ولو ذهبنا نعدد الأخبار الصحاح عند أهل العلم ممن يهن بزعم هذا القائل ونحصيها لعجزنا عن تقصي ذكرها وإحصائها كلها ولكنا أحببنا أن ننصب منها عددا يكون سمة لما سكتنا عنه منها وهذا أبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ وهما من أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدريين هلم جرا ونقلا عنهم الأخبار حتى نزلا إلى مثل أبي هريرة وابن عمر وذويهما قد أسند كل واحد منهما عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ولم نسمع في رواية بعينها أنهما عاينا أبيا أو سمعا منه شيئا وأسند أبو عمرو الشيباني وهو ممن أدرك الجاهلية وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وأبو معمر عبد الله بن سخبرة كل واحد منهما عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرين وأسند عبيد بن عمير عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وعبيد بن عمير ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأسند قيس بن أبي حازم وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أخبار وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد حفظ عن عمر بن الخطاب وصحب عليا عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وأسند ربعي بن حراش عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وقد سمع ربعي من علي بن أبي طالب وروى عنه وأسند نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وأسند النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأسند عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وأسند سليمان بن يسار عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث فكل هؤلاء التابعين الذين نصبنا روايتهم عن الصحابة الذين سميناهم لم يحفظ عنهم سماع علمناه منهم في رواية بعينها ولا أنهم لقوهم في نفس خبر بعينه وهي أسانيد ثم ذوي المعرفة بالأخبار والروايات من صحاح الأسانيد لا نعلمهم وهنوا منها شيئا قط ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعض إذ السماع لكل واحد منهم ممكن من صاحبه غير مستنكر لكونهم جميعا كانوا في العصر الذي اتفقوا فيه وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث بالعلة التي وصف أقل من أن يعرج عليه ويثار ذكره إذ كان قولا محدثا وكلاما خلفا لم يقله أحد من أهل العلم سلف ويستنكره من بعدهم خلف فلا حاجة بنا في رده بأكثر مما شرحنا إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التكلان، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحب وسلم حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال مسلم رحمه الله تعالى : " ولو ذهبنا نعدّد الأخبار الصّحاح عند أهل العلم ممّن يهن بزعم هذا القائل ، ونحصيها لعجزنا عن تقصّي ذكرها وإحصائها كلّها ، ولكنّا أحببنا أن ننصب منها عددًا يكون سمةً لما سكتنا عنه منها ، وهذا أبو عثمان النّهديّ ، وأبو رافعٍ الصّائغ ، وهما ممّن أدرك الجاهليّة ، وصحبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدريّين هلمّ جرًّا ، ونقلا عنهم الأخبار حتّى نزلا إلى مثل أبي هريرة ، وابن عمر ، وذويهما ، قد أسند كلّ واحدٍ منهما عن أبيّ بن كعبٍ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، ولم نسمع في روايةٍ بعينها أنّهما عاينا أبيًّا ، أو سمعا منه شيئًا ، وأسند أبو عمرٍو الشّيبانيّ وهو ممّن أدرك الجاهليّة ، وكان في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلًا ، وأبو معمرٍ عبد الله بن سخبرة كلّ واحدٍ منهما عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم خبرين ، وأسند عبيد بن عميرٍ ، عن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وعبيد بن عميرٍ ولد في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأسند قيس بن أبي حازمٍ وقد أدرك زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثة أخبارٍ ، وأسند عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، وقد حفظ عن عمر بن الخطّاب ، وصحب عليًّا ، عن أنس بن مالكٍ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأسند ربعيّ بن حراشٍ ، عن عمران بن حصينٍ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثين ، وعن أبي بكرة ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وقد سمع ربعيٌّ من عليّ بن أبي طالبٍ وروى عنه ، وأسند نافع بن جبير بن مطعمٍ ، عن أبي شريحٍ الخزاعيّ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأسند النّعمان بن أبي عيّاشٍ ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ ، ثلاثة أحاديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأسند عطاء بن يزيد اللّيثيّ ، عن تميمٍ الدّاريّ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأسند سليمان بن يسارٍ ، عن رافع بن خديجٍ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأسند حميد بن عبد الرّحمن الحميريّ ، عن أبي هريرة ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث ، فكلّ هؤلاء التّابعين الّذين نصبنا روايتهم عن الصّحابة الّذين سمّيناهم لم يحفظ عنهم سماعٌ علمناه منهم في روايةٍ بعينها ، ولا أنّهم لقوهم في نفس خبرٍ بعينه ، وهي أسانيد عند ذوي المعرفة بالأخبار والرّوايات من صحاح الأسانيد ، لا نعلمهم وهّنوا منها شيئًا قطّ ، ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعضٍ ، إذ السّماع لكلّ واحدٍ منهم ممكنٌ من صاحبه غير مستنكرٍ ، لكونهم جميعًا كانوا في العصر الّذي اتّفقوا فيه ، وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث بالعلّة التي وصف أقلّ من أن يعرّج عليه ، ويثار ذكره ، إذ كان قولًا محدثًا وكلامًا خلفًا لم يقله أحدٌ من أهل العلم سلف ، ويستنكره من بعدهم خلف ، فلا حاجة بنا في ردّه بأكثر ممّا شرحنا ، إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الّذي وصفناه ، والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التّكلان. "
الشيخ : الحاصل أن المسألة لا تخلو من أربعة أقسام كما سمعتم قبل ، أو خمسة أقسام :
القسم الأول : أن يحدث عمن لم يدرك عصره وهذا بالاتفاق منقطع.
الثاني : أن يحدّث عمن عاصره ويثبت أنه لم يلاقه فهذا أيضًا منقطع.
الثالث : أن يثبت عمن عاصره ولم يثبت أنه لم يلاقه ولا أنه لقيه ، فهذا هو موضع الخلاف بين البخاري ومسلم ، فالبخاري يرى أنه منقطع ، ومسلم يرى أنه متصل.
الرابع : أن يروي عمن لقيه وثبت سماعه منه ، لكن لم يسمع منه هذا الحديث بعينه ، فهذا محمول على السماع ، أي على سماع كل ما حدّث به عنه ، وخالف فيه بعضهم.
والخامس : أن يروي عمن عاصره وسمع منه نفس الحديث بعينه فهذا متفق على أنه متصل ، مثل أن يقول : حدثني ، أخبرني سمعت وما أشبه ذلك.
فهذه الأقسام كما رأيتم ، بقي أن يقال : أيهما أقرب إلى الصحة : أن نحدث عمن من عاصره ولم يثبت أنه لاقاه ، أو عمن ثبت أنه لاقاه ؟
الثاني لا شك ، الثاني أقرب إلى الصحة وعليه مشى البخاري رحمه الله في صحيحه ، ومسلم بخلاف ذلك ، وقال : متى ثبتت المعاصرة فإنه لا تشترط الملاقاة ما لم يصرّح بأنه لم يلقه ، إذا صرح بأنه لم يلقه فهو منقطع لا إشكال فيه.