأنه لا بد أن تشتمل عبادتهم على نوع ما ، مشروع في جنسه ، كما أن أقوالهم لا بد أن تشتمل على صدق ما ، مأثور عن الأنبياء . ثم مع ذلك لا يوجب ذلك أن نفعل عباداتهم ، أو نروي كلماتهم ، لأن جميع المبتدعات لا بد أن تشتمل على شر راجح على ما فيها من الخير إذ لو كان خيرها راجحًا لما أهملتها الشريعة . فنحن نستدل بكونها بدعة على أن إثمها أكبر من نفعها ، وذلك هو الموجب للنهي . وأقول : إن إثمها قد يزول عن بعض الأشخاص لمعارض؛ لاجتهاد أو غيره ، كما يزول إثم النبيذ والربا المختلف فيهما عن المجتهدين من السلف ، ثم مع ذلك يجب بيان حالها ، وأن لا يقتدى بمن استحلها ، وأن لا يقصر في طلب العلم المبين لحقيقتها . وهذا الدليل كاف في بيان أن هذه البدع مشتملة على مفاسد اعتقادية ، أو حالية مناقضة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن ما فيها من المنفعة مرجوح لا يصلح للمعارضة . ثم يقال على سبيل التفصيل : إذا فعلها قوم ذوو فضل ودين فقد تركها في زمان هؤلاء ، معتقدًا لكراهتها ، وأنكرها قوم إن لم يكونوا أفضل ممن فعلها ، فليسوا دونهم. ولو كانوا دونهم في الفضل فقد تنازع فيها أولو الأمر ، فترد إلى الله والرسول وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها ، لا مع من رخص فيها . ثم عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع هؤلاء. وأما ما فيها من المنفعة ، فيعارضه ما فيها من مفاسد البدع الراجحة : منها : مع ما تقدم من المفسدة الاعتقادية والحالية : أن القلوب تستعذبها وتستغني بها عن كثير من السنن ، حتى تجد كثيرًا من العامة يحافظ عليها ، ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس . ومنها : أن الخاصة والعامة تنقص -بسببها- عنايتهم بالفرائض والسنن ، ورغبتهم فيها ، فتجد الرجل يجتهد فيها ، ويخلص وينيب ، ويفعل فيها ما لا يفعله في الفرائض والسنن ، حتى كأنه يفعل هذه عبادة ، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة ، وهذا عكس الدين ، فيفوته بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة والرقة والطهارة والخشوع ، وإجابة الدعوة ، وحلاوة المناجاة ، إلى غير ذلك من الفوائد . وإن لم يفته هذا كله ، فلا بد أن يفوته كماله .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومنها : ما في ذلك من مصير المعروف منكرًا ، والمنكر معروفًا. وجهالة أكثر الناس بدين المرسلين ، وانتشاء زرع الجاهلية . ومنها : اشتمالها على أنواع من المكروهات في الشريعة مثل : تأخير الفطور ، وأداء العشاء الآخرة بلا قلوب حاضرة ، والمبادرة إلى تعجيلها ، والسجود بعد السلام لغير سهو ، وأنواع من الأذكار ومقاديرها لا أصل لها ، إلى غير ذلك من المفاسد التي لا يدركها إلا من استنارت بصيرته ، وسلمت سريرته . ومنها : مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع وفوات سلوك الصراط المستقيم ، وذلك أن النفس فيها نوع من الكبر ، فتحب أن تخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان ، كما قال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله : ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه ثم هذا مظنة لغيره ، فينسلخ القلب عن حقيقة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه ، أو يكاد ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا . ومنها : ما تقدم التنبيه عليه في أعياد أهل الكتاب من المفاسد التي توجد في كلا النوعين المحدثين ، النوع الذي فيه مشابهة ، والنوع الذي لا مشابهة فيه . والكلام في ذم البدع لما كان مقررًا في هذا الموضع، لم نطل النفس في تقريره ، بل نذكر بعض أعيان هذه المواسم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: قد تقدم أن العيد يكون اسمًا لنفس المكان ، ولنفس الزمان ، ولنفس الاجتماع . وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياء : أما الزمان فثلاثة أنواع ، ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال : أحدها : يوم لم تعظمه الشريعة أصلًا ، ولم يكن له ذكر في السلف ، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه : مثل أول خميس من رجب، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة ، إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة ، وروي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء ، مضمونه : فضيلة صيام ذلك اليوم وفعل هذه الصلاة ، المسماة عند الجاهلين بصلاة الرغائب، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين من العلماء من الأصحاب وغيرهم . والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم : النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم ، وعن هذه الصلاة المحدثة ، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنعة الأطعمة ، وإظهار الزينة ، ونحو ذلك حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من الأيام ، وحتى لا يكون له مزية أصلًا . وكذلك يوم آخر في وسط رجب ، يصلى فيه صلاة تسمى صلاة أم داود ، فإن تعظيم هذا اليوم لا أصل له في الشريعة أصلًا . النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره ، من غير أن يوجب ذلك جعله موسمًا ، ولا كان السلف يعظمونه : كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغدير خم مرجعه من حجة الوداع ، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة وصى فيها باتباع كتاب الله ، ووصى فيها بأهل بيته كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه. فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي ، بعد أن فرش له ، وأقعده على فراش عالية ، وذكروا كلامًا وعملًا قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء ، وزعموا أن الصحابة تمالئوا على كتمان هذا النص ، وغصبوا الوصي حقه ، وفسقوا وكفروا ، إلا نفرًا قليلًا .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والعادة التي جبل الله عليها بني آدم ، ثم ما كان القوم عليه من الأمانة والديانة ، وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا ممتنع كتمانه . وليس الغرض الكلام في مسألة الإمامة ، وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيدًا محدث لا أصل له ، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم-من اتخذ ذلك اليوم عيدًا ، حتى يحدث فيه أعمالًا . إذ الأعياد شريعة من الشرائع ، فيجب فيها الاتباع ، لا الابتداع . وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة : مثل يوم بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين . ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعيادًا . وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعيادًا ، أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع . وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه . وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعظيمًا . والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع- من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا . مع اختلاف الناس في مولده . فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا . ولو كان هذا خيرًا محضا ، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا ، وهم على الخير أحرص " الكلام على الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
-
ما معنى قول المصنف : " و الله قد يثيبهم على هذه المحبة والإجتهاد " ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعظيمًا . والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع- من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا . مع اختلاف الناس في مولده . فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا . ولو كان هذا خيرًا محضا ، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا ، وهم على الخير أحرص .وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره ، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا ، ونشر ما بعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان . فإن هذه طريقة السابقين الأولين ، من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حراصًا على أمثال هذه البدع ، مع ما لهم من حسن القصد ، والاجتهاد الذين يرجى لهم بهما المثوبة ، تجدهم فاترين في أمر الرسول ، عما أمروا بالنشاط فيه ، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه ، أو يقرأ فيه ولا يتبعه وبمنزلة من يزخرف المسجد ، ولا يصلي فيه ، أو يصلي فيه قليلًا ، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة ، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ، ويصحبها من الرياء والكبر ، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها ، كما جاء في الحديث : " ما ساء عمل أمة قط إلا زخرفوا مساجدهم "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير ، لاشتماله على أنواع من المشروع ، وفيه أيضًا شر ، من بدعة وغيرها ، فيكون ذلك العمل خيرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من أنواع المشروع وشرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من الإعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين، وهذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة ، فعليك هنا بأدبين : أحدهما : أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنًا وظاهرًا ، في خاصتك وخاصة من يطيعك . وأعرف المعروف وأنكر المنكر . الثاني : أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه ، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه ، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه ، ولكن إذا كان في البدعة من الخير ، فعوض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان ، إذ النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء ، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله أو إلى خير منه ، فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا مكروهًا ، فالتاركون أيضًا للسنن مذمومون ، فإن منها ما يكون واجبًا على الإطلاق ، ومنها ما يكون واجبًا على التقييد ، كما أن الصلاة النافلة لا تجب . ولكن من أراد أن يصليها يجب عليه أن يأتي بأركانها ، وكما يجب على من أتى الذنوب من الكفارات والقضاء والتوبة والحسنات الماحية ، وما يجب على من كان إماما ، أو قاضيا ، أو مفتيا ، أو واليا من الحقوق ، وما يجب على طالبي العلم ، أو نوافل العبادة من الحقوق . "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومنها : ما يكره المداومة على تركه كراهة شديدة . ومنها : ما يكره تركه أو يجب فعله على الأئمة دون غيرهم وعامتها يجب تعليمها والحض عليها والدعاء إليها . وكثير من المنكرين لبدع العبادات والعادات تجدهم مقصرين في فعل السنن من ذلك ، أو الأمر به . ولعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العبادات المشتملة على نوع من الكراهة . بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه ، فلا ينهى عن منكر إلا ويؤمر بمعروف يغني عنه كما يؤمر بعبادة الله سبحانه ، وينهى عن عبادة ما سواه ، إذ رأس الأمر شهادة أن لا إله إلا الله ، والنفوس خلقت لتعمل ، لا لتترك ، وإنما الترك مقصود لغيره ، فإن لم يشتغل بعمل صالح ، وإلا لم يترك العمل السيئ ، أو الناقص ، لكن لما كان من الأعمال السيئة ما يفسد عليها العمل الصالح ، نهيت عنه حفظًا للعمل الصالح .
-
هل تجب قراءة سورة الفاتحة في الركعة الثانية من صلاة الكسوف ؟
-
إذا كان نصح من يتنمي إلى الجماعات الموجودة اليوم يؤدي إلى انحرافه هل يقر على ما هو عليه ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فتعظيم المولد ، واتخاذه موسمًا ، قد يفعله بعض الناس ، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده ، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس ، ما يستقبح من المؤمن المسدد . ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء : إنه أنفق على مصحف ألف دينار ، أو نحو ذلك فقال : دعهم ، فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب ، أو كما قال . مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة . وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجويد الورق والخط . وليس مقصود أحمد هذا ، إنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة ، وفيه أيضًا مفسدة كره لأجلها . فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا ، وإلا اعتاضوا بفساد لا صلاح فيه ، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور : من كتب الأسمار أو الأشعار ، أو حكمة فارس والروم . فتفطن لحقيقة الدين ، وانظر ما اشتملت عليه الأفعال من المصالح الشرعية ، والمفاسد ، بحيث تعرف ما مراتب المعروف ، ومراتب المنكر ، حتى تقدم أهمها عند الازدحام ، فإن هذا حقيقة العلم بما جاءت به الرسل ، فإن التمييز بين جنس المعروف ، وجنس المنكر ، أو جنس الدليل ، وغير الدليل ، يتيسر كثيرًا .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما مراتب المعروف والمنكر ، ومراتب الدليل ، بحيث يقدم عند التزاحم أعرف المعروفين، وينكر أنكر المنكرين ، ويرجح أقوى الدليلين ، فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين . فالمراتب ثلاث : أحدها : العمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه . والثانية: العمل الصالح من بعض وجوهه ، أو أكثرها إما لحسن القصد ، أو لاشتماله مع ذلك على أنواع من المشروع . والثالثة: ما ليس فيه صلاح أصلًا : إما لكونه تركا للعمل الصالح مطلقًا ، أو لكونه عملًا فاسدًا محضًا . فأما الأولى : فهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باطنها وظاهرها ، قولها وعملها ، في الأمور العلمية والعملية مطلقًا ، فهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه ، والأمر به وفعله على حسب مقتضى الشريعة ، من إيجاب واستحباب ، والغالب على هذا الضرب : هو أعمال السابقين الأولين ، من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان . وأما المرتبة الثانية : فهي كثيرة جدًا في طرق المتأخرين من المنتسبين إلى علم أو عبادة ، ومن العامة أيضًا ، وهؤلاء خير ممن لا يعمل عملًا صالحًا مشروعًا ، ولا غير مشروع ، أو من يكون عمله من جنس المحرم : كالكفر والكذب والخيانة ، والجهل . ويندرج في هذا أنواع كثيرة . فمن تعبد ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة : كالوصال في الصيام ، وترك جنس الشهوات، ونحو ذلك ، أو قصد إحياء ليال لا خصوص لها : كأول ليلة من رجب ، ونحو ذلك ، قد يكون حاله خيرًا من حال البطال، الذي ليس فيه حرص على عبادة الله وطاعته . بل كثير من هؤلاء الذين ينكرون هذه الأشياء ، زاهدون في جنس عبادة الله : من العلم النافع ، والعمل الصالح ، أو في أحدهما -لا يحبونها ولا يرغبون فيها ، لكن لا يمكنهم ذلك في المشروع ، فيصرفون قوتهم إلى هذه الأشياء ، فهم بأحوالهم منكرون للمشروع وغير المشروع ، وبأقوالهم لا يمكنهم إلا إنكار غير المشروع . ومع هذا : فالمؤمن يعرف المعروف وينكر المنكر ، ولا يمنعه من ذلك موافقة بعض المنافقين له ، ظاهرًا في الأمر بذلك المعروف ، والنهي عن ذلك المنكر ، ولا مخالفة بعض علماء المؤمنين . فهذه الأمور وأمثالها مما ينبغي معرفتها ، والعمل بها .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " النوع الثالث: ما هو معظم في الشريعة : كيوم عاشوراء ، ويوم عرفة ، ويومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة ، وليلة الجمعة ويومها ، والعشر الأول من المحرم ، ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة . فهذا الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة ، وتوابع ذلك ، ما يصير منكرًا ينهى عنه . مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء ، في يوم عاشوراء ، من التعطش ، والتحزن والتجمع، وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من السلف ، لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من غيرهم، لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه، أحد سيدي شباب أهل الجنة ، وطائفة من أهل بيته ، بأيدي الفجرة الذين أهانهم الله، وكانت هذه مصيبة عند المسلمين ، يجب أن تتلقى بما يتلقى به المصائب ، من الاسترجاع المشروع، فأحدث بعض أهل البدع ، في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب ، وضموا إلى ذلك من الكذب والوقيعة في الصحابة ، البرآء من فتنة الحسين رضي الله عنه ، وغيرها ، أمورًا أخرى ، مما يكرهها الله ورسوله ، وقد روي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصيب بمصيبة ، فذكر مصيبته ، فأحدث استرجاعًا ، وإن تقادم عهدها ، كتب الله له من الأجر مثلها يوم أصيب " رواه أحمد وابن ماجه فتدبر كيف روى مثل هذا الحديث الحسين رضي الله عنه ، وعنه بنته التي شهدت مصابه! وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مآتم فهذا ليس في دين المسلمين ، بل هو إلى دين الجاهلية أقرب . ثم فوتوا بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل ، وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة ، لا أصل لها ، مثل : فضل الاغتسال فيه ، أو التكحل ، أو المصافحة وهذه الأشياء ونحوها ، من الأمور المبتدعة ، كلها مكروهة ، وإنما المستحب صومه . وقد روي في التوسيع على العيال في آثار معروفة، أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال : " "بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته " رواه عنه ابن عيينة. وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله . والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة، والرافضة، فإن هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتمًا، فوضع أولئك فيه آثارًا تقتضي التوسع فيه ، واتخاذه عيدًا ، وكلاهما باطل .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سيكون في ثقيف كذاب ومبير "، فكان الكذاب المختار بن أبي عبيد، وكان يتشيع للحسين ، ثم أظهر الكذب والافتراء على الله . وكان فيها الحجاج بن يوسف ، وكان في انحراف عن علي وشيعته ، وكان مبيرًا. وهؤلاء فيهم بدع وضلال ، وأولئك فيهم بدع وضلال وإن كانت الشيعة أكثر كذبًا وأسوأ حالًا . لكن لا يجوز لأحد أن يغير شيئًا من الشريعة لأجل أحد ، وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء ، وتوسيع النفقات فيه ، هو من البدع المحدثة المقابلة للرافضة ، وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه من الاغتسال ، والاكتحال وغير ذلك . وصححها بعض الناس : كابن ناصر وغيره ، وليس فيها ما يصح . لكن رويت لأناس اعتقدوا صحتها ، فعملوا بها ، ولم يعلموا أنها كذب ، فهذا مثل هذا .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد يكون سبب الغلو في تعظيمه من بعض المنتسبة لمقابلة الروافض ، فإن الشيطان قصده أن يحرف الخلق عن الصراط المستقيم ، ولا يبالي إلى أي الشقين صاروا . فينبغي أن يجتنب جميع هذه المحدثات .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن هذا الباب : شهر رجب ، فإنه أحد الأشهر الحرم ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه كان إذا دخل شهر رجب قال : اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان ". ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب حديث آخر ، بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب ، والحديث إذا لم يعلم أنه كذب ، فروايته في الفضائل أمر قريب ، أما إذا علم كذبه فلا يجوز روايته إلا مع بيان حاله . لقوله صلى الله عليه وسلم : " من روى عني حديثًا وهو يرى أنه كذب ، فهو أحد الكاذبين ". نعم ، روي عن بعض السلف في تفضيل العشر الأول من رجب بعض الأثر ، وروي غير ذلك ، فاتخاذه موسمًا بحيث يفرد بالصوم ، مكروه عند الإمام أحمد وغيره ، كما روي عن عمر بن الخطاب وأبي بكرة وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم . وروى ابن ماجه : "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم رجب" رواه عن إبراهيم بن منذر الحزامي عن داود بن عطاء حدثني زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن سليمان بن علي عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما . وليس بالقوي
-
القراءة من الحاشية حول تخريج حديث " أنه كان إذا دخل شهر رجب قال : اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان ".
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب حديث آخر ، بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب ، والحديث إذا لم يعلم أنه كذب ، فروايته في الفضائل أمر قريب ، أما إذا علم كذبه فلا يجوز روايته إلا مع بيان حاله . لقوله صلى الله عليه وسلم : " من روى عني حديثًا وهو يرى أنه كذب ، فهو أحد الكاذبين ". الكلام على مسألة هل يحتج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " أما إذا علم كذبه فلا يجوز روايته إلا مع بيان حاله . لقوله صلى الله عليه وسلم : " من روى عني حديثًا وهو يرى أنه كذب ، فهو أحد الكاذبين ". نعم ، روي عن بعض السلف في تفضيل العشر الأول من رجب بعض الأثر ، وروي غير ذلك ، فاتخاذه موسمًا بحيث يفرد بالصوم ، مكروه عند الإمام أحمد وغيره ، كما روي عن عمر بن الخطاب وأبي بكرة وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم . وروى ابن ماجه : "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم رجب" رواه عن إبراهيم بن منذر الحزامي عن داود بن عطاء حدثني زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن سليمان بن علي عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما . وليس بالقوي. وهل الإفراد المكروه أن يصومه كله؟ أو ألا يقرن به شهرا آخر؟ فيه للأصحاب وجهان . ولولا أن هذا موضع الإشارة إلى رؤوس المسائل لأطلنا الكلام في ذلك ومن هذا الباب : ليلة النصف من شعبان ، فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة . ومن العلماء : من السلف من أهل المدينة ، وغيرهم من الخلف ، من أنكر فضلها ، وطعن في الأحاديث الواردة فيها ، كحديث : " إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم كلب " " . وقال : لا فرق بينها وبين غيرها . لكن الذي عليه كثير من أهل العلم ، أو أكثرهم ، من أصحابنا وغيرهم -على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد ، لتعدد الأحاديث الواردة فيها ، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية ، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن. وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر . فأما صوم يوم النصف مفردًا فلا أصل له ، بل إفراده مكروه ، وكذلك اتخاذه موسمًا تصنع فيه الأطعمة ، وتظهر فيه الزينة ، هو من المواسم المحدثة المبتدعة ، التي لا أصل لها . وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف ، من الاجتماع العام للصلاة الألفية في المساجد الجامعة ، ومساجد الأحياء والدروبوالأسواق . فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد ، وقدر من القراءة لم يشرع ، مكروه . فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفيةموضوع باتفاق أهل العلم بالحديث ، وما كان هكذا لا يجوز استحباب صلاة بناء عليه ، وإذا لم يستحب فالعمل المقتضي لاستحبابها مكروه . ولو سوغ أن كل ليلة لها نوع فضل ، تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها ، لكان يفعل مثل هذه الصلاة -أو أزيد أو أنقص- ليلتي العيدين ، وليلة عرفة ، كما أن بعض أهل البلاد يقيمون مثلها أول ليلة من رجب . وكما بلغني أنه كان في بعض القرى يصلون بعد المغرب صلاة مثل المغرب في جماعة ، يسمونها صلاة بر الوالدين .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكما كان بعض الناس يصلي كل ليلة في جماعة صلاة الجنازة على من مات من المسلمين في جميع الأرض ، ونحو ذلك من الصلوات الجماعية التي لم تشرع .
-
" الكلام على مسألة: الصلاة على الغائب. ومسألة: إذا اختلفت طائفتان في مسألة اجتهادية فالقول قول الأمير ولو لم يكن فقيها إذا رأى المصلحة في ذلك .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وعليك أن تعلم : أنه إذا استحب التطوع المطلق في وقت معين ، وجوز التطوع في جماعة ، لم يلزم من ذلك تسويغ جماعة راتبة غير مشروعة ففرق بين البابين ، وذلك أن الاجتماع لصلاة تطوع، أو استماع قرآن ، أو ذكر الله ، ونحو ذلك ، إذا كان يفعل أحيانًا ، فهذا حسن . فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : "أنه صلى التطوع في جماعة أحيانًا" و"خرج على أصحابه وفيهم من يقرأ وهم يستمعون ، فجلس معهم يستمع". وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدًا يقرأ وهم يستمعون . وقد ورد في القوم الذين يجلسون يتدارسون كتاب الله ويتلونه ، وفي القوم الذين يذكرون الله من الآثار ما هو معروف مثل قوله صلى الله عليه وسلم : « ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا غشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده » وورد أيضًا في الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا : هلموا إلى حاجتكم . الحديث "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وورد أيضًا في الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا : هلموا إلى حاجتكم . الحديث "
-
قراءة بحث حول تخريج حديث " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان "
-
قراءة بحث آخر حول تخريج حديث " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع أو الشهور أو الأعوام ، غير الاجتماعات المشروعة ، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات الخمس ، وللجمعة ، وللعيدين وللحج . وذلك هو المبتدع المحدث . ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة ، فإن ذلك يضاهي المشروع . وهذا الفرق هو المنصوص عن الإمام أحمد ، وغيره من الأئمة فروى أبو بكر الخلال ، في كتاب الأدب ، عن إسحاق بن منصور الكوسج ، أنه قال لأبي عبد الله : تكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟ قال : "ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد ، إلا أن يكثروا" . قال إسحاق بن راهويه كما قال . وإنما معنى أن لا يكثروا : أن لا يتخذوها عادة حتى يكثروا . هذا كلام إسحاق . وقال المروزي : سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون ، فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا؟ قال : أرجو أن لا يكون به بأس . وقال أبو السري الحربي : قال أبو عبد الله : "وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس يصلون ، ويذكرون ما أنعم الله عليهم ، كما قالت الأنصار؟" وهذا إشارة إلى ما رواه أحمد ، حدثنا إسماعيل أنبأنا أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : "نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قالوا : لو نظرنا يومًا فاجتمعنا فيه ، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا ، فقالوا : يوم السبت ثم قالوا : لا نجامع اليهود في يومهم . قالوا : فيوم الأحد . قالوا : لا نجامع النصارى في يومهم . قالوا : فيوم العروبة . وكانوا يسموه يوم الجمعة يوم العروبة- فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة فذبحت لهم شاة فكفتهم" . وقال أبو أمية الطرسوسي : سألت أحمد بن حنبل عن القوم يجتمعون ويقرأ لهم القارئ قراءة حزينة فيبكون ، وربما طفوا السراج . فقال لي أحمد : إن كان يقرأ قراءة أبي موسى فلا بأس . وروى الخلال عن الأوزاعي : أنه سئل عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا فيقص عليهم . قال : إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس . فقيد أحمد الاجتماع على الدعاء بما إذا لم يتخذ عادة . وكذلك قيد إتيان الأمكنة التي فيها آثار الأنبياء . قال سندي الخواتيمي : سألنا أبا عبد الله عن الرجل يأتي هذه المشاهد ويذهب إليها ، ترى ذلك؟ قال : أما على حديث " ابن أم مكتوم : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ، حتى يتخذ ذلك مصلى" . وعلى ما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنهما : يتبع مواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأثره ، فليس بذلك بأس أن يأتي الرجل المشاهد ، إلا أن الناس قد أفرطوا في هذا جدا ، وأكثروا فيه . وكذلك نقل عنه أحمد بن القاسم . ولفظه : سئل عن الرجل يأتي هذه المشاهد التي بالمدينة وغيرها ؛ يذهب إليها؟ فقال : أما على حديث ابن أم مكتوم أنه : سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيصلي في بيته ، حتى يتخذه مسجدا ، وعلى ما كان يفعله ابن عمر : يتبع مواضع سير النبي صلى الله عليه وسلم وفعله ، حتى رئي يصب في موضع ماء ، فسئل عن ذلك ، فقال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصب هاهنا ماء . قال : أما على هذا فلا بأس قال : ورخص فيه . ثم قال : ولكن قد أفرط الناس جدا ، وأكثروا في هذا المعنى ، فذكر قبر الحسين وما يفعل الناس عنده . وهذا الذي كرهه أحمد وغيره من اعتياد ذلك مأثور عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره لما اتخذ أصحابه مكانا يجتمعون فيه للذكر ، فخرج إليهم قال : "يا قوم لأنتم أهدى من أصحاب محمد ، أو لأنتم على شعبة ضلالة" .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأصل هذا : أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات ، حتى تصير سننا ومواسم ، قد شرع الله منها ما فيه كفاية العباد ، فإذا أحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات معتاد ، كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه . وفيه من الفساد ما تقدم التنبيه على بعضه ، بخلاف ما يفعله الرجل وحده ، أو الجماعة المخصوصة أحيانا ، ولهذا كره الصحابة إفراد صوم رجب ، لما شبه برمضان ، وأمر عمر رضي الله عنه بقطع الشجرة التي توهموا أنها الشجرة التي بويع الصحابة تحتها بيعة الرضوان . لما رأى الناس ينتابونها ويصلون عندها ، كأنها المسجد الحرام ، أو مسجد المدينة ، وكذلك لما رآهم قد عكفوا على مكان قد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عكوفا عاما نهاهم عن ذلك ، وقال : "أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟" . أو كما قال رضي الله عنه . فكما أن تطوع الصلاة فرادى وجماعة مشروع ، من غير أن يتخذ جماعة عامة متكررة ، تشبه المشروع من الجمعة ، والعيدين والصلوات الخمس ، فكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء ، جماعة وفرادى ، وتطوع قصد بعض المشاهد ، ونحو ذلك ، كله من نوع واحد ، يفرق بين الكثير الظاهر منه ، والقليل الخفي ، والمعتاد وغير المعتاد ، وكذلك كل مكان مشروع الجنس ، لكن البدعة اتخاذه عادة لازمة ، حتى يصير كأنه واجب ، ويترتب على استحبابه وكراهته حكم نذره ، واشتراط فعله في الوقف والوصية ونحو ذلك ، حيث كان النذر لا يلزم إلا في القرب ، وكذلك العمل المشروط في الوقف ، لا يجوز أن يكون إلا برا ومعروفا على ظاهر المذهب ، وقول جمهور أهل العلم . وسنومئ إلى ذلك إن شاء الله . وهذه المسائل تفتقر إلى بسط أكثر من هذا ، لا يحتمله هذا الموضع ، وإنما الغرض التنبيه على المواسم المحدثة . وأما ما يفعل في هذه المواسم مما جنسه منهي عنه في الشرع ، فهذا لا يحتاج إلى ذكره ؛ لأن ذلك لا يحتاج أن يدخل في هذا الباب مثل : رفع الأصوات في المساجد ، واختلاط الرجال والنساء ، أو كثرة إيقاد المصابيح زيادة على الحاجة ، أو إيذاء المصلين أو غيرهم بقول أو فعل ، فإن قبح هذا ظاهر لكل مسلم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وإنما هذا من جنس سائر الأقوال المحرمة في المساجد ، سواء حرمت في المسجد وغيره ، كالفواحش والفحش ، أو صين عنها المسجد : كالبيع وإنشاد الضالة ، وإقامة الحدود ونحو ذلك . وقد ذكر بعض المتأخرين ، من أصحابنا وغيرهم- أنه يستحب قيام هذه الليلة بالصلاة التي يسمونها الألفية ، لأن فيها قراءة " قل هو الله أحد " ألف مرة . وربما استحبوا الصوم أيضا ، وعمدتهم في خصوص ذلك : الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك . وقد يعتمدون على العمومات التي تندرج فيها هذه الصلاة ، وعلى ما جاء في فضل هذه الليلة بخصوصها ، وما جاء من الأثر بإحيائها ، وعلى الاعتياد ، حيث فيها من المنافع والفوائد ما يقتضي الاستحباب كجنسها من العبادات . فأما الحديث المرفوع في هذه الصلاة الألفية : فكذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث . وأما العمومات الدالة على استحباب الصلاة فحق ، لكن العمل المعين إما أن يستحب بخصوصه ، أو يستحب لما فيه من المعنى العام . فأما المعنى العام : فلا يوجب جعل خصوصها مستحبا ومن استحبها ذكرها في النفل المقيد : كصلاة الضحى والتراويح . وهذا خطأ ، ولهذا لم يذكر هذا أحد من الأئمة المعدودين ، لا الأولين ولا الآخرين . وإنما كره التخصيص لما صار يخص ما لا خصوص له بالاعتقاد والاقتصاد ، كما كره النبي صلى الله عليه وسلم : إفراد يوم الجمعة وسرر شعبان بالصيام ، وإفراد ليلة الجمعة بالقيام ، وصار نظير هذا : لو أحدثت صلاة مقيدة ليالي العشر ، أو بين العشائين ، ونحو ذلك .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فالعبادات ثلاثة : منها ما هو مستحب بخصوصه : كالنفل المقيد من ركعتي الفجر ، وقيام رمضان ، ونحو ذلك . وهذا منه المؤقت كقيام الليل .ومنه المقيد بسبب : كصلاة الاستسقاء ، وصلاة الآيات . ثم قد يكون مقدرا في الشريعة بعدد : كالوتر . وقد يكون مطلقا مع فضل الوقت : كالصلاة يوم الجمعة قبل الصلاة ، فصارت أقسام المقيد أربعة . ومن العبادات ما هو مستحب بعموم معناه ، كالنفل المطلق ، فإن الشمس إذا طلعت فالصلاة مشهودة محضورة حتى يصلي العصر ومنها ما هو مكروه تخصيصه لا مع غيره كقيام ليلة الجمعة . وقد يكره مطلقا ، إلا في أحوال مخصوصة ، كالصلاة في أوقات النهي . ولهذا اختلف العلماء في كراهة الصلاة بعد الفجر والعصر ، هل هو لئلا يفضي إلى تحري الصلاة في هذا الوقت ، فيرخص في ذوات الأسباب العارضة ، أو هو نهي مطلق لا يستثنى منه إلا قدر الحاجة؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد ، وفيها أقوال أخر للعلماء .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: وقد يحدث في اليوم الفاضل ، مع العيد العملي المحدث ، العيد المكاني ، فيغلظ قبح هذا ، ويصير خروجا عن الشريعة . فمن ذلك : ما يفعل يوم عرفة ، مما لا أعلم بين المسلمين خلافا في النهي عنه ، وهو قصد قبر بعض من يحسن به الظن يوم عرفة ، والاجتماع العظيم عند قبره ، كما يفعل في بعض أرض المشرق والمغرب ، والتعريف هناك ، كما يفعل بعرفات فإن هذا نوع من الحج المبتدع الذي لم يشرعه الله ، ومضاهاة للحج الذي شرعه الله ، واتخاذ القبور أعيادا . وكذلك السفر إلى بيت المقدس ، للتعريف فيه ، فإن هذا أيضا ضلال بين ، فإن زيارة بيت المقدس مستحبة مشروعة للصلاة فيه والاعتكاف ، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال ، لكن قصد إتيانه في أيام الحج هو المكروه ، فإن ذلك تخصيص وقت معين بزيارة بيت المقدس ، ولا خصوص لزيارته في هذا الوقت على غيره . ثم فيه أيضا مضاهاة للحج إلى المسجد الحرام ، وتشبيه له بالكعبة ، ولهذا قد أفضى إلى ما لا يشك مسلم في أنه شريعة أخرى ، غير شريعة الإسلام ، وهو ما قد يفعله بعض الضلال من الطواف بالصخرة ، أو من حلق الرأس هناك ، أو من قصد النسك هناك. وكذلك ما يفعله بعض الضلال ، من الطواف بالقبة التي بجبل الرحمة بعرفة كما يطاف بالكعبة . فأما الاجتماع في هذا الموسم لإنشاد الغناء أو الضرب بالدف بالمسجد الأقصى ونحوه ، فمن أقبح المنكرات من جهات أخرى . منها : فعل ذلك في المسجد ، فإن ذلك فيه ما نهي عنه خارج المساجد ، فكيف بالمسجد الأقصى؟! ومنها : اتخاذ الباطل دينا . ومنها فعله في الموسم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر فهذا هو التعريف في الأمصار الذي اختلف العلماء فيه ، ففعله ابن عباس ، وعمرو بن حريث من الصحابة وطائفة من البصريين والمدنيين ، ورخص فيه أحمد ، وإن كان مع ذلك لا يستحبه ، هذا هو المشهور عنه . وكرهه طائفة من الكوفيين والمدنيين : كإبراهيم النخعي وأبي حنيفة ومالك ، وغيرهم . ومن كرهه قال : هو من البدع ، فيندرج في العموم لفظا ومعنى . ومن رخص فيه قال : فعله ابن عباس بالبصرة حين كان خليفة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، ولم ينكر عليه ، وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار لا يكون بدعة . لكن ما يزاد على ذلك من رفع الأصوات الرفع الشديد في المساجد بالدعاء ، وأنواع من الخطب والأشعار الباطلة مكروه في هذا اليوم وغيره . قال المروزي : سمعت أبا عبد الله يقول : "ينبغي أن يسر دعاءه ؛ لقوله : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } . قال : هذا في الدعاء . قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : وكان يكره أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء . وروى الخلال بإسناد صحيح ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب قال : "أحدث الناس الصوت عند الدعاء" . وعن سعيد بن أبي عروبة : أن مجالد بن سعيد سمع قوما يعجون في دعائهم ، فمشى إليهم فقال : أيها القوم ، إن كنتم أصبتم فضلا على من كان قبلكم لقد ضللتم ، قال : فجعلوا يتسللون رجلا رجلا ، حتى تركوا بغيتهم التي كانوا فيها .
-
تنبيه على فعل بعض المطوفين حول الكعبة من الجهر بالدعاء وغيره من المخالفات .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى أيضا بإسناده عن ابن شوذب ، عن أبي التياح قال : قلت للحسن : إمامنا يقص ، فيجتمع الرجال والنساء ، فيرفعون أصواتهم بالدعاء . فقال الحسن : إن رفع الصوت بالدعاء لبدعة ، وإن مد الأيدي بالدعاء لبدعة ، وإن اجتماع الرجال والنساء لبدعة . فرفع الأيدي فيه خلاف وأحاديث ليس هذا موضعها .
-
كيف نجمع بين قول شيخ الإسلام أن بعض البدع مكروهة وبين حديث " كل بدعة ضلالة " ؟
-
ما حكم الخطيب الذي يشير بيده في الخطبة على المنبر كأنه يحذر وينذر ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والفرق بين هذا التعريف المختلف فيه وتلك التعريفات التي لم يختلف فيها : أن في تلك قصد بقعة بعينها للتعريف فيها : كقبر الصالح ، أو كالمسجد الأقصى ، وهذا تشبيه بعرفات ، بخلاف مسجد المصر ، فإنه قصد له بنوعه لا بعينه ، ونوع المساجد مما شرع قصدها ، فإن الآتي إلى المسجد ليس قصده مكانا معينا لا يتبدل اسمه وحكمه ، وإنما الغرض بيت من بيوت الله ، بحيث لو حول ذلك المسجد لتحول حكمه ، ولهذا لا تتعلق القلوب إلا بنوع المسجد لا بخصوصه . وأيضًا ، فإن شد الرحال إلى مكان للتعريف فيه ، مثل الحج ، بخلاف المصر ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا » . هذا مما لا أعلم فيه خلافا . فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة ، ومعلوم أن إتيان الرجل مسجد مصره : إما واجب كالجمعة ، وإما مستحب كالاعتكاف به .
-
مسألة: هل شد الرحل لطلب العلم يدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شد الرحال إلا لثلاث مساجد ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأيضا فإن التعريف عند القبر اتخاذ له عيدا ، وهذا بنفسه محرم ، سواء كان فيه شد للرحل ، أو لم يكن ، وسواء كان في يوم عرفة أو في غيره ، وهو من الأعياد المكانية مع الزمانية . وأما ما أحدث في الأعياد ، من ضرب البوقات والطبول فإن هذا مكروه في العيد وغيره ، لا اختصاص للعيد به ، وكذلك لبس الحرير ، أو غير ذلك من المنهي عنه في الشرع وترك السنن من جنس فعل البدع ، فينبغي إقامة المواسم على ما كان السابقون الأولون يقيمونها ، من الصلاة والخطبة المشروعة ، والتكبير والصدقة في الفطر ، والذبح في الأضحى . فإن من الناس من يقصر في التكبير المشروع . ومن الأئمة من يترك أن يخطب للرجال والنساء . كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الرجال ثم النساء . ومنهم من لا يذكر في خطبته ما ينبغي ذكره ، بل يعدل إلى ما تقل فائدته ، ومنهم من لا ينحر بعد الصلاة بالمصلى وهو ترك للسنة ، إلى أمور أخرى من السنة ، فإن الدين هو فعل المعروف والأمر به ، وترك المنكر والنهي عنه .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: وأما الأعياد المكانية وتنقسم أيضا كالزمانية ثلاثة أقسام...فهذه الأقسام الثلاثة : أحدها مكان لا فضل له في الشريعة أصلا ، ولا فيه ما يوجب تفضيله ، بل هو كسائر الأمكنة ، أو دونها ، فقصد ذلك المكان ، أو قصد الاجتماع فيه لصلاة أو دعاء ، أو ذكر ، أو غير ذلك- ضلال بين . ثم إن كان به بعض آثار الكفار ، من اليهود أو النصارى أو غيرهم ، صار أقبح وأقبح ، ودخل في هذا الباب وفي الباب قبله ، في مشابهة الكفار . وهذه أنواع لا يمكن ضبطها ، بخلاف الزمان ، فإنه محصور . وهذا الضرب أقبح من الذي قبله ، فإن هذا يشبه عباده الأوثان أو هو ذريعة إليها ، أو نوع من عبادة الأوثان ، إذ عباد الأوثان كانوا يقصدون بقعة بعينها لتمثال هناك أو غير تمثال ، يعتقدون أن ذلك يقربهم إلى الله تعالى ، وكانت الطواغيت الكبار التي تشد إليها الرحال ثلاثة : اللات ، والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى . كما ذكر الله ذلك في كتابه حيث يقول : { أفرأيتم اللات والعزى }{ ومناة الثالثة الأخرى. ألكم الذكر وله الأنثى. تلك إذًا قسمةٌ ضيزى } .
-
بعض البلاد ينادى فيها في عيد الأضحى أن الإمام قدضحى فضحوا، هل هذا يعد بدعة ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كل واحد من هذه الثلاثة لمصر من أمصار العرب . والأمصار التي كانت من ناحية الحرم ، ومواقيت الحج ثلاثة : مكة ، والمدينة ، والطائف . فكانت اللات : لأهل الطائف ، ذكروا أنه كان في الأصل رجلا صالحا ، يلت السويق للحجيج ، فلما مات عكفوا على قبره مدة ، ثم اتخذوا تمثاله ، ثم بنوا عليه بنية سموها : بيت الربة . وقصتها معروفة ، لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم لهدمها لما افتتحت الطائف بعد فتح مكة ، سنة تسع من الهجرة . وأما العزى : فكانت لأهل مكة قريبا من عرفات ، وكانت هناك شجرة يذبحون عندها ويدعون . فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليها خالد بن الوليد ، عقب فتح مكة فأزالها ، وقسم النبي صلى الله عليه وسلم مالها ، وخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها ، فيئست العزى أن تعبد . وأما مناة : فكانت لأهل المدينة ، يهلون لها شركا بالله تعالى ، وكانت حذو قديد الجبل الذي بين مكة والمدينة من ناحية الساحل . ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين في عبادة أوثانهم ، ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه الله ، وأنواعه ، حتى يتبين له تأويل القرآن ، ويعرف ما كرهه الله ورسوله ، فلينظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال العرب في زمانه ، وما ذكره الأزرقي في أخبار مكة ، وغيره من العلماء . ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ، ويسمونها ذات أنواط ، فقال بعض الناس : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط ، كما لهم ذات أنواط . فقال : « الله أكبر ، قلتم كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم » . فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها ، معلقين عليها سلاحهم . فكيف بما هو أعظم من ذلك من مشابهتهم المشركين ، أو هو الشرك بعينه؟ . فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ، ولم تستحب الشريعة ذلك ، فهو من المنكرات ، وبعضه أشد من بعض ، سواء كانت البقعة شجرة أو عين ماء ، أو قناة جارية ، أو جبلا ، أو مغارة ، وسواء قصدها ليصلي عندها ، أو ليدعو عندها ، أو ليقرأ عندها ، أو ليذكر الله سبحانه عندها ، أو ليتنسك عندها ، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينا ولا نوعا . وأقبح من ذلك أن ينذر لتلك البقعة دهنا لتنور به ، ويقال : إنها تقبل النذر ، كما يقول بعض الضالين . فإن هذا النذر نذر معصية باتفاق العلماء ، ولا يجوز الوفاء به ، بل عليه كفارة عند كثير من أهل العلم ، منهم أحمد في المشهور عنه ، وعنه رواية هي قول أبي حنيفة والشافعي وغيرهما : أنه يستغفر الله من هذا النذر ، ولا شيء عليه ، والمسألة معروفة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك إذا نذر طعاما من الخبز أو غيره للحيتان التي في تلك العين ، أو البئر . وكذلك إذا نذر مالا من النقد أو غيره للسدنة ، أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة ، فإن هؤلاء السدنة فيهم شبه من السدنة التي كانت لللات والعزى ومناة ، يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله ، والمجاورون هناك فيهم شبه من العاكفين الذين قال لهم إبراهيم الخليل إمام الحنفاء ، صلى الله عليه وسلم : { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } ، وقال : { أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون. فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين } والذين أتى عليهم موسى عليه السلام وقومه ، كما قال تعالى : { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم } . فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع التي لا فضل في الشريعة للمجاور بها ، نذر معصية ، وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها ، أو لسدنة الأبداد التي بالهند ، والمجاورين عندها . ثم هذا المال المنذور ، إذا صرفه في جنس تلك العبادة من المشروع ، مثل أن يصرفه في عمارة المساجد ، أو للصالحين من فقراء المسلمين ، الذين يستعينون بالمال على عبادة الله وحده لا شريك له- كان حسنا . فمن هذه الأمكنة ما يظن أنه قبر نبي ، أو رجل صالح ، وليس كذلك ، أو يظن أنه مقام له ، وليس كذلك . فأما ما كان قبرا له أو مقاما ، فهذا من النوع الثاني . وهذا باب واسع أذكر بعض أعيانه : فمن ذلك : عدة أمكنة بدمشق ، مثل مشهد لأبي بن كعب خارج الباب الشرقي ، ولا خلاف بين أهل العلم ، أن أبي بن كعب إنما توفي بالمدينة ، لم يمت بدمشق . والله أعلم قبر من هو ، لكنه ليس بقبر أبي بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك . وكذلك مكان بالحائط القبلي ، بجامع دمشق ، يقال إن فيه قبر هود عليه السلام ، وما عملت أحدا من أهل العلم ذكر أن هودا النبي مات بدمشق ، بل قد قيل إنه مات باليمن ، وقيل بمكة ، فإن مبعثه كان باليمن ، ومهاجره بعد هلاك قومه كان إلى مكة ، فأما الشام فلا داره ولا مهاجره ، فموته بها -والحال هذه مع أن أهل العلم لم يذكروه بل ذكروا خلافه- في غاية البعد . وكذلك مشهد خارج الباب الغربي من دمشق ، يقال إنه قبر أويس القرني ، وما علمت أن أحدا ذكر أن أويسا مات بدمشق ، ولا هو متوجه أيضا ، فإن أويسا قدم من اليمن إلى أرض العراق . وقد قيل : إنه قتل بصفين ، وقيل : إنه مات بنواحي أرض فارس ، وقيل غير ذلك . فأما الشام فما ذكر أنه قدم إليها فضلا عن الممات بها . ومن ذلك أيضا : قبر يقال له : قبر أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا خلاف أنها رضي الله عنها ماتت بالمدينة لا بالشام ، ولم تقدم الشام أيضا . فإن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، لم تكن تسافر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل لعلها أم سلمة أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ، فإن أهل الشام كشهر بن حوشب ونحوه ، كانوا إذا حدثوا عنها قالوا : أم سلمة . وهي بنت عم معاذ بن جبل ، وهي من أعيان الصحابيات ، ومن ذوات الفقه والدين منهن . أو لعلها أم سلمة ، امرأة يزيد بن معاوية ، وهو بعيد ، فإن هذه ليست مشهورة بعلم ولا دين . وما أكثر الغلط في هذه الأشياء وأمثالها من جهة الأسماء المشتركة أو المغيرة . ومن ذلك : مشهد بقاهرة مصر يقال : إن فيه رأس الحسين رضي الله عنه ، وأصله : أنه كان بعسقلان مشهد يقال : إن فيه رأس الحسين ، فحمل فيما قيل الرأس من هناك إلى مصر ، وهو باطل باتفاق أهل العلم ، لم يقل أحد من أهل العلم : إن رأس الحسين كان بعسقلان ، بل فيه أقوال ليس هذا منها ، فإنه حمل رأسه إلى قدام عبيد الله بن زياد بالكوفة ، حتى روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغيظه . وبعض الناس يذكر أن الرواية كانت أمام يزيد بن معاوية بالشام ، ولا يثبت ذلك ، فإن الصحابة المسمين في الحديث إنما كانوا بالعراق . وكذلك مقابر كثيرة لأسماء رجال معروفين ، قد علم أنها ليست مقابرهم . فهذه المواضع ليست فيها فضيلة أصلا ، وإن اعتقد الجاهلون أن لها فضيلة ، اللهم إلا أن يكون قبرا لرجل مسلم فيكون كسائر قبور المسلمين ، ليس لها من الخصيصة ما يحسبه الجهال ، وإن كانت القبور الصحيحة لا يجوز اتخاذها أعيادا ، ولا أن يفعل ما يفعل عند هذه القبور المكذوبة ، أو تكون قبرا لرجل صالح غير المسمى ، فيكون من القسم الثاني .
-
هل لطالب العلم أن يصلي في الأماكن التي يعتقد العامة أفضليتها ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن هذا الباب أيضا : مواضع يقال إن فيها أثر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ، ويضاهي بها مقام إبراهيم الذي بمكة ، كما يقول الجهال في الصخرة التي ببيت المقدس ، من أن فيها أثرا من وطء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغني أن بعض الجهال يزعم أنها من وطء الرب سبحانه وتعالى! فيزعمون أن ذلك الأثر موضع القدم . وفي مسجد قبلي دمشق -يسمى مسجد القدم- أثر أيضا يقال إن ذلك أثر قدم موسى عليه السلام ، وهذا باطل لا أصل له . ولم يقدم موسى دمشق ولا ما حولها . وكذلك مشاهد تضاف إلى بعض الأنبياء أو الصالحين بناء على أنه رؤى في المنام هناك ، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل الصالح في المنام ببقعة لا يوجب لها فضيلة تقصد البقعة لأجلها ، وتتخذ مصلى ، بإجماع المسلمين . وإنما يفعل هذا وأمثاله أهل الكتاب ، وربما صور فيها صورة النبي أو الرجل الصالح أو بعض أعضائه ، مضاهاة لأهل الكتاب ، كما كان في بعض مساجد دمشق ، مسجد يسمى مسجد الكف ، فيه تمثال كف يقال : إنه كف علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، حتى هدم الله ذلك الوثن . وهذه الأمكنة كثيرة موجودة في أكثر البلاد .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي الحجاز مواضع ، كغار عن يمين الطريق وأنت ذاهب من بدر إلى مكة يقال : إنه الغار الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وإنه الغار الذي ذكره الله في قوله تعالى : { ثاني اثنين إذ هما في الغار } ، ولا خلاف بين أهل العلم أن الغار المذكور في القرآن إنما هو غار بجبل ثور ، قريب من مكة ، معروف عند أهل مكة إلى اليوم . فهذه البقاع التي يعتقد لها خصيصة -كائنة ما كانت-
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فإن تعظيم مكان لم يعظمه الشرع شر من تعظيم زمان لم يعظمه ، فإن تعظيم الأجسام بالعبادة عندها أقرب إلى عبادة الأوثان من تعظيم الزمان ، حتى إن الذي ينبغي تجنب الصلاة فيها ، وإن كان المصلي لا يقصد تعظيمها ، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى تخصيصها بالصلاة فيها ، كما ينهى عن الصلاة عند القبور المحققة ، وإن لم يكن المصلي يقصد الصلاة لأجلها . وكما ينهى عن إفراد الجمعة وسرر شعبان بالصوم ، وإن كان الصائم لا يقصد التخصيص بذلك الصوم ، فإن ما كان مقصودا بالتخصيص ، مع النهي عن ذلك ، ينهى عن تخصيصه أيضا بالفعل . وما أشبه هذه الأمكنة بمسجد الضرار الذي أسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم . فإن ذلك المسجد لما بني ضرارا وكفرا ، وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ، نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه ، وأمر بهدمه . وهذه المشاهد الباطلة إنما وضعت مضاهاة لبيوت الله ، وتعظيما لما لم يعظمه الله ، وعكوفا على أشياء لا تنفع ولا تضر ، وصدًا للخلق عن سبيل الله ، وهي عبادته وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واتخاذها عيدا هو الاجتماع عندها واعتياد قصدها ، فإن العيد من المعاودة . ويلتحق بهذا الضرب -لكنه ليس منه- مواضع يدعى لها خصائص لا تثبت ، مثل كثير من القبور التي يقال إنها قبر نبي ، أو قبر صالح ، أو مقام نبي ، أو صالح ، ونحو ذلك ، وقد يكون ذلك صدقا ، وقد يكون كذبا . وأكثر المشاهد التي على وجه الأرض من هذا الضرب . فإن القبور الصحيحة والمقامات الصحيحة قليلة جدا . وكان غير واحد من أهل العلم يقول : لا يثبت من قبور الأنبياء إلا قبر نبينا صلى الله عليه وسلم . وغيره قد يثبت غير هذا أيضا مثل قبر إبراهيم الخليل عليه السلام ، وقد يكون علم أن القبر في تلك الناحية لكن يقع الشك في عينه ، ككثير من قبور الصحابة التي بباب الصغير من دمشق ، فإن الأرض غيرت مرات ، فتعيين قبر أنه قبر بلال أو غيره لا يكاد يثبت ، إلا من طريق خاصة ، وإن كان لو ثبت ذلك لم يتعلق به حكم شرعي مما قد أحدث عندها .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولكن الغرض أن نبين هذا القسم الأول ، وهو تعظيم الأمكنة التي لا خصيصة لها : إما مع العلم بأنه لا خصيصة لها ، أو مع عدم العلم بأن لها خصيصة ، إذ العبادة والعمل بغير علم منهي عنه ، كما أن العبادة والعمل بما يخالف العلم منهي عنه ، ولو كان ضبط هذه الأمور من الدين لما أهمل ، ولما ضاع عن الأمة المحفوظ دينها ، المعصومة عن الخطأ . وأكثر ما تجد الحكايات المتعلقة بهذا عند السدنة والمجاورين لها الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله . وقد يحكي من الحكايات التي فيها تأثير ، مثل أن رجلا دعا عندها فاستجيب له ، أو نذر لها إن قضى الله حاجته فقضيت حاجته ، ونحو ذلك . وبمثل هذه الأمور كانت تعبد الأصنام فإن القوم كانوا أحيانا يخاطبون من الأوثان ، وربما تقضي حوائجهم إذا قصدوها ، وكذلك يجري لأهل الأبداد من أهل الهند وغيرهم . وربما قيست على ما شرع الله تعظيمه من بيته المحجوج ، والحجر الأسود الذي شرع الله استلامه وتقبيله ، كأنه يمينه ، والمساجد التي هي بيوته . وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس ، وبمثل هذه الشبهات حدث الشرك في أهل الأرض . وقد صح "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال : « إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل » ، فإذا كان نذر الطاعات المعلقة بشرط لا فائدة فيه ، ولا يأتي بخير ، فما الظن بالنذر لما لا يضر ولا ينفع؟ . وأما إجابة الدعاء ، فقد يكون سببه اضطرار الداعي وصدقه ، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له ، وقد يكون أمرا قضاه الله لا لأجل دعائه ، وقد يكون له أسباب أخرى ، وإن كانت فتنة في حق الداعي "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فإنا نعلم أن الكفار قد يستجاب لهم فيسقون ، وينصرون ويعانون ، ويرزقون ، مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها . وقد قال الله تعالى : { كلًا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورًا } ، وقال تعالى : { وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقًا } . وأسباب المقدورات فيها أمور يطول تعدادها ، ليس هذا موضع تفصيلها ، وإنما على الخلق اتباع ما بعث الله به المرسلين ، والعلم بأن فيه خير الدنيا والآخرة . ولعلي إن شاء الله أبين بعض أسباب هذه التأثيرات في موضع آخر .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: النوع الثاني من الأمكنة : ما له خصيصة لكن لا يقتضي اتخاذه عيدا ، ولا الصلاة ونحوها من العبادات عنده . فمن هذه الأمكنة : قبور الأنبياء والصالحين ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والسلف النهي عن اتخاذها عيدا ، عموما وخصوصا . وبينوا معنى العيد . فأما العموم : فقال أبو داود في سننه : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : قرأت على عبد الله بن نافع ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » " وهذا إسناد حسن ، فإن رواته كلهم ثقات مشاهير ، لكن عبد الله بن نافع الصائغ الفقيه المدني صاحب مالك فيه لين لا يقدح في حديثه . قال يحيى بن معين : هو ثقة . وحسبك بابن معين موثقا . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم الرازي : ليس بالحافظ ، وهو لين تعرف حفظه وتنكر . فإن هذه العبارات منهم تنزل حديثه من مرتبة الصحيح إلى مرتبة الحسن ، إذ لا خلاف في عدالته وفقهه ، وأن الغالب عليه الضبط ، لكن قد يغلط أحيانا ، ثم هذا الحديث مما يعرف من حفظه ، ليس مما ينكر ، لأنه سنة مدنية ، وهو محتاج إليها في فقهه ، ومثل هذا يضبطه الفقيه . وللحديث شواهد من غير طريقه ، فإن هذا الحديث روي من جهات أخرى فما بقي منكرا . وكل جملة من هذا الحديث رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد معروفة ، وإنما الغرض هنا النهي عن اتخاذه عيدا . فمن ذلك : ما رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا جعفر بن إبراهيم -من ولد ذي الجناحين- حدثنا علي بن عمر ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين : أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو . فنهاه ، فقال : ألا أحدثكم حديثا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا بيوتكم قبورا ، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم » رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ ، فيما اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين ، وشرطه فيه أحسن من شرط الحاكم في صحيحه .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى سعيد في سننه ، حدثنا حبان بن علي ، حدثني محمد بن عجلان ، عن أبي سعيد مولى المهري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تتخذوا بيتي عيدا ، ولا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي حيثما كنتم ، فإن صلاتكم تبلغني » . وقال سعيد : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال : رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر ، فناداني ، وهو في بيت فاطمة يتعشى . فقال : هلم إلى العشاء؟ فقلت لا أريده . فقال : ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت : سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إذا دخلت المسجد فسلم . ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تتخذوا بيتي عيدا ، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر ، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء. فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث ، لا سيما وقد احتج من أرسله به وذلك يقتضي ثبوته عنده ، ولو لم يكن روي من وجوه مسندة غير هذين . فكيف وقد تقدم مسندا؟ .
-
بيان حكم القائل لمن يقدم المدينة : سلم لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ووجه الدلالة : أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض ، وقد نهى عن اتخاذه عيدا . فقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان ، ثم إنه قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : « ولا تتخذوا بيوتكم قبورا » أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة ، فتكون بمنزلة القبور ، فأمر بتحري العبادة في البيوت ، ونهى عن تحريها عند القبور ، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم . وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ، ولا تتخذوها قبورا » .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه » ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أعقب النهي عن اتخاذه عيدًا بقوله : « صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم » ، وفي الحديث الآخر : « فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم » يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدًا . والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تعرض عليه كثيرة ، مثل ما روى أبو داود من حديث أبي صخر حميد بن زياد ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » صلى الله عليه وسلم . وهذا الحديث على شرط مسلم . ومثل ما روى أبو داود أيضا عن أوس بن أوس رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا : يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء » .
-
من فاتته صلاة الجماعة هل الأفضل له أن يصلي في المسجد أو يرجع ويصلي في بيته ؟
-
كيف يسمع ويرد النبي صلى الله عليه وسلم السلام على من سلم عليه ؟
-
من ذهب إلى زيارة القبور وهو يقرأ القرآن هل يقطع القراءة عند دخوله المقبرة ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومثل ما روى أبو داود أيضا عن أوس بن أوس رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا : يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء » . أرم أي صار رميما ، أي عظما باليا ، فإذا اتصلت به تاء الضمير فأفصح اللغتين أن يفك الإدغام فيقال : أرمت . وفيه لغة أخرى كما في الرواية : أرمت بتشديد الميم ، وقد يخفف ، فيقال : أرمت.
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي مسند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته » . رواه الدارقطني بمعناه . وفي النسائي وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام » إلى أحاديث أخر في هذا الباب متعددة . ثم إن أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنه ، نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم ، واستدل بالحديث ، وهو راوي الحديث الذي سمعه من أبيه الحسين ، عن جده علي ، واعلم بمعناه من غيره ؛ فبين أن قصده للدعاء ونحوه اتخاذ له عيدًا . وكذلك ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته ، كره أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند دخول المسجد ، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدًا . فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت ، الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار ، لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا لها أضبط .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والعيد إذا جعل اسمًا للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه ، وانتيابه للعبادة عنده ، أو لغير العبادة ، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة ، جعلها الله عيدًا ، مثابة للناس ، يجتمعون فيها ، وينتابونها ، للدعاء والذكر والنسك ، وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها . فلما جاء الإسلام محا الله ذلك كله . وهذا النوع من الأمكنة يدخل فيه قبور الأنبياء والصالحين والقبور التي يجوز أن تكون قبورًا لهم ، بتقدير كونها قبورًا لهم ، بل وسائر القبور أيضًا داخلة في هذا . فإن قبر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة ، إذ هو بيت المسلم الميت ، فلا يترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق ولا يوطأ ولا يداس ، ولا يتكأ عليه عندنا ، وعند جمهور العلماء ، ولا يجاور بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبيثة ، ويستحب عند إتيانه السلام على صاحبه ، والدعاء له ، وكلما كان الميت أفضل ، كان حقه أوكد .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ويستحب عند إتيانه السلام على صاحبه ، والدعاء له ، وكلما كان الميت أفضل ، كان حقه أوكد . قال بريدة بن الحصيب رضي الله عنه : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، أن يقول قائلهم : "السلام على أهل الديار" ، وفي لفظ : "السلام عليكم أهل الديار ، من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية » . رواه مسلم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى أيضًا عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون » . وروي أيضًا عن عائشة في حديث طويل "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن جبريل أتاني فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع ، فتستغفر لهم ، قالت : قلت : كيف أقول يا رسول الله؟ قال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون » " وروى ابن ماجه عن عائشة قالت : « فقدته فإذا هو بالبقيع ، فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم لنا فرط ، ونحن بكم لاحقون ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم » .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال : "السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم ، أنتم سلفنا ونحن بالأثر » رواه أحمد والترمذي وقال : "حديث حسن غريب" وقد ثبت عنه أنه بعد أحد بثمان سنين خرج إلى الشهداء ، فصلى عليهم كصلاته على الميت . وروى أبو داود ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت ، وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ». وقد روي حديث صححه ابن عبد البر أنه قال : « ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا ، فيسلم عليه ، إلا رد الله عليه روحه ، حتى يرد عليه السلام » . وروى في تلقين الميت بعد الدفن حديث فيه نظر ، لكن عمل به رجال من أهل الشام الأولين ، مع روايتهم له ، فلذلك استحبه أكثر أصحابنا وغيرهم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فهذا ونحوه مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ، ويأمر به أمته عند قبور المسلمين ، عقب الدفن ، وعند زيارتهم ، والمرور بهم ، إنما هو تحية للميت ، كما يحي الحي ودعاء له كما يدعى له ، إذا صلى عليه قبل الدفن أو بعده ، وفي ضمن الدعاء للميت ، دعاء الحي لنفسه ، ولسائر المسلمين ، كما أن الصلاة على الجنازة فيها الدعاء للمصلي ، ولسائر المسلمين ، وتخصيص الميت بالدعاء له ، فهذا كله ، وما كان مثله ، من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه السابقون الأولون ، هو المشروع للمسلمين في ذلك . وهو الذي كانوا يفعلونه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيره . وروى ابن بطة في الإبانة ، بإسناد صحيح ، عن معاذ بن معاذ ، حدثنا ابن عون ، قال : سأل رجل نافعًا فقال : هل كان ابن عمر يسلم على القبر ، فقال : نعم ، لقد رأيته مائة أو أكثر من مائة مرة ، كان يأتي القبر ، فيقوم عنده فيقول : "السلام على النبي ، السلام على أبي بكر ، السلام على أبي" . وفي رواية أخرى ، ذكرها الإمام أحمد محتجًا بها : "ثم ينصرف" ، وهذا الأثر رواه مالك في الموطأ .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وزيارة القبور جائزة في الجملة ، حتى قبور الكفار ، فإن في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال صلى الله عليه وسلم : « استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي » " . وفيه أيضًا عنه قال : « زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه ، فبكى وأبكى من حوله ، فقال : استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور ، فإنها تذكر الموت » . وفي صحيح مسلم ، عن بريدة ، " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " « نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها » . وفي رواية لأحمد والنسائي : « فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرًا » . وروى أحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنها تذكركم الآخرة » . فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارتها بعد النهي ، وعلل ذلك بأنها تذكر الموت ، والدار الآخرة ، وأذن إذنًا عامًا ، في زيارة قبر المسلم والكافر . والسبب الذي ورد عليه هذا اللفظ يوجب دخول الكافر ، والعلة -وهي تذكر الموت والآخرة- موجودة في ذلك كله . وقد كان صلى الله عليه وسلم يأتي قبور أهل البقيع والشهداء للدعاء لهم والاستغفار ، فهذا المعنى يختص بالمسلمين دون الكافرين . فهذه الزيارة وهي زيارة القبور ، لتذكر الآخرة ، أو لتحيتهم والدعاء لهم ، هو الذي جاءت به السنة ، كما تقدم .
-
هل يسمع الميت غير النبي صلى الله عليه وسلم السلام إذا سلم عليه ؟
-
ما حكم من يدعو لنفسه عند القبور بحجة أن القلب يرق عندها فيكون أقرب لأن يستجاب دعاءه ؟
-
سؤال: قول شيخ الإسلام " ولا يجاور بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبيثة " ما ضابط المجاورة للقبر ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد اختلف أصحابنا وغيرهم هل يجوز السفر لزيارتها؟ على قولين : أحدهما : لا يجوز ، والمسافرة لزيارتها معصية ، ولا يجوز قصر الصلاة فيها ، وهذا قول ابن بطة وابن عقيل ، وغيرهما ؛ لأن هذا السفر بدعة ، لم يكن في عصر السلف ، وهو مشتمل على ما سيأتي من معاني النهي ، ولأن في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا » .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهذا النهي يعم السفر إلى المساجد والمشاهد ، وكل مكان يقصد السفر إلى عينه للتقرب ، بدليل أن بصرة بن أبي بصرة الغفاري ، لما رأى أبا هريرة راجعًا من الطور الذي كلم الله عليه موسى قال : لو رأيتك قبل أن تأتيه لم تأته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد » . فقد فهم الصحابي الذي روى الحديث أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء ، مندرجة في العموم ، وأنه لا يجوز السفر إليها ، كما لا يجوز السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة . وأيضًا فإذا كان السفر إلى بيت من بيوت الله -غير الثلاثة- لا يجوز ، مع أن قصده لأهل مصره يجب تارة ، ويستحب أخرى ، وقد جاء في قصد المساجد من الفضل ما لا يحصى- فالسفر إلى بيوت عباده أولى أن لا يجوز . والوجه الثاني : أنه يجوز السفر إليها ، قاله طائفة من المتأخرين ، منهم أبو حامد الغزالي ، وأبو الحسن بن عبدوس الحراني ، والشيخ أبو محمد المقدسي . وما علمته منقولًا عن أحد من المتقدمين ، بناء على أن الحديث لم يتناول النهي عن ذلك ، كما لم يتناول النهي عن السفر إلى الأمكنة التي فيها الوالدان ، والعلماء والمشايخ ، والإخوان ، أو بعض المقاصد ، من الأمور الدنيوية المباحة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: "فأما ما سوى ذلك من المحدثات ، فأمور : منها - الصلاة عند القبور مطلقًا ، واتخاذها مساجد ، وبناء المساجد عليها ، فقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك ، والتغليظ فيه . فأما بناء المساجد على القبور فقد صرح عامة علماء الطوائف بالنهي عنه ، متابعة للأحاديث ، وصرح أصحابنا وغيرهم ، من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما بتحريمه ، ومن العلماء من أطلق فيه لفظ الكراهة . فما أدري عنى به التحريم ، أو التنزيه؟ولا ريب في القطع بتحريمه ، لما روى مسلم في صحيحه "عن جندب بن عبد الله البجلي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول : « إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلًا ، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا ، لاتخذت أبا بكر خليلًا ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك » .
-
تنبيه: وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه خليل الله أفضل من وصفه حبيب الله .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وعن عائشة رضي الله عنها ، وعبد الله بن عباس قالا : " لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها ، فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما صنعوا " أخرجه البخاري ومسلم . وأخرجا جميعًا عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . وفي رواية لمسلم : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " فقد نهى عن اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته ، ثم إنه لعن -وهو في السياق- من فعل ذلك من أهل الكتاب ، ليحذر أمته أن يفعلوا ذلك . قالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ولولا ذلك لأبرز قبره ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا . رواه البخاري ومسلم .
-
الجواب عن إشكال القبوريين: إن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بني على قبره فجاز غيره .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أشرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد " رواه أبو حاتم في صحيحه . وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . رواه الإمام أحمد . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي . وفي الباب أحاديث وآثار كثيرة ليس هذا موضع استقصائها .
-
سؤال: إذا قدم مسلمي أوربا للعمرة والحج فإنهم يمرون على المسجد الأقصى فهل يشرع لهم زيارة المسجد الأقصى ؟
-
ما حكم من جمع بين شد الرحل للمسجد وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين ، والملوك وغيرهم- يتعين إزالتها بهدم أو بغيره ، هذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين ، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه ، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب ، لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ، ولأحاديث أخر ، وليس في هذه المسألة خلاف لكون المدفون فيها واحدًا ، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد ، هل حدها ثلاثة أقبر ، أو ينهى عن الصلاة عند القبر الفذ وإن لم يكن عنده قبر آخر؟ على وجهين .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم يتغلظ النهي إن كانت البقعة مغصوبة ، مثل ما بني على بعض العلماء ، أو الصالحين ، أو غيرهم ممن كان مدفونًا في مقبرة مسبلة ، فبني على قبره مسجد ، أو مدرسة ، أو رباط ، أو مشهد ، وجعل فيه مطهرة ، أو لم يجعل فإن هذا مشتمل على أنواع من المحرمات . أحدها : أن المقبرة المسبلة لا يجوز الانتفاع بها في غير الدفن من غير تعويض بالاتفاق ، فبناء المسجد أو المدرسة أو الرباط فيها : كدفن الميت في المسجد ، أو كبناء الخانات ونحوها في المقبرة ، أو كبناء المسجد في الطريق الذي يحتاج الناس إلى المشي فيه . الثاني : اشتمال غالب ذلك على نبش قبور المسلمين ، وإخراج عظام موتاهم ، كما قد علم ذلك في كثير من هذه المواضيع .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الثاني : اشتمال غالب ذلك على نبش قبور المسلمين ، وإخراج عظام موتاهم ، كما قد علم ذلك في كثير من هذه المواضيع . الثالث : أنه قد روى مسلم في صحيحه عن جابر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : نهى أن يبنى على القبور " . الرابع : أن بناء المطاهر التي هي محل النجاسات ، بين مقابر المسلمين ، من أقبح ما تجاور به القبور ، لا سيما إن كان محل المطهرة قبر رجل مسلم . الخامس : اتخاذ القبور مساجد ، وقد تقدم بعض النصوص المحرمة لذلك . السادس : الإسراج على القبور وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك . السابع : مشابهة أهل الكتاب في كثير من الأقوال والأفعال والسنن بهذا السبب كما هو الواقع . إلى غير ذلك من الوجوه . وقد كانت البنية التي على قبر إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم مسدودة لا يدخل إليها إلى حدود المائة الرابعة ، فقيل : إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في ذلك منامًا فنقبت لذلك . وقيل : إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نقبوا ذلك . ثم ترك ذلك مسجدًا بعد الفتوح المتأخرة . وكان أهل الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية ، وينهون أصحابهم عن الصلاة فيها ، اتباعًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتقاء لمعصيته ، كما تقدم . وكذلك إيقاد المصابيح في هذه المشاهد مطلقًا ، لا يجوز بلا خلاف أعلمه ، للنهي الوارد ، ولا يجوز الوفاء بما ينذر لها من دهن وغيره ، بل موجبه موجب نذر المعصية .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن ذلك الصلاة عندها ، وإن لم يبن هناك مسجد ، فإن ذلك أيضًا اتخاذها مسجدًا ، كما قالت عائشة : " ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن خشي أن يتخذ مسجدًا " ، ولم تقصد عائشة رضي الله عنها مجرد بناء مسجد ، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا ، وإنما قصدت أنهم خشوا أن الناس يصلون عند قبره ، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا ، بل كل موضع يصلى فيه فإنه يسمى مسجدًا ، وإن لم يكن هناك بناء ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا " . وقد روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الأرض كلها مسجد ، إلا المقبرة والحمام " رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه والبزار ، وغيرهم بأسانيد جيدة ، ومن تكلم فيه فما استوفى طرقه . واعلم أن من الفقهاء من اعتقد أن سبب كراهة الصلاة في المقبرة ليس إلا كونها مظنة النجاسة ، لما يختلط بالتراب من صديد الموتى ، وبنى على هذا الاعتقاد الفرق بين المقبرة الجديدة والعتيقة ، وبين أن يكون بينه وبين التراب حائل ، أو لا يكون ونجاسة الأرض مانع من الصلاة عليها ، سواء كانت مقبرة أو لم تكن ، لكن المقصود الأكبر بالنهي عن الصلاة عند القبور ليس هو هذا . فإنه قد بين أن اليهود والنصارى كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وقال : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما فعلوا . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ، قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره ، ولكن كره أن يتخذ مسجدا وقال : " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهى عن ذلك " . فهذا كله يبين لك أن السبب ليس هو مظنة النجاسة وإنما هو مظنة اتخاذها أوثانا . كما قال الشافعي رضي الله عنه : " وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا ، مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس " ، وقد ذكر هذا المعنى أبو بكر الأثرم في (ناسخ الحديث ومنسوخه) ، وغيره من أصحاب أحمد وسائر العلماء فإن قبر النبي أو الرجل الصالح ، لم يكن ينبش ، والقبر الواحد لا نجاسة عليه . وقد نبيه هو صلى الله عليه وسلم على العلة بقوله : " "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد " وبقوله : " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فلا تتخذوها مساجد " وأولئك إنما كانوا يتخذون قبورا لا نجاسة عندها . ولأنه قد روى مسلم في صحيحه عن أبي مرثد الغنوي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصلوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها " . ولأنه صلى الله عليه وسلم قال : " كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك التصاوير ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " . فجمع بين التماثيل والقبور .
-
ذكرتم جوابا عن الأراضي المائية أن يدفن الميت في غرفة على سطح الأرض ، أليس الأولى من ذلك أن نقول يجعل في الأرض أسمنت مسلح ويدفن الميت فيه تحت الأرض ؟
-
الذي يظهر من فعل سدنة القبر أو الضريح أنهم يدعون الناس إلى زيارة القبر من أجل جمع الأموال فقط ، فهل يعذرون بهذا ؟
-
ما حكم من حفر قبرا في بيته وقال لأهله ادفنوني فيه إذا أنا مت ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأيضا فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك ، وقد ذكروا أن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح عليهما السلام . فروى محمد بن جرير بإسناده إلى الثوري عن موسى بن محمد بن قيس : "ويعوق ونسرا" قال : كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح عليهما السلام ، وكان لهم اتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم ، فصوروهم . فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم ، وبهم يسقون المطر ، فعبدوهم . قال قتادة وغيره : "كانت هذه الآلهة يعبدها قوم نوح ، ثم اتخذها العرب بعد ذلك" وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع هي أوقعت كثيرا من الأمم ، إما في الشرك الأكبر ، أو فيما دونه من الشرك ، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين ، وبتماثيل يزعمون أنها طلاسم للكواكب ، ونحو ذلك . فإن يشرك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه ، أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجر على تمثاله . ولهذا نجد أقواما كثيرين يتضرعون عندها ، ويخشعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في المسجد ، بل ولا في السحر ، ومنهم من يسجد لها ، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال . فهذه المفسدة -التي هي مفسدة الشرك ، كبيره وصغيره- هي التي حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها ، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا ، وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد الثلاثة ، ونحو ذلك كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها ؛ لأنها الأوقات التي يقصد المشركون بركة الصلاة للشمس فيها فينهى المسلم عن الصلاة حينئذ - وإن لم يقصد ذلك - سدا للذريعة . فأما إذا قصد الرجل الصلاة عند بعض قبور الأنبياء والصالحين، متبركا بالصلاة في تلك البقعة ، فهذا عين المحادة لله ورسوله ، والمخالفة لدينه ، وابتداع دين لم يأذن به الله ، فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أن الصلاة عند القبر - أي قبر كان - لا فضل فيها لذلك ، ولا للصلاة في تلك البقعة مزية خير أصلا ، بل مزية شر . واعلم أن تلك البقعة وإن كان قد تنزل عندها الملائكة والرحمة ، ولها شرف وفضل ، لكن دين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي عنه . فإن النصارى عظموا الأنبياء حتى عبدوهم ، وعبدوا تماثيلهم ، واليهود استخفوا بهم حتى قتلوهم ، والأمة الوسط عرفوا مقاديرهم ؛ فلم يغلوا فيهم غلو النصارى ، ولم يجفوا عنهم جفاء اليهود ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله " . فإذا قدر أن الصلاة هناك توجب من الرحمة أكثر من الصلاة في غير تلك البقعة كانت المفسدة الناشئة من الصلاة هناك تربي . على هذه. المصلحة حتى تغمرها أو تزيد عليها ، بحيث تصير الصلاة هناك مذهبة لتلك الرحمة ، ومثبتة لما يوجب العذاب ، ومن لم تكن له بصيرة يدرك بها الفساد الناشئ من الصلاة عندها فيكفيه أن يقلد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لولا أن الصلاة عندها مما غلبت مفسدته على مصلحته لما نهى عنه ، كما نهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة وعن صوم يومي العيدين بل كما حرم الخمر ، فإنه لولا أن فسادها غالب على ما فيها من المنفعة لما حرمها ، وكذلك تحريم القطرة منها ، ولولا غلبة الفساد فيها على الصلاح لما حرمها .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وليس على المؤمن ولا له أن يطالب الرسل بتبيين وجوه المصالح والمفاسد وإنما عليه طاعتهم . قال الله تعالى : { وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن الله } وقال : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وإنما حقوق الأنبياء في تعزيرهم وتوقيرهم ، ومحبتهم محبة مقدمة على النفس والأهل والمال وإيثار طاعتهم ومتابعة سنتهم ، ونحو ذلك من الحقوق التي من قام بها لم يقم بعبادتهم والإشراك بهم ، كما أن عامة من يشرك بهم شركا أكبر أو أصغر يترك ما يجب عليه من طاعتهم ، بقدر ما ابتدعه من الإشراك بهم . وكذلك حقوق الصديقين المحبة والإجلال ونحو ذلك من الحقوق التي جاء بها الكتاب والسنة وكان عليها سلف الأمة . وقد اختلف الفقهاء في الصلاة في المقبرة : هل هي محرمة أو مكروهة؟ وإذا قيل : هي محرمة ، فهل تصح مع التحريم أم لا ؟ المشهور عندنا أنها محرمة لا تصح ومن تأمل النصوص المتقدمة تبين له أنها محرمة بلا شك ، وأن صلاته لا تصح .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وليس الغرض هنا تقرير المسائل المشهورة فإنها معروفة ، إنما الغرض التنبيه على ما يخفى من غيرها . فمما يدخل في هذا : قصد القبور للدعاء عندها أو بها . فإن الدعاء عند القبور وغيرها من الأماكن ينقسم إلى نوعين : أحدهما : أن يحصل الدعاء في البقعة بحكم الاتفاق ، لا لقصد الدعاء فيها ، كمن يدعو الله في طريقه ، ويتفق أن يمر بالقبور أو كمن يزورها فيسلم عليها ، ويسأل الله العافية له وللموتى ، كما جاءت به السنة ، فهذا ونحوه لا بأس به . الثاني : أن يتحرى الدعاء عندها بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه في غيره فهذا النوع منهي عنه إما نهي تحريم أو تنزيه وهو إلى تحريم أقرب ، والفرق بين البابين ظاهر فإن الرجل لو كان يدعو الله ، واجتاز في ممره بصنم أو صليب أو كنيسة ، أو كان يدعو في بقعة وهناك صليب هو عنه ذاهل ، أو دخل كنيسة ليبيت فيها مبيتا جائزا ، ودعا الله في الليل ، أو بات في بيت بعض أصدقائه ودعا الله ، لم يكن بهذا بأس . ولو تحرى الدعاء عند صنم أو صليب ، أو كنيسة ، يرجو الإجابة بالدعاء في تلك البقعة ، لكان هذا من العظائم . بل لو قصد بيتا أو حانوتا في السوق ، أو بعض عواميد الطرقات يدعو عندها ، يرجو الإجابة بالدعاء عندها لكان هذا من المنكرات المحرمة ؛ إذ ليس للدعاء عندها فضل . فقصد القبور للدعاء عندها من هذا الباب بل هو أشد من بعضه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذها مساجد ، واتخاذها عيدا ، وعن الصلاة عندها ، بخلاف كثير من هذه المواضع .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وما يرويه بعض الناس من أنه قال : " إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا بأهل القبور " ، أو نحو هذا ، فهو كلام موضوع مكذوب باتفاق العلماء والذي يبين ذلك أمور : أحدها : أنه قد تبين أن العلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم لأجلها عن الصلاة عندها إنما هو لئلا تتخذ ذريعة إلى نوع من الشرك بالعكوف عليها وتعلق القلوب بها رغبة ورهبة . ومن المعلوم أن المضطر في الدعاء الذي قد نزلت به نازلة فيدعو لاستجلاب خير كالاستسقاء ، أو لرفع شر كالاستنصار ، حاله في افتتانه بالقبور - إذا رجا الإجابة عندها - أعظم من حال من يؤدي الفرض عندها في حال العافية ، فإن أكثر المصلين - في حال العافية - لا تكاد قلوبهم تفتن بذلك إلا قليلا ، أما الداعون المضطرون ففتنتهم بذلك عظيمة جدا ، فإذا كانت المفسدة والفتنة التي لأجلها نهي عن الصلاة متحققة في حال هؤلاء ، كان نهيهم عن ذلك أوكد وأوكد . وهذا واضح لمن فقه في دين الله ، وتبين له ما جاءت به الحنفية من الدين الخالص لله ، وعلم كمال سنة إمام المتقين في تجريد التوحيد ، ونفي الشرك بكل طريق .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الثاني: أن قصد القبور للدعاء عندها ، ورجاء الإجابة بالدعاء هنالك رجاء أكثر من رجائها بالدعاء في غير ذلك الموطن ، أمر لم يشرعه الله ولا رسوله ولا فعله أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولا أئمة المسلمين ولا ذكره أحد من العلماء ولا الصالحين المتقدمين ، بل أكثر ما ينقل من ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية . وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرات ، ودهمتهم نوائب غير ذلك ، فهلا جاءوا فاستسقوا واستغاثوا ، عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ بل خرج عمر بالعباس فاستسقى به ولم يستسق عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " بل قد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كشفت عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لينزل المطر ، فإنه رحمة تنزل على قبره ولم تستسق عنده ولا استغاثت هناك . ولهذا لما بنيت حجرته على عهد التابعين - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم تركوا في أعلاها كوة إلى السماء وهي إلى الآن باقية فيها ، موضوع عليها مشمع على أطرافه حجارة تمسكه ، وكان السقف بارزا إلى السماء وبني كذلك لما احترق المسجد والمنبر سنة بضع وخمسين وستمائة ، وظهرت النار بأرض الحجاز ، التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى ، وجرت بعدها فتنة الترك ببغداد وغيرها . ثم عمر المسجد والسقف كما كان ، وأحدث حول الحجرة الحائط الخشبي ، ثم بعد ذلك بسنين متعددة بنيت القبة على السقف ، وأنكره من كرهه . على أنا قد روينا في مغازي محمد بن إسحاق من زيادات يونس بن بكير، عن أبي خلدة خالد بن دينار ، حدثنا أبو العالية قال : " لما فتحنا تستر ، وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت ، عند رأسه مصحف له ، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر رضي الله عنه فدعا له كعبا فنسخه بالعربية ، فأنا أول رجل من العرب قرأه قراءة مثلما أقرأ القرآن هذا ، فقلت لأبي العالية : ما كان فيه ؟ ، قال : " سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم ، وما هو كائن بعد " قلت : فما صنعتم بالرجل ؟ قال : " حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرا متفرقة ، فلما كان بالليل دفناه ، وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه " فقلت : ما يرجون منه ؟ قال : " كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون " . فقلت : من كنتم تظنون الرجل؟ قال : " رجل يقال له دانيال " فقلت : منذ كم وجدتموه مات؟ قال : " منذ ثلاثمائة سنة " . قلت : ما كان تغير منه شيء؟ قال : " لا ، إلا شعيرات من قفاه ، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ، ولا تأكلها السباع " . ففي هذه القصة : ما فعله المهاجرون والأنصار من تعمية قبره ، لئلا يفتتن به الناس ، وهو إنكار منهم لذلك
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ويذكر أن قبر أبي أيوب الأنصاري عند أهل القسطنطينية كذلك ، ولا قدوة بهم ، فقد كان من قبور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمصار عدد كثير ، وعندهم التابعون ، ومن بعدهم من الأئمة ، وما استغاثوا عند قبر صاحب قط ، ولا استسقوا عند قبره ولا به ، ولا استنصروا عنده ولا به . ومن المعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ، بل على نقل ما هو دونه . ومن تأمل كتب الآثار، وعرف حال السلف ، تيقن قطعا أن القوم ما كانوا يستغيثون عند القبور ، ولا يتحرون الدعاء عندها أصلا ، بل كانوا ينهون عن ذلك من كان يفعله من جهالهم . كما قد ذكرنا بعضه . فلا يخلو: إما أن يكون الدعاء عندها أفضل منه في غير تلك البقعة ، أو لا يكون . فإن كان أفضل لم يجز أن يخفى علم هذا عن الصحابة والتابعين وتابعيهم ؛ فتكون القرون الثلاثة الفاضلة جاهلة بهذا الفضل العظيم ، ويعلمه من بعدهم . ولم يجز أن يعلموا ما فيه من الفضل العظيم ويزهدوا فيه ، مع حرصهم على كل خير ، لا سيما الدعاء ، فإن المضطر يتشبث بكل سبب ، وإن كان فيه نوع كراهة ، فكيف يكونون مضطرين في كثير من الدعاء ، وهم يعلمون فضل الدعاء عند القبور ، ثم لا يقصدونه ؟ هذا محال طبعا وشرعا . وإن لم يكن الدعاء عندها أفضل ، كان قصد الدعاء عندها ضلالة ومعصية ، كما لو تحرى الدعاء وقصده عند سائر البقاع التي لا فضيلة للدعاء عندها ، من شطوط الأنهار ، ومغارس الأشجار وحوانيت الأسواق ، وجوانب الطرقات ، وما لا يحصي عدده إلا الله .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهذا الدليل قد دل عليه كتاب الله في غير موضع ، مثل قوله تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } فإذا لم يشرع الله استحباب الدعاء عند المقابر ولا وجوبه ؛ فمن شرعه فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله وقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } وهذه العبادة عند المقابر نوع من أن يشرك بالله ما لم ينزل به سلطانًا ، لأن الله لم ينزل حجة تتضمن استحباب قصد الدعاء عند القبور وفضله على غيره . ومن جعل ذلك من دين الله فقد قال على الله ما لا يعلم . وما أحسن قوله تعالى : { ما لم ينزل به سلطانًا } لئلا يحتج بالمقاييس والحكايات . ومثل هذا قوله تعالى في حكايته عن الخليل : { وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئًا وسع ربي كل شيءٍ علمًا أفلا تتذكرون. وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون. وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ من نشاء إن ربك حكيمٌ عليمٌ } . فإن هؤلاء المشركين الشرك الأكبر والأصغر يخوفون المخلصين بشفعائهم ، فيقال لهم : نحن لا نخاف هؤلاء الشفعاء الذين لكم ، فإنهم خلق من خلق الله ، لا يضرون إلا بعد مشيئة الله ، فمن مسه بضر فلا كاشف له إلا هو ، ومن أصابه برحمة فلا راد لفضله وكيف نخاف هؤلاء المخلوقين الذين جعلتموهم شفعاء وأنتم لا تخافون الله ، وقد أحدثتم في دينه من الشرك ما لم ينزل به وحيا من السماء ؟! فأي الفريقين أحق بالأمن؟ من كان لا يخاف إلا الله ، ولم يبتدع في دينه شركاء ، أم من ابتدع في دينه شركا بغير إذنه؟ بل من آمن ولم يخلط إيمانه بشرك فهؤلاء من المهتدين . وهذه الحجة المستقيمة التي يرفع الله بها وبأمثالها أهل العلم .
-
ما صحة أثر عائشة أنها كانت تكشف عن القبر من أجل أن ينزل عليه المطر ؟
-
ألا ينبغي السكوت عن مسألة البناء على القبور لأنها غير معروفة عند العامة لأن ذكرها قد يؤدي إلى التعريف بهذا المنكر ؟
-
ما ردكم على من يقول أن النفع بالقبور ثبت بالحس كما ثبت النفع بالأدوية بالحس لا بالنص ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فإن قيل : فقد نقل عن بعضهم أنه قال : " قبر معروف : الترياق المجرب ، وروي عن معروف أنه أوصى ابن أخيه أن يدعو عند قبره . وذكر أبو علي الخرقي في قصص من هجره أحمد ، أن بعض هؤلاء المهجورين كان يجيء عند قبر أحمد ، ويتوخى الدعاء عنده ، وأظنه ذكر ذلك للمروذي ، ونقل عن جماعات أنهم دعوا عند قبور جماعات من الأنبياء والصالحين ، من أهل البيت وغيرهم ، فاستجيب لهم الدعاء ، وعلى هذا عمل كثير من الناس . وقد ذكر العلماء المصنفون في مناسك الحج إذا زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يدعو عنده ، وذكر بعضهم أنه من صلى عليه سبعين مرة عند قبره ودعا استجيب له . وذكر بعض الفقهاء في حجة من يجوز القراءة على القبر : أنها بقعة يجوز السلام والذكر والدعاء عندها ، فجازت القراءة كغيرها . وقد رأى بعضهم منامات في الدعاء عند قبر بعض الأشياخ ، وجرب أقوام استجابة الدعاء عند قبور معروفة ، كقبر الشيخ أبي الفرج الشيرازي المقدسي ، وغيره . وقد أدركنا في أزماننا وما قاربها من ذوي الفضل علما وعملا من كان يتحرى الدعاء عندها أو العكوف عليها ، وفيهم من كان بارعا في العلم ، وفيهم من كان له كرامات ، فكيف يخالف هؤلاء؟ وإنما ذكرت هذا السؤال مع بعده عن طريق العلم والدين ، لأنه غاية ما يتمسك به المقبريون . قلنا : الذي ذكرنا كراهته ، لا ينقل في استحبابه - فيما علمناه - شيء ثابت ، عن القرون الثلاثة التي أثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليها حيث قال : " خير أمتي القرن الذي بعثت فيه ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " مع شدة المقتضي فيهم لذلك لو كان فيه فضيلة ، فعدم أمرهم وفعلهم لذلك مع قوة المقتضي لو كان فيه فضل يوجب القطع بأن لا فضل فيه . وأما من بعد هؤلاء ، فأكثر ما يفرض : أن الأمة اختلفت ، فصار كثير من العلماء أو الصديقين إلى فعل ذلك ، وصار بعضهم إلى النهي عن ذلك ، فإنه لا يمكن أن يقال : قد أجمعت الأمة على استحسان ذلك لوجهين : أحدهما : أن كثيرا من الأمة كره ذلك وأنكره ، قديما وحديثا . الثاني : أنه من الممتنع أن تتفق الأمة على استحسان فعل لو كان حسنا لفعله المتقدمون ، ولم يفعلوه ، فإن هذا من باب تناقض الإجماعات ، وهي لا تتناقض
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وإذا اختلف فيه المتأخرون فالفاصل بينهم : هو الكتاب والسنة ، وإجماع المتقدمين نصا واستنباطا ، فكيف - والحمد لله - لا ينقل هذا عن إمام معروف ، ولا عالم متبع ؟ بل المنقول في ذلك إما أن يكون كذبا على صاحبه ، مثل ما حكى بعضهم عن الشافعي أنه قال : " إني إذا نزلت بي شدة أجيء فأدعو عند قبر أبي حنيفة فأجاب " أو كلاما هذا معناه . وهذا كذلك معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل ، فإن الشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة ، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا ، وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين ، من كان أصحابها عنده وعند المسلمين ، أفضل من أبي حنيفة ، وأمثاله من العلماء . فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده ؟ ثم أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه ، مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد وطبقتهم ، لم يكونوا يتحرون الدعاء ، لا عند قبر أبي حنيفة ولا غيره . ثم قد تقدم عند الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها ، وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه . وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف ، ونحن لو روي لنا مثل هذه الحكايات المسيبة أحاديث عمن لا ينطق عن الهوى ، لما جاز التمسك بها حتى تثبت . فكيف بالمنقول عن غيره ؟ ومنها ما قد يكون صاحبه قاله أو فعله ، باجتهاد يخطئ ويصيب ، أو قاله بقيود وشروط كثيرة على وجه لا محذور فيه ، فحرف النقل عنه ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في زيارة القبور بعد النهي فهم المبطلون أن ذلك هو الزيارة التي يفعلونها ، من حجها للصلاة عندها ، والاستغاثة بها . ثم سائر هذه الحجج دائرة بين نقل لا يجوز إثبات الشرع به ، أو قياس لا يجوز استحباب العبادات بمثله ، مع العلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشرعها ، وتركه مع قيام المقتضي للفعل بمنزلة فعله ، وإنما يثبت العبادات بمثل هذه الحكايات والمقاييس - من غير نقل عن الأنبياء - النصارى وأمثالهم . وإنما المتبع في إثبات أحكام الله : كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسبيل السابقين أو الأولين ، لا يجوز إثبات حكم شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة ، نصا أو استنباطا بحال .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والجواب عنها من وجهين : مجمل ومفصل . أما المجمل : فالنقض : فإن اليهود والنصارى عندهم من الحكايات والقياسات من هذا النمط كثير ، بل المشركون الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون عند أوثانهم فيستجاب لهم أحيانا ، كما قد يستجاب لهؤلاء أحيانا ، وفي وقتنا هذا عند النصارى من هذا طائفة ، فإن كان هذا وحده دليلا على أن الله يرضى ذلك ويحبه ، فليطرد الدليل . وذلك كفر متناقض . ثم إنك تجد كثيرا من هؤلاء الذين يستغيثون ، عند قبر أو غيره ، كل منهم قد اتخذ وثنا أحسن به الظن ، وأساء الظن بآخر ، وكل منهم يزعم أن وثنه يستجاب عنده ، ولا يستجاب عند غيره ، فمن المحال إصابتهم جميعا ، وموافقة بعضهم دون بعض تحكم ، وترجيح بلا مرجح ، والتدين بدينهم جميعا جمع بين الأضداد . فإن أكثر هؤلاء إنما يكون تأثرهم - فيما يزعمون - بقدر إقبالهم على وثنهم ، وانصرافهم عن غيره ، وموافقتهم جميعا فيما يثبتونه - دون ما ينفونه - ، بضعف التأثير على زعمهم ، فإن الواحد إذا أحسن الظن بالإجابة عند هذا وهذا ، لم يكن تأثره مثل تأثر الحسن الظن بواحد دون آخر . وهذه كلها من خصائص الأوثان . ثم قد استجيب لبلعم بن باعور في قوم موسى المؤمنين وسلبه الله الإيمان . والمشركون قد يستسقون فيسقون ، ويستنصرون فينصرون .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الجواب المفصل فنقول : مدار هذه الشبه على أصلين : منقول : وهو ما يحكى من فعل هذا الدعاء عن بعض الأعيان . ومعقول : وهو ما يعتقد من منفعته بالتجارب والأقيسة . فأما النقل في ذلك : فإما كذب ، أو غلط ، أو ليس بحجة ، بل قد ذكرنا النقل عمن يقتدى به بخلاف ذلك . وأما المعقول فنقول : عامة المذكور من المنافع كذب ، فإن هؤلاء الذين يتحرون الدعاء عند القبور وأمثالهم - إنما يستجاب لهم في النادر . ويدعو الرجل منهم ما شاء الله من دعوات ، فيستجاب له في واحدة ، ويدعو خلق كثير منهم ، فيستجاب للواحد بعد الواحد وأين هذا من الذين يتحرون الدعاء أوقات الأسحار ، ويدعون الله في سجودهم وأدبار صلاتهم ، وفي بيوت الله؟ فإن هؤلاء إذا ابتهلوا من جنس ابتهال المقابريين لم تكد تسقط لهم دعوة إلا لمانع .
-
هل يوجد قبر نبي معروف غير قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟
-
ما يفعله القبوريون عند القبور هل هي من البدع العملية أم العلمية ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الجواب المفصل فنقول : مدار هذه الشبه على أصلين: منقول : وهو ما يحكى من فعل هذا الدعاء عن بعض الأعيان . ومعقول : وهو ما يعتقد من منفعته بالتجارب والأقيسة . فأما النقل في ذلك : فإما كذب ، أو غلط ، أو ليس بحجة ، بل قد ذكرنا النقل عمن يقتدى به بخلاف ذلك . وأما المعقول فنقول : عامة المذكور من المنافع كذب ، فإن هؤلاء الذين يتحرون الدعاء عند القبور وأمثالهم - إنما يستجاب لهم في النادر . ويدعو الرجل منهم ما شاء الله من دعوات ، فيستجاب له في واحدة ، ويدعو خلق كثير منهم ، فيستجاب للواحد بعد الواحد وأين هذا من الذين يتحرون الدعاء أوقات الأسحار ، ويدعون الله في سجودهم وأدبار صلاتهم ، وفي بيوت الله؟ فإن هؤلاء إذا ابتهلوا من جنس ابتهال المقابريين لم تكد تسقط لهم دعوة إلا لمانع . بل الواقع أن الابتهال الذي يفعله المقابريون إذا فعله المخلصون ، لم يرد المخلصون إلا نادرا ، ولم يستجب للمقابريين إلا نادرا، والمخلصون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث : إما أن يعجل الله له دعوته ، أو يدخر له من الخير مثلها ، أو يصرف عنه من الشر مثلها ، قالوا : يا رسول الله ، إذن نكثر . قال : الله أكثر " . فهم في دعائهم لا يزالون بخير . وأما المقبريون : فإنهم إذا استجيب لهم نادرا ، فإن أحدهم يضعف توحيده ، ويقل نصيبه من ربه ، ولا يجد في قلبه من ذوق الإيمان وحلاوته ما كان يجده السابقون الأولون . ولعله لا يكاد يبارك له في حاجته ، اللهم إلا أن يعفو الله عنهم لعدم علمهم بأن ذلك بدعة ، فإن المجتهد إذا أخطأ أثابه الله على اجتهاده ، وغفر له خطأه .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وجميع الأمور التي يظن أن لها تأثيرا في العالم وهي محرمة في الشرع ، كالتمريجات الفلكية ، والتوجهات النفسانية . كالعين ، والدعاء المحرم ، والرقى المحرمة ، أو التمريجات الطبيعية . ونحو ذلك ، فإن مضرتها أكثر من منفعتها حتى في نفس ذلك المطلوب ، فإن هذه الأمور لا يطلب بها غالبا إلا أمور دنيوية ، فقل أن يحصل لأحد بسببها أمر دنيوي إلا كانت عاقبته فيه في الدنيا عاقبة خبيثة . دع الآخرة . والمخفق من أهل هذه الأسباب أضعاف أضعاف المنجح ، ثم إن فيها من النكد والضرر ما الله به عليم . فهي في نفسها مضرة ولا يكاد يحصل الغرض بها إلا نادرا وإذا حصل فضرره أكثر من نفعه . والأسباب المشروعة في حصول هذه المطالب ، المباحة أو المستحبة سواء كانت طبيعية : كالتجارة والحراثة ، أو كانت دينية : كالتوكل على الله والثقة به ، وكدعاء الله سبحانه على الوجه المشروع ، في الأمكنة والأزمنة التي فضلها الله ورسوله ، بالكلمات المأثورة عن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم ، وكالصدقة ، وفعل المعروف ، يحصل بها الخير المحض أو الغالب . وما يحصل من ضرر بفعل مشروع ، أو ترك غير مشروع مما نهي عنه ، فإن ذلك الضرر مكثور في جانب ما يحصل من المنفعة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهذا الأمر ، كما أنه قد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع ، فهو أيضا معقول بالتجارب المشهورة والأقيسة الصحيحة ، فإن الصلاة والزكاة يحصل بهما خير الدنيا والآخرة ، ويجلبان كل خير ، ويدفعان كل شر . فهذا الكلام في بيان أنه لا يحصل بتلك الأسباب المحرمة لا خير محض ، ولا غالب ، ومن كان له خبرة بأحوال العالم وعقل ، تيقن ذلك يقينا لا شك فيه . وإذا ثبت ذلك : فليس علينا من سبب التأثير أحيانا ، فإن الأسباب التي يخلق الله بها الحوادث في الأرض والسماء ، لا يحصيها على الحقيقة إلا هو ، أما أعيانها فبلا ريب - وكذلك أنواعها أيضا - لا يضبطها المخلوق لسعة ملكوت الله سبحانه وتعالى ، ولهذا كانت طريقة الأنبياء عليهم السلام ، أنهم يأمرون الخلق بما فيه صلاحهم ، وينهونهم عما فيه فسادهم ، ولا يشغلونهم بالكلام في أسباب الكائنات كما تفعل المتفلسفة ، فإن ذلك كثير التعب ، قليل الفائدة ، أو موجب للضرر . ومثال النبي مثال طبيب دخل على مريض ، فرأى مرضه فعلمه ، فقال له : اشرب كذا ، واجتنب كذا . ففعل ذلك ، فحصل غرضه من الشفاء . والمتفلسف قد يطول معه الكلام في سبب ذلك المرض ، وصفته ، وذمه وذم ما أوجبه . ولو قال له المريض : فما الذي يشفيني منه؟ لم يكن له بذلك علم تام . والكلام في بيان تأثير بعض هذه الأسباب قد يكون فيه فتنة لمن ضعف عقله ودينه ، بحيث تختطف عقله فيتأله ، إذا لم يرزق من العلم والإيمان ما يوجب له الهدى واليقين . ويكفي العاقل أن يعلم أن ما سوى المشروع لا يؤثر بحال ، فلا منفعة فيه ، أو أنه وإن أثر فضرره أكثر من نفعه .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة : أن الرجل منهم قد يكون مضطرًا ضرورة لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له ، لصدق توجهه إلى الله ، وإن كان تحري الدعاء عند الوثن شركا . ولو استجيب له على يد المتوسل به ، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته ، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي به في النار إذا لم يعف الله عنه ، كما لو طلب من الله ما يكون فتنة له . كما أن ثعلبة لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بكثرة المال ، ونهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرة بعد مرة فلم ينته حتى دعا له ، وكان ذلك سبب شقائه في الدنيا والآخرة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليسألني المسألة فأعطيه إياها ، فيخرج بها يتأبطها نارا " ، فقالوا : يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال : " يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل " . فكم من عبد دعا دعاء غير مباح ، فقضيت حاجته في ذلك الدعاء ، وكان سبب هلاكه في الدنيا والآخرة ، تارة بأن يسأل ما لا تصلح له مسألته ، كما فعل بلعام وثعلبة ، وكخلق كثير دعوا بأشياء فحصلت لهم ، وكان فيها هلاكهم . وتارة بأن يسأل على الوجه الذي لا يحبه الله كما قال سبحانه : { ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً إنه لا يحب المعتدين } فهو سبحانه لا يحب المعتدين في صفة الدعاء ، ولا في المسؤول ، وإن كانت حاجتهم قد تقضى ، كأقوام ناجوا الله في دعواتهم بمناجاة فيها جرأة على الله ، واعتداء لحدوده ، وأعطوا طلبتهم فتنة ، ولما يشاء سبحانه ، بل أشد من ذلك . ألست ترى السحر والطلسمات والعين وغير ذلك ، من المؤثرات في العالم بإذن الله ، قد يقضى بها كثير من أغراض النفوس ومع هذا فقد قال سبحانه : { ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبةٌ من عند الله خيرٌ لو كانوا يعلمون } .
-
قال شيخ الإسلام : أن الإنسان إذا أخطأ أثابه الله ، فهل يجوز الإجتهاد في هذه المسائل ؟
-
ما معنى قول المصنف: " ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة : أن الرجل منهم قد يكون مضطرًا ضرورة لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له ، لصدق توجهه إلى الله ، وإن كان تحري الدعاء عند الوثن شركا ". ؟
-
ما معنى قول المصنف: " فهو سبحانه لا يحب المعتدين في صفة الدعاء ، ولا في المسؤول ، وإن كانت حاجتهم قد تقضى ، كأقوام ناجوا الله في دعواتهم بمناجاة فيها جرأة على الله ، واعتداء لحدوده ، وأعطوا طلبتهم فتنة ، ولما يشاء سبحانه ، بل أشد من ذلك ". ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك أنواع من الداعين والسائلين قد يدعون دعاء محرما ، يحصل معه ذلك الغرض ، ويورثهم ضررا أعظم منه ، وقد يكون الدعاء مكروها ويستجاب له أيضا . ثم هذا التحريم والكراهة قد يعلمه الداعي ، وقد لا يعلمه ، على وجه لا يعذر فيه بتقصير في طلب العلم ، أو ترك للحق ، وقد لا يعلمه على وجه يعذر فيه ، بأن يكون فيه مجتهدًا ، أو مقلدا ، كالمجتهد والمقلد اللذين يعذران في سائر الأعمال ، وغير المعذور قد يتجاوز عنه في ذلك الدعاء ؛ لكثرة حسناته وصدق قصده ، أو لمحض رحمة الله به ، أو نحو ذلك من الأسباب . فالحاصل : أن ما يقع من الدعاء المشتمل على كراهة شرعية ، بمنزلة سائر أنواع العبادات . وقد علم أن العبادة المشتملة على وصف مكروه قد تغفر تلك الكراهة لصاحبها ، لاجتهاده أو تقليده ، أو حسناته أو غير ذلك . ثم ذلك لا يمنع أن يعلم أن ذلك مكروه ينهى عنه ، وإن كان هذا الفاعل المعين قد زال موجب الكراهة في حقه . ومن هنا يغلط كثير من الناس ، فإنهم يبلغهم أن بعض الأعيان من الصالحين عبدوا عبادة ، أو دعوا دعاء ، ووجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدعاء ، فيجعلون ذلك دليلا على استحسان تلك العبادة والدعاء ، ويجعلون ذلك العمل سنة ، كأنه قد فعله نبي ، وهذا غلط ، لما ذكرناه . خصوصا إذا كان ذلك العمل إنما كان أثره بصدق قام بقلب فاعله حين الفعل ، ثم يفعله الأتباع صورة لا صدقا ، فيضرون به ، لأنه ليس العمل مشروعا فيكون لهم ثواب المتبعين ، ولا قام بهم صدق ذلك الفاعل الذي لعله بصدق الطلب وصحة القصد يكفر عن الفاعل .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن هذا الباب ما يحكى من آثار لبعض الشيوخ ، حصلت في السماع المبتدع ، فإن تلك الآثار ، إنما كانت عن أحوال قامت بقلوب أولئك الرجال ، حركها محرك كانوا في سماعه إما مجتهدين ، وإما مقصرين تقصيرا غمره حسنات قصدهم ، فيأخذ الأتباع حضور صورة السماع وليس حضور أولئك الرجال سنة تتبع ، ولا مع المقتدين من الصدق والقصد ما لأجله عذروا ، أو غفر لهم ، فيهلكون بذلك . وكما يحكى عن بعض الشيوخ ، أنه رئي بعد موته ، فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : أوقفني بين يديه وقال لي : يا شيخ السوء ، أنت الذي كنت تتمثل بسعدى ولبنى؟ لولا أني أعلم أنك صادق لعذبتك . فإذا سمعت دعاء ، أو مناجاة مكروهة في الشرع قد قضيت حاجة صاحبها فكثير ما يكون من هذا الباب . ولهذا كان الأئمة ، العلماء بشريعة الله ، يكرهون هذا من أصحابهم وإن وجد أصحابهم أثره ، كما يحكى عن سمنون المحب قال : وقع في قلبي شيء من هذه الآيات فجئت إلى دجلة . فقلت : وعزتك لا أذهب حتى يخرج لي حوت . فخرج حوت عظيم ، أو كما قال . قال : فبلغ ذلك الجنيد ، فقال : كنت أحب أن تخرج إليه حية فتقتله . وكذلك حكي لنا أن بعض المجاورين بالمدينة، جاء إلى عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاشتهى عليه نوعا من الأطعمة، فجاء بعض الهاشميين إليه، فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لك ذلك ، وقال لك : اخرج من عندنا، فإن من يكون عندنا لا يشتهي مثل هذا . وآخرون قضيت حوائجهم ، ولم يقل لهم مثل هذا ، لاجتهادهم أو تقليدهم، أو قصورهم في العلم ، فإنه يغفر للجاهل ما لا يغفر لغيره ، كما يحكى عن برخ العابد ، الذي استسقى في بني إسرائيل . ولهذا عامة ما يحكى في هذا الباب ، إنما هو عن قاصري المعرفة ، ولو كان هذا شرعا ودينا لكان أهل المعرفة أولى به . ولا يقال : هؤلاء لما نقصت معرفتهم ساغ لهم ذلك ، فإن الله لم يسوغ هذا لأحد ، لكن قصور المعرفة قد يرجى معه العفو والمغفرة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " أما استحباب المكروهات ، أو إباحة المحرمات ، فلا ، ففرق بين العفو عن الفاعل والمغفرة له ، وبين إباحة فعله أو المحبة له ، سواء كان ذلك متعلقا بنفس الفعل ، أو ببعض صفاته .
-
هل من هذا القبيل ما تفعله بعض الجماعات من العمل بالأحاديث الضعيفة ؟
-
الأحوال التي تحصل لبعض الصوفية كيف نفرق بين كونها من الله أو أحوال شيطانية ؟
-
الأحوال التي تحصل لبعض الصوفية كيف نفرق بين كونها من الله أو أحوال شيطانية ؟
-
إذا كان الرجل مبتدعا ثم تبين له الحق هل يترك جماعته أم يبقى معهم يناصحهم ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد علمت جماعة ممن سأل حاجته من بعض المقبورين من الأنبياء والصالحين . فقضيت حاجته ، وهو لا يخرج عما ذكرته ، وليس ذلك بشرع فيتبع ، ولا سنة وإنما يثبت استحباب الأفعال واتخاذها دينا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه السابقون الأولون ، وما سوى هذه من الأمور المحدثة فلا يستحب ، وإن اشتملت أحيانا على فوائد ، لأنا نعلم أن مفاسدها راجحة على فوائدها . ثم هذا التحريم أو الكراهة المقترنة بالأدعية المكروهة ، إما من جهة المطلوب ، وإما من جهة نفس الطلب ، وكذلك الاستعاذة المحرمة أو المكروهة فكراهتها : إما من جهة المستعاذ منه ، وإما من جهة نفس الاستعاذة ، فينجون من ذلك الشر ، ويقعون فيما هو أعظم منه . أما المطلوب المحرم ، فمثل أن يسأل ما يضره في دنياه أو آخرته ، وإن كان لا يعلم أنه يضره ، فيستجاب له ، " كالرجل الذي عاده النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجده مثل الفرخ فقال : " هل كنت تدعو الله بشيء؟ " قال : كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا . قال : " سبحان الله إنك لا تسطيعه - أو لا تطيقه - هلا قلت : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ؟ " . وكأهل جابر بن عتيك لما مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " . وقد عاب الله على من يقتصر على طلب الدنيا بقوله : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ } فأخبر أن من لم يطلب إلا الدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب . ومثل أن يدعو على غيره دعاء منهيا عنه ، كدعاء بلعم بن باعور على قوم موسى عليه السلام ، وهذا قد يبتلى به كثير من العباد أرباب القلوب ، فإنه قد يغلب على أحدهم ما يجده من حب أو بغض لأشخاص ، فيدعو لأقوام وعلى أقوام بما لا يصلح ، فيستجاب له ، ويستحق العقوبة على ذلك الدعاء ، كما يستحقها على سائر الذنوب ، فإن لم يحصل له ما يمحوه ، من توبة أو حسنات ماحية ، أو شفاعة غيره ، أو غير ذلك ، وإلا فقد يعاقب ، إما بأن يسلب ما كان عنده من ذوق طعم الإيمان ووجود حلاوته ، فينزل عن درجته ، وإما أن يسلب عمل الإيمان ، فيصير فاسقا ، وإما بأن يسلب أصل الإيمان ، فيصير كافرا منافقا ، أو غير منافق . وما أكثر ما يبتلى بمثل هذا المتأخرون من أرباب الأحوال القلبية ، بسبب عدم فقههم في أحوال قلوبهم ، وعدم معرفة شريعة الله في أعمال القلوب ، وربما غلب على أحدهم حال قلبه ، حتى لا يمكنه صرفه عما توجه إليه ، فيبقى ما يخرج منه مثل السهم الخارج من القوس . وهذه الغلبة إنما تقع غالبا بسبب التقصير في الأعمال المشروعة ، التي تحفظ حال القلب ، فيؤاخذ على ذلك ، وقد تقع بسبب اجتهاد يخطئ صاحبه ، فتقع معفوا عنها .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم من غرور هؤلاء وأشباههم ، اعتقادهم أن استجابة مثل هذا الدعاء كرامة من الله تعالى لعبده ، وليس في الحقيقة كرامة ، وإنما تشبه الكرامة من جهة أنها دعوة نافذة ، وسلطان قاهر . وإنما الكرامة في الحقيقة : ما نفعت في الآخرة ، أو نفعت في الدنيا ولم تضر في الآخرة ، وإنما هذا بمنزلة ما ينعم به الكفار والفساق ، من الرياسات والأموال في الدنيا ، فإنها إنما تصير نعمة حقيقية ، إذا لم تضر صاحبها في الآخرة " الكلام على الكرامة وتعريفها والفرق بينها وبين المعجزة
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولهذا اختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء : هل ما ينعم به الكافر ، نعمة أو ليس بنعمة؟ وإن كان الخلاف لفظيا . قال الله تعالى : { أيحسبون أنما نمدهم به من مالٍ وبنين. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } وقال تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيءٍ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون } . وفي الحديث : " إذا رأيت الله ينعم على العبد مع إقامته على معصيته ، فإنما هو استدراج يستدرجه " . ومثال هذا في الاستعاذة : " قول المرأة التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليخطبها فقالت : أعوذ بالله منك ، فقال : " لقد عذت بمعاذ " . ثم انصرف عنها ، فقيل لها : إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : أنا كنت أشقى من ذلك " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما التحريم من جهة الطلب : فيكون تارة لأنه دعاء لغير الله ، مثل ما يفعله السحرة من مخاطبة الكواكب ، وعبادتها ونحو ذلك ، فإنه قد يقتضي عقب ذلك أنواعا من القضاء ، إذا لم يعارضه معارض ، من دعاء أهل الإيمان وعبادتهم ، أو غير ذلك ولهذا تنفذ هذه الأمور في أزمان فترة الرسل ، وفي بلاد الكفر والنفاق ، ما لا تنفذ في دار الإيمان وزمانه . ومن هذا : أني أعرف رجالا يستغيثون ببعض الأحياء في شدائد تنزل بهم ، فيفرج عنهم ، وربما يعاينون أمورا ، وذلك الحي المستغاث به لم يشعر بذلك ، ولا علم به البتة ، وفيهم من يدعو على أقوام ، أو يتوجه في إيذائهم ، فيرى بعض الأحياء ، أو بعض الأموات يحول بينه وبين إيذاء أولئك ، وربما رآه ضاربا له بسيف ، وإن كان الحايل لا شعور له بذلك ، وإنما ذلك من فعل الله سبحانه ، بسبب يكون بين المقصود وبين الرجل الدافع ، من اتباع له ، وطاعته فيما يأمره من طاعة الله ، ونحو ذلك . فهذا قريب . وقد يجري لعباد الأصنام أحيانا من الجنس المحرم ، محنة من الله ، بما تفعله الشياطين لأعوانهم ، فإذا كان الأثر قد يحصل عقب دعاء من قد تيقن أنه لم يسمع الدعاء ، فكيف يتوهم أنه هو الذي تسبب في ذلك ، أو أن له فيه فعلا؟ . وإذا قيل : إن الله يفعله بذلك السبب ، فإذا كان السبب محرما لم يجز ، كالأمراض التي يحدثها الله عقب أكل السموم ، وقد يكون الدعاء المحرم في نفسه دعاء لغير الله ، وأن يدعو الله ، كما تقول النصارى : يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله . وقد يكون دعاء لله ، لكنه توسل إليه بما لا يحب أن يتوسل به ، كالمشركين الذين يتوسلون إلى الله بأوثانهم ، وقد يكون دعاء لله بكلمات لا تصلح أن يناجى بها الله ، ويدعى بها ، لما في ذلك من الاعتداء . فهذه الأدعية ونحوها ، وإن كان قد يحصل لصاحبها أحيانا غرضه ، لكنها محرمة ، لما فيها من الفساد الذي يربي على منفعتها ، كما تقدم . ولهذا كانت هذه فتنة في حق من لم يهده الله ، وينور قلبه ، ويفرق بين أمر التكوين وأمر التشريع ، ويفرق بين القدر والشرع "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ويعلم أن الأقسام ثلاثة : أمور قدرها الله ، وهو لا يحبها ولا يرضاها ، فإن الأسباب المحصلة لهذه تكون محرمة موجبة لعقابه . * وأمور شرعها فهو يحبها من العبد ويرضاها ، لكن لم يعنه على حصولها ، فهذه محمودة عنده مرضية ، وإن لم توجد . والقسم الثالث : أن يعين الله العبد على ما يحبه منه . فالأول : إعانة الله . والثاني : عبادة الله . والثالث : جمع له بين العبادة والإعانة . كما قال تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } .فما كان من الدعاء غير المباح إذا أثر : فهو من باب الإعانة لا العبادة كسائر الكفار والمنافقين والفساق . ولهذا قال تعالى في مريم : { وصدقت بكلمات ربها وكتبه } " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ " بكلمات الله التامات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر " ومن رحمة الله تعالى ، أن الدعاء المتضمن شركًا ، كدعاء غيره أن يفعل ، أو دعائه أن يدعو ، ونحو ذلك - لا يحصل غرض صاحبه ، ولا يورث حصول الغرض شبهة إلا في الأمور الحقيرة ، فأما الأمور العظيمة ، كإنزال الغيث عند القحوط ، أو كشف العذاب النازل ، فلا ينفع فيه هذا الشرك . كما قال تعالى : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين. بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون. إليه إن شاء وتنسون ما تشركون } . وقال تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورًا } . وقال تعالى : { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض } . وقال تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلًا. أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورًا } . وقال تعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون. قل لله الشفاعة جميعًا } . فكون هذه المطالب العظيمة لا يستجيب فيها إلا هو سبحانه ، دل على توحيده ، وقطع شبهة من أشرك به ، وعلم بذلك أن ما دون هذا أيضًا من الإجابات إنما فعلها هو سبحانه وحده لا شريك له ، وإن كانت تجري بأسباب محرمة أو مباحة ، كما أن خلقه السماوات والأرض والرياح والسحاب ، وغير ذلك من الأجسام العظيمة ، دل على وحدانيته ، وأنه خالق لكل شيء ، وأن ما دون هذا بأن يكون خلقًا له أولى ، إذ هو منفعل عن مخلوقاته العظيمة ، فخالق السبب التام ، خالق للمسبب لا محالة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وجماع الأمر : أن الشرك نوعان : شرك في ربوبيته : بأن يجعل لغيره معه تدبيرًا ما ، كما قال سبحانه : { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شركٍ وما له منهم من ظهيرٍ } ، فبين سبحانه أنهم لا يملكون ذرة استقلالا ، ولا يشركونه في شيء من ذلك . ولا يعينونه على ملكه ، ومن لم يكن مالكًا ولا شريكًا ولا عونًا ، فقد انقطعت علاقته . وشرك في الألوهية : بأن يدعى غيره دعاء عبادة ، أو دعاء مسألة كما قال تعالى : { إياك نعبد وإياك نستعين } فكما أن إثبات المخلوقات أسبابًا لا يقدح في توحيد الربوبية ، ولا يمنع أن يكون الله خالق كل شيء ، ولا يوجب أن يدعى المخلوق دعاء عبادة أو دعاء استغاثة . كذلك إثبات بعض الأفعال المحرمة ، من شرك أو غيره أسبابا ، لا يقدح في توحيد الألوهية ، ولا يمنع أن يكون الله هو الذي يستحق الدين الخالص ، ولا يوجب أن نستعمل الكلمات والأفعال التي فيها شرك ، إذا كان الله يسخط ذلك ، ويعاقب العبد عليه ، وتكون مضرة ذلك على العبد أكثر من منفعته ، إذ قد جعل الخير كله في أنا لا نعبد إلا إياه ، ولا نسعتين إلا إياه . وعامة آيات القرآن تثبت هذا الأصل حتى إنه سبحانه قطع أثر الشفاعة بدون إذنه ، كقوله سبحانه : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وكقوله سبحانه : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه وليٌ ولا شفيعٌ } وقوله تعالى : { وذكر به أن تبسل نفسٌ بما كسبت ليس لها من دون الله وليٌ ولا شفيعٌ } وقوله تعالى : { قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } الآية. وقوله سبحانه : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرةٍ وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون } وسورة الأنعام سورة عظيمة مشتملة على أصول الإيمان . وكذلك قوله تعالى : { ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من وليٍ ولا شفيعٍ } وقوله سبحانه : { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقوله تعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون }{ قل لله الشفاعة جميعًا } . وسورة الزمر أصل عظيم في هذا . ومن هذا قوله سبحانه : { ومن الناس من يعبد الله على حرفٍ فإن أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين }{ يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد }{ يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير } . وكذلك قوله تعالى : { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والقرآن عامته إنما هو في تقرير هذا الأصل العظيم الذي هو أصل الأصول . وهذا الذي ذكرناه كله من تحريم هذا الدعاء ، مع كونه قد يؤثر ، إذا قدر أن هذا الدعاء كان سببًا أو جزءًا من السبب ، في حصول طلبته . والناس قد اختلفوا في الدعاء المستعقب لقضاء الحاجات فزعم قوم من المبطلين ، متفلسفة ومتصوفة ، أنه لا فائدة فيه أصلًا ، فإن المشيئة الإلهية والأسباب العلوية ، إما أن تكون قد اقتضت وجود المطلوب ، وحينئذ فلا حاجة إلى الدعاء ، أو لا تكون اقتضته ، وحينئذ فلا ينفع الدعاء . وقال قوم ممن تكلم في العلم : بل الدعاء علامة ودلالة على حصول المطلوب ، وجعلوا ارتباطه بالمطلوب ارتباط الدليل بالمدلول ، لا ارتباط السبب بالمسبب بمنزلة الخبر الصادق والعلم السابق . والصواب : ما عليه الجمهور - من أن الدعاء سبب لحصول الخير المطلوب ، أو غيره ، كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة . وسواء سمي سببًا أو جزءًا من السبب أو شرطًا ، فالمقصود هنا واحد ، فإذا أراد الله بعبد خيرًا ألهمه دعاءه والاستعانة به ، وجعل استعانته ودعاءه سببًا للخير الذي قضاه له ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إني لا أحمل هم الإجابة ، وإنما أحمل هم الدعاء ، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه " . كما أن الله تعالى إذا أراد أن يشبع عبدًا ، أو يرويه ألهمه أن يأكل أو يشرب ، وإذا أراد الله أن يتوب على عبد ألهمه أن يتوب ، فيتوب عليه ، وإذا أراد أن يرحمه ويدخله الجنة يسره لعمل أهل الجنة ، والمشيئة الإلهية اقتضت وجود هذه الخيرات ، بأسبابها المقدرة لها ، كما اقتضت وجود دخول الجنة بالعمل الصالح ، ووجود الولد بالوطء ، والعلم بالتعلم . فمبدأ الأمور من الله ، وتمامها على الله ، لا أن العبد نفسه هو المؤثر في الرب ، أو في ملكوت الرب ، بل الرب سبحانه هو المؤثر في ملكوته وجاعل دعاء عبده سببًا لما يريده سبحانه من القضاء ، كما " قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، أرأيت أدوية نتداوى بها ، ورقى نسترقي بها وتقى نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال : هي من قدر الله " . وعنه صلى الله عليه وسلم قال : " إن الدعاء والبلاء ليلتقيان ، فيعتلجان بين السماء والأرض " ، فهذا في الدعاء الذي يكون سببًا في حصول المطلوب . وأعلى من هذا ما جاء به الكتاب والسنة ، أن رضا الله وفرحه ، وضحكه بسبب أعمال عباده الصالحة ، كما جاءت به النصوص ، وكذلك غضبه ومقته . وقد بسطنا الكلام في هذا الباب ، وما للناس فيه من المقالات والاضطراب . فما فرض من الأدعية المنهي عنها سببًا ، فقد تقدم الكلام عليه . فأما غالب الأدعية التي ليست مشروعة لا تكون هي السبب في حصول المطلوب ، ولا جزءًا منه ، ولا يعلم ذلك ، بل يتوهم وهما كاذبًا ، كالنذر سواء . فإن في الصحيح عن ابن عمر " عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن النذر وقال : " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئًا لم يكن الله قدره له ، ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ، ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أن النذر لا يأتي بخير ، وأنه ليس من الأسباب الجالبة للخير ، أو الدافعة لشر أصلًا ، وإنما يوافق القدر موافقة كما توافقه سائر الأسباب فيخرج من البخيل حينئذ ما لم يكن يخرجه من قبل ذلك . ومع هذا فأنت ترى الذين يحكون أنهم وقعوا في شدائد ، فنذروا نذورًا تكشف شدائدهم ، أكثر - أو قريبًا - من الذين يزعمون أنهم دعوا عند القبور ، أو غيرها ، فقضيت حوائجهم ، بل من كثرة اغترار المضلين ، بذلك ؛ صارت النذور المحرمة في الشرع مآكل لكثير من السدنة والمجاورين ، والعاكفين عند بعض المساجد أو غيرها ، ويأخذون من الأموال شيئًا كثيرًا ، وأولئك الناذرون يقول أحدهم : مرضت فنذرت . ويقول آخر : خرج علي المحاربون فنذرت ، ويقول الآخر : ركبت البحر فنذرت . ويقول الآخر : حبست فنذرت . ويقول الآخر : أصابتني فاقة فنذرت .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومع هذا فأنت ترى الذين يحكون أنهم وقعوا في شدائد ، فنذروا نذورًا تكشف شدائدهم ، أكثر - أو قريبًا - من الذين يزعمون أنهم دعوا عند القبور ، أو غيرها ، فقضيت حوائجهم ، بل من كثرة اغترار المضلين ، بذلك ؛ صارت النذور المحرمة في الشرع مآكل لكثير من السدنة والمجاورين ، والعاكفين عند بعض المساجد أو غيرها ، ويأخذون من الأموال شيئًا كثيرًا ، وأولئك الناذرون يقول أحدهم : مرضت فنذرت . ويقول آخر : خرج علي المحاربون فنذرت ، ويقول الآخر : ركبت البحر فنذرت . ويقول الآخر : حبست فنذرت . ويقول الآخر : أصابتني فاقة فنذرت . وقد قام بنفوسهم ، أن هذه النذور هي السبب في حصول مطلوبهم ، ودفع مرهوبهم . وقد أخبر الصادق المصدوق أن نذر طاعة الله - فضلًا عن معصيته - ليس سببًا لحصول الخير ، وإنما الخير الذي يحصل للناذر يوافقه موافقة كما يوافق سائر الأسباب ، فما هذه الأدعية غير المشروعة ، في حصول المطلوب بأكثر من هذه النذور في حصول المطلوب . بل تجد كثيرًا من الناس يقول : إن المكان الفلاني ، أو المشهد الفلاني ، أو القبر الفلاني ، يقبل النذر ، بمعنى أنهم نذروا له نذرًا إن قضيت حاجتهم ، وقضيت . كما يقول القائلون : الدعاء عند المشهد الفلاني ، أو القبر الفلاني ، مستجاب ، بمعنى أنهم دعوا هناك مرة ، فرأوا أثر الإجابة . بل إذا كان المبطلون يضيفون قضاء حوائجهم إلى خصوص نذر المعصية مع أن جنس النذر لا أثر له في ذلك ، لم يبعد منهم إذا أضافوا حصول غرضهم إلى خصوص الدعاء بمكان لا خصوص له في الشرع ، لأن جنس الدعاء هنا مؤثر ، فالإضافة إليه ممكنة ، بخلاف جنس النذر فإنه لا يؤثر . والغرض أن يعرف أن الشيطان إذا زين لهم نسبة الأثر إلى ما لا يؤثر نوعًا ولا وصفًا ، فنسبته إلى وصف قد ثبت تأثير نوعه أولى أن يزين لهم . ثم كما لم يكن ذلك الاعتقاد منهم صحيحًا ، فكذلك هذا ، إذ كلاهما مخالف للشرع . ومما يوضح ذلك : أن اعتقاد المعتقد أن هذا الدعاء أو هذا النذر كان هو السبب ، أو بعض السبب في حصول المطلوب لا بد له من دلالة ، ولا دليل على ذلك في الغالب إلا الاقتران أحيانًا ، أعني : وجودهما جميعًا ، وإن تراخي أحدهما عن الآخر مكانًا أو زمانًا مع الانتقاض ، أضعاف أضعاف الاقتران ، ومجرد اقتران الشيء بالشيء بعض الأوقات مع انتقاضه ، ليس دليلًا على الغلبة باتفاق العقلاء ، إذا كان هناك سبب آخر صالح ، إذ تخلف الأثر عنه يدل على عدم الغلبة . فإن قيل : إن التخلف بفوات شرط ، أو لوجود مانع . قيل : بل الاقتران لوجود سبب آخر ، وهذا هو الراجح ، فإنا نرى الله في كل وقت يقضي الحاجات ويفرج الكربات ، بأنواع من الأسباب ، لا يحصيها إلا هو ، وما رأيناه يحدث المطلوب مع وجود هذا الدعاء المبتدع ، إلا نادرًا ، فإذا رأيناه قد أحدث شيئًا وكان الدعاء المبتدع قد وجد ، كان إحالة حدوث الحادث على ما علم من الأسباب التي لا يحصيها إلا الله ، أولى من إحالته على ما لم يثبت كونه سببًا . ثم الاقتران : إن كان دليلًا على العلة ، فالانتقاض دليل على عدمها .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهنا افترق الناس ثلاث فرق : مغضوب عليهم ، وضالون ، والذين أنعم الله عليهم . فالمغضوب عليهم ، يطعنون في عامة الأسباب المشروعة وغير المشروعة ، ويقولون : الدعاء المشروع قد يؤثر ، وقد لا يؤثر ويتصل بذلك الكلام في دلالة الآيات على تصديق الأنبياء عليهم السلام . والضالون : يتوهمون من كل ما يتخيل سببًا ، وإن كان يدخل في دين اليهود والنصارى والمجوس ، وغيرهم . والمتكايسون من المتفلسفة يحيلون ذلك على أمور فلكية ، وقوى نفسانية ، وأسباب طبيعية ، يدورون حولها ، لا يعدلون عنها . فأما المهتدون ، فهم لا ينكرون ما خلقه الله من القوى والطبائع في جميع الأجسام والأرواح ، إذ الجميع خلق الله ، لكنهم يؤمنون بما وراء ذلك من قدرة الله التي هو بها على كل شيء قدير ، ومن أنه كل يوم هو في شأن ، ومن أن إجابته لعبده المؤمن خارجة عن قوة نفسه ، وتصرف جسمه وروحه ، وبأن الله يخرق العادات لأنبيائه ، لإظهار صدقهم ، ولإكرامهم بذلك . ونحو ذلك من حكمه . وكذلك يخرقها لأوليائه : تارة لتأييد دينه بذلك ، وتارة تعجيلًا لبعض ثوابهم في الدنيا ، وتارة إنعامًا عليهم بجلب نعمة ، أو دفع نقمة ، ولغير ذلك ، ويؤمنون بأن الله يرد بما أمرهم به ، من الأعمال الصالحة ، والدعوات المشروعة - ما جعله في قوى الأجسام والأنفس ، ولا يلتفتون إلى الأوهام التي دلت الأدلة العقلية ، أو الشرعية على فسادها ، ولا يعملون بما حرمته الشريعة ، وإن ظن أن له تأثيرًا .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما العلم بغلبة السبب: فله طرق في الأمور الشرعية ، كما له طرق في الأمور الطبيعية منها : الاضطرار ، " فإن الناس لما عطشوا وجاعوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ غير مرة ماء قليلًا ، فوضع يده الكريمة فيه حتى فار الماء من بين أصابعه ، ووضع يده الكريمة في الطعام ، وبرك فيه حتى كثر كثرة خارجة عن العادة " ، فإن العلم بهذا الاقتران المعين ، يوجب العلم بأن كثرة الماء والطعام كانت بسببه صلى الله عليه وسلم ، علمًا ضروريًا ، كما يعلم أن الرجل إذا ضرب بالسيف ضربة شديدة صرعته فمات ، أن الموت كان منها ، بل أوكد ، فإن العلم بأن كثرة الماء والطعام ليس له سبب معتاد في مثل ذلك أصلًا ، مع أن العلم بهذه المقارنة ، يوجب علمًا ضروريًا بذلك . وكذلك لما " دعا صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك أن يكثر الله ماله وولده " ، فكان نخله يحمل في السنة مرتين ، خلاف عادة بلده ، ورأى من ولده وولد ولده أكثر من مائة ، فإن مثل هذا الحادث يعلم أنه كان بسبب ذلك الدعاء . ومن رأى طفلًا يبكي بكاء شديدًا ، فألقمته أمه الثدي فسكن ، علم يقينًا أن سكونه كان لأجل اللبن . والاحتمالات ، وإن تطرقت إلى النوع ، فإنها قد لا تتطرق إلى الشخص المعين . وكذلك الأدعية ، فإن المؤمن يدعو بدعاء فيرى المدعو بعينه مع عدم الأسباب المقتضية له ، أو يفعل فعلًا كذلك فيجده كذلك ، كالعلاء بن الحضرمي رضي الله عنه لما قال : يا عليم ، يا حليم ، يا علي ، يا عظيم ، اسقنا ، فمطروا في يوم شديد الحر ، مطرًا لم يجاوز عسكرهم . وقال : احملنا فمشوا على النهر الكبير مشيًا لم يبل أسافل أقدام دوابهم وأيوب السختياني لما ركض الجبل لصاحبه ركضة ، نبعت له عين ماء فشرب ، ثم غارت . فدعاء الله وحده لا شريك له ، دل الوحي المنزل ، والعقول الصحيحة على فائدته ومنفعته ، ثم التجارب التي لا يحصي عددها إلا الله . فتجد أكثر المؤمنين قد دعوا الله وسألوه أشياء أسبابها منتفية في حقهم ، فأحدث الله لهم تلك المطالب على الوجه الذي طلبوه ، على وجه يوجب العلم تارة ، والظن الغالب أخرى - أن الدعاء كان هو السبب في هذا ، وتجد هذا ثابتًا عند ذوي العقول والبصائر ، الذين يعرفون جنس الأدلة ، وشروطها ، واطرادها . وأما اعتقاد تأثير الأدعية المحرمة ، فعامته إنما نجد اعتقاده ، عند أهل الجهل الذين لا يميزون بين الدليل وغيره ، ولا يفهمون ما يشترط للدليل من الاطراد ، وإنما يتفق في أهل الظلمات ، من الكفار والمنافقين ، أو ذوي الكبائر الذين أظلمت قلوبهم بالمعاصي حتى لا يميزوا بين الحق والباطل .
-
هل صحيح أن خزاعة كانوا مسلمين ، كما يقول بعض من يدعي علم التاريخ ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وبالجملة : فالعلم بأن هذا كان هو السبب أو بعض السبب ، أو شرط السبب ، في هذا الأمر الحادث ، قد يعلم كثيرًا ، وقد يظن كثيرًا ، وقد يتوهم كثيرًا وهمًا ليس له مستند صحيح ، إلا ضعف العقل . ويكفيك أن كل ما يظن أنه سبب لحصول المطالب مما حرمته الشريعة من دعاء أو غيره ، لا بد فيه من أحد أمرين : إما أن لا يكون سببًا صحيحًا ، كدعاء من لا يسمع ولا يبصر ، ولا يغني عنك شيئًا . وإما أن يكون ضرره أكثر من نفعه . فأما ما كان سببًا صحيحًا منفعته أكثر من مضرته ، فلا ينهى عنه الشرع بحال . وكل ما لم يشرع من العبادات مع قيام المقتضي لفعله من غير مانع فإنه من باب المنهي عنه . كما تقدم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما ما ذكر في المناسك ، أنه بعد تحية النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحبيه ، والصلاة والسلام يدعو ، فقد ذكر الإمام أحمد وغيره : أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره ، وذلك بعد تحيته والصلاة والسلام ، ثم يدعو لنفسه . وذكر أنه إذا حياه وصلى عليه يستقبل وجهه - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم ، فإذا أراد الدعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا ، وهذا مراعاة منهم لذلك ، فإن الدعاء عند القبر لا يكره مطلقًا ، بل يؤمر به ، كما جاءت به السنة فيما تقدم ضمنًا وتبعًا ، وإنما المكروه أن يتحرى المجيء إلى القبر للدعاء عنده . وكذلك ذكر أصحاب مالك قالوا : يدنو من القبر ، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو مستقبل القبلة ، يوليه ظهره ، وقيل : لا يوليه ظهره ، وإنما اختلفوا لما فيه من استدباره ، فأما إذا جعل الحجرة عن يساره ، فقد زال المحذور بلا خلاف وصار في الروضة ، أو أمامها . ولعل هذا الذي ذكره الأئمة ، أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر ، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، فلما نهي أن يتخذ القبر مسجدًا أو قبلة ، أمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه ، كما لا يصلى إليه . وقال مالك في المبسوط : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ، لكن يسلم ويمضي " . ولهذا - والله أعلم - حرفت الحجرة وثلثت لما بنيت ، فلم يجعل حائطها الشمالي على سمت القبلة ، ولا جعل مسطحًا .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك قصدوا قبل أن تدخل الحجرة في المسجد . فروى ابن بطة ، بإسناد معروف عن هشام بن عروة ، حدثني أبي ، وقال : " كان الناس يصلون إلى القبر ، فأمر عمر بن عبد العزيز ، فرفع حتى لا يصلي إليه الناس ، فلما هدم بدت قدم بساق وركبة ، قال : ففزع من ذلك عمر بن عبد العزيز ، فأتاه عروة فقال له : هذه ساق عمر وركبته . فسري عن عمر بن عبد العزيز . وهذا أصل مستمر ، فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلى إليه ، ألا ترى أن الرجل لما نهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها ، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء ، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح ، سواء كانت في المشرق أو غيره ، وهذا ضلال بين ، وشرك واضح ، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين ، وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله وقبر رسوله صلى الله عليه وسلم وكل هذه الأشياء من البدع التي تضارع دين النصارى . ومما يبين لك ذلك ، أن نفس السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قد راعوا فيه السنة ، حتى لا يخرج إلى الوجه المكروه الذي قد يجر إلى إطراء النصارى عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتخذوا قبري عيدا " . وبقوله : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله " ، فكان بعضهم يسأل عن السلام على القبر خشية أن يكون من هذا الباب ، حتى قيل له : إن ابن عمر كان يفعل ذلك . ولهذا كره مالك رضي الله عنه ، وغيره من أهل العلم ، لأهل المدينة كلما دخل أحدهم المسجد ، أن يجيء فيسلم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه . وقال : " وإنما يكون ذلك لأحدهم إذا قدم من سفر ، أو أراد سفرًا ونحو ذلك . ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها ، وأما قصده دائمًا للصلاة والسلام ، فما علمت أحدًا رخص فيه ، لأن ذلك النوع من اتخاذه عيدًا ، مع أنا قد شرع لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " كما نقول ذلك في آخر صلاتنا . بل قد استحب ذلك لكل من دخل مكانًا ليس فيه أحد : أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، لما تقدم من أن السلام عليه يبلغه من كل موضع . فخاف مالك وغيره ، أن يكون فعل ذلك عند القبر كل ساعة ، نوعًا من اتخاذ القبر عيدًا . وأيضًا فإن ذلك بدعة ، فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد الحرام كل يوم خمس مرات يصلون ، ولم يكونوا يأتون مع ذلك إلى القبر يسلمون عليه ، لعلمهم رضي الله عنهم بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه من ذلك ، وما نهاهم عنه ، وأنهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه ، وفي التشهد ، كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته . والمأثور عن ابن عمر يدل على ذلك . قال سعيد في سننه : حدثنا عبد الرحمن بن زيد ، حدثني أبي ، عن ابن عمر : أنه كان إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال : السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه . وعبد الرحمن بن زيد وإن كان يضعف ، لكن الحديث المتقدم عن نافع - الصحيح - يدل على أن ابن عمر ما كان يفعل ذلك دائمًا ولا غالبًا .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وما أحسن ما قال مالك : " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها " ، ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم ، ونقص إيمانهم ، عوضوا ذلك بما أحدثوه من البدع والشرك وغيره . ولهذا كرهت الأئمة استلام القبر وتقبيله ، وبنوه بناء منعوا الناس أن يصلوا إليه . فكانت حجرة عائشة التي دفنوه فيها منفصلة عن مسجده ، وكان ما بين منبره وبيته هو الروضة ، ومضى الأمر على ذلك في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ، وزيد في المسجد زيادات وغير ، والحجرة على حالها هي وغيرها من الحجر المطيفة بالمسجد من شرقيه وقبليه ، حتى بناه الوليد بن عبد الملك ، وكان عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة ، فابتاع هذه الحجر وغيرها وهدمهن وأدخلهن في المسجد ، فمن أهل العلم من كره ذلك ، كسعيد بن المسيب ، ومنهم من لم يكرهه . قال أبو بكر الأثرم : قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - : قبر النبي صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال : ما أعرف هذا . قلت له : فالمنبر؟ فقال : أما المنبر فنعم قد جاء فيه . قال أبو عبد الله : شيء يروونه عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن عمر : أنه مسح على المنبر . قال : ويروونه عن سعيد بن المسيب في الرمانة . قلت : ويروون عن يحيى بن سعيد ، أنه حين أراد الخروج إلى العراق ، جاء إلى المنبر فمسحه ودعا ، فرأيته استحسنه ثم قال : لعله عند الضرورة والشيء .
-
الصواب أنه لا يتمسح بالمنبر ولا بشيء موجود على الأرض إلا الحجر الأسود والركن اليماني .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قيل لأبي عبد الله : إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر . وقلت له : رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسونه ويقومون ناحية فيسلمون . فقال أبو عبد الله : نعم ، وهكذا كان ابن عمر يفعل . ثم قال أبو عبد الله : بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم . فقد رخص أحمد وغيره في التمسح بالمنبر والرمانة ، التي هي موضع مقعد النبي صلى الله عليه وسلم ويده ، ولم يرخصوا في التمسح بقبره . وقد حكى بعض أصحابنا رواية في مسح قبره ، لأن أحمد شيع بعض الموتى ، فوضع يده على قبره يدعو له . والفرق بين الموضعين ظاهر . وكره مالك التمسح بالمنبر . كما كرهوا التمسح بالقبر . فأما اليوم فقد احترق المنبر ، وما بقيت الرمانة ، وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة ، فقد زال ما رخص فيه ، لأن الأثر المنقول عن ابن عمر وغيره ، إنما هو التمسح بمقعده . وروى الأثرم بإسناده عن القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار قال : رأيت ابن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الوجه الثالث : في كراهة قصدها للدعاء : أن السلف رضي الله عنهم كرهوا ذلك ، متأولين في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتخذوا قبري عيدًا " كما ذكرنا ذلك عن علي بن الحسين والحسن بن الحسن ابن عمه ، وهما أفضل أهل البيت من التابعين ، وأعلم بهذا الشأن من غيرهما ، لمجاورتهما الحجرة النبوية نسبًا ومكانًا . وذكرنا عن أحمد وغيره ، أنه أمر من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاحبيه ، ثم أراد أن يدعو : أن ينصرف فيستقبل القبلة . وكذلك أنكر ذلك غير واحد من العلماء المتقدمين ، كمالك وغيره . ومن المتأخرين : مثل أبي الوفاء ابن عقيل ، وأبي الفرج بن الجوزي . وما أحفظ - لا عن صاحب ولا تابع ، ولا عن إمام معروف - أنه استحب قصد شيء من القبور للدعاء عنده ، ولا روى أحد في ذلك شيئًا ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن أحد من الأئمة المعروفين .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد صنف الناس في الدعاء وأوقاته وأمكنته ، وذكروا فيه الآثار ، فما ذكر أحد منهم في فضل الدعاء عند شيء من القبور حرفًا واحدًا - فيما أعلم - ، فكيف يجوز - والحال هذه - أن يكون الدعاء عندها أجوب وأفضل "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فكيف يجوز - والحال هذه - أن يكون الدعاء عندها أجوب وأفضل ، والسلف تنكره ولا تعرفه ، وتنهى عنه ولا تأمر به . نعم صار من نحو المائة الثالثة يوجد متفرقًا في كلام بعض الناس : فلان ترجى الإجابة عند قبره . وفلان يدعى عند قبره ، ونحو ذلك . والإنكار على من يقول ويأمر به ، كائنًا من كان ، فإن أحسن أحواله أن يكون مجتهدًا في هذه المسألة أو مقلدًا ، فيعفو الله عنه . أما أن هذا الذي قاله يقتضي استحباب ذلك فلا . بل قد يقال : هذا من جنس قول بعض الناس : المكان الفلاني يقبل النذر ، والموضع الفلاني ينذر له . ويعينون عينًا أو بئرًا أو شجرة ، أو مغارة ، أو حجرًا ، أو غير ذلك من الأوثان ، فكما لا يكون مثل هذا القول عمدة في الدين ، فكذلك القول الأول . ولم يبلغني - إلى الساعة - عن أحد من السلف رخصة في ذلك ، إلا ما روى ابن أبي الدنيا ، في كتاب القبور بإسناده عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال : أخبرني سليمان بن يزيد الكعبي ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من زارني بالمدينة محتسبًا كنت له شفيعًا وشهيدًا يوم القيامة " . قال ابن أبي فديك : وأخبرني عمر بن حفص أن ابن أبي مليكة كان يقول : من أحب أن يقوم وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فليجعل القنديل الذي في القبلة عند رأس القبر على رأسه . قال ابن أبي فديك : وسمعت بعض من أدركت يقول : بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } فقال : " صلى الله عليك يا محمد " حتى يقولها سبعين مرة - ناداه ملك : صلى الله عليك يا فلان ، ولم تسقط له حاجة . فهذا الأثر من ابن أبي فديك قد يقال : فيه استحباب قصد الدعاء عند القبر . ولا حجة فيه لوجوه : أحدها : أن ابن أبي فديك روى هذا عن مجهول ، وذكر ذلك المجهول أنه بلاغ عمن لا يعرف ، ومثل هذا لا يثبت به شيء أصلا ، وابن أبي فديك متأخر في حدود المائة الثانية ، ليس هو من التابعين ، ولا من تابعيهم المشاهير حتى يقال قد كان هذا معروفا في القرون الثلاثة ، وحسبك أن أهل العلم بالمدينة المعتمدين ، لم ينقلوا شيئا من ذلك . ومما يضعفه : أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا " فكيف يكون من صلى عليه سبعين مرة جزاؤه أن يصلي عليه ملك من الملائكة ؟ وأحاديثه المتقدمة تبين أن الصلاة والسلام عليه تبلغه عن البعيد والقريب . والثاني : أن هذا إنما يقتضي استحباب الدعاء للزائر في ضمن الزيارة ، كما ذكر العلماء ذلك في مناسك الحج . وليس هذا مسألتنا ، فإنا قد قدمنا أن من زار زيارة مشروعة ، ودعا في ضمنها لم يكره هذا ، كما ذكره بعض العلماء ، مع ما في ذلك من النزاع ، مع أن المنقول عن السلف كراهة الوقوف عنده للدعاء ، وهو أصح . وإنما المكروه الذي ذكرناه : قصد الدعاء عنده ابتداء ، كما أن من دخل المسجد ، فصلى تحية المسجد ، ودعا في ضمنها ، لم يكره ذلك ، أو توضأ في مكان وصلى هنالك ودعا في ضمن صلاته لم يكره ذلك ، ولو تحرى الدعاء في تلك البقعة ، أو في مسجد لا خصيصة له في الشرع دون غيره من المساجد ، فنهي عن هذا التخصيص .
-
بيان حكم الدعاء خلف الصلاة سواء الفريضة أو النافلة، وحكم تغميض العينين في الصلاة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الثالث : أن الاستجابة هنا لعلها لكثرة صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الصلاة عليه قبل الدعاء ، وفي وسطه وآخره ، من أقوى الأسباب التي يرجى بها إجابة سائر الدعاء ، كما جاءت به الآثار ، مثل قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ، الذي يروى موقوفا ومرفوعا : " الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك " رواه الترمذي . وذكر محمد بن الحسن بن زبالة ، في كتاب (أخبار المدينة) ، فيما رواه عنه الزبير بن بكار ، روى عنه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال : رأيت رجلا من أهل المدينة يقال له : محمد بن كيسان ، يأتي إذا صلى العصر من يوم الجمعة ، ونحن جلوس مع ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فيقوم عند القبر ، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو حتى يمسي . فيقول جلساء ربيعة : انظروا إلى ما يصنع هذا؟ فيقول : " دعوه ، فإنما للمرء ما نوى " ، ومحمد بن الحسن هذا صاحب أخبار ، وهو مضعف عند أهل الحديث ، كالواقدي ونحوه . لكن يستأنس بما يرويه ويعتبر به . وهذه الحكاية قد يتمسك بها على الطرفين ، فإنها تتضمن أن الذي فعله هذا الرجل أمر مبتدع عندهم ، لم يكن من فعل الصحابة وغيرهم من علماء أهل المدينة ، وإلا لو كان هذا أمرا معروفا من عمل أهل المدينة لما استغربه جلساء ربيعة وأنكروه . بل ذكر محمد بن الحسن لها في كتابه مع رواية الزبير بن بكار ذلك عنه ، يدل على أنهم على عهد مالك وذويه ، ما كانوا يعرفون هذا العمل ، وإلا لو كان هذا شائعا بينهم لما ذكر في كتاب مصنف ، ما يتضمن استغراب ذلك . ثم إن جلساء ربيعة - وهم قوم فقهاء علماء - أنكروا ذلك ، وربيعة أقره . فغايته : أن يكون في ذلك خلاف ولكن تعليل ربيعة له بأن لكل امرئ ما نوى ، لا يقتضي إلا الإقرار على ما يكره ، فإنه لو أراد الصلاة هناك لنهاه ، وكذلك لو أراد الصلاة في وقت نهي . وإنما الذي أراده - والله أعلم - أن من كان له نية صالحة أثيب على نيته ، وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع ، إذا لم يتعمد مخالفة الشرع - يعني فهذا الدعاء ، وإن لم يكن مشروعا ، لكن لصاحبه نية صالحة يثاب على نيته . فيستفاد من ذلك : أنهم مجمعون على أنه غير مستحب ، ولا خصيصة في تلك البقعة ، وإنما الخير يحصل من جهة نية الداعي ، ثم إن ربيعة لم ينكر عليه متابعة لجلسائه: إما لأنه لم يبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ قبره عيدا ، وعن الصلاة عنده . فإن ربيعة - كما قال أحمد - كان قليل العلم بالآثار .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " أو بلغه ذلك لكن لم ير مثل هذا داخلا في معنى النهي ، أو لأنه لم ير هذا محرما ، وإنما غايته أن يكون مكروها ، وإنكار المكروه ليس بفرض . أو أنه رأى أن ذلك الرجل إنما قصد السلام ، والدعاء جاء ضمنا وتبعا . وفي هذا نظر . ولا ريب أن العلماء قد يختلفون في مثل هذا كما اختلفوا في صحة الصلاة عند القبر ، ومن لم يبطلها قد لا ينهى من فعل ذلك . والعمدة على الكتاب والسنة ، وما كان عليه السابقون ، مع أن محمد بن الحسن هذا قد روى أخبارا عن السلف تؤيد ما ذكرناه . فقال : حدثني عمر بن هارون ، عن سلمة بن وردان قال : رأيت أنس بن مالك يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يسند ظهره إلى جدار القبر ، ثم يدعو " فهذا إن كان ثابتا عن أنس فهو مؤيد لما ذكرناه ، فإن أنسا لم يكن ساكنا بالمدينة ، وإنما كان يقدم من البصرة ، إما مع الحجيج أو نحوهم ، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إذا أراد الدعاء الذي في حق مثله إنما يكون ضمنا وتبعا ، استدبر القبر .
-
هل يصح الإستدلال بحديث " اللهم قن عذابك يوم تبعث عبادك " على جواز الدعاء بعد الصلاة ؟
-
ما هو الراجح في كيفية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وذكر محمد بن الحسن ، عن عبد العزيز بن محمد ومحمد بن إسماعيل وغيرهما ، عن محمد بن هلال ، وعن غير واحد من أهل العلم : أن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي فيه قبره - هو بيت عائشة الذي كانت تسكن ، وأنه مربع مبني بحجارة سود وقصة ، والذي يلي القبلة منه أطوله ، والشرقي والغربي سواء ، والشامي أنقصها ، وباب البيت مما يلي الشام ، وهو مسدود بحجارة سود وقصة . ثم بنى عمر بن عبد العزيز على ذلك البيت هذا البناء الظاهر ، وعمر بن عبد العزيز زواه لئلا يتخذه الناس قبلة تخص فيها الصلاة من بين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - كما حدثني عبد العزيز بن محمد عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . وحدثني مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . فهذه الآثار ، إذا ضمت إلى ما قدمنا من الآثار ، علم كيف كان حال السلف في هذا الباب . وأن ما عليه كثير من الخلف في ذلك من المنكرات عندهم . ولا يدخل في هذا الباب : ما يروى من أن قوما سمعوا رد السلام من قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، أو قبور غيره من الصالحين . وأن سعيد بن المسيب كان يسمع الأذان من القبر ليالي الحرة . ونحو ذلك . فهذا كله حق ليس مما نحن فيه ، والأمر أجل من ذلك وأعظم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك أيضا ما يروى : " أن رجلا جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فشكا إليه الجدب عام الرمادة ، فرآه وهو يأمره أن يأتي عمر ، فيأمره أن يخرج يستسقي بالناس " فإن هذا ليس من هذا الباب . ومثل هذا يقع كثيرا لمن هو دون النبي صلى الله عليه وسلم ، وأعرف من هذا وقائع .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك سؤال بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو لغيره من أمته حاجة فتقضى له ، فإن هذا قد وقع كثيرا ، وليس هو مما نحن فيه . وعليك أن تعلم : أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره لهؤلاء السائلين ، ليس مما يدل على استحباب السؤال ، فإنه هو " القائل صلى الله عليه وسلم : " إن أحدهم ليسألني المسألة فأعطيه إياها ، فيخرج بها يتأبطها نارا " ، فقالوا : يا رسول الله ، فلم تعطيهم؟ قال : " يأبون إلا أن يسألوني ، ويأبى الله لي البخل " . وأكثر هؤلاء السائلين الملحين لما هم فيه من الحال ، لو لم يجابوا لاضطرب إيمانهم ، كما أن السائلين به في الحياة كانوا كذلك ، وفيهم من أجيب وأمر بالخروج من المدينة . فهذا القدر إذا وقع يكون كرامة لصاحب القبر ، أما أن يدل على حسن حال السائل ، فلا فرق بين هذا وهذا . فإن الخلق لم ينهوا عن الصلاة عند القبور ، واتخاذها مساجد استهانة بأهلها ، بل لما يخاف عليهم من الفتنة ، وإنما تكون الفتنة إذا انعقد سببها ، فلولا أنه قد يحصل عند القبور ما يخاف الافتتان به لما نهي الناس عن ذلك . وكذلك ما يذكر من الكرامات ، وخوارق العادات ، التي توجد عند قبور الأنبياء والصالحين مثل نزول الأنوار والملائكة عندها وتوقي الشياطين والبهائم لها ، واندفاع النار عنها وعمن جاورها ، وشفاعة بعضهم في جيرانه من الموتى ، واستحباب الاندفان عند بعضهم ، وحصول الأنس والسكينة عندها ، ونزول العذاب بمن استهانها - فجنس هذا حق ، ليس مما نحن فيه . وما في قبور الأنبياء والصالحين ، من كرامة الله ورحمته ، وما لها عند الله من الحرمة والكرامة فوق ما يتوهمه أكثر الخلق ، لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك . وكل هذا لا يقتضي استحباب الصلاة ، أو قصد الدعاء أو النسك عندها ، لما في قصد العبادات عندها من المفاسد التي علمها الشارع كما تقدم . فذكرت هذه الأمور لأنها مما يتوهم معارضته لما قدمناه ، وليس كذلك .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " الوجه الرابع : أن اعتقاد استجابة الدعاء عندها وفضله ، قد أوجب أن تنتاب لذلك وتقصد ، وربما اجتمع عندها اجتماعات كثيرة ، في مواسم معينة ، وهذا بعينه هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا تتخذوا قبري عيدا " وبقوله : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وبقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتخذوا القبور مساجد ، فإن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " . حتى إن بعض القبور يجتمع عندها في يوم من السنة ويسافر إليها : إما في المحرم ، أو رجب ، أو شعبان ، أو ذي الحجة ، أو غيرها . وبعضها يجتمع عنده في يوم عاشوراء! ، وبعضها في يوم عرفة ، وبعضها في النصف من شعبان ، وبعضها في وقت آخر ، بحيث يكون لها يوم من السنة تقصد فيه ، ويجتمع عندها فيه كما تقصد عرفة ومزدلفة ومنى ، في أيام معلومة من السنة ، أو كما يقصد مصلى المصر يوم العيدين ، بل ربما كان الاهتمام بهذه الاجتماعات في الدين والدنيا أهم وأشد . ومنها : ما يسافر إليه من الأمصار ، في وقت معين أو في وقت غير معين ، لقصد الدعاء عنده ، والعبادة هناك ، كما يقصد بيت الله لذلك ، وهذا السفر لا أعلم بين المسلمين خلافا في النهي عنه ، إلا أن يكون خلافا حادثا . وإنما ذكرت الوجهين المتقدمين في السفر المجرد لزيارة القبور. فأما إذا كان السفر للعبادة عندها بالدعاء أو الصلاة ، أو نحو ذلك : فهذا لا ريب فيه . حتى إن بعضهم يسميه الحج ويقول : نريد الحج إلى قبر فلان وفلان . ومنها ما يقصد الاجتماع عنده في يوم معين من الأسبوع . وفي الجملة : هذا الذي يفعل عند هذه القبور هو بعينه الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا تتخذوا قبري عيدًا " فإن اعتياد قصد المكان المعين ، وفي وقت معين ، عائد بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع ، هو بعينه معنى العيد . ثم ينهى عن دق ذلك وجله ، وهذا هو الذي تقدم عن الإمام أحمد إنكاره لما قال : " قد أفرط الناس في هذا جدا وأكثروا " وذكر ما يفعل عند قبر الحسين . وقد ذكرت فيما تقدم : أنه يكره اعتياد عبادة في وقت إذا لم تجئ بها السنة . فكيف اعتياد مكان معين في وقت معين؟ .
-
ما معنى قول المصنف : وعليك أن تعلم : أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره لهؤلاء السائلين ، ليس مما يدل على استحباب السؤال ، فإنه هو " القائل صلى الله عليه وسلم : " إن أحدهم ليسألني المسألة فأعطيه إياها ، فيخرج بها يتأبطها نارا " ، فقالوا : يا رسول الله ، فلم تعطيهم؟ قال : " يأبون إلا أن يسألوني ، ويأبى الله لي البخل " ؟
-
ما رأيكم فيمن يقول أن الصالحين يقبرون وحدهم و الفساق وحدهم ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ويدخل في هذا : ما يفعل بمصر ، عند قبر نفيسة وغيرها . وما يفعل بالعراق عند القبر الذي يقال إنه قبر علي رضي الله عنه ، وقبر الحسين ، وحذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي . وقبر موسى بن جعفر ، ومحمد بن علي الجواد ببغداد . وعند قبر أحمد بن حنبل ، ومعروف الكرخي . وغيرهما وما يفعل عند قبر أبي يزيد البسطامي . وكان يفعل نحو ذلك بحران ، عند قبر يسمى قبر الأنصاري ، إلى قبور كثيرة ، في أكثر بلاد الإسلام لا يمكن حصرها . كما أنهم بنوا على كثير منها مساجد وبعضها مغصوب ، كما بنوا على قبر أبي حنيفة والشافعي وغيرهم . وهؤلاء الفضلاء من الأئمة ، إنما ينبغي محبتهم واتباعهم ، وإحياء ما أحيوه من الدين ، والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والرضوان ، ونحو ذلك . فأما اتخاذ قبورهم أعيادا ، فهو مما حرمه الله ورسوله واعتياد قصد هذه القبور في وقت معين ، أو الاجتماع العام عندها في وقت معين ، هو اتخاذها عيدا ، كما تقدم . ولا أعلم بين المسلمين أهل العلم في ذلك خلافا . ولا يغتر بكثرة العادات الفاسدة ، فإن هذا من التشبه بأهل الكتابين ، الذين أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه كائن في هذه الأمة . وأصل ذلك : إنما هو اعتقاد فضل الدعاء عندها ، وإلا فلو لم يقم هذا الاعتقاد بالقلوب انمحى ذلك كله ، فإذا كان قصدها للدعاء يجر هذه المفاسد كان حراما ، كالصلاة عندها وأولى ، وكان ذلك فتنة للخلق ، وفتحا لباب الشرك ، وإغلاقا لباب الإيمان .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: قد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذها مساجد وعن الصلاة عندها ، وعن اتخاذها عيدا ، وأنه دعا الله أن لا يتخذ قبره وثنا يعبد . وقد تقدم أن اتخاذ المكان عيدا هو : اعتياد إتيانه للعبادة عنده أو غير ذلك ، وقد تقدم النهي الخاص عن الصلاة عندها أو إليها ، والأمر بالسلام عليها والدعاء لها . وذكرنا ما في دعاء المرء لنفسه عندها ، من الفرق بين قصدها لأجل الدعاء ، أو الدعاء ضمنا وتبعا . وتمام الكلام في ذلك ، بذكر سائر العبادات ، فالقول فيها جميعا كالقول في الدعاء ، فليس في ذكر الله هناك ، أو القراءة عند القبر ، أو الصيام عنده ، أو الذبح عنده ، فضل على غيره من البقاع ، ولا قصد ذلك عند القبور مستحبا . وما علمت أحدا من علماء المسلمين يقول إن الذكر هناك ، أو الصيام أو القراءة ، أفضل منه في غير تلك البقعة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما ما يذكره بعض الناس، من أنه ينتفع الميت بسماع القرآن ، بخلاف ما إذا قرئ في مكان آخر - فهذا إذا عني به أن يصل الثواب إليه ، إذا قرئ عند القبر خاصة ، فليس عليه أحد من أهل العلم المعروفين ، بل الناس على قولين : أحدهما : أن ثواب العبادات البدنية : من الصلاة والقراءة وغيرهما ، يصل إلى الميت ، كما يصل إليه ثواب العبادات المالية بالإجماع . وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما ، وقول طائفة من أصحاب الشافعي ، ومالك . وهو الصواب لأدلة كثيرة ، ذكرناها في غير هذا الموضع . والثاني : أن ثواب البدنية لا يصل إليه بحال ، وهو المشهور عند أصحاب الشافعي ومالك . وما من أحد من هؤلاء يخص مكانا بالوصول أو عدمه ، فأما استماع الميت للأصوات ، من القراءة أو غيرها - فحق . لكن الميت ما بقي يثاب بعد الموت على عمل يعمله هو بعد الموت من استماع أو غيره ، وإنما ينعم أو يعذب بما كان عمله هو ، أو بما يعمل عليه بعد الموت من أثره ، أو بما يعامل به . كما قد اختلف في تعذيبه بالنياحة عليه ، وكما ينعم بما يهدى إليه ، وكما ينعم بالدعاء له وإهداء العبادات المالية بالإجماع . وكذلك ذكر طائفة من العلماء ، من أصحاب أحمد وغيرهم ، ونقلوه عن أحمد ، وذكروا فيه آثارا أن الميت يتألم بما يفعل عنده من المعاصي ، فقد يقال أيضا : إنه ينعم بما يسمعه من قراءة وذكر . وهذا - لو صح - لم يوجب استحباب القراءة عنده ، فإن ذلك لو كان مشروعا لسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وذلك لأن هذا ، وإن كان من نوع مصلحة ، ففيه مفسدة راجحة ، كما في الصلاة عنده ، وتنعم الميت بالدعاء له ، والاستغفار والصدقة عنه ، وغير ذلك من العبادات : يحصل له به من النفع أعظم من ذلك ، وهو مشروع ولا مفسدة فيه ، ولهذا لم يقل أحد من العلماء بأنه يستحب قصد القبر دائما للقراءة عنده ، إذ قد علم بالاضطرار من دين الإسلام ، أن ذلك ليس مما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " لكن اختلفوا في القراءة عند القبور : هل تكره ، أم لا تكره؟ والمسألة مشهورة ، وفيها ثلاث روايات عن أحمد : إحداها أن ذلك لا بأس به . وهي اختيار الخلال وصاحبه ، وأكثر المتأخرين من أصحابه . وقالوا : هي الرواية المتأخرة عن أحمد ، وقول جماعة من أصحاب أبي حنيفة ، واعتمدوا على ما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتيح البقرة ، وخواتيمها . ونقل أيضا عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة . والثانية : أن ذلك مكروه . حتى اختلف هؤلاء : هل تقرأ الفاتحة في صلاة الجنازة إذا صلي عليها في المقبرة؟ وفيه عن أحمد روايتان ، وهذه الرواية هي التي رواها أكثر أصحابه عنه ، وعليها قدماء أصحابه الذين صحبوه ، كعبد الوهاب الوراق ، وأبي بكر المروزي ، ونحوهما ، وهي مذهب جمهور السلف ، كأبي حنيفة ومالك وهشيم بن بشير وغيرهم ، ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام ، وذلك لأن ذلك كان عنده بدعة . وقال مالك : " ما علمت أحدًا يفعل ذلك " ، فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه . والثالثة : أن القراءة عنده وقت الدفن لا بأس بها ، كما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وبعض المهاجرين ، وأما القراءة بعد ذلك - مثل الذين ينتابون القبر للقراءة عنده - فهذا مكروه ، فإنه لم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلا . وهذه الرواية لعلها أقوى من غيرها ، لما فيها من التوفيق بين الدلائل . والذين كرهوا القراءة عند القبر ، كرهها بعضهم، وإن لم يقصد القراءة هناك ، كما تكره الصلاة ، فإن أحمد نهى عن القراءة في صلاة الجنازة هناك .
-
ما معنى قول المصنف: " لكن الميت ما بقي يثاب بعد الموت على عمل يعمله هو بعد الموت من استماع أو غيره ، وإنما ينعم أو يعذب بما كان عمله هو ، أو بما يعمل عليه بعد الموت من أثره " .
-
يحصل في مقبرة البقيع أن بعض الناس يجتمعون على قبر ميتهم ويدعون ويرفعون أصواتهم بالتهليل فهل يشرع الإنكار عليهم ويعظهم ويبين لهم السنة ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والذين كرهوا القراءة عند القبر ، كرهها بعضهم، وإن لم يقصد القراءة هناك ، كما تكره الصلاة ، فإن أحمد نهى عن القراءة في صلاة الجنازة هناك . ومعلوم أن القراءة في الصلاة ليس المقصود بها القراءة عند القبر ، ومع هذا فالفرق بين ما يفعل ضمنا وتبعا ، وما يفعل لأجل القبر ، بين كما تقدم . والوقوف التي وقفها الناس على القراءة عند قبورهم ، فيها من الفائدة أنها تعين على حفظ القرآن ، وأنها رزق لحفاظ القرآن ، وباعثة لهم على حفظه ودرسه وملازمته ، وإن قدر أن القارئ لا يثاب على قراءته فهو مما يحفظ به الدين ، كما يحفظ بقراءة الفاجر وجهاد الفاجر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " . وبسط الكلام في الوقوف وشروطها ، قد ذكر في موضع آخر ، وليس هو المقصود هنا . فأما ذكر الله هناك فلا يكره ، لكن قصد البقعة للذكر هناك بدعة مكروهة ، فإنه نوع من اتخاذها عيدا ، وكذلك قصدها للصيام عندها . ومن رخص في القراءة فإنه لا يرخص في اتخاذها عيدا ، مثل أن يجعل له وقت معلوم ، يعتاد فيه القراءة هناك ، أو يجتمع عنده للقراءة ونحو ذلك ، كما أن من يرخص في الذكر والدعاء هناك ، لا يرخص في اتخاذه عيدا كذلك كما تقدم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الذبح هناك فمنهي عنه مطلقا ، ذكره أصحابنا وغيرهم . لما روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا عقر في الإسلام " . رواه أحمد وأبو داود ، وزاد : قال عبد الرزاق : " كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة " قال أحمد في رواية المروزي : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا عقر في الإسلام " كانوا إذا مات لهم الميت نحروا جزورا على قبره ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وكره أبو عبد الله أكل لحمه . قال أصحابنا : وفي معنى هذا ما يفعله كثير من أهل زماننا في التصدق عند القبر بخبز أو نحوه . فهذه أنواع العبادات البدنية ، أو المالية ، أو المركبة منهما .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: ومن المحرمات : العكوف عند القبر والمجاورة عنده ، وسدانته ، وتعليق الستور عليه ، كأنه بيت الله الكعبة . فإنا قد بينا أن نفس بناء المسجد عليه منهي عنه باتفاق الأمة ، محرم بدلالة السنة ، فكيف إذا ضم إلى ذلك المجاورة في ذلك المسجد ، والعكوف فيه كأنه المسجد الحرام؟ بل عند بعضهم أن العكوف فيه أحب إليه من العكوف في المسجد الحرام ، إذ من الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حبا لله . بل حرمة ذلك المسجد المبني على القبر الذي حرمه الله ورسوله ، أعظم عند المقابريين من حرمة بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، وقد أسست على تقوى من الله ورضوان . وقد بلغ الشيطان بهذه البدع إلى الشرك العظيم في كثير من الناس ، حتى إن منهم من يعتقد أن زيارة المشاهد التي على القبور - إما قبر لنبي ، أو شيخ ، أو بعض أهل البيت - أفضل من حج البيت الحرام ، ويسمي زيارتها : الحج الأكبر ، ومن هؤلاء من يرى أن السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من حج البيت . وبعضهم إذا وصل المدينة رجع وظن أنه حصل له المقصود . وهذا لأنهم ظنوا أن زيارة القبور لأجل الدعاء عندها والتوسل بها ، وسؤال الميت ودعائه . ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ، ولو علموا أن المقصود إنما هو عبادة الله وحده لا شريك له وسؤاله ودعاؤه ، والمقصود بزيارة القبور الدعاء لها ، كما يقصد بالصلاة على الميت ؛ لزال هذا عن قلوبهم . ولهذا ، كثير من هؤلاء يسأل الميت والغائب ، كما يسأل ربه ، فيقول : اغفر لي وارحمني ، وتب علي ، ونحو ذلك . وكثير من الناس تمثل له صورة الشيخ المستغاث به ، ويكون ذلك شيطانا قد خاطبه ، كما تفعل الشياطين بعبدة الأصنام وأعظم من ذلك : قصد الدعاء عنده والنذر له ، أو للسدنة العاكفين عليه ، أو المجاورين عنده ، من أقاربه أو غيرهم ، واعتقاد أنه بالنذر له قضيت الحاجة ، أو كشف البلاء . فإنا قد بينا بقول الصادق المصدوق : أن نذر العمل المشروع لا يأتي بخير ، وأن الله لم يجعله سببا لدرك الحاجة ، كما جعل الدعاء سببا لذلك ، فكيف نذر المعصية ، الذي لا يجوز الوفاء به؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واعلم أن أهل القبور من الأنبياء والصالحين ، المدفونين ، يكرهون ما يفعل عندهم كل الكراهة ، كما أن المسيح عليه السلام يكره ما يفعل النصارى به ، وكما كان أنبياء بني إسرائيل يكرهون ما يفعله الأتباع ، فلا يحسب المرء المسلم أن النهي عن اتخاذ القبور أعيادا وأوثانا فيه غض من أصحابها ، بل هو من باب إكرامهم ، وذلك أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن ، فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور معرضين عن سنة ذلك المقبور وطريقته ، مشتغلين بقبره عما أمر به ودعا إليه . ومن كرامة الأنبياء والصالحين ، أن يتبع ما دعوا إليه من العمل الصالح ، ليكثر أجرهم بكثرة أجور من اتبعهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء " . وإنما اشتغلت قلوب طوائف من الناس ، بأنواع من العبادات المبتدعة : إما من الأدعية ، وإما من الأشعار وإما من السماعات ، ونحو ذلك لإعراضهم عن المشروع ، أو بعضه - أعني لإعراض قلوبهم - وإن قاموا بصورة المشروع ، وإلا فمن أقبل على الصلوات الخمس بوجهه وقلبه ، عاقلا لما اشتملت عليه من الكلم الطيب ، والعمل الصالح مهتما بها كل الاهتمام - أغنته عن كل ما يتوهم فيه خير من جنسها . ومن أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله ، وتدبره بقلبه ، وجد فيه من الفهم والحلاوة والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره . ومن اعتاد الدعاء المشروع في أوقاته ، كالأسحار ، وأدبار الصلوات والسجود ، ونحو ذلك ، أغناه عن كل دعاء مبتدع ، في ذاته أو بعض صفاته . فعلى العاقل أن يجتهد في اتباع السنة في كل شيء من ذلك ، ويعتاض عن كل ما يظن من البدع أنه خير بنوعه من السنن ، فإنه من يتحر الخير يعطه ، ومن يتوق الشر يوقه .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فصل: فأما مقامات الأنبياء والصالحين ، وهي الأمكنة التي قاموا فيها ، أو أقاموا ، أو عبدوا الله سبحانه ، لكنهم لم يتخذوها مساجد ؛ فالذي بلغني في ذلك قولان عن العلماء المشهورين : أحدهما : النهي عن ذلك وكراهته ، وأنه لا يستحب قصد بقعة للعبادة ، إلا أن يكون قصدها للعبادة مما جاء به الشرع ، مثل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصدها للعبادة كما قصد الصلاة في مقام إبراهيم ، وكما كان يتحرى الصلاة عند الأصطوانة ، وكما يقصد المساجد للصلاة ، ويقصد الصف الأول ونحو ذلك . والقول الثاني : أنه لا بأس باليسير من ذلك ، كما نقل عن ابن عمر : أنه كان يتحرى قصد المواضع التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد سلكها اتفاقا لا قصدا . قال سندي الخواتيمي : سألنا أبا عبد الله عن الرجل يأتي هذه المشاهد ، ويذهب إليها ، ترى ذلك؟ قال : أما على حديث ابن أم مكتوم : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته حتى يتخذ ذلك مصلى . وعلى ما كان يفعله ابن عمر ، يتتبع مواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأثره ، فليس بذلك بأس ، أن يأتي الرجل المشاهد ، إلا أن الناس قد أفرطوا في هذا جدا ، وأكثروا فيه " . وكذلك نقل عنه أحمد بن القاسم : أنه سئل عن الرجل يأتي هذه المشاهد التي بالمدينة ، وغيرها ، يذهب إليها؟ فقال : " أما على " حديث ابن أم مكتوم : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيصلي في بيته حتى يتخذه مسجدا " ، وعلى ما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنه : كان يتتبع مواضع سير النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى رئي أنه يصب في موضع ماء ، فيسأل عن ذلك . فقال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصب هاهنا ماء ، قال : أما على هذا فلا بأس " . قال : ورخص فيه ، ثم قال : " ولكن قد أفرط الناس جدا ، وأكثروا في هذا المعنى ، فذكر قبر الحسين وما يفعل الناس عنده . رواهما الخلال في كتاب الأدب . فقد فصل أبو عبد الله رحمه الله في المشاهد ، وهي الأمكنة التي فيها آثار الأنبياء والصالحين ، من غير أن تكون مساجد لهم ، كمواضع بالمدينة ، بين القليل الذي لا يتخذونه عيدا ، والكثير الذي يتخذونه عيدا ، كما تقدم . وهذا التفصيل جمع فيه بين الآثار وأقوال الصحابة ، فإنه قد روى البخاري في صحيحه ، عن موسى بن عقبة قال : " رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق ، ويصلي فيها ، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها ، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة " قال موسى : " وحدثني نافع أن ابن عمر كان يصلي في تلك الأمكنة " فهذا كما رخص فيه أحمد رضي الله عنه . وأما ما كرهه : فروى سعيد بن منصور في سننه ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن معرور بن سويد ، " عن عمر رضي الله عنه قال : خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر بـ { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } و { لإيلاف قريشٍ } في الثانية ، فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد فقال : ما هذا؟ قالوا : مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم : اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا ، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل ، ومن لم تعرض له الصلاة فليمض " فقد كره عمر رضي الله عنه اتخاذ مصلى النبي صلى الله عليه وسلم عيدا ، وبين أن أهل الكتاب إنما هلكوا بمثل هذا . وفي رواية عنه: " أنه رأى الناس يذهبون مذاهب فقال : أين يذهب هؤلاء؟ فقيل: يا أمير المؤمنين ، مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم يصلون فيه فقال : إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا ، كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعا ، فمن أدركته الصلاة منكم في هذه المساجد فليصل ، ومن لا فليمض ولا يتعمدها " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وروى محمد بن وضاح وغيره : أن عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم لأن الناس كانوا يذهبون تحتها . فخاف عمر الفتنة عليهم . وقد اختلف العلماء رضي الله عنهم في إتيان المشاهد - فقال محمد بن وضاح : كان مالك وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي بالمدينة ، ما عدا قباء وأحدا . ودخل سفيان الثوري بيت المقدس وصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ، ولا الصلاة فيها . فهؤلاء كرهوها مطلقا ، لحديث عمر رضي الله عنه هذا ، ولأن ذلك يشبه الصلاة عند المقابر إذ هو ذريعة إلى اتخاذها أعيادا ، وإلى التشبه بأهل الكتاب ، ولأن ما فعله ابن عمر لم يوافقه عليه أحد من الصحابة ، فلم ينقل عن الخلفاء الراشدين ولا غيرهم ، من المهاجرين والأنصار ، أنه كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزلها النبي صلى الله عليه وسلم . والصواب مع جمهور الصحابة ؛ لأن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بطاعة أمره ، وتكون في فعله ، بأن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله ، فإذا قصد العبادة في مكان كان قصد العبادة فيه متابعة له ، كقصد المشاعر والمساجد . وأما إذا نزل في مكان بحكم الاتفاق لكونه صادف وقت النزول ، أو غير ذلك ، مما يعلم أنه لم يتحر ذلك المكان ، فإذا تحرينا ذلك المكان لم نكن متبعين له ، فإن الأعمال بالنيات .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واستحب آخرون من العلماء المتأخرين إتيانها ، وذكر طائفة من المصنفين من أصحابنا وغيرهم في المناسك ، استحباب زيارة هذه المساجد وعدوا منها مواضع وسموها . وأما أحمد فرخص منها فيما جاء به الأثر من ذلك إلا إذا اتخذت عيدا ، مثل أن تنتاب لذلك ، ويجتمع عندها في وقت معلوم ، كما يرخص في صلاة النساء في المساجد جماعات ، وإن كانت بيوتهن خيرا لهن ، إلا إذا تبرجن وجمع بذلك بين الآثار ، واحتج بحديث ابن أم مكتوم . ومثله : ما خرجاه في الصحيحين ، " عن عتبان بن مالك قال : كنت أصلي لقومي بني سالم ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إني أنكرت بصري ، وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي ، فلوددت أنك جئت فصليت في بيتي مكانا حتى أتخذه مسجدا . فقال : " أفعل إن شاء الله " فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه ، بعدما اشتد النهار ، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فلم يجلس حتى قال : " أين تحب أن أصلي من بيتكم " فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر ، وصففنا وراءه ، فصلى ركعتين ، ثم سلم وسلمنا حين سلم " .
-
هل هناك دليل على ذكر الأخبار وما سيفعله المسلم دون ذكر المشيئة ؟
-
كيف الجمع بين حديث عتبان بن مالك وحديث الأعمى الذي كان يجد المشقة لطريق المسجد فلم يأذن له في التخلف عن الجماعة ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ففي هذا الحديث دلالة على أن من قصد أن يبني مسجده في موضع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بأس به ، وكذلك قصد الصلاة في موضع صلاته ، لكن هذا كان أصل قصده بناء مسجد ، فأحب أن يكون موضعا يصلي له فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، ليكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي رسم المسجد ، بخلاف مكان صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقا فاتخذ مسجدا لا لحاجة إلى المسجد ، لكن لأجل صلاته فيه . فأما الأمكنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الصلاة أو الدعاء عندها ، فقصد الصلاة فيها أو الدعاء سنة ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعا له ، كما إذا تحرى الصلاة أو الدعاء في وقت من الأوقات فإن قصد الصلاة أو الدعاء في ذلك الوقت سنة كسائر عباداته ، وسائر الأفعال التي فعلها على وجه التقرب ومثل هذا : ما خرجاه في الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد قال : " كان سلمة بن الأكوع يتحرى الصلاة عند الأصطوانة التي عند المصحف . فقلت له : يا أبا مسلم ، أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأصطوانة ، قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها " وفي رواية لمسلم عن سلمة بن الأكوع : أنه كان يتحرى الصلاة موضع المصحف ، يسبح فيه ، وذكر أن " رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى ذلك المكان ، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد ظن بعض المصنفين أن هذا مما اختلف فيه وجعله والقسم الأول سواء ، وليس بجيد . فإنه هنا أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى البقعة . . فكيف لا يكون هذا القصد مستحبا؟ نعم : إيطان بقعة في المسجد لا يصلى إلا فيها منهي عنه كما جاءت به السنة ، والإيطان ليس هو التحري من غير إيطان . فيجب الفرق بين اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، والاستنان به فيما فعله ، وبين ابتداع بدعة لم يسنها لأجل تعلقها به . وقد تنازع العلماء فيما إذا فعل فعلا من المباحات لسبب ، وفعلناه نحن تشبها به ، مع انتفاء ذلك السبب ، فمنهم من يستحب ذلك ومنهم من لا يستحبه ، وعلى هذا يخرج فعل ابن عمر رضي الله عنهما ، بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في تلك البقاع التي في طريقه ، لأنها كانت منزله ، لم يتحر الصلاة فيها لمعنى في البقعة . فنظير هذا : أن يصلي المسافر في منزله ، وهذا سنة فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها اتفاقا ، فهذا لم ينقل عن غير ابن عمر من الصحابة ، بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وسائر السابقين الأولين ، من المهاجرين والأنصار ، يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجا وعمارا ومسافرين ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبا لكانوا إليه أسبق ، فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " . وتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين ، بل هو مما ابتدع ، وقول الصحابي إذا خالفه نظيره ، ليس بحجة ، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة؟ وأيضا: فإن تحري الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد والتشبه بأهل الكتاب مما نهينا عن التشبه بهم فيه وذلك ذريعة إلى الشرك بالله ، والشارع قد حسم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد ، فإذا كان قد نهى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان ، سدا للذريعة . فكيف يستحب قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم فيه ، أو صلاتهم فيه ، من غير أن يكونوا قد قصدوه للصلاة فيه والدعاء فيه؟ . ولو ساغ هذا لاستحب قصد جبل حراء والصلاة فيه ، وقصد جبل ثور والصلاة فيه ، وقصد الأماكن التي يقال إن الأنبياء قاموا فيها ، كالمقامين اللذين بطريق جبل قاسيون بدمشق ، اللذين يقال إنهما مقام إبراهيم وعيسى ، والمقام الذي يقال إنه مغارة دم قابيل ، وأمثال ذلك ، من البقاع التي بالحجاز والشام وغيرهما .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم ذلك يفضي إلى ما أفضت إليه مفاسد القبور ، فإنه يقال : إن هذا مقام نبي ، أو قبر نبي ، أو ولي ، بخبر لا يعرف قائله ، أو بمنام لا تعرف حقيقته ، ثم يترتب على ذلك اتخاذه مسجدا ، فيصير وثنا يعبد من دون الله تعالى . شرك مبني على إفك! والله سبحانه يقرن في كتابه بين الشرك والكذب ، كما يقرن بين الصدق والإخلاص . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " عدلت شهادة الزور الإشراك بالله " - ثلاثا - ثم قرأ قوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور. حنفاء لله غير مشركين به } . وقال تعالى: { ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون }{ ونزعنا من كل أمةٍ شهيدًا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون } وقال تعالى عن الخليل : { إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون }{ أئفكًا آلهةً دون الله تريدون } وقال تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرةٍ وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون } . وقال تعالى: { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم }{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصًا له الدين }{ ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفارٌ } . وقال تعالى : { ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون }{ فكفى بالله شهيدًا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين }{ هنالك تبلو كل نفسٍ ما أسلفت وردوا إلى }{ الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون } . وقال تعالى : { ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون } . وقال تعالى : { إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضبٌ من ربهم وذلةٌ في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين } . قال أبو قلابة : " هي لكل مبتدع من هذه الأمة إلى يوم القيامة " . وهو كما قال : فإن أهل الكذب والفرية عليهم من الغضب والذلة ما أوعدهم الله به .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والشرك وسائر البدع مبناها على الكذب والافتراء ، ولهذا : كل من كان عن التوحيد والسنة أبعد ، كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب : كالرافضة الذين هم أكذب طوائف أهل الأهواء ، وأعظمهم شركا ، فلا يوجد في أهل الأهواء أكذب منهم ، ولا أبعد عن التوحيد منهم ، حتى إنهم يخربون مساجد الله التي يذكر فيها اسمه فيعطلونها عن الجماعات والجمعات ، ويعمرون المشاهد التي على القبور ، التي نهى الله ورسوله عن اتخاذها ، والله سبحانه في كتابه إنما أمر بعمارة المساجد لا المشاهد ، فقال تعالى : { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها } ولم يقل : مشاهد الله . وقال تعالى : { قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجدٍ } ولم يقل : عند كل مشهد . وقال تعالى : { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر } إلى قوله : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } ولم يقل : مشاهد الله . بل المشاهد إنما يعمرها من يخشى غير الله ويرجو غير الله لا يعمرها إلا من فيه نوع من الشرك . وقال الله تعالى : { ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا } وقال تعالى : { في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال }{ رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار }{ ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حسابٍ } ، وقال تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا } ولم يقل : وأن المشاهد لله .
-
كيف يوجه حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة الزلزلة في صلاة الصبح في الركعتين ؟
-
قال المصنف : " وتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين ، بل هو مما ابتدع " مع أن ابن عمر رضي الله عنهما فعل ذلك فكيف يوجه ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا } ولم يقل : وأن المشاهد لله . وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة كقوله في الحديث الصحيح : " من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة " ولم يقل : مشهدا . وقال أيضا في الحديث : " صلاة الرجل في المسجد تفضل عن صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين صلاة " وقال في الحديث الصحيح : " من تطهر في بيته فأحسن الطهور ، ثم خرج إلى المسجد لا تنهزه إلا الصلاة ، كانت خطواته إحداهما ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة . فإذا جلس ينتظر الصلاة فالعبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة ، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ، اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال تعالى : { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا } ولم يقل : وأن المشاهد لله . وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة كقوله في الحديث الصحيح : " من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة " ولم يقل : مشهدا . وقال أيضا في الحديث : " صلاة الرجل في المسجد تفضل عن صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين صلاة " وقال في الحديث الصحيح : " من تطهر في بيته فأحسن الطهور ، ثم خرج إلى المسجد لا تنهزه إلا الصلاة ، كانت خطواته إحداهما ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة . فإذا جلس ينتظر الصلاة فالعبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة ، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ، اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وهذا مما علم بالتواتر والضرورة من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه أمر بعمارة المساجد والصلاة فيها ، ولم يأمر ببناء مشهد ، لا على قبر نبي ، ولا غير قبر نبي ، ولا على مقام نبي ، ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم في بلاد الإسلام ، لا الحجاز ولا الشام ولا اليمن ولا العراق ولا خراسان ولا مصر ولا المغرب مسجد مبني على قبر ، ولا مشهد يقصد للزيارة أصلا ، ولم يكن أحد من السلف يأتي إلى قبر نبي أو غير نبي ، لأجل الدعاء عنده ، ولا كان الصحابة يقصدون الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عند قبر غيره من الأنبياء ، وإنما كانوا يصلون ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه .
-
الجواب عن شبهة القبوريين أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " واتفق الأئمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يستقبل قبره ، وتنازعوا عند السلام عليه فقال مالك وأحمد وغيرهما : يستقبل قبره ويسلم عليه ، وهو الذي ذكره أصحاب الشافعي ، وأظنه منصوصًا عنه . وقال أبو حنيفة : بل يستقبل القبلة ويسلم عليه ، هكذا في كتب أصحابه . وقال مالك فيما ذكره إسماعيل بن إسحاق في المبسوط ، والقاضي عياض وغيرهما : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ، ولكن يسلم ويمضي . وقال أيضًا في المبسوط : لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج ، أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ، ويدعو لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما . فقيل له : فإن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه ، يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر عند القبر ، فيسلمون ويدعون ساعة ، فقال : لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك . ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد تقدم في ذلك من الآثار عن السلف والأئمة ، ما يوافق هذا ويؤيده من أنهم كانوا إنما يستحبون عند قبره ما هو من جنس الدعاء له والتحية : كالصلاة والسلام . ويكرهون قصده للدعاء ، والوقوف عنده للدعاء ومن يرخص منهم في شيء من ذلك فإنه إنما يرخص فيما إذا سلم عليه ثم أراد الدعاء ، أن يدعو مستقبلًا القبلة إما مستدبر القبر وإما منحرفًا عنه ، وهو أن يستقبل القبلة ويدعو ، ولا يدعو مستقبل القبر ، وهكذا المنقول عن سائر الأئمة . ليس في أئمة المسلمين من استحب للمرء أن يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو عنده ، وهذا الذي ذكرناه عن مالك والسلف ، يبين حقيقية الحكاية المأثورة عنه ، وهي الحكاية التي ذكرها القاضي عياض عن محمد بن حميد قال : " ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكًا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال له مالك : يا أمير المؤمنين ، لا ترفع صوتك في هذا المسجد ، فإن الله تعالى أدب قوما فقال : { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الآية ، ومدح قومًا فقال : { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } الآية ، وذم قومًا فقال : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } الآية . وإن حرمته ميتًا كحرمته حيًا ، فاستكان أبو جعفر ، وقال : يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله . وقال الله تعالى : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله } الآية . فهذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون ضعيفة ، أو مغيرة ، وإما أن تفسر بما يوافق مذهبه إذ قد يفهم منها ما هو خلاف مذهبه المعروف بنقل الثقات من أصحابه ، فإنه لا يختلف مذهبه أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء ، وقد نص على أنه لا يقف عند الدعاء مطلقًا ، وذكر طائفة من أصحابه أنه يدنو من القبر ، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو مستقبل القبلة ، ويوليه ظهره ، وقيل : لا يوليه ظهره . فاتفقوا في استقبال القبلة وتنازعوا في تولية القبر ظهره ، وقت الدعاء .
-
ما معنى قوله تعالى: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله } وهل فيه حجة لمن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ؟
-
ما رأيكم في القبة المبنية فوق قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
-
هل كان الغالب على النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه تكرار الكلام ثلاثا ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فهذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون ضعيفة ، أو مغيرة ، وإما أن تفسر بما يوافق مذهبه إذ قد يفهم منها ما هو خلاف مذهبه المعروف بنقل الثقات من أصحابه ، فإنه لا يختلف مذهبه أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء ، وقد نص على أنه لا يقف عند الدعاء مطلقًا ، وذكر طائفة من أصحابه أنه يدنو من القبر ، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو مستقبل القبلة ، ويوليه ظهره ، وقيل : لا يوليه ظهره . فاتفقوا في استقبال القبلة وتنازعوا في تولية القبر ظهره ، وقت الدعاء . ويشبه - والله أعلم - أن يكون مالك رحمه الله سئل عن استقبال القبر عند السلام عليه ، وهو يسمي ذلك دعاء ، فإنه قد كان من فقهاء العراق من يرى أنه عند السلام عليه يستقبل القبلة أيضًا ، ومالك يرى استقبال القبر في هذه الحال كما تقدم .وكما قال في رواية ابن وهب عنه: " إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ، ويدنو ويسلم ويدعو ، ولا يمس القبر بيده وقد تقدم قوله : إنه يصلي عليه ويدعو له " . ومعلوم أن الصلاة عليه والدعاء له يوجب شفاعته للعبد يوم القيامة ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول : ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرًا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون ذلك العبد ، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فقول مالك في هذه الحكاية - إن كان ثابتًا عنه - معناه : إنك إذا استقبلته وصليت عليه وسلمت عليه ، وسألت الله له الوسيلة ، يشفع فيك يوم القيامة فإن الأمم يوم القيامة يتوسلون بشفاعته واستشفاع العبد به في الدنيا هو فعل ما يشفع به له يوم القيامة ، كسؤال الله له الوسيلة ونحو ذلك وكذلك ما نقل عنه من رواية ابن وهب : إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا ، يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ، ويدعو ويسلم ، يعني دعاءه للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه .فهذا الدعاء هو المشروع هناك ، كالدعاء عند زيارة قبور سائر المؤمنين ، وهو الدعاء لهم ، فإنه أحق الناس أن يصلى عليه ويسلم عليه ويدعى له - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم . وبها تتفق أقوال مالك ، ويفرق بين الدعاء الذي أحبه ، والدعاء الذي كرهه وذكر أنه بدعة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك } الآية ، فهي - والله أعلم - باطلة ، فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة فيما أعلمه ، ولم يذكر أحد منهم أنه استحب أن يسأل بعد الموت لا استغفارا ولا غيره ، وكلامه المنصوص عنه وعن أمثاله ينافي هذا ، وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء ، عن أعرابي أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلا هذه الآية ، وأنشد بيتين : يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك ، واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي ، لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعا مندوبا ؛ لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم ، بل قضاء حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله لها أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعًا مأمورًا به ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل في حياته المسألة فيعطيها لا يرد سائلا ، وتكون المسألة محرمة في حق السائل : حتى قال " إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا " قالوا يا رسول الله فلم تعطيهم ؟ قال : " يأبون إلا أن يسألوني ، ويأبى الله لي البخل " وقد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحًا ، ولا يكون عالمًا أنه منهي عنه ، فيثاب على حسن قصده ، ويعفى عنه لعدم علمه . وهذا باب واسع . وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها ، قد يفعلها بعض الناس ، ويحل له بها نوع من الفائدة ، وذلك لا يدل على أنها مشروعة بل لو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهي عنها . ثم الفاعل قد يكون متأولا ، أو مخطئا مجتهدا أو مقلدا ، فيغفر له خطؤه ويثاب على ما فعله من الخير المشروع المقرون بغير المشروع ، كالمجتهد المخطئ ، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والمقصود هنا أنه قد علم أن مالكًا من أعلم الناس بمثل هذه الأمور ، فإنه مقيم بالمدينة ، يرى ما يفعله التابعون وتابعوهم ، ويسمع ما ينقلونه عن الصحابة وأكابر التابعين ، وهو ينهى عن الوقوف عند القبر للدعاء ، ويذكر أنه لم يفعله السلف . وقد أجدب الناس على عهد عمر رضي الله عنه ، فاستسقى بالعباس ففي صحيح البخاري ، عن أنس : " أن عمر استسقى بالعباس ، وقال : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون . فاستسقوا به كما كانوا يستسقون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، وهو أنهم يتوسلون بدعائه وشفاعته لهم ، فيدعو لهم ويدعون معه كالإمام والمأمومين ، من غير أن يكونوا يقسمون على الله بمخلوق ، كما ليس لهم أن يقسم بعضهم على بعض بمخلوق ، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم توسلوا بدعاء العباس واستسقوا به . ولهذا قال الفقهاء : يستحب الاستسقاء بأهل الخير والدين ، والأفضل أن يكون من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد استسقى معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي وقال اللهم إنا نستسقي بيزيد بن الأسود ، يا يزيد ارفع يدك فرفع يديه ودعا ، ودعا الناس حتى أمطروا .
-
ما صحة قصة الأعرابي الذي أنشد البيتين عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
-
هل طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم يتظمن دعاء غير الله ؟
-
ما مناسبة ذكر لفظة النبي في مواضع وذكر لفظة الرسول في أخرى ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولم يذهب أحد من الصحابة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره يستسقي عنده ولا به ، والعلماء استحبوا السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ للحديث الذي في سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " هذا مع ما في النسائي وغيره ، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام " . وفي سنن أبي داود وغيره عنه ، أنه قال " أكثروا من الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي " ، فقالوا يا رسول الله ، كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ -أي بليت - فقال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء " . فالصلاة عليه -بأبي هو وأمي- والسلام عليه مما أمر الله به ورسوله "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد ثبت في الصحيح أنه قال " من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا " . والمشروع لنا عند زيارة قبور الأنبياء والصالحين وسائر المؤمنين ، هو من جنس المشروع عند جنائزهم . فكما أن المقصود بالصلاة على الميت الدعاء له ؛ فالمقصود بزيارة قبره الدعاء له كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح والسنن والمسند " أنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور ، أن يقول قائلهم : " السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم ، واغفر لنا ولهم " فهذا دعاء خاص للميت ، كما في دعاء الصلاة على الجنازة الدعاء العام والخاص : " اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، إنك تعلم متقلبنا ومثوانا " أي ثم يخص الميت بالدعاء . قال الله تعالى في حق المنافقين : { ولا تصل على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله } . . .الآية. فلما نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليهم والقيام على قبورهم - لأجل كفرهم - دل ذلك بطريق التعليل والمفهوم على أن المؤمن يصلى عليه ويقام على قبره . ولهذا في السنن : أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دفن الرجل من أصحابه يقوم على قبره ، ثم يقول : " سلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " قال الله تعالى في حق المنافقين : { ولا تصل على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله } . . .الآية. فلما نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليهم والقيام على قبورهم - لأجل كفرهم - دل ذلك بطريق التعليل والمفهوم على أن المؤمن يصلى عليه ويقام على قبره . ولهذا في السنن : أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دفن الرجل من أصحابه يقوم على قبره ، ثم يقول : " سلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فأما أن يقصد بالزيارة : سؤال الميت ، أو الإقسام به على الله ، أو استجابة الدعاء عند تلك البقعة ، فهذا لم يكن من فعل أحد من سلف الأمة ، لا الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، وإنما حدث ذلك بعد ذلك . بل قد كره مالك وغيره من العلماء أن يقول القائل : زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم .
-
ما ريأيكم فيمن يجعل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من مناسك الحج ؟
-
قراءة الشيخ بحثا لبعض الطلبة حول تخريج حديث الدعاء عند دخول المقبرة
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقال القاضي عياض : كره مالك أن يقال : زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر عن بعضهم أنه علله بلعنه صلى الله عليه وسلم زوارات القبور ، قال : وهذا يرده قوله : " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " . وعن بعضهم أن الزائر أفضل من المزور ، قال : وهذا مردود بما جاء من زيارة أهل الجنة لربهم قال : والأولى أن يقال في ذلك : إنه إنما كرهه مالك لإضافة الزيارة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه لو قال : زرنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكرهه ، لقوله " اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " فحمى إضافة هذا اللفظ إلى القبر والتشبه بأولئك ؛ قطعًا للذريعة وحسمًا للباب قلت: غلب في عرف كثير من الناس استعمال لفظ : (زرنا) في زيارة قبور الأنبياء والصالحين على استعمال لفظ زيارة القبور في الزيارة البدعية الشركية لا في الزيارة الشرعية ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص ، ولا روى أحد في ذلك شيئًا ، لا أهل الصحيح ولا السنن ، ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره .وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره ، وأجل حديث روي في ذلك ما رواه الدارقطني ، وهو ضعيف باتفاق أهل العلم بل الأحاديث المروية في زيارة قبره ، كقوله : " من زارني وزار أبي إبراهيم الخليل في عام واحد ضمنت له على الله الجنة " ، و " من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي " ، و " من حج ولم يزرني فقد جفاني " ، ونحو هذه الأحاديث ، كلها مكذوبة موضوعة . لكن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور مطلقا ، بعد أن كان قد نهى عنها ، كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " ، وفي الصحيح عنه أنه قال : " استأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " فهذه زيارة لأجل تذكرة الآخرة ، ولهذا يجوز زيارة قبر الكافر لأجل ذلك . وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيسلم على موتى المسلمين ويدعو لهم ، فهذه زيارة مختصة بالمسلمين ، كما أن الصلاة على الجنازة تختص بالمؤمنين .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " كما أن الصلاة على الجنازة تختص بالمؤمنين . وقد استفاض عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما فعلوا ، قالت عائشة : " ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدًا " . وفي الصحيح أنه ذكر له كنيسة بأرض الحبشة ، وذكر من حسنها وتصاوير فيها ، فقال : " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك التصاوير ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " وهذه في الصحيح . وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس ، وهو يقول " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك " .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وفي السنن عنه أنه قال : " لا تتخذوا قبري عيدا ، وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني " ، وفي الموطأ وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . وفي المسند ، وصحيح أبي حاتم ، عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد " . ومعنى هذه الأحاديث متواتر عنه صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي - وكذلك عن أصحابه . فهذا الذي ينهى عنه: من اتخاذ القبور مساجد ، مفارق لما أمر به وشرعه من السلام على الموتى ، والدعاء لهم ، فالزيارة المشروعة من جنس الثاني . والزيارة المبتدعة من جنس الأول ، فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها ، وعن قصد الصلاة عندها ، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء ، فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور ، بل صرحوا بتحريم ذلك ، كما دل عليه النص . واتفقوا أيضا على أنه لا يشرع قصد الصلاة والدعاء عند القبور ، ولم يقل أحد من أئمة المسلمين إن الصلاة عندها والدعاء عندها أفضل منه في المساجد الخالية عن القبور "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " بل اتفق علماء المسلمين على أن الصلاة والدعاء في المساجد التي لم تبن على القبور ، أفضل من الصلاة والدعاء في المساجد التي بنيت على القبور ، بل الصلاة والدعاء في هذه منهي عنه مكروه باتفاقهم ، وقد صرح كثير منهم بتحريم ذلك بل وبإبطال الصلاة فيها ، وإن كان في هذا نزاع . والمقصود هنا : أن هذا ليس بواجب ولا مستحب ، باتفاقهم ، بل هو مكروه باتفاقهم . والفقهاء قد ذكروا في تعليل كراهة الصلاة في المقبرة علتين : إحداهما : نجاسة التراب باختلاطه بصديد الموتى ، وهذه علة من يفرق بين القديمة والحديثة ، وهذه العلة في صحتها نزاع ، لاختلاف العلماء في نجاسة تراب القبور ، وهي من مسائل الاستحالة ، وأكثر علماء المسلمين يقولون إن النجاسة تطهر بالاستحالة ، وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر ، وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد . وقد ثبت في الصحيح : أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان حائطًا لبني النجار ، وكان قبورًا من قبور المشركين ، ونخلا وخربًا ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخيل فقطعت ، وبالخرب فسويت ، وبالقبور فنبشت ، وجعل النخل في صف القبلة . فلو كان تراب قبور المشركين نجسا ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنقل ذلك التراب ، فإنه لا بد أن يختلط ذلك التراب بغيره "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والعلة الثانية ما في ذلك من مشابهة الكفار بالصلاة عند القبور ؛ لما يفضي إليه ذلك من الشرك وهذه العلة صحيحة باتفاقهم . والمعللون بالأولى كالشافعي وغيره ، عللوا بهذه أيضًا ، وكرهوا ذلك لما فيه من الفتنة ، وكذلك الأئمة : من أصحاب أحمد ومالك ، كأبي بكر الأثرم صاحب أحمد ، وغيره وعللوا بهذه الثانية أيضًا ، وإن كان منهم من قد يعلل بالأولى . وقد قال تعالى { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا } ، ذكر ابن عباس وغيره من السلف : " أن هذه أسماء قوم صالحين ، كانوا في قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، وصوروا تماثيلهم ، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم " قد ذكر هذا البخاري في صحيحه ، وأهل التفسير : كابن جرير وغيره ، وأصحاب قصص الأنبياء كوثيمة وغيره .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ويبين صحة هذه العلة أنه صلى الله عليه وسلم لعن من يتخذ قبور الأنبياء مساجد ، ومعلوم أن قبور الأنبياء لا تنبش ولا يكون ترابها نجسا ، وقد قال صلى الله عليه وسلم عن نفسه : " اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد " . وقال : " لا تتخذوا قبري عيدا " ، فعلم أن نهيه عن ذلك من جنس نهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ؛ لأن الكفار يسجدون للشمس حينئذ ، فسد الذريعة ، وحسم المادة ، بأن لا يصلى في هذه الساعة ، وإن كان المصلي لا يصلي إلا لله ، ولا يدعو إلا الله . وكذلك نهى عن اتخاذ القبور مساجد ، وإن كان المصلي عندها لا يصلي إلا لله ، ولا يدعو إلا الله ؛ لئلا يفضي ذلك إلى دعائها والصلاة لها. وكلا الأمرين قد وقع ، فإن من الناس من يسجد للشمس وغيرها من الكواكب ويدعو لها بأنواع الأدعية والتسبيحات ، ويلبس لها من اللباس والخواتم ما يظن مناسبته لها ، ويتحرى الأوقات والأمكنة والأبخرة المناسبة لها في زعمه . وهذا من أعظم أسباب الشرك الذي ضل به كثير من الأولين والآخرين ؛ حتى شاع ذلك في كثير ممن ينتسب إلى الإسلام ، وصنف فيه بعض المشهورين كتابا سماه : " السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم " على مذهب المشركين من الهند والصابئة ، والمشركين من العرب وغيرهم ، مثل طمطم الهندي ، وملكوشا البابلي ، وابن وحشية ، وأبي معشر البلخي ، وثابت بن قرة ، وأمثالهم ممن دخل في هذا الشرك ، وآمن بالجبت والطاغوت ، وهم ينتسبون إلى أهل الكتاب . كما قال تعالى { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرًا } ، وقد قال غير واحد من السلف : " الجبت : السحر ، والطاغوت : الأوثان " ، وبعضهم قال : "الشيطان" وكلاهما حق . هؤلاء يجمعون بين الجبت الذي هو السحر ، والشرك الذي هو عبادة الطاغوت ، كما يجمعون بين السحر ودعوة الكواكب ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام - بل ودين جميع الرسل - أنه شرك محرم ، بل هذا من أعظم أنواع الشرك الذي بعثت الرسل بالنهي عنه ، ومخاطبة إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم لقومه كانت في نحو هذا الشرك .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك قوله تعالى { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغًا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين. وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئًا وسع ربي كل شيءٍ علمًا أفلا تتذكرون. وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون. وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ من نشاء إن ربك حكيمٌ عليمٌ }. فإن إبراهيم عليه السلام سلك هذه السبيل لأن قومه كانوا يتخذون الكواكب أربابا ، يدعونها ويسألونها ، ولم يكونوا هم ولا أحد من العقلاء يعتقد أن كوكبا من الكواكب خلق السماوات والأرض ، وإنما كانوا يدعونها من دون الله على مذهب هؤلاء المشركين ، ولهذا قال الخليل عليه السلام { أفرأيتم ما كنتم تعبدون. أنتم وآباؤكم الأقدمون. فإنهم عدوٌ لي إلا رب العالمين } ، وقال الخليل : { إنني براءٌ مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين } . والخليل صلوات الله عليه ، أنكر شركهم بالكواكب العلوية ، وشركهم بالأوثان ، التي هي تماثيل وطلاسم لتلك ، أو هي أمثال لمن مات من الأنبياء والصالحين وغيرهم ، وكسر الأصنام ، كما قال تعالى عنه : { فجعلهم جذاذًا إلا كبيرًا لهم لعلهم إليه يرجعون } .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والمقصود هنا : أن الشرك وقع كثيرا ، وكذلك الشرك بأهل القبور بمثل دعائهم ، والتضرع إليهم ، والرغبة إليهم ، ونحو ذلك . فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم : نهى عن الصلاة التي تتضمن الدعاء لله وحده خالصا عند القبور ؛ لئلا يفضي ذلك إلى نوع من الشرك بربهم ، فكيف إذا وجد ما هو نوع الشرك من الرغبة إليهم ، سواء طلب منهم قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، أو طلب منهم أن يطلبوا ذلك من الله تعالى ؟ بل لو أقسم على الله ببعض خلقه من الأنبياء والملائكة وغيرهم ؛ لنهي عن ذلك ولو لم يكن عند قبره ، كما لا يقسم بمخلوق مطلقا ، وهذا القسم منهي عنه ، غير منعقد باتفاق الأئمة . وهل هو نهي تحريم أو تنزيه ؟ على قولين : أصحهما : أنه نهي تحريم. ولم يتنازع العلماء إلا في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فإن فيه قولين في مذهب أحمد وبعض أصحابه ، كابن عقيل طرد الخلاف في الحلف بسائر الأنبياء ، لكن القول الذي عليه جمهور الأئمة ، كمالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم : أنه لا ينعقد اليمين بمخلوق البته ، ولا يقسم بمخلوق البته ، وهذا هو الصواب . والإقسام على الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مبني على هذا الأصل ، ففيه هذا النزاع ، وقد نقل عن أحمد في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في ( منسك المروزي ) ما يناسب قوله بانعقاد اليمين به ، لكن الصحيح أنه لا تنعقد اليمين به . فكذلك هذا . وأما غيره : فما علمت بين الأئمة فيه نزاعا بل قد صرح العلماء بالنهي عن ذلك ، واتفقوا على أن الله يسأل ، ويقسم عليه بأسمائه وصفاته ، كما يقسم على غيره بذلك ، كالأدعية المعروفة في السنن : " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، أنت الله المنان ، بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام " . وفي الحديث الآخر : " " اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد " ، وفي الحديث الآخر : " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك " ، فهذه الأدعية ونحوها مشروعة باتفاق العلماء . وأما إذا قال : " أسألك بمعاقد العز من عرشك " فهذا فيه نزاع ، رخص فيه غير واحد لمجيء الأثر به . ونقل عن أبي حنيفة كراهته . قال أبو الحسين القدوري في ( شرح الكرخي ) : قال بشر بن الوليد : سمعت أبا يوسف قال : قال أبو حنيفة رحمه الله : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به ، وأكره أن يقول : بمعقد العز من عرشك ، أو بحق خلقك. قال أبو يوسف : بمعقد العز من عرشه، هو الله ، فلا أكره هذا ، وأكره : بحق فلان ، أو بحق أنبيائك ورسلك ، وبحق البيت والمشعر الحرام ، بهذا الحق يكره . قالوا جميعًا : فالمسألة بخلقه لا تجوز ؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق ، فلا يجوز أن يسأل بما ليس مستحقا ، ولكن معقد العز من عرشك : هل هو سؤال بمخلوق أو خالق ؟ فيه نزاع بينهم ، فلذلك تنازعوا فيه ، وأبو يوسف بلغه الأثر فيه : " أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك ، وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة " فجوزه لذلك . وقد نازع في هذا بعض الناس ، وقالوا : في حديث أبي سعيد الذي رواه ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء الذي يقوله الخارج إلى الصلاة : " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي هذا ، فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ، ولا رياء ، ولا سمعة ، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، أسألك أن تنقذني من النار ، وأن تغفر لي " . وقد قال تعالى { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } على قراءة حمزة وغيره ممن خفض ( الأرحام ) ، وقالوا : تفسيرها : أي يتساءلون به وبالأرحام ، كما يقال : سألتك بالله وبالرحم . ومن زعم من النحاة أنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا باعادة الجار ، فإنما قاله لما رأى غالب الكلام بإعادة الجار ، وإلا فقد سمع من الكلام العربي - نثره ونظمه - العطف بدون ذلك كما حكى سيبويه : " ما فيها غيره وفرسه " ، ولا ضرورة هنا ، كما يدعى مثل ذلك في الشعر "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن زعم من النحاة أنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا باعادة الجار ، فإنما قاله لما رأى غالب الكلام بإعادة الجار ، وإلا فقد سمع من الكلام العربي - نثره ونظمه - العطف بدون ذلك كما حكى سيبويه : " ما فيها غيره وفرسه " ، ولا ضرورة هنا ، كما يدعى مثل ذلك في الشعر ، ولأنه قد ثبت في الصحيح أن عمر قال : " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " فيسقون . وفي النسائي والترمذي وغيرهما : حديث الأعمى الذي صححه الترمذي وغيرهما : " أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يدعو الله أن يرد بصره فأمره أن يتوضأ فيصلي ركعتين ويقول : " اللهم إني أسألك ، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد ، يا نبي الله إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضيها اللهم فشفعه في " فدعا الله ، فرد الله عليه بصره . والجواب عن هذا أن يقال : أولا : لا ريب أن الله جعل على نفسه حقا لعباده المؤمنين ، كما قال تعالى { وكان حقًا علينا نصر المؤمنين } ، وكما قال تعالى { كتب ربكم على نفسه الرحمة } ، وفي الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل وهو رديفه : " يا معاذ ، أتدري ما حق الله على عباده ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " حقه عليهم أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا . أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " حقهم عليه أن لا يعذبهم " فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق . وقد اتفق العلماء على وجوب ما يجب بوعده الصادق ، وتنازعوا : هل يوجب بنفسه على نفسه ؟ على قولين . ومن جوز ذلك احتج بقوله سبحانه : { كتب ربكم على نفسه الرحمة } ، وبقوله في الحديث الصحيح : " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما " ، والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر . وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى ، والتحريم بالقياس على خلقه ، فهذا قول القدرية ، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول ، وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء ومليكه ، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئا ، ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب ، قال : إنه كتب على نفسه ، وحرم على نفسه ، لا أن العبد نفسه يستحق على الله شيئا ، كما يكون للمخلوق على المخلوق ؛ فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير فهو الخالق لهم وهو المرسل إليهم الرسل ، وهو الميسر لهم الإيمان ، والعمل الصالح . ومن توهم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقه الأجير على من استأجره ؛ فهو جاهل في ذلك .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وإذا كان كذلك : لم تكن الوسيلة إليه إلا بما من به من فضله وإحسانه ، والحق الذي لعباده هو من فضله وإحسانه ، ليس من باب المعاوضة ، ولا من باب ما أوجبه غيره عليه فإنه سبحانه يتعالى عن ذلك . وإذا سئل بما جعله سببا للمطلوب من الأعمال الصالحة التي وعد أصحابها بكرامته ، وأنه يجعل لهم مخرجا ، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون ، فيستجيب دعاءهم ، ومن أدعية عباده الصالحين ، وشفاعة ذوي الوجاهة عنده ، فهذا سؤال وتسبب بما جعله هو سببا . وأما إذا سئل بشيء ليس سببا للمطلوب : فإما أن يكون إقساما عليه به ، فلا يقسم على الله بمخلوق ، وإما أن يكون سؤالا بما لا يقتضي المطلوب فيكون عديم الفائدة ، فالأنبياء والمؤمنون لهم حق على الله بوعده الصادق لهم ، وبكلماته التامة ، ورحمته لهم : أن يمنعهم ، ولا يعذبهم ، وهم وجهاء عنده ، يقبل من شفاعتهم ودعائهم ، ما لا يقبله من دعاء غيرهم . فإذا قال الداعي أسألك بحق فلان ، وفلان لم يدع له ، وهو لم يسأله باتباعه لذلك الشخص ومحبته وطاعته ، بل بنفس ذاته ، وما جعله له ربه من الكرامة ، لم يكن قد سأله بسبب يوجب المطلوب . وحينئذ فيقال: أما التوسل والتوجه إلى الله وسؤاله بالأعمال الصالحة التي أمر بها ، كدعاء الثلاثة الذين آووا إلى الغار بأعمالهم الصالحة ، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم ، فهذا مما لا نزاع فيه ، بل هذا من الوسيلة التي أمر الله بها في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة } ، وقوله سبحانه { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه } ، فإن ابتغاء الوسيلة إليه ، هو : طلب من يتوسل به ، أي يتوصل ويتقرب به إليه سبحانه ، سواء كان على وجه العبادة والطاعة وامتثال الأمر ، أو كان على وجه السؤال له ، والاستعاذة به ، رغبة إليه في جلب المنافع ودفع المضار . ولفظ الدعاء في القرآن يتناول هذا وهذا ، الدعاء بمعنى العبادة ، والدعاء بمعنى المسألة ، وإن كان كل منهما يستلزم الآخر ، لكن العبد قد تنزل به النازلة فيكون مقصوده طلب حاجته ، وتفريج كرباته ، فيسعى في ذلك بالسؤال والتضرع ، وإن كان ذلك من العبادة والطاعة ، ثم يكون في أول الأمر قصده حصول ذلك المطلوب : من الرزق والنصر والعافية مطلقا ، ثم الدعاء والتضرع يفتح له من أبواب الإيمان بالله عز وجل ومعرفته ومحبته ، والتنعم بذكره ودعائه ، ما يكون هو أحب إليه وأعظم قدرا عنده من تلك الحاجة التي أهمته . وهذا من رحمة الله بعباده، يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العلية الدينية.
-
هل يصح الإستدلال بحديث الأعمى على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟
-
هل يجوز الاحتجاج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وهل العامل به له الفضل والأجر ؟
-
ما رأيكم في قول البعض من الناس: ترك العمل مع الإعتقاد مع الخلاف في مسألة ترك الصلاة داخل في مسمى الإيمان هو قول الإرجاء ولكن بمفهوم عصري ؟
-
هل يشترط في الكفر أن يقصد فاعله الكفر أم يقصد الفعل أو القول ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد يفعل العبد ما أمر به ابتداء لأجل العبادة لله، والطاعة له، ولما عنده من محبته والإنابة إليه، وخشيته، وامتثال أمره، وإن كان ذلك يتضمن حصول الرزق والنصر والعافية ، وقد قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن أبو داود وغيره : " الدعاء هو العبادة " ، ثم قرأ قوله تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } . وقد فسر هذا الحديث مع القرآن بكلا النوعين : " ادعوني " أي اعبدوني وأطيعوا أمري ؛ أستجيب دعاءكم . وقيل : سلوني أعطكم ، وكلا المعنيين حق . وفي الصحيحين في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النزول : " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له . حتى يطلع الفجر " فذكر أولا : إجابته الدعاء ، ثم ذكر : إعطاء السائل ، والمغفرة للمستغفر ، فهذا جلب المنفعة ، وهذا دفع المضرة ، وكلاهما مقصود الداعي المجاب . وقال تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } . وقد روي : أن بعض الصحابة قال : يا رسول الله ، ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله هذه الآية فأخبر سبحانه أنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، ثم أمرهم بالاستجابة له وبالإيمان به ، كما قال بعضهم : فليستجيبوا لي إذا دعوتهم ، وليؤمنوا بي إني أجيب دعوتهم . قالوا : وبهذين السببين تحصل إجابة الدعوة : بكمال الطاعة لألوهيته ، وبصحة الإيمان بربوبيته ، فمن استجاب لربه بامتثال أمره ونهيه ؛ حصل مقصوده من الدعاء ، وأجيب دعاؤه ، كما قال تعالى { ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله } أي : يستجيب لهم ، يقال : استجابه واستجاب له . فمن دعاه موقنا أن يجيب دعوة الداعي إذا دعاه أجابه ، وقد يكون مشركا وفاسقا ، فإنه سبحانه هو القائل : { وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضرٍ مسه } ، وهو القائل سبحانه : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورًا } ، وهو القائل سبحانه { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين }{ بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون } . ولكن هؤلاء الذين يستجاب لهم لإقرارهم بربوبيته ، وأنه يجيب دعاء المضطر ، إذا لم يكونوا مخلصين له الدين ، في عبادته ، ولا مطيعين له ولرسوله ، كان ما يعطيهم بدعائهم متاعا في الحياة الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق . وقال تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذمومًا مدحورًا }{ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكورًا }{ كلًا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورًا } . وقد دعا الخليل عليه الصلاة والسلام بالرزق لأهل الإيمان فقال : { وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } . قال الله تعالى : { ومن كفر فأمتعه قليلًا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } فليس كل من متعه الله برزق ونصر ، إما إجابة لدعائه ، وإما بدون ذلك ، يكون ممن يحبه الله ويواليه ، بل هو سبحانه يرزق المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، وقد يجيب دعاءهم ويعطيهم سؤلهم في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من خلاق . وقد ذكروا أن بعض الكفار من النصارى حاصروا مدينة للمسلمين فنفد ماؤهم العذب ، فطلبوا من المسلمين أن يزودوهم بماء عذب ليرجعوا عنهم ، فاشتور ولاة أمر المسلمين ، وقالوا : بل ندعهم حتى يضعفهم العطش فنأخذهم ، فقام أولئك فاستسقوا ودعوا الله فسقاهم ، فاضطرب بعض العامة ، فقال الملك لبعض العارفين : أدرك الناس فأمر بنصب منبر له وقال : اللهم إنا نعلم أن هؤلاء من الذين تكفلت بأرزاقهم كما قلت في كتابك : { وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها } ، وقد دعوك مضطرين ، وأنت تجيب المضطر إذا دعاك ، فأسقيتهم ؛ لما تكفلت به من رزقهم ، ولما دعوك مضطرين لا لأنك تحبهم ، ولا تحب دينهم ، والآن فنريد أن ترينا آية يثبت بها الإيمان في قلوب عبادك المؤمنين . فأرسل الله عليهم ريحا فأهلكتهم ، أو نحو هذا .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن هذا الباب : من قد يدعو دعاء يعتدي فيه ، إما بطلب ما لا يصلح ، أو بالدعاء الذي فيه معصية الله ، شرك أو غيره ، فإذا حصل بعض غرضه ؛ ظن أن ذلك دليل على أن عمله صالح ، بمنزلة من أملي له ، وأمد بالمال والبنين ، يظن أن ذلك مسارعة له في الخيرات . قال تعالى : { أيحسبون أنما نمدهم به من مالٍ وبنين }{ نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } ، وقال تعالى { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيءٍ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون } ، وقال تعالى { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا ولهم عذابٌ مهينٌ } والإملاء : إطالة العمر ، وما في ضمنه من رزق ونصر . وقال تعالى : { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. وأملي لهم إن كيدي متينٌ } . وهذا باب واسع مبسوط في غير هذا الموضع : وقال تعالى : { ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً إنه لا يحب المعتدين } والمقصود هنا : أن دعاء الله قد يكون دعاء عبادة لله ، فيثاب العبد عليه في الآخرة ، مع ما يحصل له في الدنيا ، وقد يكون دعاء مسألة تقضى به حاجته ، ثم قد يثاب عليه إذا كان مما يحبه الله ، وقد لا يحصل له إلا تلك الحاجة ، وقد يكون سببا لضرر دينه ، فيعاقب على ما ضيعه من حقوق الله سبحانه وتعداه من حدوده "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فالوسيلة التي أمر الله بابتغائها إليه تعم الوسيلة في عبادته وفي مسألته ، فالتوسل إليه بالأعمال الصالحة التي أمر بها ، وبدعاء الأنبياء والصالحين وشفاعتهم ، ليس هو من باب الإقسام عليه بمخلوقاته . ومن هذا الباب : استشفاع الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، فإنهم يطلبون منه أن يشفع لهم إلى الله ، كما كانوا في الدنيا يطلبون منه أن يدعو لهم ، في الاستسقاء وغيره . وقول عمر رضي الله عنه : " إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا " معناه : نتوسل إليك بدعائه وشفاعته ، وسؤاله ونحن نتوسل إليك بدعاء عمه وسؤاله وشفاعته ، ليس المراد به أنا نقسم عليك به أو ما يجري هذا المجرى مما يفعله بعد موته وفي مغيبه ، كما يقول بعض الناس : أسألك بجاه فلان عندك ، ويقولون : إنا نتوسل إلى الله بأنبيائه وأوليائه ، ويروون حديثا موضوعا : " إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي ، فإن جاهي عند الله عريض " . فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه ، كما ذكر عمر رضي الله عنه ؛ لفعلوا ذلك به بعد موته ، ولم يعدلوا عنه إلى العباس مع علمهم بأن السؤال به والإقسام به أعظم من العباس ، فعلم أن ذلك التوسل الذي ذكروه هو مما يفعله الأحياء دون الأموات ، وهو التوسل بدعائهم وشفاعتهم ، فإن الحي يطلب منه ذلك ، والميت لا يطلب منه شيء ، لا دعاء ، ولا غيره .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وكذلك حديث الأعمى ، فإنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ليرد الله عليه بصره ، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أمره فيه أن يسأل الله قبول شفاعة نبيه فيه ، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع فيه ، وأمره أن يسأل الله قبول الشفاعة ، وأن قوله : " أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة " أي : بدعائه وشفاعته ، كما قال عمر : " كنا نتوسل إليك بنبينا " فلفظ التوسل والتوجه في الحديثين بمعنى واحد ، ثم قال : " يا محمد ، يا رسول الله ، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها ، اللهم فشفعه في فطلب من الله أن يشفع فيه نبيه ، وقوله : " يا محمد يا نبي الله " هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب ، فيخاطب الشهود بالقلب : كما يقول المصلي : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا ، يخاطب من يتصوره في نفسه ، وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب .
-
التعليق على حديث ابن مسعود في التشهد في الصلاة وفيه " فلما مات كنا نقول السلام على النبي " وأنه اجتهاد منه وهو اجتهاد غير صحيح
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فلفظ التوسل بالشخص ، والتوجه به ، والسؤال به ، فيه إجمال واشتراك ، غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة ، يراد به التسبب به لكونه داعيا وشافعا مثلا ، أو لكون الداعي مجيبا له ، مطيعا لأمره ، مقتديا به ، فيكون التسبب : إما لمحبة السائل له واتباعه له ، وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته ، ويراد به الإقسام به والتوسل بذاته ، فلا يكون التوسل لا لشيء منه ، ولا شيء من السائل ، بل بذاته ، أو بمجرد الإقسام به على الله . فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه وكذلك لفظ السؤال بشيء قد يراد به المعنى الأول ، وهو التسبب به لكونه سببا في حصول المطلوب ، وقد يراد به الإقسام . ومن الأول : حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار ، وهو حديث مشهور في الصحيحين وغيرهما ، فإن الصخرة انطبقت عليهم " فقالوا : ليدع كل رجل منكم بأفضل عمله ، فقال أحدهم : اللهم إنه كانت لي ابنة عم فأحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء ، وإنها طلبت مني مائة دينار ، فلما أتيتها بها قالت : يا عبد الله ، اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فتركت الذهب وانصرفت ، فإن كنت إنما فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ، فانفرجت لهم فرجة رأوا منها السماء . وقال الآخر : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ، فناء بي طلب الشجر يوما ، فلم أرح عليهما حتى ناما ، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين ، فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي ، أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر ، فاستيقظا فشربا غبوقهما ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها . وقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم ، غير رجل واحد ، ترك الذي له وذهب ، فثمرت أجره ، حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله ، أد لي أجري ، فقلت له : كل ما ترى من أجرك : من الإبل والبقر والغنم والرقيق . فقال يا عبد الله ، لا تستهزئ بي ، فقلت : أنا لا استهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة ، فخرجوا يمشون " . فهؤلاء دعوا الله سبحانه بصالح الأعمال ؛ لأن الأعمال الصالحة هي أعظم ما يتوسل به العبد إلى الله تعالى ، ويتوجه به إليه ويسأله به ؛ لأنه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ويزيدهم من فضله : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } ، وهؤلاء دعوه بعبادته وفعل ما أمر به ، من العمل الصالح ، وسؤاله والتضرع إليه . ومن هذا : يذكر عن الفضيل بن عياض ، أنه أصابه عسر البول فقال : بحبي إياك إلا فرجت عني " ففرج عنه . وكذلك دعاء المرأة المهاجرة التي أحيا الله ابنها لما قالت : " اللهم إني آمنت بك وبرسولك ، وهاجرت في سبيلك " وسألت الله أن يحيي ولدها . وأمثال ذلك . وهذا كما قال المؤمنون : { ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد } .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فسؤال الله والتوسل إليه بامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وفعل ما يحبه ، والعبودية والطاعة ، هو من جنس فعل ذلك ؛ رجاء لرحمة الله ، وخوفا من عذابه ، وسؤال الله بأسمائه وصفاته كقوله : " أسألك بأن لك الحمد أنت الله المنان بديع السماوات والأرض " ، و " بأنك أنت الله الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد " ونحو ذلك يكون من باب التسبب ، فإن كون المحمود المنان يقتضي منته على عباده ، وإحسانه الذي يحمده عليه . وكونه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد يقتضي توحده في صمديته ، فيكون هو السيد المقصود ، الذي يصمد الناس إليه في كل حوائجهم ، المستغني عما سواه ، وكل ما سواه مفتقرون إليه لا غنى بهم عنه ، وهذا سبب لقضاء المطلوبات ، وقد يتضمن معنى ذلك : الإقسام عليه بأسمائه وصفاته .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما قوله في حديث أبي سعيد : " أسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي هذا " ، فهذا الحديث رواه عطية العوفي ، وفيه ضعف . لكن بتقدير ثبوته : هو من هذا الباب ، فإن حق السائلين عليه سبحانه ، أن يجيبهم ، وحق المطيعين له أن يثيبهم ، فالسؤال له ، والطاعة سبب لحصول إجابته وإثابته ، فهو من التوسل به ، والتوجه به ، والتسبب به ، ولو قدر أنه قسم لكان قسما بما هو من صفاته ؛ لأن إجابته وإثابته من أفعاله وأقواله . فصار هذا كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " والاستعاذة لا تصح بمخلوق ، كما نص عليه الإمام أحمد وغيره من الأئمة ، وذلك مما استدلوا به على أن كلام الله غير مخلوق ، ولأنه قد ثبت في الصحيح وغيره ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يقول " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " قالوا : والاستعاذة لا تكون بمخلوق ، فأورد بعض الناس لفظ ( المعافاة ) فقال جمهور أهل السنة : المعافاة من الأفعال ، وجمهور المسلمين من أهل السنة وغيرهم يقولون : إن أفعال الله قائمة به ، وأن الخالق ليس هو المخلوق ، وعلى هذا جمهور أصحاب أحمد والشافعي ومالك ، وهو قول أصحاب أبي حنيفة ، وقول عامة أهل الحديث ، والصوفية ، وطوائف من أهل الكلام والفلسفة .
-
كلام مهم حول قبول الحق ممن قاله ورد الباطل ممن قاله ولو كان المحق والمبطل مهما كان .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وبهذا يحصل الجواب عما أوردته المعتزلة ونحوهم من الجهمية نقضا . فإن أهل الإثبات ، من أهل الحديث وعامة المتكلمة الصفاتية : من الكلابية والأشعرية والكرامية وغيرهم ، استدلوا على أن كلام الله غير مخلوق ، فإن الصفة إذا قامت بمحل ؛ عاد حكمها على ذلك المحل لا على غيره ، واتصف به ذلك المحل لا غيره ، فإذا خلق الله لمحل علما أو قدرة أو حركة ، أو نحو ذلك ؛ كان هو العالم به القادر به ، المتحرك به ، ولم يجز أن يقال : إن الرب المتحرك بتلك الحركة ، ولا هو العالم القادر بالعلم والقدرة المخلوقين ، بل بما قام به من العلم والقدرة . قالوا : فلو كان قد خلق كلاما في غيره ، كالشجرة التي نادى منها موسى ؛ لكانت الشجرة هي المتصفة بذلك الكلام ، فتكون الشجرة هي القائلة لموسى : { إنني أنا الله } ولكان ما يخلقه الله من : إنطاق الجلود والأيدي وتسبيح الحصى وتأويب الجبال في ، وغير ذلك ، كلاما له كالقرآن والتوراة والإنجيل ، بل كان كل كلام في الوجود كلامه ؛ لأنه خالق كل شيء ، وهذا قد التزمه مثل صاحب ( الفصوص ) وأمثاله من هؤلاء الجهمية الحلولية الاتحادية . فأوردت المعتزلة صفات الأفعال : كالعدل والإحسان ، فإنه يقال : إنه عادل محسن بعدل خلقه في غيره ، وإحسان خلقه في غيره ، فأشكل ذلك على من يقول : ليس لله فعل قائم به ، بل فعله هو المفعول المنفصل عنه ، وليس خلقه إلا مخلوقه . وأما من طرد القاعدة وقال أيضا : إن الأفعال قائمة به ، ولكن المفعولات المخلوقة هي المنفصلة عنه ، وفرق بين الخلق والمخلوق ، فاطرد دليله واستقام .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " والمقصود هنا: أن استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم بعفوه ومعافاته من عقوبته ، - مع أنه لا يستعاذ بمخلوق - كسؤال الله بإجابته وإثابته ، وإن كان لا يسأل بمخلوق . ومن قال من العلماء : لا يسأل إلا به ، لا ينافي السؤال بصفاته ، كما أن الحلف لا يشرع إلا بالله ، كما ثبت في الحديث الصحيح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " ، وفي لفظ للترمذي : " من حلف بغير الله فقد أشرك " قال الترمذي : " حديث حسن " ومع هذا ، فالحلف بعزة الله ، ولعمر الله ، ونحو ذلك مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف به ، لم يدخل في الحلف بغير الله ؛ لأن لفظ ( الغير ) قد يراد به المباين المنفصل "
-
ما معنى قوله تعالى: " لا يمسه إلى المطهرون " وهل يستدل به على منع مسح المصحف لغير المتطهر ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومع هذا فالحلف بعزة الله ، ولعمر الله ، ونحو ذلك مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف به ، لم يدخل في الحلف بغير الله ؛ لأن لفظ ( الغير ) قد يراد به المباين المنفصل ، ولهذا لم يطلق السلف وسائر الأئمة على القرآن وسائر صفات الله ، أنها غيره ، ولم يطلقوا عليه أنها ليست غيره ؛ لأن لفظ ( الغير ) فيه إجمال ، قد يراد به : المباين المنفصل ؛ فلا يكون صفة الموصوف أو بعضه داخلا في لفظ : الغير . وقد يراد به : ما يمكن تصوره ، دون تصور ما هو غير له ؛ فيكون غيرا بهذا الاصطلاح . ولهذا تنازع أهل النظر في مسمى : ( الغير ) والنزاع في ذلك لفظي ، ولكن بسبب ذلك حصلت في مسائل الصفات من الشبهات ما لا ينجلي إلا بمعرفة ما وقع في الألفاظ من الاشتراك والإبهامات ، كما قد بسط في غير هذا الموضع . ولهذا يفرق بين قول القائل: الصفات غير الذات ، وبين قوله : صفات الله غير الله ، فإن الثاني باطل ؛ لأن مسمى اسم ( الله ) يدخل فيه صفاته ، بخلاف مسمى ( الذات ) فإنه لا يدخل فيه الصفات ، ولهذا لا يقال : صفات الله زائدة عليه سبحانه ، وإن قيل : الصفات زائدة على الذات ؛ لأن المراد أنها هي زائدة على ما أثبته المثبتون من الذات المجردة ، والله تعالى هو الذات الموصوفة بصفاته اللازمة ، فليس اسم الله متناولا لذات مجردة عن الصفات أصلا ، ولا يمكن وجود ذلك ، ولهذا قال أحمد رحمه الله في مناظرته للجهمية : لا نقول : الله وعلمه ، والله وقدرته ، والله ونوره ، ولكن نقول : الله بعلمه وقدرته ونوره : هو إله واحد . وقد بسط هذا في غير هذا الموضع .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وأما قول الناس : أسألك بالله وبالرحم ، وقراءة من قرأ : ( تساءلون به والأرحام ) فهو من باب التسبب بها ، فإن الرحم توجب الصلة ، وتقتضي أن يصل الإنسان قرابته ، فسؤال السائل بالرحم لغيره ، يتوسل إليه بما يوجب صلته : من القرابة التي بينهما ، ليس هو من باب الإقسام ، ولا من باب التوسل بما لا يقتضي المطلوب ، بل هو توسل بما يقتضي المطلوب ، كالتوسل بدعاء الأنبياء ، وبطاعتهم ، والصلاة عليهم . ومن هذا الباب : ما يروى عن عبد الله بن جعفر أنه قال : " كنت إذا سألت عليا رضي الله عنه شيئا فلم يعطنيه ، قلت له : بحق جعفر إلا ما أعطيتنيه فيعطينيه " أو كما قال . فإن بعض الناس ظن أن هذا من باب الإقسام عليه بجعفر ، أو من باب قولهم : أسألك بحق أنبيائك ، ونحو ذلك وليس كذلك ، بل جعفر هو أخو علي ، وعبد الله هو ابنه ، وله عليه حق الصلة ، فصلة عبد الله صلة لأبيه جعفر ، كما في الحديث : " إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي " ، وقوله : " إن من برهما بعد موتهما : الدعاء لهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة رحمك التي لا رحم لك إلا من قبلهما " . ولو كان هذا من الباب الذي ظنوه ؛ لكان سؤاله لعلي بحق النبي وإبراهيم الخليل ونحوهما ، أولى من سؤاله بحق جعفر ، فكان علي إلى تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته وإجابة السائل به أسرع منه إلى إجابة السائل بغيره . لكن بين المعنيين فرق ، فإن السائل بالنبي ، طالب به متسبب به ، فإن لم يكن في ذلك السبب ما يقتضي حصول مطلوبه ، ولا كان يسأل ما به ، لكان باطلا . وإقسام الإنسان على غيره بشيء يكون من باب تعظيم المقسم للمقسم به ، وهذا هو الذي جاء به الحديث من الأمر بإبرار القسم ، وفي مثل هذا قيل : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " ، وقد يكون من باب تعظيم المسؤول به . فالأول يشبه ما ذكره الفقهاء في الحلف الذي يقصد به الحض والمنع ، والثاني : سؤال للمسؤول بما عنده من محبة المسؤول به وتعظيمه ورعاية حقه . فإن كان ذلك مما يقتضي حصول مقصود السائل ، حسن السؤال ، كسؤال الإنسان بالرحم وفي هذا سؤال الله بالأعمال الصالحة ، وبدعاء أنبيائه وشفاعتهم . وأما بمجرد الأنبياء والصالحين ، ومحبة الله لهم وتعظيمه لهم ، ورعايته لحقوقهم التي أنعم الله بها ، فليس فيها ما يوجب حصول مقصود السائل إلا بسبب بين السائل وبينهم ، إما محبتهم وطاعتهم فيثاب على ذلك ، وإما دعاؤهم له فيستجيب الله شفاعتهم فيه . فالتوسل بالأنبياء والصالحين يكون بأمرين : إما بطاعتهم واتباعهم ، وإما بدعائهم وشفاعتهم . فمجرد دعائه بهم من غير طاعة منه لهم ، ولا شفاعة منهم له ، فلا ينفعه ، وإن عظم جاه أحدهم عند الله تعالى . وقد بسطت هذه المسائل في غير هذا الموضع . والمقصود هنا : أنه إذا كان السلف والأئمة قالوا في سؤاله بالمخلوق ما قد ذكر ، فكيف بسؤال المخلوق الميت ؟ سواء سئل أن يسأل الله أو سئل قضاء الحاجة ، ونحو ذلك ، مما يفعله بعض الناس ، إما عند قبر الميت ، وإما مع غيبته ، وصاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حسم المادة وسد الذريعة ، بلعنه من يتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد ، وأن لا يصلى عندها لله ، ولا يسأل إلا الله ، وحذر أمته ذلك . فكيف إذا وقع نفس المحذور من الشرك، وأسباب الشرك ؟ وقد تقدم الكلام على الصلاة عند القبور ، واتخاذها مساجد .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد تبين أن أحدا من السلف لم يكن يفعل ذلك ، إلا ما نقل عن ابن عمر " أنه كان يتحرى النزول في المواضع التي نزل فيها النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة في المواضع التي صلى فيها ، حتى إن " النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وصب فضل وضوئه في أصل شجرة " . ففعل ابن عمر ذلك " وهذا من ابن عمر تحر لمثل فعله ، فإنه قصد أن يفعل مثل فعله ، في نزوله وصلاته ، وصبه للماء وغير ذلك ، لم يقصد ابن عمر الصلاة والدعاء في المواضع التي نزلها . والكلام هنا في ثلاث مسائل : إحداها : أن التأسي به في صورة الفعل الذي فعله ، من غير أن يعلم قصده فيه ، أو مع عدم السبب الذي فعله ، فهذا فيه نزاع مشهور ، وابن عمر مع طائفة يقولون بأحد القولين ، وغيرهم يخالفهم في ذلك ، والغالب والمعروف عن المهاجرين والأنصار أنهم لم يكونوا يفعلون كفعل ابن عمر رضي الله عنهم وليس هذا مما نحن فيه الآن . ومن هذا الباب : أنه لو تحرى رجل في سفره أن يصلي في مكان نزل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى فيه ، إذا جاء وقت الصلاة ؛ فهذا من هذا القبيل . المسألة الثانية : أن يتحرى تلك البقعة للصلاة عندها من غير أن يكون ذلك وقتا للصلاة ، بل أراد أن ينشئ الصلاة والدعاء لأجل البقعة ، فهذا لم ينقل عن ابن عمر ولا غيره ، وإن ادعى بعض الناس أن ابن عمر فعله ، فقد ثبت عن أبيه عمر أنه نهى عن ذلك ، وتواتر عن المهاجرين والأنصار : أنهم لم يكونوا يفعلون ذلك ؛ فيمتنع أن يكون فعل ابن عمر - لو فعل ذلك - حجة على أبيه ، وعلى المهاجرين والأنصار . والمسألة الثالثة : أن لا تكون تلك البقعة في طريقه ، بل يعدل عن طريقه إليها ، أو يسافر إليها سفرا قصيرا أو طويلا ، مثل من يذهب إلى حراء ليصلي فيه ويدعو ، أو يذهب إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام ليصلي فيه ويدعو ، أو يسافر إلى غير هذه الأمكنة من الجبال وغير الجبال ، التي يقال : فيها مقامات الأنبياء أو غيرهم ، أو مشهد مبني على أثر نبي من الأنبياء ، مثل ما كان مبنيا على نعله ومثل ما في جبل قاسيون ، وجبل الفتح ، وجبل طورزيتا الذي ببيت المقدس ، ونحو هذه البقاع . فهذا ما يعلم كل من كان عالما بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه من بعده ، أنهم لم يكونوا يقصدون شيئا من هذه الأمكنة ، فإن جبل حراء الذي هو أطول جبل بمكة ، كانت قريش تنتابه قبل الإسلام وتتعبد هناك ، ولهذا قال أبو طالب في شعره : وراق ليرقى في حراء ونازل ...
-
القراءة من قول المصنف ومقابلة النسخ: " وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي : الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي غار حراء ، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد ، ثم يرجع فيتزود لذلك ، حتى فجأه الوحي ، وهو بغار حراء ، فأتاه الملك ، فقال له : اقرأ ، فقال : لست بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، ثم قال : اقرأ ، فقال : لست بقارئ ، قال : مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علقٍ. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم } فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره " ، الحديث بطوله . فتحنثه وتعبده بغار حراء كان قبل المبعث ، ثم إنه لما أكرمه الله بنبوته ورسالته ، وفرض على الخلق الإيمان به وطاعته واتباعه ، وأقام بمكة بضع عشرة سنة هو ومن آمن به من المهاجرين الأولين الذين هم أفضل الخلق ، ولم يذهب هو ولا أحد من أصحابه إلى حراء .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم هاجر إلى المدينة واعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية التي صده فيها المشركون عن البيت - والحديبية عن يمينك وأنت قاصد مكة إذا مررت بالتنعيم ، عند المساجد التي يقال : إنها مساجد عائشة ، والجبل الذي عن يمينك يقال له : جبل التنعيم ، والحديبية غربيه - . ثم إنه اعتمر من العام القابل عمرة القضية ، ودخل مكة هو وكثير من أصحابه ، وأقاموا بها ثلاثا . ثم لما فتح مكة وذهب إلى ناحية حنين والطائف شرقي مكة ، فقاتل هوازن بوادي حنين ، ثم حاصر أهل الطائف وقسم غنائم حنين بالجعرانة ، فأتى بعمرة من الجعرانة إلى مكة . ثم إنه اعتمر عمرته الرابعة مع حجة الوداع ، وحج معه جماهير المسلمين ، لم يتخلف عن الحج معه إلا من شاء الله . وهو في ذلك كله ، لا هو ولا أحد من أصحابه يأتي غار حراء ، ولا يزوره ، ولا شيئا من البقاع التي حول مكة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ولم يكن هناك عبادة إلا بالمسجد الحرام ، وبين الصفا والمروة ، وبمنى والمزدلفة وعرفات ، وصلى الظهر والعصر ببطن عرنة ، وضربت له القبة يوم عرفة بنمرة ، المجاورة لعرفة .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ثم بعده خلفاؤه الراشدون ، وغيرهم من السابقين الأولين ، لم يكونوا يسيرون إلى غار حراء ونحوه للصلاة فيه والدعاء . وكذلك الغار المذكور في القرآن في قوله تعالى : { ثاني اثنين إذ هما في الغار } وهو غار بجبل ثور ، يمان مكة ، لم يشرع لأمته السفر إليه وزيارته والصلاة فيه والدعاء ، ولا بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة مسجدا ، غير المسجد الحرام ، بل تلك المساجد كلها محدثة ، مسجد المولد وغيره ، ولا شرع لأمته زيارة موضع المولد ، ولا زيارة موضع بيعة العقبة الذي خلف منى ، وقد بني هناك له مسجد . ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعا مستحبا يثيب الله عليه ؛ لكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بذلك ، ولكان يعلم أصحابه ذلك ، وكان أصحابه أعلم بذلك وأرغب فيه ممن بعدهم ، فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك ؛ علم أنه من البدع المحدثة ، التي لم يكونوا يعدونها عبادة وقربة وطاعة ، فمن جعلها عبادة وقربة وطاعة فقد اتبع غير سبيلهم ، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله . وإذا كان حكم مقام نبينا صلى الله عليه وسلم في مثل غار حراء الذي ابتدي فيه بالإنباء والإرسال ، وأنزل عليه فيه القرآن ، مع أنه كان قبل الإسلام يتعبد فيه . وفي مثل الغار المذكور في القرآن الذي أنزل الله فيه سكينته عليه . فمن المعلوم أن مقامات غيره من الأنبياء أبعد عن أن يشرع قصدها والسفر إليها لصلاة أو دعاء أو نحو ذلك ، إذا كانت صحيحة ثابتة . فكيف إذا علم أنها كذب ، أو لم يعلم صحتها ؟ وهذا كما أنه قد ثبت باتفاق أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج البيت لم يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين ، فلم يستلم الركنين الشاميين ولا غيرهما من جوانب البيت ، ولا مقام إبراهيم ولا غيره من المشاعر ، وأما التقبيل فلم يقبل إلا الحجر الأسود . وقد اختلف في الركن اليماني : فقيل : يقبله . وقيل : يستلمه ويقبل يده ، وقيل : لا يقبله ولا يقبل يده . والأقوال الثلاثة مشهورة في مذهب أحمد وغيره . والصواب : أنه لا يقبله ولا يقبل يده ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا ولا هذا ، كما تنطق به الأحاديث الصحيحة ، ثم هذه مسألة نزاع ، وأما مسائل الإجماع فلا نزاع بين الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة العلم ، أنه لا يقبل الركنين الشاميين ، ولا شيئا من جوانب البيت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الركنين اليمانيين ، وعلى هذا عامة السلف ، وقد روي : " أن ابن عباس ومعاوية طافا بالبيت ، فاستلم معاوية الأركان الأربعة . فقال ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الركنين اليمانيين ، فقال معاوية : ليس من البيت شيء متروك ، فقال ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، فرجع إليه معاوية ".
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وقد اتفق العلماء على ما مضت به السنة، من أنه لا يشرع الاستلام والتقبيل لمقام إبراهيم الذي ذكره الله تعالى في القرآن، وقال : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلًى } . فإذا كان هذا بالسنة المتواترة وباتفاق الأئمة، لا يشرع تقبيله بالفم ، ولا مسحه باليد ، فغيره من مقامات الأنبياء أولى أن لا يشرع تقبيلها بالفم ، ولا مسحها باليد . وأيضا : فإن المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه بالمدينة النبوية دائما ، لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يقبله ، ولا المواضع التي صلى فيها بمكة وغيرها . فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه بقدميه الكريمتين ، ويصلي عليه ، لم يشرع لأمته التمسح به ولا تقبيله ، فكيف بما يقال : إن غيره صلى فيه أو نام عليه ؟ وإذا كان هذا ليس بمشروع في موضع قدميه للصلاة ، فكيف بالنعل الذي هو موضع قدميه للمشي وغيره ؟ هذا إذا كان النعل صحيحا ، فكيف بما لا يعلم صحته ، أو بما يعلم أنه مكذوب : كحجارة كثيرة يأخذها الكذابون وينحتون فيها موضع قدم ، ويزعمون عند الجهال أن هذا الموضع قدم النبي صلى الله عليه وسلم "
-
القراءة من قول المصنف : " وإذا كان هذا غير مشروع في موضع قدميه ، وقدمي إبراهيم الخليل ، الذي لا شك فيه ، ونحن مع هذا قد أمرنا أن نتخذه مصلى ، فكيف بما يقال : إنه موضع قدميه ، كذبا وافتراء عليه ، كالموضع الذي بصخرة بيت المقدس ، وغير ذلك من المقامات ؟
-
هل أثر قدمي إبراهيم عليه السلام هي الموجودة الآن في مقام إبراهيم ؟
-
هل يؤخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومكثه في غار حراء أن يبتعد المسلم الداعي عن المشركين إذا كان يخشى على نفسه ؟
-
ما معنى قول المصنف: " ولا بنى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إلا المسجد الحرام " ؟
-
هل هذه المسائل التي ذكرها شيخ الإسلام هنا تعتبر من العقيدة لأن الأصل التركيز على العقيدة ؟
-
هناك عين جارية يقصدها الناس للاستشفاء بها فكل من يغتسل منها يشفى فهل هذا عمل مشروع ؟
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فإن قيل : قد أمر الله أن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى فيقاس عليه غيره . قيل له : هذا الحكم خاص بمقام إبراهيم الذي بمكة ، سواء أريد به المقام عند الكعبة موضع قيام إبراهيم ، أو أريد به المشاعر : عرفة ومزدلفة ومنى ، فلا نزاع بين المسلمين أن المشاعر خصت من العبادات بما لم يشركها فيه سائر البقاع ، كما خص البيت بالطواف "
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " فما خصت به تلك البقاع لا يقاس بها غيرها ، وما لم يشرع فيها فأولى أن لا يشرع في غيرها ، ونحن استدللنا على أن ما لم يشرع هناك من التقبيل والاستلام أولى أن لا يشرع في غيرها ، ولا يلزم أن يشرع في غير تلك البقاع مثل ما شرع فيها . ومن ذلك القبة التي عند باب عرفات ، التي يقال : إنها قبة آدم ، فإن هذه لا يشرع قصدها للصلاة والدعاء ، باتفاق العلماء ، بل نفس رقي الجبل الذي بعرفات الذي يقال له : جبل الرحمة ، واسمه : إلال ، على وزن هلال ، ليس مشروعا باتفاقهم .
-
القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " وإنما السنة الوقوف بعرفات : إما عند الصخرات حيث وقف النبي صلى الله عليه وسلم ، وإما بسائر عرفات ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ". وكذلك سائر المساجد المبنية هناك ، كالمساجد المبنية عند الجمرات ، وبجنب مسجد الخيف مسجد يقال له : (غار المرسلات ) فيه نزلت سورة المرسلات ، وفوق الجبل مسجد يقال له ( مسجد الكبش ) ونحو ذلك . لم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم قصد شيء من هذه البقاع لصلاة ولا دعاء ولا غير ذلك . وأما تقبيل شيء من ذلك والتمسح به ؛ فالأمر فيه أظهر إذ قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام : أن هذا ليس من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ذكر طائفة من المصنفين في المناسك استحباب زيارة مساجد مكة وما حولها ، وكنت قد كتبتها في منسك كتبته قبل أن أحج في أول عمري ، لبعض الشيوخ ، جمعته من كلام العلماء ، ثم تبين لنا أن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة ، وأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، لم يفعلوا شيئا من ذلك ، وأن أئمة العلم والهدى ينهون عن ذلك ، وأن المسجد الحرام هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة والدعاء والطواف ، وغير ذلك من العبادات ، ولم يشرع لنا قصد مسجد بعينه بمكة سواه ، ولا يصلح أن يجعل هناك مسجد يزاحمه في شيء من الأحكام ، وما يفعله الرجل في مسجد من تلك المساجد ، من دعاء وصلاة وغير ذلك ، إذا فعله في المسجد الحرام كان خيرا له ؛ بل هذا سنة مشروعة ، وأما قصد مسجد غيره هناك تحريا لفضله ، فبدعة غير مشروعة وأصل هذا : أن المساجد التي تشد إليها الرحال ، هي المساجد الثلاثة ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا " وقد روي هذا من وجوه أخرى ، وهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل العلم ، فتلقي بالقبول عنه .