شرح قول المصنف : " ولا تجوز بأكثر من الثلث لأجنبي ، ولا لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت فتصح تنفيذا ". حفظ
الشيخ : قال : " ولا تجوز بأكثر من الثلث لأجنبي " لا تجوز الضمير يعود على الوصية
بأكثر من الثلث لأجنبي وهو من لا يرث ودليل عدم الجواز أن سعد ابن أبي وقاص وهو في مرض ظن أنه مرض الموت قال : أتصدق بثلثي مالي ؟ قال : ( لا ) قال فالشطر قال : ( لا ) قال فالثلث قال : ( الثلث والثلث كثير ) فدل هذا على أن الوصية بأكثر من الثلث لا تجوز لقوله : ( إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة ).
قال : " ولا لوارث بشيء " يعني ولا تجوز لوارث بشيء ودليل ذلك أن الله تعالى قسم التركة بين الورثة فقال (( ولكم نصف ما ترك أزواجكم )) فإذا أوصت لزوجها صار له أكثر من النصف وهذا من تعدي حدود الله وقد قال الله تعالى في آيات المواريث : (( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعصي الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها )) فهذا دليل على أن الوصية للوارث لا تحل ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ).
قال : " إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت فتصح تنفيذا " يعني إلا بإجازة الورثة فتصح يعني إذا أجاز الورثة الوصية بما زاد على الثلث أو أجازوا الوصية لوارث فإنها تصح لكن تصح تنفيذا لا ابتداء عطية. مثال ذلك أوصى رجل ببيت يملكه لفلان أجنبي من غير الورثة فلما مات أحصينا ما عنده فوجدنا أن بيته يساوي نصف ماله إذاً الوصية زادت عن الثلث نقول للورثة إن أمضيتم الوصية بالبيت فالحق لكم ولا حرج وإن أبيتم فإنه ليس له من البيت إلا ما يقابل الثلث والباقي لكم واضح. طيب توفي الرجل فأجازه الورثة هل تكون الإجازة ابتداء عطية أو تنفيذا ؟ تنفيذا والفرق بين هذا وهذا أننا إذا قلنا إنها ابتداء عطية وقدر أن أحد الورثة في مرض الموت وليس له مال إلا ما ورثه من مورثه فإننا إذا قلنا إنها ابتداء عطية لم يصح من إجازته إلا ما يقابل الثلث وإذا قلنا إنها تنفيذ وأنها إمضاء لوصية الأول فإن تنفيذه يصح لأنه لم يبتدأ العطية.
أعيد المثال : أوصى رجل بأكثر من الثلث وتوفي كان من جملة ورثته له نصف ميراث الأول فأجاز الوصية وليس له مال إلا ما ورثه من المورث الأول إذا قلنا بأنه ابتداء عطية لم ينفذ من وصيته إلا ما يقابل الثلث ثلث ما ورث وإذا قلنا أنه تنفيذ صح تنفيذه ولو لم يكن عنده إلا هذا المال الموروث لأن هذا تنفيذ لتصرف غيره وليس ابتداء من تصرفه ولهذا قال المؤلف : "فيصح تنفيذا " بقي عليها أن نقول هل يجوز أن يوصي بأكثر من الثلث ولو قلنا بأنه يتوقف على إجازة الورثة؟ الجواب أن نقول ظاهر كلام المؤلف أنه يجوز لأنه قال ولا تجوز بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة فظاهر كلامه رحمه الله أن يجوز أن يوصي بأكثر من الثلث لكنه يتوقف على إجازة الورثة ولكن الصحيح أنه لا يجوز أن يوصي لكن إذا أوصى فهو آثم والتنفيذ يتوقف على إجازة الورثة وإنما قلنا ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع سعد بن أبي وقاص من الزائد على الثلث ولم يقل إلا أن يشاء ورثته هذا من وجه. الوجه الثاني أنه ربما يجيز الورثة أو بعضهم ما أوصى به الميت حياء وخجلا لا عن طيب نفس ومعلوم أن من تبرع بشيء عن خجل وحياء فإنه لا يجوز قبوله. ولهذا قال العلماء لو علمت أن شخصا إنما تبرع لك حياء وخجلا حرم عليك أن تقبل هديته. مثال ذلك مثلا رأيت مع إنسان قلما أعجبك فقلت ما شاء الله هذا قلم طيب من أين اشتريته؟ فخجل الرجل فقال هو لك تعرف أنه إنما قال ذلك خجلا هل يجوز أن تقبل يقول العلماء لا يجوز أن تقبل لأنه لم يعطك إياه عن طيب نفس. كذلك أيضا لو مررت بشخص قد فتح بابه فقال لك تفضل تعلم أنه قاله حياء وخجلا هل تدخل ؟
لا تدخل لأنه لم يدعك إلا حياء وخجلا المهم أن نقول إنه لا يجوز أن يوصي بأكثر من الثلث ولو كان هذا متوقفا على إجازة الورثة بدليل وتعليل ما الدليل ؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم منع سعدا من تجاوز الثلث ولم يقل إلا بإجازة الورثة الدليل الثاني أن الورثة أو بعضهم قد يجيز حياء وخجلا لا عن طيب نفس ولنفرض مثلا أن الورثة اثنان أجاز أحدهما لأنه رجل خير وطيب وقد أغناه الله والثاني رجل فقير أو بخيل لو عاد الأمر إليه لمنع لكنه لما رأى أخاه قد وافق وأجاز الوصية وافق هو وأجاز الوصية هذا الرجل الثاني هل اجاز عن طيب نفس ؟ لا فالحاصل أن القول الصحيح أنه لا يحل أو يوصي بزائد على الثلث ولو كان التنفيذ يتوقف على الورثة للوجهين الذين عرفتوهما.
إذا نقول يحرم فإن أجاز الورثة صار الموصي آثما بوصيته والله أعلم.