فوائد حفظ
الشيخ : في هذا الحديث ما يؤيد ما ذكرناه قبل قليل أنه يحرم على الإنسان أن يتنخَّم قبل وجهه وهو يصلي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلاً يتقزز منه كل إنسان، لو استقبلك رجل، وتنخَّع بين يديك أترى أن هذا من حسن الأدب أم من سوء الأدب؟ من سوء الأدب بلا شك، وإذا كان هذا الذي فعلته جباراً فإنه ربما يبطش بك ويعاقبك.
وفي هذا الحديث حُسن تعليم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقياسه الخفي على الشيء الواضح، وفيه أيضا حسن توجيه النبي عليه الصلاة واليلام، لأنه لما ذكر ما يمتنع ذكر ما يجوز، لأنه لما كان امتنع أن يتنخع أمامه ذكر أنه يتنخّع عن يساره أو تحت قدمه اليسرى، وهذا طريق القرآن الكريم : (( يأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا )) فلما نهاهم عن قولهم : راعنا فتح لهم الباب المباح فقال لهم : (( وقولوا انظرنا ))، وهكذا ينبغي على للداعية إلى الله، والموجه لعباد الله : أنه إذا ذكر لهم الممنوع ذكر لهم المشروع والمباح حتى لا يضيق على الناس، تجد بعض الناس يتكلم عن شيء محرَّم ويتشدد في ذلك، والناس محتاجون إليه حسب ما يدعون، لكنه لا يذكر لهم الباب الذي يخرجون منه، ولا شك أن هذا نقص في الدعوة إلى الله عز وجل وتوجيه الناس.
وفي هذا الحديث أيضا : دليل على جواز فعل ما يُستكره من أجل تعليم الناس، يؤخذ من أين؟ من كون القاسم رحمه الله فعل ذلك، تفل في ثوبه من أجل التعليم، لكن قد يقول قائل : القاسم لا دليل في فعله وذلك لأنه من التابعين، ليس من الصحابة على أن الاستدلال بقول الصحابة فيه خلاف، فيُقال : ما فعله القاسم يؤيجده عموم الأدلة، لأن باب التعليم لا يُستَقبَح فيه ما يُسْتَقبح في غير باب التعليم، ألم تقل أم سُليم : يا رسول الله هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ مع أن هذا الشيء يُستَحيَى منه، ولا تتكلم به النساء وربما يقصر عن الكلام فيه الرجال أيضاً.