فوائد حفظ
الشيخ : هذا الحديث كما ترون فيه ما يشبه ما سبق ، وهو أنه لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فيدخل النار أو قال : تطعمه النار ، وفيه أيضًا من الفقه : أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا شقّ عليه ذلك ، بكف بصره أو مرضه أو ما أشبه ، وفيه أيضًا : جواز اتخاذ المصلى في البيت ، لأن عتبان بن مالك رضي الله عنه أراد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في مكان يتخذه مصلى ، وفيه : التبرك برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل يلحق به غيره ؟ الجواب : لا ، لكن قد يكون الإنسان بركة ويكون فيه بركة إذا كان سببًا في خير ، يقال فيه البركة ، ولهذا لما نزلت آية التيمم التي فيها سعة للمسلمين قال أسيد بن الحضير : ما هذه أول بركتكم يا آل أبي بكر ، فقول الناس : إنك لا تقل للإنسان إنك أتيتنا بالبركة أو مجيئك إلينا بركة أو ما أشبه ذلك ليس على إطلاقه ، لأنه إن أريد البركة الذاتية الجسدية فهذا خطأ ، ولا يكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن أريد البركة بركة الخير يعني يكون سبب في الخير من تعليم علم أو تنبيه أو ما أشبه ذلك فهذا لا بأس به ، وهو من بركة الإنسان أن يجعل الله فيه خيرًا ، وفي هذا أيضا دليل على جواز الصلاة عند المتحدثين ، لأن الظاهر أن البيت ليس بكبير وأن الذين يتحدثون يسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ، والدليل أنه لما قضى الصلاة قال : أليس يشهد أنه لا إله إلا الله ، فهذا يدل على أنه سمع كلامهم وفهمه ، فيكون فيه دليل على جواز الصلاة عند المتحدثين ، ولكن إذا كان حديث القوم يشغل الإنسان فإنه يكره أن يصلي حولهم إن لم يمكن إسكاتهم ، فإن أمكن إسكاتهم أسكتهم ، لكن إذا لم يمكن فإنه يكره أن يصلي حولهم ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجاميته فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي ) فدل هذا على أن ما يلهي عن الصلاة ينبغي للإنسان أن يتجنبه ، أما إذا كان لا يهتم فلا بأس ، وفيه أيضًا : دليل على أنه لا يلام أحدٌ إذا أحب أن يتحدث ولو كان عنده من يصلي ، فلا يقال له : لم لم تصل كما صلى فلان نقول : الأمر واسع إلا في الواجب ، وفيه : دليل على أنا نأخذ بما يظهر لنا في هذه الدنيا ، ولا يجوز أن نظن السوء حتى وإن وجدت قرائن ، بل نحمل الناس على ظواهرهم ونكل سرائرهم إلى الله عز وجل ، ولا أعظم من قصة أسامة بن زيد رضي الله عنه مع المشرك الذي لحقه فلما أدركه قال : أشهد أن لا إله إلا الله فقتله ، فلام النبي صلى الله عليه وسلم أسامة وقال : أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ ! وجعل يكررها عليه قال أسامة : حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت بعد ، لماذا تمنى ؟ لأنه يقول إذا فعلت هذا وهو كافر فإن الإسلام يهدم ما قبله ، ولكن حصل الذي حصل ، فالحاصل أنه ينبغي للإنسان أن يحمل الناس على ظواهرهم ، ويكل سرائرهم إلى الله عز وجل.