تتمة شرح قول المؤلف : " ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة ". حفظ
الشيخ : ( ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) كيف يقيء ثم يعود في قيئه؟ الكلب يقيء يتقيأ الطعام الذي في بطنه ثم يعود ويأكله ولا شك أن هذا مشهد بشع جدا، هل هذا التمثيل يدل على المدح أو يدل على التنفير بأشبع صورة للتمثيل؟
السائل : الثاني.
الشيخ : أه؟ الثاني بلا شك، الثاني ولم يضرب الله مثلا لأحد من البشر إلا على سبيل الذم أبدا (( واتل عليهم نبأ الذي ءاتيناه ءاياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه )) عالم أعطاه الله علما ولكن كانت همته نازلة صار ينظر إلى الدنيا نعوذ بالله، ينظر إلى الدنيا إلى متعها إلى جاهها إلى رئاسته فيها، ما نظر إلى فوق قال الله عز وجل : (( فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث )) لأن هذا العالم مراده الدنيا فلا يمكن أن يشبع إن قل المال فهو يلهث يبيه وإن كثُر؟ يلهث أيضا يبي أكثر، هل هذا على سبيل المدح وإلا على سبيل الذم؟ أه؟
السائل : الذم.
الشيخ : على سبيل الذم ولهذا لو قلت لأي واحد يا شبيه الكلب لأمسك برقبتك، صح وإلا لا؟ وقال تعالى : (( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا )) الحمار من أبلد الحيوانات ولهذا صار هو من أدل الحيوانات ... لأنه ما عنده تفكير حتى يُغطي عليه دلالة المكان ولذلك يقول بعض الناس كلما كان الإنسان أكثر تفكيرا صار أقل دلالة على الأمكنة، لو تردد على البيت أربع مرات خمس مرات ما ... لأن تفكيره أعلى من أن يتعلق بالأمكنة والحمار يقولون من أدل الحيوانات لأنه أبلد الحيوانات، نعم، ضرب الله هؤلاء بأنهم كمثل الحمار يحمل أسفارا، أسفار كتب مفيدة، الحمار الذي يحملها ما يستفيد على سبيل الذم ولا على سبيل المدح؟
السائل : ... .
الشيخ : طيب، وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) على سبيل.
السائل : الذم.
الشيخ : أه؟
السائل : الذم.
الشيخ : الذم وقال النبي عليه الصلاة والسلام ( الذي يتكلم والإمام يخطب يوم الجمعة كمثل الحمار يحمل أسفارا ) أه؟ ذم وإلا مدح؟
السائل : ذم.
الشيخ : ذم، طيب، إذًا نأخذ قاعدة ما ضُرب ابن ءادم مثلا بشيء من الحيوان إلا على سبيل الذم، صار الرجوع في الهبة اللازمة، ما هي اللازمة؟ التي حصل فيها القبض لا يجوز الرجوع فيها إلا الأب والدليل؟ ذكرنا دليلا وتعليلا، الدليل إيش؟
السائل : ... .
الشيخ : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس لنا مثَل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) والتعليل أن الموهوب له قد ملك الهبة ودخلت في ملكه فلا يجوز أن يستردها الإنسان، طيب، هذا التعليل ربما يقول قائل إنه تعليل عليل لأنه لو استردها يستطيع الموهوب له أن يُمانع فنقول إن الموهوب له قد لا يستطيع أن يُمانع وقد يستطيع أن يُمانع ولكن لا يُمانع خجلا لأنه يقول هو الذي أعطاني إياه كيف أمنعه والمنع خجلا كعدم المنع يعني لا أثر له ومن العجائب والعجائب جمّة أن يعض العلماء قال إنه يجوز أن يرجع الواهب في هبته اللازمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبّهه بالكلب والكلب غير مكلّف وأكله من قيئه ليس بحرام، صحيح هذا؟
السائل : لا.
الشيخ : لا، هل الكلب مكلف وإلا غير مكلف؟
السائل : غير مكلف.
الشيخ : أه؟
السائل : ... .
الشيخ : غير مكلف، هل أكله من قيئه إذ تقيّأ ثم رجع فيه حرام عليه وإلا غير حرام؟
السائل : غير حرام.
الشيخ : غير حرام، يقول فلما شبّه النبي صلى الله عليه وسلم رجوع الواهب في الهبة بفعل مباح دل على جوازه جواز رجوع الواهب في هبته اللازمة، شف سبحان الله يعني بعض الأحيان تكون أقوال العلماء من أغرب ما يكون، تقول كيف يقولها عاقل فضلا عن العالم فيُقال يا سبحان الله الرسول صلى الله عليه وسلم يشبه الإنسان بالكلب ثم يقول أنت فعله مباح، أنا موافقك على أنه مباح بشرط أن ينقلب كلبا، إذا انقلب كلبا فأنا أقول مباح يرجع في هبته وإلا لا؟ فلو أن الكلب أتى بصُرّة تمر ووضعها بين يدي كلب ءاخر ثم رجع هذا الكلب فأكل هذه الصُرّة حرام عليه وإلا غير حرام؟
السائل : ... .
الشيخ : وهبها وقبّضها للكلب الثاني، نقول هو حلال لأنه غير مكلّف فهذا الرجل إذا انقلب كلبا ووهب فلا بأس ثم إن الحديث يقول ( ليس لنا مثل السوء ) ( ليس لنا ) هذا تبرأ منه فكيف تقول أنت إنه حلال، على كل حال هذا القول لولا أنه ذكر ما قلته لكن أنا أريد أن أبيّن لكم أن بعض العلماء رحمة الله علينا وعليهم يذكرون أقوالا غرائب ثم يوجّهون هذه الأقوال بما يشبّهون به من الأدلة على وجه أغرب، طيب، إذًا الصواب أن رجوع الإنسان في هبته اللازمة حرام، طيب، هبته، رجوعه في هبته غير اللازمة كما لو قال لشخص إني قد وهبتك كتابي زاد المستنقع لكنه لم يُسلّمه له لأنه في البيت مثلا فهل له أن يرجع؟
السائل : نعم.
الشيخ : نعم، له أن يرجع ولكن هل رجوعه وعدمه سواء؟ لا، ليس سوَاء لأن هذا خلاف المروءة ولأنه إخلاف للوعد يعني أدنى ما نقول فيه أنه إخلاف للوعد فنقول لك مادمت، نقول له مادمت قد وهبته فقد وعدته أدنى ما نقول فيه إنه وعد ولهذا نقول لا ترجع لكن ليس حراما عليك لأن ظاهر الحديث ( كالكلب يقيء ثم يعود ) أن هذا في الهبة المقبوضة المسلّمة التي أخرجها الإنسان من ملكه وأعطاها الموهوب له أما إذا كان لم يُخرجها من ملكه وهي في حوزته فإن له أن يرجع لكننا هذا خلاف المروءة فينبغي إذا طرأ عليه ما يقتضي أن يرُدّ الهبة أن يرجع فيها ينبغي له أن يفعل شيئا أو أن يقول للموهوب له قولا يقتنع به فيقول مثلا والله أنا وهبتك الكتاب ظنا مني أني أجد في السوق نظيره ولكني لم أجده فسامحني يا أخي، حينئذ يطيب قلبه ويسهل عليه رجوع هذا في هبته أما إذا منع وقال والله أنا هوّنت فلا بد أن يكون في قلب أخيه شيء وكل شيء يوجب أن يكون في قلوب إخوانك شيء عليك فإنه ينبغي لك أن تبتعد عنه.
السائل : شيخ؟
الشيخ : نعم؟