فوائد حفظ
الشيخ : قال : أما هذا فقضى ما عليه ففيه دليل على وجوب إنكار المنكر ، ولكن هذا الرجل لم يعنف في الرد على مروان ، بل قال له : الصلاة قبل الخطبة ، وقوله : ترك ما هنالك ،يقال له : ما الذي أوجب الترك ؟ أأنتم تشرعون ؟! يقول : الذي أوجب الترك أن الناس كانوا إذا سلم الإمام من صلاة العيد انصرفوا ، فلم يستمعوا إلى الخطبة ، فرأى أن يقدمها على الصلاة من أجل أن ينتفع الناس بها ، وهنا نقول : هذا رأيٌ في مقابلة النصّ ، والرأي في مقابلة النص مطرح ، ولا يجوز العمل به ، حتى وإن كان الناس ينفرون من الخطبة بعد الصلاة ، فمن أراد أن يستمع فليستمع ، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف ، وفي هذا دليل على وجوب إعانة المنكِر وتأييده ، لقول أبي سعيد : ( أما هذا فقد قضى ما عليه ) ثم استشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ) وهذا أنكره بلسانه ، لأن هذا منتهى قدرته ، ( فإن لم يستطع فبقلبه ، وهذا أضعف الإيمان ) ، وفي الحديث نص صريح على أن الإيمان يزيد ونقص ، لقوله : ( وذلك أضعف الإيمان ) وهذا هو الحق ، أن الإيمان يزيد وينقص ، والإيمان يتعلق بالقلب ، وباللسان ، وبالجوارح ، فهو اعتقاد وقول وعمل ، أما زيادته بالعمل بعمل الجوارح فواضح ، فإن من صلى أربع ركعات أزيد ممن صلى ركعتين ، وهذا لا إشكال فيه ، وأما زيادته فيما يتعلق باللسان فواضح أيضًا ، فإن من ذكر الله عشرًا أزيد إيمانًا ممن ذكره خمسًا ، وأما القلب فكذلك أيضًا ، فإن يقين القلب يتفاوت بحسب طرق العلم الموصلة إليه ، فإنه إذا أخبرك من تثق به بخبر ، أوجد ذلك في قلبك علمًا ، ثم إذا جاء آخر فأخبرك ازداد هذا العلم ، ثم إذا جاء الثالث فأخبرك ازداد هذا العلم ، ولهذا قال العلماء : " إن المتواتر يفيد العلم واليقين " ، ويدل لهذا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لربه : (( أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )) وهذا كما أنه قد دل عليه الشرع فقد دل عليه الحس والواقع ، فالإنسان الذي يشاهد الشيء ليس كالذي يخبر به ، وكذلك أيضًا كلما ازدادت طرق العلم ازداد اليقين ، فالصواب عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص ، سواء ما يتعلق بالقلب أو اللسان أو الجوارح ، طيب إذا قال قائل : هل يجوز للإنسان أن يبقى عند أصحاب المنكر ويقول إنه منكر بقلبه ؟ فالجواب : لا ، لأن الله تعالى قال في الكتاب : (( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذن مثلهم )) ، اللهم إلا أن يُكره على الجلوس معهم مثل أن يحبسوه بإغلاق الأبواب أو بتقييد الجوارح ، أو يخشى على نفسه إذا خرج أن يؤذى بالحبس أو بالضرب أو ما أشبه ذلك.