تتمة الفوائد حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
من فوائد حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن الإيمان بالقدر خيره وشره أحد أركان الإيمان التي لا تصح العقيدة إلا بها ، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية : " أما بعد ، فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة وهو الإيمان بالله وملائكته ... " وذكر بقية الأركان ، إذن لا يمكن أن تتم العقيدة ولا تصح حتى يؤمن الإنسان بالقدر ، خيره وشره ، ومن فوائده : إثبات أن في القدر خيرًا وأن في القدر شرًّا ، في قوله : ( خيره وشره ) فما هو الخير ، وما هو الشر ؟ ما ينفع فهو خير ، وما يضر فهو شر
والمقدرات أو المقدورات كلها إما خير ينفع الناس في دينهم أو دنياهم ، وإما شر يضر الناس في دينهم أو دنياهم ، فإن قال قائل : كيف نقول : الإيمان بالقدر خيره وشره ، والقدر من الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والشر ليس إليك ) يعني لا يضاف إليك ، ولا ينسب إليك ؟ قلنا : الجمع بين هذا وبين حديث عمر أن نقول : الشر ليس في الفعل ولكنه في المفعول يعني الشر في المفعولات ، وليس في الفعل فتقدير الله الذي هو تقديره خير لا شك ، حتى وإن كان يضر العباد ، لكن المقضي والمقدور هو الذي يكون شرًّا ، والمقدور كما نعلم ليس من صفات لله ولكنه من مخلوقات الله فهو بائن منفصل عن الله عز وجل ، ثم هذا الشر في المقدور هل هو شر محض ، وهل هو شر عام ، بمعنى هل هو شر محض لمن قدر عليه ، وهل هو شر عام لجميع الناس ؟ الجواب : لا ، ليس شرًّا محضًا بالنسبة لمن قدر عليه ، وليس شرًّا عامًا بالنسبة لجميع الناس ،
ونضرب لذلك مثلًا : رجل أصيب بمصيبة ، على إثر ذنب ارتكبه ، لقوله تعالى : (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) هذه المصيبة تكفر الذنب الذي فعله ، فصارت هذه المصيبة خيرًا من وجه وشرًّا من وجه وليست شرًّا محضًا بل فيها خير وشر ، وحينئذٍ يكون تقدير الله لها خيرًا ، لأن الله كفر بها عن سيئات هذا الرجل ، فإذن صار الشر الذي أصاب هذا ليس شرًّا محضًا حتى بالنسبة له ، بل هو شر من وجه حيث آذاه وضره ، ولكنه خير من وجه آخر ، حيث كان فيه كفارة سيئاته ، وإن صبر واحتسب كان فيه رفعة درجاته ، وليس أيضًا هو شرًّا عامًّا فمثلًا لو أن شخصًا عنده زرع ، قد ودّعه ومعنى ودعه يعني أنهى سقيه ، والزرع إذا أنهي سقيه فإن الماء بعد ذلك يضره ، فأمطر الله سيلًا عظيمًا فهذا السيل بالنسبة لهذا صاحب الزرع شر ، لأنه يضر زرعه ، لكن بالنسبة للعامة خير ، فتبين بهذا أن الشرّ أولا ليس في قضاء الله وقدره الذي هو فعله ، ولكنه في مفعولاته ، والمفعولات مخلوقات بائنة منفصلة عن الله ، ثانيًا : أن هذه المفعولات التي فيها الشر ليست شرًّا محضًا ، وليست شرًّا عامًّا بل هي بالنسبة لمن أصيب بها خير من وجه وشر من وجه آخر ، وبالنسبة لعامة الناس تكون خاصّة فبهذا تبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( والشر ليس إليك ) ، وتأمل قول الله تعالى : (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )) هذا عام (( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) ليذيقهم جزاء بعض الذي عملوا ، لعلهم يرجعون ، رجوعهم إلى الله خير من الدنيا كلها فصار في قضاء الله تعالى هذا الفساد صار فيه خير ، فانتبه لهذا ، طيب الإيمان بالقدر ذكروا أنه لا بد فيه من الإيمان بأربع مراتب :
المرتبة الأولى : الإيمان بالعلم.
والثانية : بالكتابة.
والثالثة : بالمشيئة.
والرابعة : بالخلق.
الإيمان بالعلم أن تؤمن بأن الله تعالى عالم بما كان وما يكون ، جملة وتفصيلًا ، من أفعاله وأفعال مخلوقاته لا يخفى عليه شيء ، وأما الكتابة فأن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ودليل هاتين المرتبتين قوله تعالى : (( الم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض )) هذا العلم : (( إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير )) هذه الكتابة ، وذلك أن الله تعالى أول ما خلق الله القلم قال اكتب ، قال : ربي ماذا أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ، والقلم امتثل أمر الله ، لكن استفهم عن هذا الإجمال ، وهو قوله : ( اكتب ) قال : ( ربي ، ماذا أكتب ؟ ) وهذا يدل على امتثاله ، لكنه استفهم عن التفصيل ، فقال : ( اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) فكتب القلم ما هو كائن إلى يوم القيامة بإذن الله عز وجل ، أما الإيمان بالمشيئة فأن تؤمن بأنه ما من شيء يحدث في السماء والأرض عدمًا أو إيجادًا إلا بمشيئة الله ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، هذه كلمة أجمع عليها المسلمون ، أما ما يتعلق بفعل الله فظاهر أنه بمشيئته ، وأما ما يتعلق بفعل العبد فهو بمشيئة العبد مباشرة وبمشيئة الله تعالى تقديرًا ، فالشائي للفعل مباشرة هو العبد ، والشائي لفعله تقديرًا هو الله عز وجل فههنا مشيئتان ، مشيئة ترتب عليها المباشرة ، وهي مشيئة العبد ، ومشيئة ترتب عليها الفعل من حيث هو العموم بما فيها المشيئة ، وهذه مشيئة الله عز وجل ، الرابع الخلق : أنه ما من شيء إلّا وهو مخلوق لله ، قال الله تبارك وتعالى : (( الله خالق كل شيء )) ما في تفصيل ولا استثناء ، فالإنسان شيء فهو مخلوق لله ، وفعله شيء فهو مخلوق لله ، فكل شيء فهو مخلوق لله ،
بل نص الله سبحانه وتعالى على خلق فعل العبد ، فقال : (( والله خلقكم وما تعملون )) ، وما هذه قيل أنها موصولة أي : والذي تعملونه وقيل إنها مصدرية أي : وعملكم وكلاهما أي : كلا المعنيين لازم للآخر ، فإن المعمول إذا كان مخلوقًا لله لزم أن يكون العمل الذي حصل به المعمول مخلوقًا لله ، طيب إذن لا بد من الإيمان بهذه الأركان العظيمة ، فهل الأمة الإسلامية التي تستقبل القبلة ..