فوائد حفظ
الشيخ : في الحديث الأول الإشارة إلى أنه ينبغي للملقي على غيره علما أن يسلك الطرق التي بها يتشوف المخاطب إلى العلم ، ويشتد شوقه إليه وذلك أنه كان يقول : يا معاذ ثم يسكت يا معاذ ثم يسكت من أجل التشويق والاستعداد التام ، ولهذا لو أخاطبك أنا وأقول : يا فلان ثم أسكت ، ثم أقول : يا فلان ثم أسكت أيش تقول أنت ؟ تقول : ما عندك ؟ تجد قلبك يكاد يفرق تشوقا إلى ما عندك ، وهذه الأساليب من أساليب تنبيه الناس ، ومن الأساليب أيضا : أن تتحدث ثم تسكت يعني سكوت غير عادي ، لأنك إذا سكت يشرئب الناس ، ماذا حصل ؟ ما عنده ؟ فهذه من الأساليب التي ينبغي للإنسان أن ينتبه لها ، وفي قوله : ( لبيك وسعديك ) ما معنى لبيك ؟ قال معناها : الإجابة ، لكنها لا يراد بها لفظها ، الذي يدل على مرتين فقط ، بل هذا يدل على الكثرة ، وهو كثير في اللغة العربية ، ومنه حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل قال : ثم جلس - يعني بعد السجدة - فجعل يقول : رب اغفر لي رب اغفر لي ، ليس المعنى أنه ما قال إلا مرتين ، لكن المعنى أنه يكررها ، وهو يكررها تكرارا طويلا بحيث يكون جلوسه كمقدار سجوده ، لأن عادة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته أنها متناسبة ، كما قال البراء بن عازب : الركوع والقيام منه والسجود والجلوس كلها متقاربة ، فكان حذيفة يحكي عنه أن يقول : رب اغفر لي رب اغفر لي ، فالمعنى أنه يكررها ليس المراد أنه يقولها مرتين فقط ، ومنه قوله تعالى : (( فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين )) هل المراد مرتين ؟ لا ، أكثر ، مهما نظرت فإنك لن ترى فيها فطورا ،
إذن لبيك يعني : أكثر من مرتين ، ( سعديك ) قالوا إن المراد بذلك إسعادا لك يعني أرجو لك السعادة ، وقال : أو أن معنى إسعادا يعني مساندة وتقوية لأنها ترد بهذا وبهذا ، وفيه : إطلاق القول بالتشريك بالواو ، الله ورسوله أعلم ، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنكر على الرجل الذي قال : ما شاء الله وشئت ، والفرق ظاهر ، في الأمور القدرية لا يشرك أحد مع الله لا الرسول ولا غيره ، وما شاء الله وشئت تتعلق بالأمور القدرية ، في الأمور الشرعية لا بأس أن تشرك مع الله رسوله ، لأنه يتكلم عن الله ، فهو رسوله ، وعنده من العلم ما أوحاه الله إليه ، ولهذا قال الله تعالى : (( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله )) ولم يقل ثم رسوله ، لأن المقام مقام إتيان شرعي ، ما هو إتيان كوني لأن الله هو المعطي والرسول قاسم ، ولهذا صح أن يقال : (( ما آتاهم الله ورسوله )) ، والشاهد من فضل الإخلاص هو قوله : ( ألا يعذب من لا يشرك به شيئا ) ، فقال : أفلا أبشر الناس ؟ قال : لا تبشرهم فيتكلوا ، يتكلوا معطوفة على تبشرهم ، أو منصوبة بأن مضمرة بعد فاء السببية ؟ الثاني ، نعم يعني فبسبب تبشيرك يتكلوا ، يعني ولا يعملوا ، والرسول صلى الله عليه وسلم خاف من ذلك لئلا يتوهم من لا غور عنده في العلم هذا الوهم فيتكل ، وإلا فإن قوله : ( أن يعبد الله ) يقتضي عملا ، لا بد من عمل ، عمل بإخلاص ، لكن عامة الناس قد لا يكون عنده غور علم وتعمق فيظن أن المراد مطلق العبادة ولو بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، مع أن العبادة عمل ، كل ما تتقرب إلى الله به فهو عبادة ، وفي هذا الاحتراز من الألفاظ الموهمة ، حتى ولو قصد بها صاحبها ما قصد ، فالألفاظ الموهمة إياك أن تقربها ، لا سيما إذا كنت مقبول القول مطاع الأمر ، فلا تأتي بالعبارات التي توهم ، أو بالأفعال التي توهم لأن الناس يرقبون أو ينتظرون ماذا يقول المطاع فيهم من عالم أو أمير أو غيره ، فالعبارات التي توهم تجنبها أو وضحها ، حتى لا يبقى إشكال.
إذن لبيك يعني : أكثر من مرتين ، ( سعديك ) قالوا إن المراد بذلك إسعادا لك يعني أرجو لك السعادة ، وقال : أو أن معنى إسعادا يعني مساندة وتقوية لأنها ترد بهذا وبهذا ، وفيه : إطلاق القول بالتشريك بالواو ، الله ورسوله أعلم ، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنكر على الرجل الذي قال : ما شاء الله وشئت ، والفرق ظاهر ، في الأمور القدرية لا يشرك أحد مع الله لا الرسول ولا غيره ، وما شاء الله وشئت تتعلق بالأمور القدرية ، في الأمور الشرعية لا بأس أن تشرك مع الله رسوله ، لأنه يتكلم عن الله ، فهو رسوله ، وعنده من العلم ما أوحاه الله إليه ، ولهذا قال الله تعالى : (( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله )) ولم يقل ثم رسوله ، لأن المقام مقام إتيان شرعي ، ما هو إتيان كوني لأن الله هو المعطي والرسول قاسم ، ولهذا صح أن يقال : (( ما آتاهم الله ورسوله )) ، والشاهد من فضل الإخلاص هو قوله : ( ألا يعذب من لا يشرك به شيئا ) ، فقال : أفلا أبشر الناس ؟ قال : لا تبشرهم فيتكلوا ، يتكلوا معطوفة على تبشرهم ، أو منصوبة بأن مضمرة بعد فاء السببية ؟ الثاني ، نعم يعني فبسبب تبشيرك يتكلوا ، يعني ولا يعملوا ، والرسول صلى الله عليه وسلم خاف من ذلك لئلا يتوهم من لا غور عنده في العلم هذا الوهم فيتكل ، وإلا فإن قوله : ( أن يعبد الله ) يقتضي عملا ، لا بد من عمل ، عمل بإخلاص ، لكن عامة الناس قد لا يكون عنده غور علم وتعمق فيظن أن المراد مطلق العبادة ولو بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، مع أن العبادة عمل ، كل ما تتقرب إلى الله به فهو عبادة ، وفي هذا الاحتراز من الألفاظ الموهمة ، حتى ولو قصد بها صاحبها ما قصد ، فالألفاظ الموهمة إياك أن تقربها ، لا سيما إذا كنت مقبول القول مطاع الأمر ، فلا تأتي بالعبارات التي توهم ، أو بالأفعال التي توهم لأن الناس يرقبون أو ينتظرون ماذا يقول المطاع فيهم من عالم أو أمير أو غيره ، فالعبارات التي توهم تجنبها أو وضحها ، حتى لا يبقى إشكال.