تفسير سورة البقرة-39a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تفسير قوله تعالى : (( وآتى المال على حبه )) وبيان فضل الصدقة ذكر أمثلة من كرم الصحابة وحبهم للخير.
بمعنى أعطى إذا هي تنصب مفعولين، مفعول الأول: المال ، مفعول الثاني ؟الطالب : على حقه الشيخ : لا الطالب : ذوي القربى ، الشيخ : ذوي القربى معطوف عليه، وقوله: (( وآتى المال )) المال كل عين مباحة النفع بلا حاجة هذا مال ، أو إن شئت قل بحاجة أيضا ، كل عين مباحة النفع فهو مال نعم سواء كان هذا المال نقدا أو ثيابا أو طعاما أو عقارا أو أي شيء . وقوله: (( على حبه )) هذه جار ومجرور حال من فاعل آتى، يعني حال كونه محبا له ، محبا له لا لحاجته فيه أو بتعلق نفسه به ولو بدون حاجة ، أو لحاجة ، لأنك قد تحب المال لأنك محتاج إليه كما لو عند الإنسان بطانية في زمن الشتاء يحبه لأنه محتاج إليه أو سيارة موديل ثلاث وسبعين نعم ؟ لا لا ثلاث وسبعين ، موديل ثلاث وسبعين كفراتها ولا تمشي إلا الدفع لكنه محتاج لها هذا ما هو برغبته فيها الذي جعله يرغب يحبه ما هو ؟ الحاجة ، أو إنسان عنده سيارة موديل خمس وثمانين من أفخم سيارات العالم وعنده غيرها سيارات كثيرة هذه يحبها لأيش ؟ لتعلق نفسه بها صح ولا لا؟ طيب كان ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه إذا أعجبه في ماله شيء تصدق به وقال إن الله يقول: (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) وهذا طبق الآية التي معنا (( وآتى المال )) الآية يتكلم الله فيها عن البر (( وآتى المال على حبه )) فهو يحبه لحاجته إليه أو لتعلق نفسه به فيعطيه هؤلاء المحتاجين إليه وأبو طلحة لا يخفى على الجميع ماذا فعل لما سمع هذه الآية تصدق ببستان الذي هو أغلى شيء عنده فيما أظن لا لأنه بستانه فقط لكن لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي إليه ويشرب فيه من ماء طيب وقريبا من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنا أعتقد أن إنسانا يجيء الرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بستانه ويشرب فيه من الماء الطيب ويش يصير البستان عنده ؟ رخيص ولا غالي ؟ الطالب : غالي، الشيخ : غالي جدا ، يعني أن الرسول يجيء إلى هذا البستان شيء يوجب الرسول صلى الله عليه وسلم يجيء إلينا هذا أحب إلينا من كل شيء من المال ومع ذلك لما نزلت الآية ذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله هو صدقة إلى الله ورسوله فضعه حيث أراك الله فقال له النبي عليه الصلاة والسلام ( بخ بخ ذاك مال رابح ذاك مال رابح ) صدق الرسول عليه الصلاة والسلام هذا ربح نعم؟ لو اشترى منه بعشرة ملايين ربح لكن أيها أربح في هذا ؟ هذا أربح بكثير إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ثم قال ( أرى أن تجعله في الأقربين ) ، المهم إن (( آتى المال على حبه )) لماذا اشترط أن يكون على حبه ؟ لأن الذي يأتي على غير حبه كلنا ما يهمه الواحد لأنها في مشقة كلنا يدخل ، ثم إنه يدخل أيضا في قوله: (( على حبه )) أن يكون في حال الصحة نعم وفي حال الإشفاق على المال كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في خير الصدقة وأفضلها: ( أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ) وتأمل البقاء البقاء هذا اللفظ صحيح ، ولا فيها الغنى لكن تأمل البقاء هذا هو محل الشح الحقيقة يخاف من الفقر ويؤمن ن لكن واحد عمره مائة سنة وعنده ملايين الملايين هذا يخشى الفقر ؟ لا ، ويأمل البقاء ؟ لا ، لكن الشاب الذي ما عنده إلا شوي هذا هو الذي يخشى الفقر ويأمل البقاء يصير المال عنده غالي، فالمهم الحب إذا هذا تبين لنا المعنى الجديد بقوله : (( على حبه )) تعلق رغبته بالمال، حاجته إليه، كونه يخشى الفقر ويأمل البقاء .
1 - تفسير قوله تعالى : (( وآتى المال على حبه )) وبيان فضل الصدقة ذكر أمثلة من كرم الصحابة وحبهم للخير. أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( ذوي القربى )) والحكمة في تقديم ذوي القربى على غيرهم في الصدقة.
(( على حبه )) من ؟ (( ذوي القربى )) سبحان الله العظيم ـ ذوي القربى بدأ به قبل كل الأصناف بينما الأمر عندنا الآن بالعكس ، تلقى الواحد إذا وجد الفقير بعيدا عنه يظن أنه أولى بالصدقة من قريبه الذي هو ابن عمه ، لكن لا ذوي القربى ولو كانوا أغنياء أعطهم ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في إحدى نسائه أظن جويرية وقد أعتقت مملوكة لها قال: ( ما أنعم أنك لو أعطيتها أخوالها لكان أعظم لأجرك ) جعل الرسول عليه الصلاة والسلام صلة الرحم أفضل من العتق، وقوله: (( ذوي القربى )) القربى من المراد بهم؟ قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم أو قرابة المعطي ؟ الطالب : قرابة المعطي ، الشيخ : قرابة المعطي نعم ، واعلم أن الحكم إذا علق بالوصف يزداد قوة بقوة ذلك الوصف فإذا كان معلقا بالقرابة فكل من أقرب ؟ فهو أولى ، وأقرب الناس إليك وأحقهم بالبر أبوك وأمك .
تفسير قوله تعالى : (( واليتامى )) وتعريف اليتم
ثاني: (( اليتامى )) اليتامى جمع اليتيم وهو من مات أبوه قبل بلوغه من ذكر أو أنثى ، فأما من ماتت أمه فليس بيتيم ومن بلغ فليس بيتيم ، وسمي اليتيم من اليتم وهو الانفراد ولهذا إذا صارت القصيدة جميلة أو قوية يقولون هذه يتيمة الدرة اليتيمة نعم يعني معناها ما لها نظير منفردة ، طيب إذا اليتامى ماذا نقول ؟ جمع يتيم وهو من مات أبوه ولم يبلغ سواء كان ذكرا أو أنثى ، طيب يعطون ولو كانوا أغنياء ؟ نعم يعطون ولو كانوا أغنياء جبرا لقلوبهم لكن لاحظوا إن عطية اليتيم الغني ليست كعطية الفقير الفقير قد أعطيه ثوبا أو قصعة خبز أو ما أشبه ذلك ينتفع بها لكن يتيم الغني ما أعطيه مثل هذا ويش أعطيه ؟ هذا الآن لو نترك عليكم ويش أعطيه ؟ الطالب : بما يناسب حاله ، الشيخ : طيب بما يناسب حاله ،ممكن أعطيه قلم يمكن أعطيه ساعة مثلا يمكن أعطيه شيء يعني يفرح به أما يتيم أعطيه سيارة على كل حال يعطى ما يناسبه.
تفسير قوله تعالى : (( والمساكين )) وتعريف المسكين والفرق بينه وبين الفقير وأيهما أشد
(( والمساكين )) المساكين جمع مسكين وهو الفقير وهو الذي أسكنه الفقر سمي مسكينا لأن الفقر أسكنه والفقر ـ أعاذنا الله وإياكم منه ـ ما يجعل الإنسان يتكلم بطلاقة هذا في الغالب ، لأنه يرى نفسه أنه ما هو على المستوى الذي يمكنه من التكلم ويرى نفسه أنه لا كلمة له كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( رب أشعث أغبر مدفوعا بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) نعم المهم إن المسكين هو الفقير وسمي بذلك لأن الفقر أسكنه وأذله، واعلم أن الفقير بمعنى المسكين والمسكين بمعنى الفقير إلا إذا اجتمعا فإذا اجتمعا صار لكل واحد منهما معنى غير الآخر كما في آية الصدقة: (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) أيهما أشد ؟ الصحيح أن الأشد الفقير لأنه لأن الله بدأ به ويبدأ بالأحق فالأحق والأحوج فالأحوج في مقام الإعطاء ، وقال بعض أهل العلم إن المسكين أشد لأنه من أسكنه الفقر بخلاف الفقير ، والصواب أن الفقير أشد لأنه موافق للقفر ، فقر وقفر ، وقفر أيش معناه ؟ القفر الخلو أرض القفر خلو، وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبر حرب قبر هذا فيه تناقل .
تفسير قوله تعالى : (( وابن السبيل ))
(( وابن السبيل )) (( والمساكين وابن السبيل )) السبيل بمعنى الطريق ، والمراد بابن السبيل الملازم للطريق وهو المسافر، المسافر يكون في حاجة غالبا فيحتاج إلى من يبره ويعطيه المال ولهذا جعل الله له حظا من ؟ من الزكاة ، وابن السبيل هو المسافر وزاد العلماء أيضا قالوا المسافر المنقطع به يعني الذي انقطع به السفر فليس معه ما يوصله إلى بلده لأنه إذا كان معه ما يوصله إلى بلده فليس بحاجة وهو والمقيم على حد سواء فلا تتحقق حاجته إلا إذا انقطع به السفر .
تفسير قوله تعالى : (( والسآئلين )) وبيان ذم سؤال المال
قال: (( والسائلين )) السائلين جمع السائل وهو المستفهم أو المستجدي ؟ الطالب : مستجدي ، الشيخ : كيف مستجدي ؟ هل فيه فرق بين المستفهم والمستجدي ؟ أي نعم ، المستفهم الذي يقول أين المال؟ والمستجدي الذي يقول أعطني مالا، فالمراد بالآية هنا السائلين أي المستجدين الذين يقولون أعطنا ، فالسائل له حق لا من أجله هو لأنه قد يسأل هو ليس بمحتاج لكن من أجل صفة الكرم والحياء بمن ؟ بالمعطي ، لأن الإنسان إذا سئل وكان عنده كرم ما يمكن يقول لا ، إذا سئل وكان عنده حياء والحياء من الإيمان ما يمكن يقول لا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه فسأله رجل ذات يوم فأعطاه غنما بين جبلين وأهدي إلى النبي عليه الصلاة والسلام جبة فسألها وكان عليه الصلاة والسلام محتاجا إليها فسألها رجل عنده فأعطاه إياها فقيل للرجل لم صنعت ؟ والنبي عليه الصلاة والسلام محتاج إليها قال إني أريد أن تكون كفنا فكانت كفنه فالنبي عليه الصلاة والسلام لكرمه وحياءه لا يسأل شيئا إلا أعطاه، فالسائل له حق وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام لكنه لا يصح ( للسائل حق وإن جاء على فرس ) لكن هذا الحديث لا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واعلم أن السؤال سؤال المال الأصل فيه المنع والتحريم ولهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام من سؤال المال وأخبر أن الرجل لا يزال يسأل الناس حتى يأتي يوم القيمة وليس في وجهه مضغة لحم ـ والعياذ بالله ـ يكون وجهه يوم القيمة مقشر لأنه مثل ما أذل وجهه لعباد الله عوقب بذلك بهذه العقوبة العظيمة في هذا المشهد العظيم وقد بايع النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه من جملة ما بايعهم عليه: ( أن لا يسألوا الناس شيئا ) فكان الواحد منهم يسقط سوطه من ناقته فينزل ويأخذه ولا يقول لأخيه أعطني سوطي ولا شك أن التنزه عن السؤال فيه عفة النفس والعزة والكرامة ، وأما السؤال ففيه ذل للمخلوق والإنسان السائل لاشك أن المسئول مهما في الكرم والحياء وفي الجود ينزل عنده هذا السائل تنزل قيمته وينحط من عينه ، ولهذا لا يجوز السؤال إلا في الحاجة الملحة، حاجة الملحة التي لا بد منها يسأل الإنسان وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام : (من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر) ، ثم اعلم أن السؤال نوعان: سؤال بلسان المقال ، وسؤال بلسان الحال ، أما السؤال بلسان المقال فظاهر يجيء إنسان إليك ويقول أعطني كذا وكذا ، وأما السؤال بلسان الحال فأن ترى شخصا عفيفا لا يسأل لكنك تعرف حاجته أو تجده مثلا يخطم أمامك نعم أو يدور حولك فهذا ما سأل بلسان المقال لكنه سأل بلسان الحال ، فإذا قال قائل: فإذا كان معطي المال للسائلين من أهل البدع وأنتم حذرتم من سؤال الناس فكيف يتفق هذا وهذا ؟ فالجواب لا معارضة لأن الجهة منفكة فالممدوح المعطي والمحذر السائل المعطى فإذا فكت الجهة فلا تعارض ، فلو رأيت شخصا مبتلا بهذه المهنة وهي مهنة سؤال الناس فأعطه إذا سألك ثم انصحه وحذر لتكون معطيا للمال وناصحا للسائل معطيا للمال من أجل السؤال وناصح للسائل لأن بعض الناس ـ والعياذ بالله ـ تعلم علم اليقين أو يغلب على ظنك ظن المؤكد بأنه غني وأنه إنما يسأل الناس أموالهم تكثرا فأنت إذا أعطيته ستغريه لاشك يذهب ويسأل غيرك لكن أعطه لتكون ممن أعطى المال السائلين وانصحه لتكون من الناصحين ،
تفسير قوله تعالى : (( وفي الرقاب )) وذكر أنواع الرقاب وفضل العتق
وقوله: (( والسائلين وفي الرقاب )) شف ما قال وآتى الرقاب قال وفي الرقاب لأن المال المبذول في الرقاب لا يعطى الرقبة ، من يعطى ؟ يعطى مالك الرقبة فلهذا أتى بفي الدالة على الظرفية ، واعلم أن الرقاب ذكرها أهل العلم أنها ثلاثة أنواع : عبد مملوك تشتري وتعتقه ، مكاتب اشترى نفسه من سيده فأعنته في كتابته ، أسير مسلم عند الكفار فافتديته ، وكذلك لو أسر عند غير الكفار مثل الذين يختطفون الآن ـ والعياذ بالله ـ إذا طلب المختطفون الفدية وقالوا ما نفك إلا بهذا فإنه يفك من الزكاة لأن فيها فك رقبة ، فك رقبة من القتل ، السائل : القاتل؟ الشيخ : لا القاتل لا، القاتل ما يدخل فيه ، قوله: (( وفي الرقاب )) إلى أن قال: (( وأقام الصلاة )) .
تتمة تفسير قوله تعالى : (( وآتى المال على حبه )) فائدة القيد في قوله (( على حبه ))
رجع مرة ثانية إلى: (( آتى المال على حبه )) إذا آتى المال على غير حبه فهل يكون بارا ؟ إنسان غني يتصدق بالمال ما يهمه يروح منه مائة ألف أو مائة ريال نعم من أهل البر ولا لا ؟ أي نعم نعم لكنه ما مثل الأول بر ناقص فالبر الكامل أن يؤتي الإنسان المال على حبه (( ليس البر أن تولوا قبل المشرق و ))لا لا (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) فظاهر الآية أن البر الكامل ما ينال إلا بهذا إذا آتى المال على حبه ، فإذا قال قائل: (( آتى المال على حبه )) هذا القيد لا معنى له لأن المال كله محبوب إلى الإنسان لقوله تعالى: (( وإنه لحب الخير لشديد )) (( وتحبون المال حبا جما )) قلنا الجواب على ذلك أن حب المال على سبيل العموم هذا في كل نفس لكن المراد هنا آتى المال المعين على حب ذلك المال المعين فهمتم ؟ أتى المال على حب ذلك المال المعين وإلا المال كله محبوب للإنسان نعم لكن أنا مثلا عندي عشر ورق من فئة المائة أيهم أحب إلي ؟ كلهم واحد لكن مجموعهم محبوب إلى ولا لا ؟ الطالب : أ ي نعم، الشيخ : محبوب إلي لاشك ، لكن عندي أعيان غير نقد عندي مثلا مسجل من هذا النوع وساعة من هذا النوع وسيارة من هذا النوع أحبه يكون هذا حبا خاصا ولا لا ؟ هذا حب خاص غير حب المال العام وهذا هو المراد بالآية الكريمة هذه وبقوله تعالى: (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) فلهذا كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به .
تتمة تفسير قوله تعالى : (( ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ))
مرة ثانية عودة إلى الآية قوله: (( ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب )) ظاهر الآية الإطلاق وأن الحكم معلق بالوصف فالقريب ولو كان كافرا إذا أعطيته المال فأنت محمود على ذلك وكذلك اليتيم والمسكين وابن السبيل والسائل وفي الرقاب فظاهر الآية العموم لأنها لم تقيد ، لكنها في الحقيقة ليست على إطلاقها ليست على عمومها بل هي خاصة بالمسلم والكافر غير المقاتل ، لقوله تعالى: (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )) هذه الآية اختلف أهل العلم هل هي منسوخة ولا محكمة والصحيح أنه محكمة وأن الأصل عدم النسخ ، ولكن شرط أن لا يكونوا يقاتلوننا سواء يقاتلوننا بأنفسهم بأن يكن هذا الرجل المعين مقاتلا أو يقاتلون بحكمهم يقاتلوننا حكما مثل أن يكونوا من دولة يقاتل المسلمين لأن الذي من دولة تقاتل المسلمين مستعد للقتال حكما أليس كذلك ؟ الطالب : بلى، الشيخ : إذا أمرته دولته بالقتال يلبي ولا لا؟ الشيخ : يلبي، وعلى هذا فإذا كان الكافر من دولة محاربة للمسلمين فإنه لا يجوز بره ولا إعطائه المال ، لأن مثل هذا مادام حربا للمسلمين فإن المسلم يريد إعدامه كما أنه هو يريد إعدام المسلم وقتله وهذا جزاء وفاقا وهذا العدل ، طيب بقي علينا كلمة : في الرقاب ، نحن ذكرنا أنها ثلاثة أنواع: مكاتب ، والمملوك ، والمأسور ، لكن العلماء رحمهم الله خصوا المأسور بالمسلم أما إذا كان غير مسلم فإنه لا يعني لا يمدح من فك أسره ، لأن ولاية المسلم أقوى من ولاية غير المسلم ، ويمكن أن نقول إن قول العلماء رحمهم الله تخصيص هذا في المسلم هذا بالنسبة للزكاة لأن الزكاة ما تعطى لغير المسلم بخلاف التطوع فإنه يجوز أن يفك منها أسير الذمي لو فرض أن هناك أسير ذمي وأنه إن لم ينفع المسلمين ما ضرهم فلا حرج من أن يفك .
9 - تتمة تفسير قوله تعالى : (( ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب )) أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( وأقام الصلاة )) وتعريف الصلاة لغة واصطلاحا
ثم قال الله تعالى: (( وأقام الصلاة )) هذه معطوفة على أيش ؟ الطالب : من آمن ، الشيخ : على من آمن؟ أي نعم ، إذا وأقام معطوف على من آمن ، (( وأقام الصلاة )) الصلاة المراد بها الفرض والنفل وإقامتها بمعنى الإتيان بها مستقيما بأن أقام الشيء جعله قائما مستقيما ، وليس المراد بأقام الصلاة يعني الله اكبر الله اكبر بإقامة المعروفة ، المراد به أيش؟ الإتيان بالصلاة مستقيمة كما تقول أقمت الجدار أقمت العصا ، أقمت فلانا جعلته يقف حتى يكون مستقيما ، وقوله: (( الصلاة )) أل هذه للعهد أو للعموم ؟ للعهد ولا للعموم؟ للعموم لأنه تشمل الفرض والنفل ، واعلم أن الصلاة من الكلمات التي نقلها الشارع عن معناها اللغوي إلى معنى شرعي ، فمعناها في اللغة: الدعاء ، قال الله تعالى: (( وصل عليهم )) أي أدعوا لهم بالصلاة فقل صلى الله عليكم هذا معنى صل عليهم ، ولكنها في الشرع هي الصلاة المعروفة ، عبادة ذات أقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ، يجب أن نقول عبادة ذات أقوال مع أن المعروف عند كثير من المعرفين لها يقولون هي : أقوال وأفعال معلومة مفتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم وهذا لاشك أنه قاصر بل يجب أن نقول عبادة ، ولهذا لو جاء إنسان يعبث وقدر وقرأ وركع وسجد وسلم يصير مصلي شرعا ؟ لا يكون مصليا إنما لابد أن تكون عبادة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم .
تفسير قوله تعالى : (( وآتى الزكاة )) وتعريف الزكاة لغة واصطلاحا وبيان فضلها وذكر الأصناف التي تصرف إليهم الزكاة، وإعراب الجملة
(( وآتى الزكاة )) آتى بمعنى أعطى آتى يعني أعطى والزكاة أيضا من الكلمات التي نقلها الشرع عن معناها اللغوي إلى المعنى الشرعي ، الزكاة في اللغة من زكى يزكوا أي نما وزاد وصلح أيضا ، والزكاة أيضا في اللغة بمعنى الصلاح ومنه قوله تعالى: (( قد أفلح من زكاها )) أي أصلحها وقومها لكنها في الشرع الزكاة هي : التعبد ببذل مال واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة هذه هي الزكاة وسميت زكاة لأنها تنمي الخلق وتنمي المال وتنمي الثواب ، تنمي الخلق كيف ؟ يكون الإنسان بها كريما من أهل البذل والجود والإحسان وهذا لاشك أنه من أفضل الأخلاق شرعا وعادة ، وتنمي المال ، تنمي المال كيف ؟ أنا عندي مائة ريال أخفضت منها ريالين ونصف وبقي عندي سبع وتسعين ونصف نقص المال كيف فتنمي؟ نعم نقول تنمي بالبركة والحماية والحفظ ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما نقصت صدقة من مال ) ما يمكن تنقصه يعني لو لم تخرج هذا القدر من المال ربما يأتيه آفات تبيع وتشتري وتخسر ، ربما تصاب أنت وأهلك بأمراض تحتاج إلى علاج نعم فيفنى كل ما عندك، ربما يأتي السارق ويسرقه ، ربما تعطيه عند إنسان فيجحده أليس كذلك؟ لكن الزكاة حماية وحفظ وبركة ، من بركة المال تشتري بعشرة ريالات ثوب ربما إذا كنت لا تزكي يتمزق بسرعة وإذا كنت تزكي ينزل الله فيه البركة ويبقى سنتين ثلاث نعم هذا على حسب الحال، الطالب : عندي ثوب منذ أربع سنين يا شيخ ، الشيخ : ما نقول شيء هذه من البركة ، المهم إن من أنواع البركة التي تنزل في المال كثيرة ، فلهذا قلنا: إن الزكاة تزكي المال، طيب تزكي الثواب ولا لا ؟ تزكي الثواب ؟ نعم (( مثل الذين ينفقون في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء )) فوق ذلك (( والله واسع عليم )) وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام وصح عنه: ( أن من تصدق بعدل تمرة أو بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يأخذها بيمينه فيربيها كما يربي الإنسان فلوه حتى تكون مثل الجبل ) وهي عدل تمرة تكون مثل الجبل أليس هذا تزكية ؟ الطالب : بلى ، الشيخ : بلى والله تزكية هذه التزكية حقيقية هذه الذي أزكى من أنك تعطي إنسانا يطالب بمالك هذا الذي تعطيه يطالب بمالك كم يربح ؟ خلها يربح العشرة مائة أو يخسر لكن هذه تقع في يمين الرحمن عزوجل ونعم اليمين يمين الرب، فيربيها سبحانه وتعالى وينميها لك حتى تكون مثل الجبل ، هذا الربح هذا الربح العظيم ، (( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط )) إذا سمي زكاة لأنه يزكي المال والخلق والثواب نعم (( وأقام الصلاة وآتى الزكاة )) طيب عندنا آتى تنصب مفعولين أين مفعولها الأول ؟ الطالب : الزكاة ، الشيخ : الزكاة أين مفعول الثاني؟ الطالب : محذوف الشيخ : محذوف ويش التقدير؟ مستحقها ، تمام ، مستحقها ، شف (( آتى المال ذوي القربى )) أتى المفعول الثاني (( ذوي القربى )) هذه (( آتي الزكاة )) لم يأت بالمفعول الثاني لكنه محذوف معلوم وأهل الزكاة تكفل الله عزوجل بقسمها عليهم فقال: (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل )) ثمانية فقط لا تحل لغيرهم نعم .
11 - تفسير قوله تعالى : (( وآتى الزكاة )) وتعريف الزكاة لغة واصطلاحا وبيان فضلها وذكر الأصناف التي تصرف إليهم الزكاة، وإعراب الجملة أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )) وبيان أن العهد عهدان عهد مع الله وعهد مع الناس، وفضل الوفاء بالعهد وحكمه.
(( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )) هنا ما قال: وأوفى بعهدهم بل أتى بالجملة الاسمية لأن الوفاء جبلة وخلق تقع أفعال يفعلها الإنسان لكن هذه جلة وخلق أن الإنسان يكون وفيا بالعهد لكن إذا عاهد، إذا عاهدوا إذا هنا مجردة من الشرطية فهي ظرفية محضة يعني (( والموفون بعهدهم )) وقت موفون بعهدهم وقت العهد يعني في الحال التي يعاهدون فيها فإذا عاهدوا وفوا ، واعلم أن عهدان ، عهد مع الله عزوجل وعهد مع الخلق ، فالعهد الذي مع الله ما هو ؟ لا الإيمان به ، قال الله تبارك وتعالى: (( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين )) وقال الله تعالى: (( يبني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم )) فالعهد الذي عهد الله به إلينا أن نؤمن به ربا فنرضى بشريعته بل بأحكامه الكونية والشرعية هذا هو العهد الذي بيننا وبين ربنا ، أما العهد الذي بينك وبين الناس فكثير أنواعه غير محصورة كثيرة جدا ، منها: العقود، العقود من العهود يعني العقد الذي بينك وبين واحد عقد إجارة ، عقد رهن ، أي عقد من عقود يعتبر هذا عهدا لأني إذا عقدت معك ويش معنى عقدت معك ؟ التزمت بما يقتضيه هذا العقد ، إذا فكل عقد عهد ، كل عقد فهو عهد ، ولهذا قال الله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )) وقال: (( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا )) ومعنى العهود بينك وبين الخلق : العهد المعروف وهو أن تجري عقدا بينك وبين الكفار مثلا أن لا يعتدوا عليك ولا تعتدي عليهم مثل ما جرى من النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين في صلح الحديبية هذا يسمى عهد قال الله تعالى: (( إلا الذين عاهدتم من المشركين )) (( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين )) هذا العهد الذي بيننا وبين أعداء الله وأعدائنا له ثلاث حالات : إما أن يستقيموا لنا ، وإما أن يخونوا ، وإما أن نخاف منهم الخيانة ، فإن استقاموا لنا وجب علينا أن نستقيم لهم بأي ما يمكن نخون أبدا ، وإن خفنا منهم الخيانة ؟ ننبذ إليهم على سواء ، (( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء )) ، السائل : نخنهم ؟ الشيخ : لا، تقول ما بيننا عهد، تخبرهم أنه لا عهد بيننا ليكونوا على بصيرة . وأما من خانوا فماذا نصنع معهم ؟ نقاتلهم لأنهم هم الذين نقضوا العهد مثل ما فعل قريش في العهد الذي جرى بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية لأنهم نقضوا العهد حيث أعانوا حلفائهم على حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم يعني هم قريش غدروا أعانوا حلفائهم على حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وهذا نقض للعهد بلاشك لأن حلفاء الرسول معناه أنهم أن الرسول معهم على من ناوئهم فلما نقضوا العهد حاربهم النبي صلى الله عليه وسلم ، من العهد أيضا ما يقع بين الإنسان وبين غيره في الالتزامات غير عقود وغير العهود مثل الوعد فإن الوعد من العهد ، ولهذا اختلف أهل العلم هل يجب الوفاء بالوعد أو لا يجب ؟ والصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجب الوفاء بالوعد أن الوفاء بالوعد واجب لأنه داخل بالعهد إذ أنني إذا قلت سآتيك غدا في الوقت الفلان معناه تعهدت بذلك فيجب الوفاء بالوعد ولأن إخلاف الوعد من علامات النفاق ، إذا كان كذلك فهل نقول إنه يجوز لمؤمن أن يتحلى بأخلاق المنافقين ؟ إذا قلنا نعم معناه صار الوفاء بالوعد واجبا صار الوفاء بالوعد واجبا، والسؤال المطروح الآن هل نحن قائمون بهذا؟ لا ، نعم نسأل الله العافية ليس على الإطلاق ليس على الإطلاق في كل وقت ولا في كل إنسان، إنما من المؤسف أنه من المعروف عند الناس أن المسلمين أقل الناس وفاء بالوعد حتى إن بعض ـ والعياذ بالله ـ المخدوعين إذا طرح وعد يقول شيخ طرح وعد انكليزي ـ أعوذ بالله ـ يعني إن وعد انكليز ما يكذب دقيقة نعم الصواب أن نقول طرح وعد مؤمن ما هو انكليزي الانكليز ما أخذ هذه الأخلاق إلا من المؤمنين وإلا فإنه كافر يعني ما نقول كل الانكليز يعني الكافر منهم لكن مع الأسف إن عندنا نحن إخلاف الوعد أمر هين وأما التقدم أو الغالب التأخر فهو أمر لازم إلا ما شاء الله يواعدك ساعة اثنا عشر ويجيء ساعة اثناعشر ونصف يا أخي تأخرت قال هي بس نصف ساعة نعم هذا غلط حاول أن تأتي بالموعد المؤقت حتى يكون الأشغال أو ما أشبه ذلك.
12 - تفسير قوله تعالى : (( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )) وبيان أن العهد عهدان عهد مع الله وعهد مع الناس، وفضل الوفاء بالعهد وحكمه. أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس )) وإعراب الآية، وتعريف الصبر لغة واصطلاحا وذكر أنواعه وهي الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله والصبر على أقدار الله المؤلمة.
قوله تعالى: (( والصابرين )) هذا فيه إشكال من حيث الإعراب ، لأن الذي قبله مرفوع وهو غير مرفوع نعم فلماذا ؟ الطالب : التقدير الشيخ : التقدير؟ طيب يقول بعض العلماء إنه منصوب بفعل محذوف تقديره: وأخص الصابرين ، وحينئذ نقول لماذا عدل به عن العطف كأخواته السابقة ؟ نقول الحكمة أو البلاغة من هذا أنه إذا تغير أسلوب الكلام كان ذلك أدعى للانتباه فإن الإنسان إذا قرأ الكلام على نسق واحد غفل ولهى وصار كأنه شيء يدرج به ولا يلتفت فإذا تغير الأسلوب فإنه يوجب الانتباه ، وهذا مثلما قلنا في شيء يمر علينا كثيرا وهو؟ الالتفات فإنه يتغير الأسلوب يتوجب على المخاطب أو القارئ أن ينتبه ، ثم إن هنا الصابرين في البأساء الصبر في الواقع ليس بذل شيء ولكنه تحمل شيء وما سبق كله بذل شيء فهو مختلف من حيث النوع من حيث النوع مختلف شف من آمن ، وأقام ، وآتى المال ، وأوفى بالعهد كل هذه أفعال لكن (( الصابرين )) هذا ما هو فعل ما هو يبذل الإنسان شيء لكنه يتحمل ، وقوله: (( الصابرين )) الصبر في اللغة الحبس ومنه قولهم: فلان قتل صبرا أي حبسا نعم وأما في الشرع فإنه حبس النفس على طاعة الله أو عن معصيته أو على أقداره عرفتم ؟ فإذا الصبر ثلاثة أنواع: ثبر عل الطاعة ، وصبر عن المعصية ، وصبر على الأقدار المؤلمة أليس كذلك ؟ الطالب : بلى، الشيخ : أيهما أفضل؟ أفضلها الصبر على الطاعة هو أفضلها لأنه جهاد وعمل فإن الإنسان يجاهد نفسه على الصبر على الطاعة ومصابراتها وعمل ، ويليها الصبر عن المعصية لأنه كف ، كف لنفس وليس فيه إيجاد وإن كان في بعض الأحيان الصبر عن المعصية أشق من الصبر على الطاعة .
اضيفت في - 2006-04-10