فوائد حفظ
الشيخ : وفي هذا الحديث من الفوائد : أنه من ختم له بلا إله إلا الله فإنه يرجى أن يكون من أهل الجنة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ) ومنها : تلطف مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب لأن هذه الحال تقتضي التلطف ، ومنها : عصبية أهل الجاهلية ، حيث قال : لولا أن يعيرني قريش يقولون : إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت به عينك ، ومنها : العاقبة السيئة لجلساء السوء فإن عبد الله بن أمية وأبا جهل قالا لأبي طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب ، ومنها : أن أبا طالب مات على الكفر خلافا لمن قال إنه مات على الإسلام ، وهو صريح في قوله : أبى أن يقول لا إله إلا الله ، وفي قوله : لولا أن تعيرني قريش يقولون : إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه شفع له عند الله ، وقبلت شفاعته ، في تخفيف العذاب عنه ، لا في إخراجه من النار ، قال : فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه ، فما بالك بما دون الدماغ ، إذا كان الدماغ وهو أبعد ما يكون عن القدمين يغلي فما بالك بما دونه ، وإنما أذن الله له أن يشفع في عمه وهو كافر لأن عمه دافع عنه مدافعة عظيمة ، وناضل وأثنى عليه ، وقال :
" لقد علموا أن ابننا لا *** مكذب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل " وقال :
" ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة *** لرأيتني سمحا بذلك مبينا "
فمن أجل هذا كان من عدل الله عز وجل وحكمته أن يؤذن له بالشفاعة في بعض العذاب لا في كل العذاب ، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى ومن عدله ، أنه أعطاه ما يستحق ، ومنها : أن القرآن الكريم نوعان : سببي وغير سببي ، بمعنى أن بعضه نزل بسبب ، وبعضه نزل بغير سبب ، فالآية لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك قال الله تعالى : (( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ... )) ، وأنزل الله في أبي طالب : (( إنك لا تهدي من أحببت )) ومعنى قوله في أبي طالب أي : في شأنه ، إنك : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، لا تهدي من أحببت ، ومنها : أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بالقرآن حين إنزاله ، وذلك لأن سبب النزول لا بد أن يتقدم على النزول ، إذ أن السبب يكون به المسبب فلا بد أن يتقدم على النزول ، وإذا تقدم على النزول لزم أن يكون الله عز وجل يتكلم بالكلام ، أي بالقرآن حين إنزاله ، وعلى هذا فيكون معنى قوله تعالى : (( إنا أنزلناه في ليلة القدر )) (( إنا أنزلنا في ليلة مباركة )) معناه : ابتدأنا إنزاله ، لا أنزلناه كله ، ومن فوائد هذا الحديث : تحريم الاستغفار للمشركين ، لأن هذا عدوان في الدعاء ، إذ أن الاستغفار هو طلب المغفرة ، والله تعالى لا يغفر أن يشرك به ، فإذا سألت الله تعالى ما أخبر أنه لا يفعله ، فهذا عدوان في الدعاء ، ولهذا ذكرنا فيما سبق أن العدوان في الدعاء يدور على أمرين :
أن يسأل ما لا يمكن شرعا ، أو يسأل ما لا يمكن قدرا ، فهذا ضابط العدوان في الدعاء ، ومن فوائد الآية الكريمة : أن أحكام الله تعالى لا يفرق فيها بين القريب والبعيد ، فكما لا تستغفر للمشرك البعيد منك فلا تستغفر للمشرك الذي هو قريب ، ولهذا قال : (( ولو كانوا أولي قربى )) لو كان أباك أو ابنك أو أخاك أو أختك وهو قد مات على الكفر فإنه يحرم عليك أن تستغفر له ، وبناء على هذا : إذا مات قريب للإنسان وهو يعلم أنه لا يصلي يترك الصلاة تهاونا ، فإنه لا يحل له أن يقول : اللهم اغفر له ، اللهم اعف عنه ، لأنه لا يجوز الاستغفار للمشركين ، لما فيه من العدوان في الدعاء ، ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يهدي من أحب ، الرسول لا يهدي من أحب لقوله : (( إنك لا تهدي من أحببت )) ، فإن قال قائل : أليس الله قد قال : (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) ؟ قلنا : بلى ، لكن فرق بين الهداية إلى الشيء ، وهداية المهدي ، فالهداية إلى الصراط يعني الدلالة عليه ، فهداية الدلالة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم ولغيره أيضا من أهل العلم يهدون الناس إلى الحق ، وأما الهداية التي هي التوفيق فإنها إلى الله عز وجل ، ولا أحد يستطيع أن يهدي شخصا هداية توفيق مهما كان ، ومن فوائد هذه الآية : جواز محبة الكافر لإحسانه إليك ، أو ما أشبه ذلك أو قرابته لا لدينه ، ولهذا يحب الإنسان من وجه ويكره من وجه آخر ، فمحبة الإنسان لأبيه الكافر لا يلام عليها ، لقريبه الكافر لا يلام عليها ، لإحسان الكافر إليه لا يلام عليه ، لكن إذا أحبه للدين كان هذا خلاف ما كان عليه المؤمنون قال الله تعالى : (( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا )) ، ومن فوائد الآية الكريمة : توقف التأثيم على التبين والعلم ، لقوله : (( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم )) ، ويتفرع على ذلك العذر بالجهل ، وأن الإنسان إذا ارتكب محذورا جاهلا فإنه لا إثم عليه ، وهذه هي القاعدة الشرعية التي ذكرها الله عز وجل في كتابه وكذلك دلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) فقال الله : قد فعلت ، وقال الله تعالى : (( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم )) وقال تعالى : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم )) وهذه من أصرح الآيات الدالة على العذر بالجهل حتى في مسائل الكفر ،
لأن الكفر مشاقة لله ورسوله ، ومع ذلك لم يرتب الله عز وجل العقوبة على المشاقة إلا إذا تبين للإنسان الهدى (( من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) ، ومنها : الاعتماد على الله في جميع الأمور وأن الأمر بيده عز وجل ، لقوله تعالى : (( ولكن الله يهدي من يشاء )) فإذا كان هو الذي يهدي من يشاء فمن أين نطلب الهداية ، ممن لا يملكها أو ممن يملكها ؟ ممن يملكها وهو الله عز وجل ، فإذن اسأل الهداية من الله ، لأنه هو الذي يملك ذلك ، ولكن الله يهدي من يشاء ، ومنها : الرد على المعتزلة الذين يقولون : إن الإنسان مستقل بعمله ، ولا مشيئة لله فيه ، أليس كذلك ؟ هم يقولون : إن الإنسان مستقل بعمله ، ليس لله فيه تعلق إطلاقا ، وغلاتهم يقولون : إن الله لا يعلمه حتى يقع ، والمقتصدون منهم يقولون إن الله يعلم لكنه لا يشاؤه ، ففي هذه الآية رد عليهم (( ولكن الله يهدي من يشاء )) ، فإن قال قائل : وهل هذه المشيئة مشيئة مجردة أو مقرونة بحكمة ؟ الجواب : الثاني ، مقرونة بحكمة ، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى : (( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما )) فإذا علم أن هذا أهلٌ للهداية هداه ويسر له الهدى ، ومن علم أنه بالعكس لم ييسر له ذلك ، فإذا قال قائل : كيف يعلم عز وجل أنه أهل للهداية ؟ قلنا : يعلم ذلك بعلمه القديم ، الذي هو موصوف به أزلا وأبدا ، ثم ييسر هذا الإنسان للعلم الصالح ، كما قال تعالى : (( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى )) ، وقال تعالى : (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) ، وقال تعالى : (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )) ، إذن من علم الله أنه أهل للهداية هداه ووفقه وذلك لسلامة قلبه وصحة معتقده ، ومن كان والعياذ بالله على خلاف ذلك فإن الله تعالى يضله ، ومن فوائد الآية الكريمة : الرد على من يقول : إن الله تعالى لا يوصف باسم التفضيل ، لأن اسم التفضيل يقتضي المشاركة من أين يؤخذ ؟ (( وهو أعلم بالمهتدين )) ، يقولون في هذه الآية وأمثالها : وهو عالم بالمهتدين ، وأيهما أكمل أن يقال : هو أعلم بالمهتدين أو هو عالم بالمهتدين ؟ الأول الذي هو أعلم ، لأن أعلم يدل على التفضيل ، وأنه أفضل العالمين بالعلم ، لكن عالم لا يمنع المشاركة ، يقال : زيد عالم وعمرو عالم وخالد عالم ، لكن يقول : زيد أعلم ، أيش يكون ؟ يكون يفضلهم بالعلم ، ثم إن اسم التفضيل الوارد في صفات الله لم يعلق بشيء ، ولم يقيد بشيء حتى يقال إنه يوهم النقص ، يعني : ما قال هو أعلم من كذا ، اللهم إلا في مقام التحدي ، بل يطلق فيقال : الله أعلم أما في مقام التحدي فقد يقارن بغيره ، مثل قوله تعالى : (( قل أأنتم أعلم أم الله )) ومثل قوله تعالى : (( آلله خير أما يشركون )) ، والمهم أن وصف الله تعالى باسم التفضيل لا محذور فيه إطلاقا ، بل إن تحويل اسم التفضيل إلى اسم الفاعل يعتبر نقصا في التفسير ، يقولون : أنه إذا ورد في القرآن ما كان أو لم يكن فهو للممتنع شرعا أو قدرا ، وكذلك ما ينبغي ، تكون للممتنع شرعا أو قدرا ، وهي خلاف المعمول في عبارات العلماء ، العلماء إذا قالوا لا ينبغي كذا أو ما ينبغي كذا ليس معناه أنه ممتنع ، بل إن الأفضل تركه ، لكن (( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا )) هذا ممتنع مستحيل (( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر )) مستحيل أن تدرك القمر (( وما علمناه الشعر وما ينبغي له )) ممتنع شرعا ، فالمهم أن ما ينبغي ولا ينبغي وما كان أو لم يكن في القرآن تدل على الشيء الممتنع إما شرعا وإما قدرا ، طيب (( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة )) هذا أيضا ممتنع قدرا ، يعني هو في الواقع ، وإلا فقد ينفكون عن الشرك بدون بينة ، لكنهم لا يمكن أن ينفكوا إلا ببينة ، وهو إشارة إلى أن البينة قد أتتهم ، ولهذا قال : (( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ))
" لقد علموا أن ابننا لا *** مكذب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل " وقال :
" ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة *** لرأيتني سمحا بذلك مبينا "
فمن أجل هذا كان من عدل الله عز وجل وحكمته أن يؤذن له بالشفاعة في بعض العذاب لا في كل العذاب ، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى ومن عدله ، أنه أعطاه ما يستحق ، ومنها : أن القرآن الكريم نوعان : سببي وغير سببي ، بمعنى أن بعضه نزل بسبب ، وبعضه نزل بغير سبب ، فالآية لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك قال الله تعالى : (( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ... )) ، وأنزل الله في أبي طالب : (( إنك لا تهدي من أحببت )) ومعنى قوله في أبي طالب أي : في شأنه ، إنك : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، لا تهدي من أحببت ، ومنها : أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بالقرآن حين إنزاله ، وذلك لأن سبب النزول لا بد أن يتقدم على النزول ، إذ أن السبب يكون به المسبب فلا بد أن يتقدم على النزول ، وإذا تقدم على النزول لزم أن يكون الله عز وجل يتكلم بالكلام ، أي بالقرآن حين إنزاله ، وعلى هذا فيكون معنى قوله تعالى : (( إنا أنزلناه في ليلة القدر )) (( إنا أنزلنا في ليلة مباركة )) معناه : ابتدأنا إنزاله ، لا أنزلناه كله ، ومن فوائد هذا الحديث : تحريم الاستغفار للمشركين ، لأن هذا عدوان في الدعاء ، إذ أن الاستغفار هو طلب المغفرة ، والله تعالى لا يغفر أن يشرك به ، فإذا سألت الله تعالى ما أخبر أنه لا يفعله ، فهذا عدوان في الدعاء ، ولهذا ذكرنا فيما سبق أن العدوان في الدعاء يدور على أمرين :
أن يسأل ما لا يمكن شرعا ، أو يسأل ما لا يمكن قدرا ، فهذا ضابط العدوان في الدعاء ، ومن فوائد الآية الكريمة : أن أحكام الله تعالى لا يفرق فيها بين القريب والبعيد ، فكما لا تستغفر للمشرك البعيد منك فلا تستغفر للمشرك الذي هو قريب ، ولهذا قال : (( ولو كانوا أولي قربى )) لو كان أباك أو ابنك أو أخاك أو أختك وهو قد مات على الكفر فإنه يحرم عليك أن تستغفر له ، وبناء على هذا : إذا مات قريب للإنسان وهو يعلم أنه لا يصلي يترك الصلاة تهاونا ، فإنه لا يحل له أن يقول : اللهم اغفر له ، اللهم اعف عنه ، لأنه لا يجوز الاستغفار للمشركين ، لما فيه من العدوان في الدعاء ، ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يهدي من أحب ، الرسول لا يهدي من أحب لقوله : (( إنك لا تهدي من أحببت )) ، فإن قال قائل : أليس الله قد قال : (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) ؟ قلنا : بلى ، لكن فرق بين الهداية إلى الشيء ، وهداية المهدي ، فالهداية إلى الصراط يعني الدلالة عليه ، فهداية الدلالة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم ولغيره أيضا من أهل العلم يهدون الناس إلى الحق ، وأما الهداية التي هي التوفيق فإنها إلى الله عز وجل ، ولا أحد يستطيع أن يهدي شخصا هداية توفيق مهما كان ، ومن فوائد هذه الآية : جواز محبة الكافر لإحسانه إليك ، أو ما أشبه ذلك أو قرابته لا لدينه ، ولهذا يحب الإنسان من وجه ويكره من وجه آخر ، فمحبة الإنسان لأبيه الكافر لا يلام عليها ، لقريبه الكافر لا يلام عليها ، لإحسان الكافر إليه لا يلام عليه ، لكن إذا أحبه للدين كان هذا خلاف ما كان عليه المؤمنون قال الله تعالى : (( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا )) ، ومن فوائد الآية الكريمة : توقف التأثيم على التبين والعلم ، لقوله : (( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم )) ، ويتفرع على ذلك العذر بالجهل ، وأن الإنسان إذا ارتكب محذورا جاهلا فإنه لا إثم عليه ، وهذه هي القاعدة الشرعية التي ذكرها الله عز وجل في كتابه وكذلك دلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) فقال الله : قد فعلت ، وقال الله تعالى : (( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم )) وقال تعالى : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم )) وهذه من أصرح الآيات الدالة على العذر بالجهل حتى في مسائل الكفر ،
لأن الكفر مشاقة لله ورسوله ، ومع ذلك لم يرتب الله عز وجل العقوبة على المشاقة إلا إذا تبين للإنسان الهدى (( من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) ، ومنها : الاعتماد على الله في جميع الأمور وأن الأمر بيده عز وجل ، لقوله تعالى : (( ولكن الله يهدي من يشاء )) فإذا كان هو الذي يهدي من يشاء فمن أين نطلب الهداية ، ممن لا يملكها أو ممن يملكها ؟ ممن يملكها وهو الله عز وجل ، فإذن اسأل الهداية من الله ، لأنه هو الذي يملك ذلك ، ولكن الله يهدي من يشاء ، ومنها : الرد على المعتزلة الذين يقولون : إن الإنسان مستقل بعمله ، ولا مشيئة لله فيه ، أليس كذلك ؟ هم يقولون : إن الإنسان مستقل بعمله ، ليس لله فيه تعلق إطلاقا ، وغلاتهم يقولون : إن الله لا يعلمه حتى يقع ، والمقتصدون منهم يقولون إن الله يعلم لكنه لا يشاؤه ، ففي هذه الآية رد عليهم (( ولكن الله يهدي من يشاء )) ، فإن قال قائل : وهل هذه المشيئة مشيئة مجردة أو مقرونة بحكمة ؟ الجواب : الثاني ، مقرونة بحكمة ، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى : (( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما )) فإذا علم أن هذا أهلٌ للهداية هداه ويسر له الهدى ، ومن علم أنه بالعكس لم ييسر له ذلك ، فإذا قال قائل : كيف يعلم عز وجل أنه أهل للهداية ؟ قلنا : يعلم ذلك بعلمه القديم ، الذي هو موصوف به أزلا وأبدا ، ثم ييسر هذا الإنسان للعلم الصالح ، كما قال تعالى : (( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى )) ، وقال تعالى : (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) ، وقال تعالى : (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )) ، إذن من علم الله أنه أهل للهداية هداه ووفقه وذلك لسلامة قلبه وصحة معتقده ، ومن كان والعياذ بالله على خلاف ذلك فإن الله تعالى يضله ، ومن فوائد الآية الكريمة : الرد على من يقول : إن الله تعالى لا يوصف باسم التفضيل ، لأن اسم التفضيل يقتضي المشاركة من أين يؤخذ ؟ (( وهو أعلم بالمهتدين )) ، يقولون في هذه الآية وأمثالها : وهو عالم بالمهتدين ، وأيهما أكمل أن يقال : هو أعلم بالمهتدين أو هو عالم بالمهتدين ؟ الأول الذي هو أعلم ، لأن أعلم يدل على التفضيل ، وأنه أفضل العالمين بالعلم ، لكن عالم لا يمنع المشاركة ، يقال : زيد عالم وعمرو عالم وخالد عالم ، لكن يقول : زيد أعلم ، أيش يكون ؟ يكون يفضلهم بالعلم ، ثم إن اسم التفضيل الوارد في صفات الله لم يعلق بشيء ، ولم يقيد بشيء حتى يقال إنه يوهم النقص ، يعني : ما قال هو أعلم من كذا ، اللهم إلا في مقام التحدي ، بل يطلق فيقال : الله أعلم أما في مقام التحدي فقد يقارن بغيره ، مثل قوله تعالى : (( قل أأنتم أعلم أم الله )) ومثل قوله تعالى : (( آلله خير أما يشركون )) ، والمهم أن وصف الله تعالى باسم التفضيل لا محذور فيه إطلاقا ، بل إن تحويل اسم التفضيل إلى اسم الفاعل يعتبر نقصا في التفسير ، يقولون : أنه إذا ورد في القرآن ما كان أو لم يكن فهو للممتنع شرعا أو قدرا ، وكذلك ما ينبغي ، تكون للممتنع شرعا أو قدرا ، وهي خلاف المعمول في عبارات العلماء ، العلماء إذا قالوا لا ينبغي كذا أو ما ينبغي كذا ليس معناه أنه ممتنع ، بل إن الأفضل تركه ، لكن (( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا )) هذا ممتنع مستحيل (( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر )) مستحيل أن تدرك القمر (( وما علمناه الشعر وما ينبغي له )) ممتنع شرعا ، فالمهم أن ما ينبغي ولا ينبغي وما كان أو لم يكن في القرآن تدل على الشيء الممتنع إما شرعا وإما قدرا ، طيب (( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة )) هذا أيضا ممتنع قدرا ، يعني هو في الواقع ، وإلا فقد ينفكون عن الشرك بدون بينة ، لكنهم لا يمكن أن ينفكوا إلا ببينة ، وهو إشارة إلى أن البينة قد أتتهم ، ولهذا قال : (( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ))