فوائد حفظ
الشيخ : في هذا الحديث فوائد كثيرة : أولا : صراحة الصحابة رضي الله عنهم في بيان الأمور، لا ياتون بألفاظ عامة تحتمل التأويل، أو ملتوية محرَّفة، بل يأتون باللفظ الصحيح الذي لا إشكال فيه.
ومن فوائد هذا الأثر : ذِكر أن ذِكرَ من خلف بالثناء أنه لا يعد من النعي المنهي عنه، وجهه : أن عمر ذكر النبي صلى الله عله وسلم وذكر أبا بكر وهما قد ماتا، وأقره الصحابة على ذلك، لكنما النعي الذي يأتي بعد الموت، يُنعى بعد أن يُصلى عليه ، وبعد أن يُدفن عقيب الموت فتُذكر فيه القصائد وما أشبه ذلك هذا هو يدخل في النعي المنهي عنه، ولهذا يقال : النعي قبل الصلاة عليه ليكثر المصلون جائز أو حرام؟ جائز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج الناس إلى المصلى فصلوا عليه، النعي بعد مدة يزول فيها أثر الحزن من الموت أيضا جائز لا بأس به كما في هذا الأثر.
ومن فوائد هذا الأثر : أن فيه أصلاً لتعبير الرؤيا، من أين يؤخذ؟ أنه أوَّل النقرات الثلاث أنه حضور أجله، وصار ما كان ، ولكن هل إذا رأينا مثل هذه الرؤيا نفسرها مثل هذا التفسير؟ لا، وذلك لأن الرؤيا تختلف بحسب حال الرائي، وبحسب الزمان، وبحسب المكان، إنسان مثلاً يفكر دائماً في مسألة من المسائل فرأى في الرؤيا، هذه المسألة نقول : هذا حديث نفس ليس برؤيا، إنسان رأى أنه يقعل كذا وكذا، فنعبُرُها بشيء، وإذا رآها آخر نعبرها بشيء آخر، يقال إن رجلاً جاء إلى ابن سيرين فقال : رأيت أني أؤذّن، -والأذان طيب- قال : ستكون سارقاً! ليش؟ أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون. وجاءه آخر قال : رأيتني أءذن قال : تنادي الناس بالخير، لماذا؟ لأن الأول أهل لذلك، والثاني أهل لذلك، فالقرائن يا إخوان لا بد أن تكون أصلا في تعبير الرؤيا، ولهذا ننهى أن يقرأ تفسير الأحلام الذي يُنسب إلى ابن سيرين ثم ينزل هذا التفسير على كل واحد.
طيب من فوائد هذا الأثر : أن عمر رضي الله عنه توقف عن الاستخلاف، وأنه يجوز لولي الأمر أن يتوقف عن العهد لأي أحد من الناس ويجعل الأمر شورى، كما فعل عمر.
ومن فوائد هذا الأثر : تواضع عمر، حيث قال : إن قوماً يأمرونني وجه التواضع : أنه الخليفة، والخليفة لا يوجّه إليه الأمر، لأنه أعلى من الآمر، والقاعدة : أن الأمر إنما يوجَّه دون الآمر،لكن من تواضع عمر رضي الله عنه أنه قال : إن قوماً يأمرونني يقولون : استخلف يا عمر.
ومن فوائد هذا الأثر : أنه يجب أن يكون رجال الشورى من أهل الخير والصلاح، لقوله : الذين توفي عنهم رسول الله وهو عنهم راض، ما يأتي بالشورى كل من هب ودب، كما يوجد في البرلمانات في بعض الدول، هذا غلط، خطأ، الأمة يجب أن تدار بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أولى الناس بإدارتها على هذا الوجه؟ هم أهل العلم، والإيمان، والنصح، والرأي، لا نأتي بكل من هب ودب، صالح طالح عالم جاهل سفيه حكيم، لا يمكن هذا، وهذا من الغش للأمة، الواجب أن يكون أهل الشورى ممن اتصفوا بثلاثة أمور : العلم والإيمان ، ويتبعها الأمانة، والثالث: البصيرة في أحوال الأمة والخبرة، لأنه ربما يكون الإنسان عالم في الشرع لكن ليس عنده خبرة في أحوال الناس وما يصلحهم هذا لا يصلح للشورى، لفقد أيش؟ الخبرة، طيب ربما يكون عالما وعنده خبرة لكن ليس عنده دين، هذا لا يصلح، لأن من ليس عنده دين ليس عنده أمانة، عنده أمانة وعنده خبرة لكنه ليس بعالم، لا يصلح أيضاً لأنه قد يرى ما يخالف الشرع وهو لا يعلم، لكن هذا الأخير أهون مما سبق، يعني فقد العلم أهون من فقد الإيمان الذي منه الأمانة أو الخبرة لماذا؟ لأن من عنده أمانة وعنده خبرة إذا أشكل عليه حكم شرعي فإنه سوف يسأل لأمانته، ولا يعتد برأيه.
طيب ومن فوائد هذا الأثر : أنه كلما قل رجال الشورى كان أحسن وأولى، ليش؟ لأن عمر حصرهم في ستة، فيهم من توفي الرسول وهو عنهم راض، لكن حصرهم في الستة لأنه كلما صغر نطاق الدائرة كان أقرب للصواب، لو حشرنا مئة واحد في الشورى مثلاً، ثم تنازعوا، من يجمع هذه الآراء؟ هم مئة واختلفوا على مئتي رأي، يمكن أو لا يمكن؟ يمكن، يقول أحدهما : هذا صالح، أو هذا صالح، هذا صالح إن كان كذا وهذا صالح إن كان كذا، فيجتمع عنده رأيان وهم مئة فتكون الآراء مئتين، من يجمع المئتين؟ لكن إذا كانوا قلة أمكن حصر الآراء وأمكن النقاش فيها بحرية، إذا كانوا مئة نفر مثلاً كيف نناقش هؤلاء، لو ناقشنا رأي واحد منهم نحتاج ساعتين، وإذا جاء الثاني برأي مخالف، ساعتين أيضاً، وهلم جرا ومئة نفر كم يحتاجون من ساعة؟ مئتي ساعة، لكن إذا كانوا قليلين مع العلم والدين والخبرة صار ذلك قرب لحصول المقصود وهذا شيء مجرَّب يا إخوان.
لو اجتمع الآن عشرين طالباً، تحبون أن نقرأ في الألفية أو بالكافية اختلفتم، من يجمع الآراء، لكن لو كان خمسة ، وقلنا : ابحثوا هذا الأمر، يمكن يعطوننا إياه ناضجا في ساعة، وهذا أمر واضح مجرَّب.
طيب، إذا قال قائل : هؤلاء ستة لماذا لم يجعلهم سبعة؟ لأنه إذا كانوا ثلاثة وثلاثة يكون السابع مرجِّحاً، نقول : يُرجع إلى التاريخ لكن في ظني ليس عندي يقين أن أمير المؤمنين عمر قال : إن اختلفتم في شيء فردوا الأمر إلى عبد الله بن عمر، هذه راجعوها إن شاء الله وأخبرونا بذلك، لأن هذه مهمة، إذا كانوا ستة واخلفوا ثلاثة وثلاثة من يرجح لكن إذا كان معهم السابع قد يكون السابع مرجحا.