فوائد حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الحديث فيه بيان وجوب الصلاة ، ووجوب الزكاة ، ووجوب صوم رمضان وأنه لا يجب غيرها إلا أن يتطوع ، وقد أخذ بعض العلماء هذا الحديث أصلًا في أنه لا تجب صلاة الوتر ولا تجب صلاة الكسوف ولا تجب تحية المسجد ، ولا غيرها مما قيل إنه واجب ، وقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون عليه غيرها إلا أن يطوع ، وهذا في سياق البيان والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة ، ثم إن الظاهر أن هذا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في عام الوفود الذي هو السنة التاسعة ، ولكن يقال : أما من ادّعى أن شيئًا من الصلوات يجب بدون سبب فإن هذا الحديث دليل على ضعف قوله ، فالوتر مثلًا من ادّعى أنه واجب فهذا الحديث يدل على ضعف قوله ، لأن الوتر ليس له سبب ، بل هو مؤقت بوقت فهو كالصلوات الخمس ، فلو كان واجبًا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم
وأما ما كان واجبًا بسبب فقد يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بين الواجبات التي ليس لها سبب ، أما ما له سبب فإنه مربوط بسببه ، وعلى هذا فلا يكون في هذا الحديث دليل على عدم وجوب صلاة الخسوف مثلًا ، أو على عدم وجوب تحية المسجد ، لأنا نقول : إنما نفى النبي صلى الله عليه وسلم الواجبات اليومية التي تتكرر في اليوم والليلة ، أما ما له سبب فهو مربوط بسببه ، ويدل لذلك : أن الإنسان لو نذر أن يصلي لوجب عليه أن يصلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) وهنا قال : إلا أن تطوع ولم يقل : إلا أن تطوع أو تنذر ، وفي قوله : ( لا إلا أن تطوع ) سؤال ، هل هذا الاستثناء متصل أو منقطع ؟ منقطع لأنه لو كان متصلًا لكان التطوع واجبًا ، إذ أن المستثنى المتصل يكون من جنس المستثنى منه ، وعلى هذا فيكون تقدير الكلام لا ، لكن إن تطوعت فلا مانع ، وفي هذا الحديث إشكال وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أفلح وأبيه إن صدق ) إشكاله من وجهين : الوجه الأول : لماذا أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بدون أن يستقسم ؟ والجواب عن هذا الإشكال أن يقال : إن القسم يحسن في مقام الاستقسام وفي مقام التوكيد ، حتى وإن لم يستقسم إذا كانت الحال تستدعي توكيد الحكم فإنه لا مانع من القسم ، وإن لم يطلب منه ، أما الإشكال الثاني فهو قوله : ( وأبيه ) فإنه حلف بالأب ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الحلف بالآباء فقال : ( لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت ) وكذلك جاء عنه أنه قال : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) فما الجواب ؟ اختلف العلماء في الإجابة عن هذا الحديث ، نقول عن هذا الحديث أم على هذا الحديث ؟ نقول عن ، لأنه إذا كان الجواب لكشف المسألة فهو على ، وإن كان الجواب دفعًا عن إيراد فيقال : عن ، طيب اختلفوا في الجواب عن هذا الحديث فقال بعضهم : إنه خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم والخصوصية كما نعلم تحتاج إلى دليل ، قال : الدليل هو بُعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعظّم أباه كما يعظم مولاه ، وهذه الخصلة لا تقع لغير الرسول صلى الله عليه وسلم ، غير الرسول يمكن أن يحلف بأبيه منزلًا أباه منزلة مولاه ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يبعد منه هذا ، هذه واحدة ، وجه آخر : أنه من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم بناء على قاعدة أنه إذا تعارض فعل الرسول وقوله فقوله مقدّم ، لاحتمال الخصوصية ، واحتمال النسيان ، واحتمال مراعاة أحوال أخرى ، وهذا ما يمشي عليه الشوكاني رحمه الله في كتابه " شرح المنتقى " ، حتى أنه قال في استدبار الكعبة في البنيان : إن هذا خاصٌّ بالرسول صلى الله عليه وسلم لأن حديث أبي أيوب : ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ) عامٌّ ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم رؤي يقضي حاجته مستدبر الكعبة هذا فعل ، وعموم القول مقدّم على خصوص الفعل ، لاحتمال النسيان ، أو الخصوصية ، أو العذر ، أو ما أشبه ذلك ، لكن هذا القول مرجوح ، وذلك لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله كلاهما سنة ، فمتى أمكن الجمع فلن نعدل إلى الخصوصية ، إذن ادعاء الخصوصية من وجهين :
الوجه الأول : بعد إرادة الشرك من الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يعظم أباه كما يعظم مولاه بخلاف غيره.
والثاني : أنه إذا تعارض قوله وفعله يقدّم قوله ، الوجه الثاني من الجواب عن هذا الحديث أن هذا قبل النهي ، وعليه فيكون منسوخًا ، وهذه الدعوى لم تتم ، لأن من شرط قبول دعوى النسخ العلم بالتاريخ ، وإذا لم نعلم التاريخ فإن الدعوى غير مقبولة ، وعلى هذا فيسقط هذا الوجه.
الوجه الثالث : أن هذا مما يجري على اللسان بلا قصد ، لأننا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن الحلف بالآباء لن يحلف بالأب عن قصد ، وإنما ذلك مما يجري على لسانه وما يجري على اللسان بدون كسب القلب فإنه لا عبرة به ، لقوله تعالى : (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم )) والآية الثانية (( بما عقدتم الأيمان )) وإذا لم يكن عن قصد فإنه معفوٌّ عنه ، وهذا الجواب أيضًا فيه نظر لأنه قد يقال : إن الذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على النهي عن الحلف بالآباء هو كثرة الحلف به ، فنهاهم عن ذلك وإن لم يكونوا يقصدون هذا ، لكنه له وجه من النظر.
الوجه الرابع : وهو أضعف الأقوال ، أن الحديث حصل فيه تحريف ، وأن ( وأبيه ) أصلها : ( والله ) لكن لما كان الكُتاب فيما سبق لا يعجمون الكلمة اشتبه كتابة ( والله ) بكتابة ( وأبيه ) لأن النبرات فيها واحدة ، لكن هذا القول ضعيف جدًّا جدًا هذا الوجه ، لأن الأحاديث منقولة بالكتابة ومنقولة بالمشافهة ، فكيف نقول إن الرواة الذين نطقوا بالحديث ( وأبيه ) نطقوا بذلك عن تحريف ؟ لكنه قول قد قيل "
" قد قيل ما قيل إن صدقًا وإن كذبًا *** فما اعتذارك من قول إذا قيل "
وأقرب الأوجه الأول ، أنه خاصٌّ بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم الثالث أن هذا مما يجري على اللسان بلا قصد ، والقاعدة الشرعية أنه إذا تعارض محكم ومتشابه فالذي يقدم المحكم ، فعندنا نصٌّ محكم لا اشتباه فيه وهو النهي عن الحلف بالآباء ، فنأخذ به ، وندع هذا المتشابه ، ونقول : إن تيسّر لنا الجمع بوجه مقبول أخذنا به ، وإن لم يتيسر إلا على وجه مستكره فلسنا بملزمين به ، وعندنا نصٌّ محكم.
هذا الحديث فيه بيان وجوب الصلاة ، ووجوب الزكاة ، ووجوب صوم رمضان وأنه لا يجب غيرها إلا أن يتطوع ، وقد أخذ بعض العلماء هذا الحديث أصلًا في أنه لا تجب صلاة الوتر ولا تجب صلاة الكسوف ولا تجب تحية المسجد ، ولا غيرها مما قيل إنه واجب ، وقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون عليه غيرها إلا أن يطوع ، وهذا في سياق البيان والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة ، ثم إن الظاهر أن هذا في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في عام الوفود الذي هو السنة التاسعة ، ولكن يقال : أما من ادّعى أن شيئًا من الصلوات يجب بدون سبب فإن هذا الحديث دليل على ضعف قوله ، فالوتر مثلًا من ادّعى أنه واجب فهذا الحديث يدل على ضعف قوله ، لأن الوتر ليس له سبب ، بل هو مؤقت بوقت فهو كالصلوات الخمس ، فلو كان واجبًا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم
وأما ما كان واجبًا بسبب فقد يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بين الواجبات التي ليس لها سبب ، أما ما له سبب فإنه مربوط بسببه ، وعلى هذا فلا يكون في هذا الحديث دليل على عدم وجوب صلاة الخسوف مثلًا ، أو على عدم وجوب تحية المسجد ، لأنا نقول : إنما نفى النبي صلى الله عليه وسلم الواجبات اليومية التي تتكرر في اليوم والليلة ، أما ما له سبب فهو مربوط بسببه ، ويدل لذلك : أن الإنسان لو نذر أن يصلي لوجب عليه أن يصلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) وهنا قال : إلا أن تطوع ولم يقل : إلا أن تطوع أو تنذر ، وفي قوله : ( لا إلا أن تطوع ) سؤال ، هل هذا الاستثناء متصل أو منقطع ؟ منقطع لأنه لو كان متصلًا لكان التطوع واجبًا ، إذ أن المستثنى المتصل يكون من جنس المستثنى منه ، وعلى هذا فيكون تقدير الكلام لا ، لكن إن تطوعت فلا مانع ، وفي هذا الحديث إشكال وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أفلح وأبيه إن صدق ) إشكاله من وجهين : الوجه الأول : لماذا أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بدون أن يستقسم ؟ والجواب عن هذا الإشكال أن يقال : إن القسم يحسن في مقام الاستقسام وفي مقام التوكيد ، حتى وإن لم يستقسم إذا كانت الحال تستدعي توكيد الحكم فإنه لا مانع من القسم ، وإن لم يطلب منه ، أما الإشكال الثاني فهو قوله : ( وأبيه ) فإنه حلف بالأب ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الحلف بالآباء فقال : ( لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت ) وكذلك جاء عنه أنه قال : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) فما الجواب ؟ اختلف العلماء في الإجابة عن هذا الحديث ، نقول عن هذا الحديث أم على هذا الحديث ؟ نقول عن ، لأنه إذا كان الجواب لكشف المسألة فهو على ، وإن كان الجواب دفعًا عن إيراد فيقال : عن ، طيب اختلفوا في الجواب عن هذا الحديث فقال بعضهم : إنه خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم والخصوصية كما نعلم تحتاج إلى دليل ، قال : الدليل هو بُعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعظّم أباه كما يعظم مولاه ، وهذه الخصلة لا تقع لغير الرسول صلى الله عليه وسلم ، غير الرسول يمكن أن يحلف بأبيه منزلًا أباه منزلة مولاه ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يبعد منه هذا ، هذه واحدة ، وجه آخر : أنه من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم بناء على قاعدة أنه إذا تعارض فعل الرسول وقوله فقوله مقدّم ، لاحتمال الخصوصية ، واحتمال النسيان ، واحتمال مراعاة أحوال أخرى ، وهذا ما يمشي عليه الشوكاني رحمه الله في كتابه " شرح المنتقى " ، حتى أنه قال في استدبار الكعبة في البنيان : إن هذا خاصٌّ بالرسول صلى الله عليه وسلم لأن حديث أبي أيوب : ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ) عامٌّ ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم رؤي يقضي حاجته مستدبر الكعبة هذا فعل ، وعموم القول مقدّم على خصوص الفعل ، لاحتمال النسيان ، أو الخصوصية ، أو العذر ، أو ما أشبه ذلك ، لكن هذا القول مرجوح ، وذلك لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله كلاهما سنة ، فمتى أمكن الجمع فلن نعدل إلى الخصوصية ، إذن ادعاء الخصوصية من وجهين :
الوجه الأول : بعد إرادة الشرك من الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يعظم أباه كما يعظم مولاه بخلاف غيره.
والثاني : أنه إذا تعارض قوله وفعله يقدّم قوله ، الوجه الثاني من الجواب عن هذا الحديث أن هذا قبل النهي ، وعليه فيكون منسوخًا ، وهذه الدعوى لم تتم ، لأن من شرط قبول دعوى النسخ العلم بالتاريخ ، وإذا لم نعلم التاريخ فإن الدعوى غير مقبولة ، وعلى هذا فيسقط هذا الوجه.
الوجه الثالث : أن هذا مما يجري على اللسان بلا قصد ، لأننا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن الحلف بالآباء لن يحلف بالأب عن قصد ، وإنما ذلك مما يجري على لسانه وما يجري على اللسان بدون كسب القلب فإنه لا عبرة به ، لقوله تعالى : (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم )) والآية الثانية (( بما عقدتم الأيمان )) وإذا لم يكن عن قصد فإنه معفوٌّ عنه ، وهذا الجواب أيضًا فيه نظر لأنه قد يقال : إن الذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على النهي عن الحلف بالآباء هو كثرة الحلف به ، فنهاهم عن ذلك وإن لم يكونوا يقصدون هذا ، لكنه له وجه من النظر.
الوجه الرابع : وهو أضعف الأقوال ، أن الحديث حصل فيه تحريف ، وأن ( وأبيه ) أصلها : ( والله ) لكن لما كان الكُتاب فيما سبق لا يعجمون الكلمة اشتبه كتابة ( والله ) بكتابة ( وأبيه ) لأن النبرات فيها واحدة ، لكن هذا القول ضعيف جدًّا جدًا هذا الوجه ، لأن الأحاديث منقولة بالكتابة ومنقولة بالمشافهة ، فكيف نقول إن الرواة الذين نطقوا بالحديث ( وأبيه ) نطقوا بذلك عن تحريف ؟ لكنه قول قد قيل "
" قد قيل ما قيل إن صدقًا وإن كذبًا *** فما اعتذارك من قول إذا قيل "
وأقرب الأوجه الأول ، أنه خاصٌّ بالرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم الثالث أن هذا مما يجري على اللسان بلا قصد ، والقاعدة الشرعية أنه إذا تعارض محكم ومتشابه فالذي يقدم المحكم ، فعندنا نصٌّ محكم لا اشتباه فيه وهو النهي عن الحلف بالآباء ، فنأخذ به ، وندع هذا المتشابه ، ونقول : إن تيسّر لنا الجمع بوجه مقبول أخذنا به ، وإن لم يتيسر إلا على وجه مستكره فلسنا بملزمين به ، وعندنا نصٌّ محكم.