فوائد حفظ
الشيخ : هذا مر علينا من قبل وبينا أن فيه فوائد ، منها : أن الإنسان ينبغي له إذا قدم إلى قوم أن يعرف حالهم ، ليستعد لهم بما يليق بحالهم ، ويخاطبهم بما يليق من الكلام ، لقوله : تأتي قوما من أهل الكتاب ، ومنها : أن أول ما يدعى إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ومنها : أنه لا يطالب أحد بالصلاة أو الزكاة حتى يأتي بالأساس ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ولهذا قال العلماء : إن كل عبادة من شرطها الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ومنها : أنه يجوز الأمر بالمجمل حيث لم يبين مقدار الصدقة ولا أنصبائها ، ولم يبين أيضا من أصنافها إلا واحدا وهم الفقراء ، ومنها : أنه لا يجوز أن تنقل الزكاة إلى غير فقراء البلد ، لقوله : من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، ومعلوم أن هذا لا إشكال فيه فيما إذا تساوى أهل البلد ومن كان بعيدا منه في الحاجة وفي الأجر والثواب ، وأما إذا تميز غيرهم بميزة كشدة الحاجة أو كونهم أقارب أو ما أشبه ذلك فإنه يكون أفضل أو على الأقل نقول جائز ، لأن هذا فضل متعلق بذات العبادة والأول بمكانهم ، باعتبار كونهم من فقراء البلد ، أما مع التساوي فإنه لا يجوز أن ينقل الزكاة إلى بلد آخر ، وهذا في مسألة الزكاة التي يقصد بها في الأغلب نفع المعطى ، وأما ما كان قربة في نفسه كالأضحية والعقيقة وما أشبه ذلك فهذه لا يجوز أن تصرف إلى غير بلاد الإنسان ، لأن المقصود منها وهو التعبد لله بالذبح يفوت ، لكن إن كان بالمسلمين مسغبة في مكان آخر وكان في دفعها سد لحاجتها فليرسل إليهم أطعمة ودراهم دون أن يرسل أضحية ، ومنها : أنه لم يذكر في هذا الحديث الصوم ولا الحج ، وأقرب ما يقال في ذلك أن الصوم لم يذكر لأن بعث معاذ كان في ربيع الأول ، أي : بقي على رمضان خمسة شهور فاختار النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم أن لا يبين لهم فرض صيام رمضان حتى يقرب وقته ويكون الإيمان قد رسخ في قلوبهم ، والتزموا بأحكام الإسلام التزاما كاملا ، أما الحج فكذلك نقول إنه لم يأت وقته بعد ، فلذلك لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم هنا ، وفي هذا الحديث : التحذير من ظلم المعطي إذا أخذ منه أكثر مما يجب ، ولهذا قال : إياك وكرائم أموالهم! والكرائم جمع كريمة ، وهي الحسنة التي تمتاز عن غيرها ، إما بكونها حلوبا أو ولودا أو سمينة أو غير ذلك ، ومن فوائده أيضا : أنه يجوز للمظلوم أن يدعو على الظالم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دعوته مقبولة ، قال : ليس بينها وبين الله حجاب ، ولكن لا يدعو بأكثر مما يستحق الظالم ، لأنه إن دعا بأكثر مما يستحق صار هو الظالم ولهذا قال الله تعالى : (( وجزاء سيئة سيئة مثلها )) ومنها : أن المظلوم مجاب الدعوة وإن كان كافرا ، لقوله : واتق دعوة المظلوم فإنه عام ، ولأن إجابة دعوة المظلوم من باب إقامة العدل ، والله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل ، فمن ظلم كافرا ودعا عليه الكافر استجاب الله له ، لأن ذلك من باب إقامة العدل ، وليس من باب إكرام الداعي حتى نقول إن الكافر ليس له إكرام ، بل نقول : من باب إقامة العدل ، ونظير ذلك أن الله يجيب دعوة المضطر ولو كان كافرا (( وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون )) وهو يعلم سبحانه وتعالى أنهم سيشركون إذا نجوا ، لكن بإخلاصهم في تلك اللحظة والتجائهم إلى الله وظهور الافتقار له أجاب دعوتهم ، ومن فوائد هذا الحديث : بعث الدعاة إلى الله ، وأن الذي يتولى ذلك من له السلطة الكبرى أو العليا على المسلمين ، وهو الإمام ، الإمام أو من جعل ذلك له ، هو الذي يتولى الذهاب إلى الدعوة إلى دعوة غير المسلمين ، لكن الدعاء الخاص الفردي بأن تمسك رجلا كافرا وتعرض عليه الإسلام وتدعوه إليه هذا لا بأس به ، لكن بعث الدعاة للأمم هذا لا يكون إلا عن طريق الإمام وهو الذي له السلطة العليا في المكان ، أو من ينوب منابه.