شرح قول المصنف : " يسن لمن ترك خيرا وهو المال الكثير أن يوصي بالخمس ". حفظ
الشيخ : قال : " يسن لمن ترك خيرا وهو المال الكثير أن يوصي بالخمس " لكن إذا ترك خيرا والخير هنا هو المال الكثير.
ما هو الدليل على مشروعية الوصية إذا ترك خيرا كثيرا ؟ الدليل قوله تعالى : (( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين )) فهذه الآية تدل على مشروعية الوصية بل أن الوصية فرض لمن ترك خيرا أن يوصي للوالدين والأقربين بالمعروف. نسخ منها من كان وارثا من هؤلاء فإنه لا يوصى له وبقي من ليس بوارث. وظاهر الآية الكريمة أن من ليس بوارث تجب الوصية له ولكن أكثر العلماء من المفسرين والفقهاء يقولون أن الوجوب منسوخ إلى الاستحباب والذي يظهر لي أنه ليس بمنسوخ لأنه لا دليل على النسخ. فإذا قال قائل لو كان الوجوب باقيا لتوافرت النقول عن الصحابة رضي الله عنهم بالوصية مع أن الوصية بين الصحابة قليلة. فالجواب أن يقال لا شك أن هذا الاحتمال يضعف القول بالوجوب لكن ما دام أمامنا شيء صريح من كتاب الله عز وجل فإن عدم العمل به يدل على أن من الصحابة أو أكثر الصحابة يقولون بأن الوجوب منسوخ ونحن إنما نكلف بما يدل عليه كلام الله عز وجل .
طيب وقوله : " إن ترك خيرا " وهو المال الكثير مفهومه إذا ترك مالا قليلا فإنه لا يسن له الوصية. ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد ابن أبي وقاص : ( إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة ). وصاحب المال القليل إذا أوصى فإنه ربما يجعل ورثته عالة على الناس.
وقوله : " أن يوصي بالخمس " إنما اختار المؤلف الخمس اقتداء بأبي بكر رضي الله عنه حيث قال : " رضيت بما رضي الله لنفسه " والله تعالى قد رضي لنفسه الخمس فقال : (( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول )) فأوصى بالخمس وهذا استدلال جيد من أبي بكر رضي الله عنه فتكون الوصية بالخمس فيها أولا الأخذ بالآية أننا نرضى لأنفسنا ما رضيه الله لنفسه. وثانيا اتباع الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه. ومن الأسف أن أكثر الناس اليوم يوصون بالثلث الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الثلث كثير ) يعني أنه أباحه على مضض ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الثلث والثلث
كثير )
فالأحسن والأولى والأفضل ممن أراد الوصية أن يوصي بأقل من الثلث لكون الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( الثلث كثير ) وإذا أوصى بالخمس صار أفضل أيضا استئناسا بما اختاره الله لنفسه من وجه واقتداء بأبي بكر رضي الله عنه. إذا هذه هي الوصية المسنونة أن يوصي بالخمس طيب لمن؟ المؤلف لم يبين إلى أي جهة يصرف هذا الموصى به. والجواب أن نقول يصرف في أعمال الخير وأولاها القرابة الذين لا يرثون لأن الله فرض الوصية لهم فإذا قلنا بأن الآية لم تنسخ صارت الوصية للقرابة الذي لا يرثون واجبة وإذا قلنا أنها منسوخة صارت مستحبة فأفضل ما نقول للموصي أوص بالخمس يصرف إلى أقاربك الذين لا يرثون سواء كانوا أغنياء أم فقراء فإن كانوا فقراء تأكد حقهم من وجهين القرابة والفقر. طيب وإن أوصى به لغير هؤلاء فإن قلنا بأن الآية منسوخة فلا حرج عليه وإن قلنا بأنها محكمة وجب أن يوصي ولو بقليل إلى ورثته الذين لا يرثون والباقي يصرف في أعمال الخير عامة لا تكون لأحد من ورثته أن الوصية للوارث حرام وإذا أوصى بشيء إلى جهة عامة صار أكثر أجرا وأعم نفعا وصار أيضا أسهل وأيسر على الوصي لأنه ينجزه في شهر أو شهرين وينتهي منه لكن إذا بقيت الوصية كلما نشأ بطن طالب فيها صار في هذا مشقة في المستقبل.