حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل صلى الله عليه وسلم اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قال وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير قال الله عز وجل ورفعناه مكانا عليا ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل ارجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه حفظ
القارئ : قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان من صحيحه :
حدّثنا شيبان بن فرّوخ ، حدّثنا حمّاد بن سلمة ، حدّثنا ثابتٌ البنانيّ ، عن أنس بن مالكٍ ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتيت بالبراق ، وهو دابّةٌ أبيض طويلٌ فوق الحمار ، ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، قال : فركبته حتّى أتيت بيت المقدس ، قال : فربطته بالحلقة الّتي يربط به الأنبياء ، قال : ثمّ دخلت المسجد ، فصلّيت فيه ركعتين ، ثمّ خرجت فجاءني جبريل عليه السّلام بإناءٍ من خمرٍ ، وإناءٍ من لبنٍ ، فاخترت اللّبن ، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : اخترت الفطرة ، ثمّ عرج بنا إلى السّماء ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمّدٌ ، قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بآدم ، فرحّب بي ، ودعا لي بخيرٍ ، ثمّ عرج بنا إلى السّماء الثّانية ، فاستفتح جبريل عليه السّلام ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمّدٌ ، قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ، ويحيى بن زكريّاء ، صلوات الله عليهما ، فرحّبا ودعوا لي بخيرٍ ، ثمّ عرج بي إلى السّماء الثّالثة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمّدٌ صلى الله عليه وسلم ، قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم ، إذا هو قد اعطي شطر الحسن ، فرحّب ودعا لي بخيرٍ ، ثمّ عرج بنا إلى السّماء الرّابعة ، فاستفتح جبريل عليه السّلام ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمّدٌ ، قال : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس ، فرحّب ودعا لي بخيرٍ ، قال الله عزّ وجلّ : (( ورفعناه مكانًا عليًّا )) ، ثمّ عرج بنا إلى السّماء الخامسة ، فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا ؟ فقال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمّدٌ ، قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم ، فرحّب ، ودعا لي بخيرٍ ، ثمّ عرج بنا إلى السّماء السّادسة ، فاستفتح جبريل عليه السّلام ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمّدٌ ، قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم ، فرحّب ودعا لي بخيرٍ ، ثمّ عرج بنا إلى السّماء السّابعة ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمّدٌ صلى الله عليه وسلم ، قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ لا يعودون إليه ، ثمّ ذهب بي إلى السّدرة المنتهى ، وإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال ، قال : فلمّا غشيها من أمر الله ما غشي تغيّرت ، فما أحدٌ من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، فأوحى الله إليّ ما أوحى ، ففرض عليّ خمسين صلاةً في كلّ يومٍ وليلةٍ ، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما فرض ربّك على أمّتك ؟ قلت : خمسين صلاةً ، قال : ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف ، فإنّ أمّتك لا يطيقون ذلك ، فإنّي قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ) ، قال : فرجعت إلى ربّي ، فقلت : يا ربّ ، خفّف على أمّتي ، فحطّ عنّي خمسًا ، فرجعت إلى موسى ، فقلت : حطّ عنّي خمسًا ، قال : إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك ، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف ، قال : فلم أزل أرجع بين ربّي تبارك وتعالى ، وبين موسى عليه السّلام حتّى قال : يا محمّد ، إنّهنّ خمس صلواتٍ كلّ يومٍ وليلةٍ ، لكلّ صلاةٍ عشرٌ ، فذلك خمسون صلاةً ، ومن همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً ، فإن عملها كتبت له عشرًا ، ومن همّ بسيّئةٍ فلم يعملها لم تكتب شيئًا ، فإن عملها كتبت سيّئةً واحدةً ، قال : فنزلت حتّى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت : قد رجعت إلى ربّي حتّى استحييت منه ).
الشيخ : باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات ، الإسراء : هو السير ليلًا ، وأسرى به أي : سار به ليلًا ، والمعراج أيضًا من العروج ، وهو الصعود ، وليلة الإسراء هي ليلة المعراج ، لكن الإسراء في الأرض والمعراج في السماء ، وقد أشار الله تعالى إليهما في كتابه ، أما الإسراء ففي قوله : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى )) ، وأما المعراج ففي سورة النجم ، (( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى )) إلى قوله : (( لقد رأى من آيات ربه الكبرى )) .
والإسراء والمعراج ثابت ، وكائن بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه ، لأن الله قال : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا )) ، وقال : (( فأوحى إلى عبده ما أوحى )) وقال : (( ما زاغ البصر وما طغى )) وكل هذا يدل على أنه أسري به بجسده وروحه صلى الله عليه وسلم .
ومما يدل على ذلك من الناحية العقلية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث قريشًا به كذبوه وأنكروا ذلك أشد الإنكار ، ولو كان إسراء بالروح بمنزلة المنام ما كذبوا ذلك، لأن قريشًا لا تنكر المنامات.
وهذا الإسراء شرف للنبي صلى الله عليه وسلم وشرف لأمته ، وآية من آيات الله العظيمة ، الدالة على كمال قدرته تبارك وتعالى ، حيث إن محمدًا صلى الله عليه وسلم سار من مكة إلى بيت المقدس ومن بيت المقدس إلى أعلى مكان يصل إليه البشر ، ثم رجع من ليلته إلى مكة ، وصلى بمكة الصبح.
ذكر المؤلف عدة ألفاظ في حديث الإسراء ، قال : ( قد أوتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه ) وهذا يدل على أنه يطير طيرانًا ، لأنه إذا كان يضع حافره عند منتهى طرفه ، ومنتهى طرفه سيكون بعيدًا لا سيما مثل هذا الدابة التي تكون بهذه القوة ، فهو يقفز قفز طيران في الواقع ، ولذلك وصل إلى بيت المقدس ورجع في ليلة واحدة.
يقول : ( فركبته ) وهذا حقٌّ ، وهذا البراق لا ينبغي أن نبحث عند من ومن أين جاء ، وهل نزل من السماء أو خرج من الأرض أو ما أشبه ذلك مما يفرضه الذهن ويتكلفه الفكر ، كل هذا لا يجوز أن نتحدث فيه لماذا ؟ لأن من سبقنا خير منا بلا شك ، ولم يبحثوا عنه ، ولأن من سبقنا يواجهون الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الناس بمثل هذه الأمور، فلو كان ذلك أمرًا مشروعًا أو أمرًا مستساغًا لهدى الله هؤلاء الصحابة إلى أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم إذا سألوه فهو أقرب الناس أن يكون له علم بذلك أما يسألونني أنا وزيد وعمرو ، فنحن مثلهم في هذه الأمور ، كلها أمور غيبية ، فلا ينبغي السؤال من أين جاء ، ومن أين ولد ، وعند من يكون وما أشبه ذلك نقول : آمنا بالله ورسوله وصدقنا أوتي ببراق أبيض طويل فركبه وهذا البراق له خطو بعيد جدًّا حيث أنه يضع خطوه عند منتهى طرفه.
يقول : ( حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء ، ثم دخلت المسجد فصليت ركعتين ) يقظة أو منامًا ؟ يقظة ثم خرجت ، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن ، فقال جبريل : اخترت الفطرة لأن اللبن أنسب ما يكون للبدن ، وأحسن ما يكون غذاءً، لأن اللبن غذاء وشراب ، وهو أنسب ما يكون للبدن ، ولهذا كان أول طعام يطعمه الإنسان هو اللبن من حين يخرج من بطن أمه.
أما الخمر فكما تعلمون شراب مسموم ، وربما يكون فيه الإسكار، فيفوت المقصود.
ومعلوم أن هذا كان قبل تحريم الخمر ، لأن هذا كان في مكة ، وتحريم الخمر كان في المدينة.
يقول : ( ثم عرج بنا إلى السماء ) يعني عرج ونحن معه ، عرجنا جميعًا ، هذا هو الظاهر ، وليس المعنى عرج بي ولكنه أتى بـ( نا ) الدالة على العظمة ، لا ، عرج بنا يعني عرجنا جميعًا ، ومعنى عرج يعني صعد ( إلى السماء فاستفتح جبريل : قيل : من أنت ؟ قال جبريل. قيل : ومن معك ؟ قال محمد ) سبحان الله ، هذا السماء سقف محفوظ كما قال الله عز وجل : (( وجعلنا السماء سقفا محفوظا )) محفوظ من كل وجه ، لا يمكن لأحد أن يدخلها إلا بإذن ولا بد أن يكون هذا الآذن قد علم وجه إذنه ، ولهذا سألوا : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه.
هذه الأسئلة هل لها مفهوم ، بمعنى أنه لو قال : لم يبعث إليه سوف يفتحون أو لا يفتحون ؟ أو أرادوا أن يتحققوا ويعرفوا منزلة هذا الذي معه ؟
الثاني هو المتعين ، ففتح فإذا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ، وسيأتي أن جبريل قال هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلم عليه ، فرد السلام وقال : مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح.
ربما يقول الإنسان : آدم في الأرض ، فما الذي أوصله إلى السماء ؟
نقول : هذا من السؤال المتكلف ، وهذا سؤال متنطع قل : آمنت بالله ورسوله ، وجد آدم جسده روحه متمثلة على صفة جسده ما لك ولها ؟ ! لست والله أحرص على العلم من الصحابة رضي الله عنهم نقول : وجد آدم. كما جاء في الحديث ، وبهذا يا إخواني يستريح الإنسان من إيراد مثل هذه الأمور على نفسه ومن إيراد غيره عليه ، فتقول : لا نتعدى ، لا نتجاوز وجد آدم وسلم عليه ورحب به
يقول : فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ، فاستفتح ومثل ما قال في الأولى ، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم وعيسى ابن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا بي ودعوا لي بخيرٍ.. وقد سلم عليهما كما سيأتي في الألفاظ الأخرى سلم عليهما وردا عليه السلام ، وقالا مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
يقول : ثم عرج بي إلى السماء الثالثة ، فاستفتح جبريل فقيل من أنت إلخ فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، فرحب ودعا لي بخير.
يوسف بن يعقوب ، وقد أنزل الله في قصته سورة كاملة ، وهو من أحسن الناس وجهًا وجمالًا ، ولذلك لما رأته النسوة أكبرنه وقطعن أيديهن وهذا من كيد امرأة العزيز لهن لما قالت هؤلاء النسوة : امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبًّا إنا لنراها في ضلال مبين كأنها فهمت أنهن يردن من هذا الكلام أن يطلعن عليه فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئًا ، وآتت كل واحدة منهن سكينًا ، وقالت : اخرج عليهن خرج فلما رأينه بدأت كل واحدة تقطع يدها بالسكين ، ذهلت حتى عن نفسها أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن : حاشا لله ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم.
ولهذا أعطي شطر الحسن.
فإذا قال قائل : ما الجمع بين هذا وبين قول أنس بن مالك وغيره من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا ؟
فالجمع في هذا سهل ، ما هو ؟ يعني أحسن الناس في زمانه وجهًا ، وليس المراد كل بني آدم.
يقول : ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح إلخ فقال : فإذا أنا بإدريس ، وإدريس من بني إسرائيل ، وأخطأ من جعله قبل نوح ، كما يوجد في شجرة التي فيها تسلسل نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى آدم وفيها أن إدريس فوق نوح وهذا لا شك أنه كذب ، ووجه كذبه قول الله تعالى : (( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده )) وإدريس نبي (( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا )) وكل الأنبياء بعد نوح ، فكيف يكون من آباء نوح ؟ ! ثم إن الله تعالى يقول : (( ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب )) في ذريتهما ، ولو كان إدريس فوق نوح لكان منافيًا لهذه الآية فالصواب الذي لا شك فيه أن إدريس ليس فوق نوح ، وأنه من بني إسرائيل ، لأنه يذكر في بني إسرائيل.
طيب يقول : ( قال الله عز وجل : (( ورفعناه مكانًا عليا )) ) الظاهر أن هذا القول مدرج إما من أنس أو ممن بعده.
يقول : ( ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح إلخ. فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير ) هارون عليه الصلاة والسلام هو أخو موسى من أبيه وأمه وليس كما ظن بعض الناس أنه أخوه من أمه لقوله : (( يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي )) بل هو أخوه من أبيه وأمه ، ولكنه قال : يا ابن أم من باب التلطف والتحنن ، لأن الأم أشد حنانًا من الأب.
يقول : ( فإذا هارون فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة وذكر الحديث ثم قال : فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم ، فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة ، وذكر الحديث يقول : فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور ) وهو فوق الأنبياء كلهم ، في السماء السابعة ، يقول : ( مسندًا ظهره إلى البيت المعمور ) وهو الذي ذكره الله بقوله : (( والبيت المعمور )) هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه كل يوم منذ خلق الله الدنيا يدخل كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون أبدًا.
من يأتي بعدهم ؟ ملائكة آخرون ، وهلم جرًّا وهذا مما يدل على كثرة الملائكة ، عليهم الصلاة والسلام.
وفي الحديث : ( أطت السماء وحق لها أن تئط ، ما من موضع أربع أصابع منها إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد ) والسماء سعتها عظيمة ، والثانية أوسع من الدنيا ، والثالثة أوسع من الثانية ، وكلما بعدت المسافة اتسع السقف.
وقوله : ( يدخله سبعون ألف ملك ) يدل على أن هذا البيت بيت كبير ، هذا إذا كانوا يدخلون جملة واحدة ، وإن كانوا يدخلون ويخرجون ، يعني بعضهم يدخل في الساعة الأولى ، وبعضهم في الساعة الثانية وكذلك فليس فيه دليل واضح على أنه كبير.
يقول : ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى سدرة المنتهى سميت بذلك لأنه ينتهي إليها من يصعد إلى السماء وفي ألفاظ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يسمع صريف الأقلام التي يكتب بها القدر ، لأن كل يوم هو في شأن عز وجل ، يكتب ما يشاء ويمحو ما شاء.
يقول : وإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال آذان الفيلة معروفة ، كبيرة ، وشجرة النبق المعروفة في الدنيا صغيرة أوراقها ، ثمرها كالقلال ، ما هو ثمرها : السدر يسمونه النبق ، يقول : وإذا ثمرها كالقلال القلال جمع قلة ، وهي جرّة تسمى عندنا الزير ، هذه تسع قربتين وشيئًا تقريبًا ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله في تقدير القلتين : أنها تسع خمس قرب.
قال : فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت ) يعني تغيرت أوصافها ، ويحتمل أنها تغيرت حتى أعيانها يقول : ( فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ) وهذا هو قوله تعالى : (( إذ يغشى السدرة ما يغشى )) يعني من الحسن.
يقول : ( فأوحى الله إلي ما أوحى ) ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، تستوعب تقريبًا نصف الوقت هكذا تقدر ، لا سيما إذا كان بين صلاة وأخرى وقت ممتد ، فسوف تستغرق وقتًا كثيرًا من الزمن فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة ، قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم يعني : لم يستطيعوا ولن تستطيع أمتك هذا.
ولكن هذا القياس قياس مع الفارق ، لأن هذه الأمة أقرب امتثالًا لأمر الله من بني إسرائيل ، ولهذا لم يكن عندهم ما عند بني إسرائيل من الحيل والمكر وغير ذلك مما هو معروف ، بل قد ابتلاهم الله بالصيد تناله أيديهم ورماحهم وهم محرمون ، وما أحد منهم صاد صيدًا واحدًا ، وبنو إسرائيل ابتلاهم الله بالحيتان فعجزوا عن الصبر وتحيلوا ، ووضعوا الشباك كما هو معروف.
على كل حال ، من نعمة الله عز وجل أن يسّر موسى فقال هذا القول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسًا ، فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسًا ، قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال : فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام ، حتى قال : يا محمد ، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشرًا فذلك خمسون اللهم لك الحمد خمس صلوات ، كل صلاة عن عشر صلوات فتكون الجميع خمسون صلاة في كل صلاة عشر صلوات ، لأن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وليس هذا التضعيف أن تكون الواحدة بعشر ليس هو التضعيف المعروف ، كل حسنة لها عشر أمثالها ، بل هذا يعتبر كأن الإنسان صلى خمسين صلاة بالفعل ولذلك قال سبحانه وتعالى : خمس صلوات كل يوم وليلة ، كل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة.
ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرًا ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئًا ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة.
الحسنة تكتب بعشر حسنات ، والسيئة بواحدة فإن لم يعملها فهنا يقول : لم تكتب شيئًا وقد سبق أنها تكتب حسنة كاملة ، لكن ما سبق فيه التعليل ، وهو قوله : ( إنما تركها من جراي ) أي : من أجلي ، وقد سبق التفصيل في ذلك ، وبينا أن تارك السيئة له أحوال.
قال : فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه.