فوائد حفظ
الشيخ : ففي هذا الحديث فوائد منها : جواز السهو على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن قيده أهل العلم بما إذا لم يكن في مقام يعني أن يسهو في أفعاله لا فيما أوحي إليه، وفي هذا نظر، بل قد يكون فيما أوحي إليه، لقوله تعالى : (( سنقرؤك فلا تنسى، إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ))، لكنه صلى الله عليه وسلم لا يُقر على هذا النسيان لو وقع منه، بل لا بد أن يتبين الأمر، بخلاف غيره، فإنه قد ينسى الحكم الشرعي ولا يتفطن له، ومن فوائد هذا الحديث : أن الإنسان إذا زاد في صلاته ناسياً لم تبطل، الدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على صلاته ولم يفعل إلا سجدة السهو.
ومن فوائده أيضاً : أن الإنسان إذا زاد في صلاته جاهلاً فإن صلاته لا تبطل، لا سيما إذا بنى على أصل، وجه الدلالة : أن الصحابة تابعوه وهم جاهلون، وعلى هذا فلو تابع الإنسان المأموم الآن يعني الآن، لو تابع المأموم الإمام وهو يعلم أنها زائدة لكن يظن أنه تجب عليه المتابعة فإن صلاته لا تبطل، صحيحة.
ومن فوائد هذا الحديث : جواز نسخ الأحكام، أن يُنسخ الحكم من شيء إلى آخر، وهذا أمر معلوم بالقرآن والسنة وإجماع الأمة، إلا ما ذكر عن أبي مسلم الأصبهاني فإنه قيل إنه يقول : إنه لا نسخ في الشريعة، لكنه أراد شيئاً لا يخالف رأي الجمهور، بل يوجب أن يكون الخلاف بينه وبين الجمهور خلافاً لفظياً، لأنه قال : إبطال الحكم السابق لا أسميه نسخاً ولكن أسميه تخصيصاً، تخصيصاً للزمن، لأن الحكم الأول شامل لجميع الأزمان، فإذا جاء حكم آخر رفعه خصص ما بقي من الزمن في مدة الحكم الأول، وعلى هذا يكون الخلاف بينه وبين الجمهور خلافاً لفظياً لا يغير جوهراً.
من أين نأخذ من هذا الحديث جواز النسخ؟ من قولهم أحدث شيء أزيد في الصلاة.
ومن فوائد هذا الحديث : أن السجود للزيادة يكون بعد السلام، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم سجد بعد السلام، وعورض هذا الاستدلال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم بالزيادة إلا بعد أن سلم، فيكون السجود بعد السلام هنا ضرورة عدم العلم، والجواب عن هذا الاعتراض أن يُقال : لو كان هذا السجود من أجل أنه لم يعلم بالزيادة إلا بعد السلام لنبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك، وأمر أن يسجد الإنسان إذا زاد في صلاته قبل أن يسلم لأنه عليه الصلاة والسلام يعلم أن الأمة سوف تتابعه وتقتدي به، فلما لم ينبه على ذلك علم أن السجود للزيادة يكون بعد السلام، ثم إن هناك أصلاً يشهد له ويؤيده وهو سجود النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين متى؟ بعد السلام، لأنه زاد في الصلاة، زاد في الصلاة السلام في أثنائها، فيكون هذا أصلاً يؤيد ما دل عليه حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
ومن فوائد هذا الحديث : أن الإنسان إذا شك في الصلاة فليتحرّ الصواب أولاً، فإذا لم يترجح عنده شيء عاد إلى حديث أبي سعيد الذي قبل حدبيث ابن مسعود.
كيف يتحرّى الصواب؟ يعني يلتمس أيهما أصوب، هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، فإذا ترجح عنده أنه صلى ثلاثاً أتى بالرابعة، وسجد بعد السلام، وإذا ترجح عنده أنه صلى أربعاً بنى على أنها أربعة وتشهد وسلم وسجد للسهو، واضح؟ طيب فإذا تردد فقد سبق في حديث أبي سعيد الخدري إذا تردد من دون ترجيح أنه يبني على اليقين ويسجد قبل السلام.
فإن قال قائل : ما الفرق بين الشك الذي فيه التحري والشك الذي ليس فيه تحري لأن السنة فرقت بينهما : قلنا الفرق : أن الشك الذي ليس فيه تحرّي نقص في الصلاة، فكان سجود السهو قبل السلام لجبر هذا النقص قبل الانصراف من الصلاة، لأنه شاكّ متردد، حتى إذا بنى على اليقين وأتى بما بقي في صلاته فإنه شاك، وهذا نقص في الصلاة، فكان من الحكمة أن تكون السجدتان قبل السلام لتنجبر الصلاة قبل الانتهاء منها، أما إذا ترجح أحد الطرفين فإن الطرف الثاني يكون وهماً، كما قاله العلماء، الظن الراجح هو المعتمد ، والمرجوح وهم، هذا الوهم ليس في القوة كالشك المتساوي الطرفين، فيُلغى ثم يؤتى بالسجدين بعد السلام احتياطاً، لأنه إذا بنى على غالب الظن فالمفروض أن ما بنى عليه هو الواقع والصحيح، فتكون الصلاة تامة يسلم منها، ثم يأتي بالسجدتين لأجل طرح الشك وترغيم الشيطان.
فالمناسبة إذن واضحة، وعندنا قاعدة : كل شيئين فرق بينهما الشرع فبينهما فرق بلا شك، فرق معنوي أوجب أن يكون بينهما فرق حكمي، لكن من الناس من يوفقه الله عز وجل حتى يهتدي إلى هذا المعنى الذي أوجب التفريق، ومن الناس من يقصر فهمه عن ذلك ويقول : ليس لدينا إلا التسليم، التسليم أن نقول : إذا شك بلا ترجيح بنى على إيش؟ على اليقين، وسجد قبل السلام، وإذا شك مع الترجيح بنى على الراجح وسجد بعد السلام.
ومن فوائد هذا الحديث : أن استدبار القبلة فيما بين الصلاة وسجود السهو لا يضر، انتبهوا إلى هذه الفائدة، وجه ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم استدبر القبلة، لكن هذا قد يُعترض عليه، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين استدبر القبلة كان لا يدري أنه زاد في الصلاة، وأن عليه سجوداً، ولهذا نعتبر هذه الفائدة غير مأخوذة من الحديث، ونقول : إذا كان على الإنسان سجود السهو بعد السلام فإنه لا ينصرف عن القبلة، يسجد حال اتجاهه إلى القبلة، ينبني على هذا : هل يجوز أن يتكلم فيما بين الصلاة وسجود السهو؟ الظاهر لا، خل مسألة التراجع، لكن الإنسان يعرف الآن أنه بنى على غالب ظنه ويريد أن يسجد بعد السلام، الظاهر أنه لا يتكلم، ينبني على المسألة الثالثة : إذا أحدث بعد السلام وقبل أن يسجد هل تبطل صلاته؟ لا تبطل، لماذا؟ لأن الصلاة تمّت بالتسليم، ولهذا نقول : إن سجود السهو بعد السلام واجب للصلاة وليس واجب فيها، ولهذا إذا تعمد تركه فالمشهور عند الأصحاب أن صلاته لا تبطل، لأنه خارج عن الصلاة.
ومن فوائد هذا الحديث : أن المشروع للإمام بعد السلام أن يستقبل المأمومين، ولكن كيف ينفتل؟ عن اليمين أو عن الشمال؟ نقول : وردت السنة بهذا وبهذا، أن ينفتل عن يمينه أو عن يساره، ولهذا يحسن أن الإنسان يأتي بهذا أحياناً، وبهذا أحياناً.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي لمن حدث قوماً أن يكون وجهه إليهم، لقوله : ( ثم أقبل علينا بوجهه )، ولا شك أن هذا هو السنة والمشروع والأدب، ليس من الأدب أن تكلم الرجل وأنت قد صعَّرت وجهك له، تكلم واحد عن يسارك وأنت ملتفت على اليمين، أو مستقبل اتجاه وجهك، هذا لا ينبغي، من الأدب والسنة والمشروع : أنك إذا حدثت شخصا أنك تعطيه وجهك.
ومن فوائد هذا الحديث : أن النبي لا يمكن ان يؤخر البيان، لقوله : ( لو حدث في الصلاة شيء لأنبأتكم )، وهذا هو مقتضى قوله تعالى : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ))، وقد فعل عليه الصلاة والسلام، وبلغ البلاغ المبين، فلا يمكن أن يدع شيئاً يحتاج إلى بيان إلا وبينه، سواء كان بجواب سؤال ورد عليه، أو باقتضاء الحال بيان ذلك، أو ابتداءً فإنه عليه الصلاة والسلام بين كل شيء، حتى في الأشياء التي يكون فيها لوم عليه يبينها، واقرأوا ما في سورة الأحزاب، واقرأوا ما في سورة التحريم، واقرأوا ما في سورة التوبة يتبين لكم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يكتم شيئاً مما أنزل الله.
ومن فوائد هذا الحديث : تكذيب من ادعى أنه صلى الله عليه وسلم له حظ من الربوبية، لقوله : إنما أنا بشر مثلكم، عندي : ( إنما أنا بشر أنسى كما تنسون )، وفي لفظ آخر : ( أنا بشر مثلكم )، مطابقةً للقرآن في قوله : (( إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ))، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر، تعتريه جميع الآفات البشرية من مرض وجوع وعطش، وحر وبرد وخوف واستقرار، وغير ذلك، يتميز عن البشر من أنه يوحى إليه، (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ))، فيتميز بالوحي، وبما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق الكريمة التي لا ينالها فيما نعلم أحد.
ومن فوائد هذا الحديث : تواضع النبي صلى الله عليه وسلم التواضع الجم، حيث قال : ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون )،
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب تذكير الناسي، فإن كان مشاركٌ لك في العبادة فلا شك في الوجوب فيما يجب التذكير به، وإن كان غير مشارك، فهل يجب التذكير أو لا يجب؟ الظاهر الوجوب فيما لا يسقط بالنسيان، لأن ذلك من باب النصح، إذا نسي الإمام شيئاً يجب التذكير به وجب على المأموم أن يذكر، وبأي شيء يذكّر؟ بالتسبيح، أو بالفتح عليه إذا كان في قراءة أو ما أشبه ذلك، إذا كان غير مشارك فالظاهر وجوب التذكير فيما لا يسقط النسيان. مثلاً رأيت رجلاً صائماً يأكل تعلم أنه ناسي هل يجب عليك أن تذكره؟ نعم يجب أن تذكره، لأن الكف عن الأكل واجب، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، أما قول بعض العامة : لا تحسده، لا تقطع رزقه، ما دام الله أطعمه وسقاه خله يشبع ويروى، هذا خطأ نقول : ذكّر.
ومن فوائد هذا الحديث : ما أشرنا إليه سابقاً بأن الإنسان مع الشك إذا كان يمكنه أن يتحرى فإنه يتحرى، وهذا ينبغي أن يكون قاعدة في كل ما شك فيه الإنسان وأمكنه التحري فيه، فإنه يتحرى، فلو شك في طهارة الماء ونجاسته هذا يبني على الأصل واضح، لكن لو شك في إناءين أحدهما طاهر والآخر نجس، فهنا أيش؟ يتحرى فإذا غلب على ظنه أن الطاهر هو الإناء الأيمن أخذ به، وإن غلب على ظنه أن الطاهر الإناء الأيسر أخذ به، وهذا يمكن أن يقال أن يكون مأخوذ من قوله : ( فليتحرّ الصواب ).
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب كون السجدتين في هذا الحال بعد السلام، لقوله : فليتم عليه ثم ليسجد ، وثم للترتيب، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال : " ما كان من سجود السهو مشروعاً بعد السلام فإنه مشروعاً وجوباً، وما كان مشروعاً قبله فإنه مشروعاً وجوباً "، لكن المشهور من المذهب أنه على سبيل المدح لا على سبيل الوجوب، وحملوا الأمر في قوله: ثم ليسجد سجدتين على أن الأمر في أصله سجدتين وليس بوصفهما والله أعلم. الراجح لولا المشقة لكان قول شيخ الإسلام، أرجح وأقرب للصواب، وبه نعرف أنه يجب على الأئمة - على الأئمة وعلى غيرهم لكن يتأكد في حق الأئمة أكثر- أن يدرسوا درساً تاماً حتى يعرفوا ما كان قبل السلام وما كان بعده.
ومن فوائده أيضاً : أن الإنسان إذا زاد في صلاته جاهلاً فإن صلاته لا تبطل، لا سيما إذا بنى على أصل، وجه الدلالة : أن الصحابة تابعوه وهم جاهلون، وعلى هذا فلو تابع الإنسان المأموم الآن يعني الآن، لو تابع المأموم الإمام وهو يعلم أنها زائدة لكن يظن أنه تجب عليه المتابعة فإن صلاته لا تبطل، صحيحة.
ومن فوائد هذا الحديث : جواز نسخ الأحكام، أن يُنسخ الحكم من شيء إلى آخر، وهذا أمر معلوم بالقرآن والسنة وإجماع الأمة، إلا ما ذكر عن أبي مسلم الأصبهاني فإنه قيل إنه يقول : إنه لا نسخ في الشريعة، لكنه أراد شيئاً لا يخالف رأي الجمهور، بل يوجب أن يكون الخلاف بينه وبين الجمهور خلافاً لفظياً، لأنه قال : إبطال الحكم السابق لا أسميه نسخاً ولكن أسميه تخصيصاً، تخصيصاً للزمن، لأن الحكم الأول شامل لجميع الأزمان، فإذا جاء حكم آخر رفعه خصص ما بقي من الزمن في مدة الحكم الأول، وعلى هذا يكون الخلاف بينه وبين الجمهور خلافاً لفظياً لا يغير جوهراً.
من أين نأخذ من هذا الحديث جواز النسخ؟ من قولهم أحدث شيء أزيد في الصلاة.
ومن فوائد هذا الحديث : أن السجود للزيادة يكون بعد السلام، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم سجد بعد السلام، وعورض هذا الاستدلال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم بالزيادة إلا بعد أن سلم، فيكون السجود بعد السلام هنا ضرورة عدم العلم، والجواب عن هذا الاعتراض أن يُقال : لو كان هذا السجود من أجل أنه لم يعلم بالزيادة إلا بعد السلام لنبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك، وأمر أن يسجد الإنسان إذا زاد في صلاته قبل أن يسلم لأنه عليه الصلاة والسلام يعلم أن الأمة سوف تتابعه وتقتدي به، فلما لم ينبه على ذلك علم أن السجود للزيادة يكون بعد السلام، ثم إن هناك أصلاً يشهد له ويؤيده وهو سجود النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين متى؟ بعد السلام، لأنه زاد في الصلاة، زاد في الصلاة السلام في أثنائها، فيكون هذا أصلاً يؤيد ما دل عليه حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
ومن فوائد هذا الحديث : أن الإنسان إذا شك في الصلاة فليتحرّ الصواب أولاً، فإذا لم يترجح عنده شيء عاد إلى حديث أبي سعيد الذي قبل حدبيث ابن مسعود.
كيف يتحرّى الصواب؟ يعني يلتمس أيهما أصوب، هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، فإذا ترجح عنده أنه صلى ثلاثاً أتى بالرابعة، وسجد بعد السلام، وإذا ترجح عنده أنه صلى أربعاً بنى على أنها أربعة وتشهد وسلم وسجد للسهو، واضح؟ طيب فإذا تردد فقد سبق في حديث أبي سعيد الخدري إذا تردد من دون ترجيح أنه يبني على اليقين ويسجد قبل السلام.
فإن قال قائل : ما الفرق بين الشك الذي فيه التحري والشك الذي ليس فيه تحري لأن السنة فرقت بينهما : قلنا الفرق : أن الشك الذي ليس فيه تحرّي نقص في الصلاة، فكان سجود السهو قبل السلام لجبر هذا النقص قبل الانصراف من الصلاة، لأنه شاكّ متردد، حتى إذا بنى على اليقين وأتى بما بقي في صلاته فإنه شاك، وهذا نقص في الصلاة، فكان من الحكمة أن تكون السجدتان قبل السلام لتنجبر الصلاة قبل الانتهاء منها، أما إذا ترجح أحد الطرفين فإن الطرف الثاني يكون وهماً، كما قاله العلماء، الظن الراجح هو المعتمد ، والمرجوح وهم، هذا الوهم ليس في القوة كالشك المتساوي الطرفين، فيُلغى ثم يؤتى بالسجدين بعد السلام احتياطاً، لأنه إذا بنى على غالب الظن فالمفروض أن ما بنى عليه هو الواقع والصحيح، فتكون الصلاة تامة يسلم منها، ثم يأتي بالسجدتين لأجل طرح الشك وترغيم الشيطان.
فالمناسبة إذن واضحة، وعندنا قاعدة : كل شيئين فرق بينهما الشرع فبينهما فرق بلا شك، فرق معنوي أوجب أن يكون بينهما فرق حكمي، لكن من الناس من يوفقه الله عز وجل حتى يهتدي إلى هذا المعنى الذي أوجب التفريق، ومن الناس من يقصر فهمه عن ذلك ويقول : ليس لدينا إلا التسليم، التسليم أن نقول : إذا شك بلا ترجيح بنى على إيش؟ على اليقين، وسجد قبل السلام، وإذا شك مع الترجيح بنى على الراجح وسجد بعد السلام.
ومن فوائد هذا الحديث : أن استدبار القبلة فيما بين الصلاة وسجود السهو لا يضر، انتبهوا إلى هذه الفائدة، وجه ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم استدبر القبلة، لكن هذا قد يُعترض عليه، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين استدبر القبلة كان لا يدري أنه زاد في الصلاة، وأن عليه سجوداً، ولهذا نعتبر هذه الفائدة غير مأخوذة من الحديث، ونقول : إذا كان على الإنسان سجود السهو بعد السلام فإنه لا ينصرف عن القبلة، يسجد حال اتجاهه إلى القبلة، ينبني على هذا : هل يجوز أن يتكلم فيما بين الصلاة وسجود السهو؟ الظاهر لا، خل مسألة التراجع، لكن الإنسان يعرف الآن أنه بنى على غالب ظنه ويريد أن يسجد بعد السلام، الظاهر أنه لا يتكلم، ينبني على المسألة الثالثة : إذا أحدث بعد السلام وقبل أن يسجد هل تبطل صلاته؟ لا تبطل، لماذا؟ لأن الصلاة تمّت بالتسليم، ولهذا نقول : إن سجود السهو بعد السلام واجب للصلاة وليس واجب فيها، ولهذا إذا تعمد تركه فالمشهور عند الأصحاب أن صلاته لا تبطل، لأنه خارج عن الصلاة.
ومن فوائد هذا الحديث : أن المشروع للإمام بعد السلام أن يستقبل المأمومين، ولكن كيف ينفتل؟ عن اليمين أو عن الشمال؟ نقول : وردت السنة بهذا وبهذا، أن ينفتل عن يمينه أو عن يساره، ولهذا يحسن أن الإنسان يأتي بهذا أحياناً، وبهذا أحياناً.
ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي لمن حدث قوماً أن يكون وجهه إليهم، لقوله : ( ثم أقبل علينا بوجهه )، ولا شك أن هذا هو السنة والمشروع والأدب، ليس من الأدب أن تكلم الرجل وأنت قد صعَّرت وجهك له، تكلم واحد عن يسارك وأنت ملتفت على اليمين، أو مستقبل اتجاه وجهك، هذا لا ينبغي، من الأدب والسنة والمشروع : أنك إذا حدثت شخصا أنك تعطيه وجهك.
ومن فوائد هذا الحديث : أن النبي لا يمكن ان يؤخر البيان، لقوله : ( لو حدث في الصلاة شيء لأنبأتكم )، وهذا هو مقتضى قوله تعالى : (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ))، وقد فعل عليه الصلاة والسلام، وبلغ البلاغ المبين، فلا يمكن أن يدع شيئاً يحتاج إلى بيان إلا وبينه، سواء كان بجواب سؤال ورد عليه، أو باقتضاء الحال بيان ذلك، أو ابتداءً فإنه عليه الصلاة والسلام بين كل شيء، حتى في الأشياء التي يكون فيها لوم عليه يبينها، واقرأوا ما في سورة الأحزاب، واقرأوا ما في سورة التحريم، واقرأوا ما في سورة التوبة يتبين لكم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يكتم شيئاً مما أنزل الله.
ومن فوائد هذا الحديث : تكذيب من ادعى أنه صلى الله عليه وسلم له حظ من الربوبية، لقوله : إنما أنا بشر مثلكم، عندي : ( إنما أنا بشر أنسى كما تنسون )، وفي لفظ آخر : ( أنا بشر مثلكم )، مطابقةً للقرآن في قوله : (( إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ))، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر، تعتريه جميع الآفات البشرية من مرض وجوع وعطش، وحر وبرد وخوف واستقرار، وغير ذلك، يتميز عن البشر من أنه يوحى إليه، (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ))، فيتميز بالوحي، وبما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق الكريمة التي لا ينالها فيما نعلم أحد.
ومن فوائد هذا الحديث : تواضع النبي صلى الله عليه وسلم التواضع الجم، حيث قال : ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون )،
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب تذكير الناسي، فإن كان مشاركٌ لك في العبادة فلا شك في الوجوب فيما يجب التذكير به، وإن كان غير مشارك، فهل يجب التذكير أو لا يجب؟ الظاهر الوجوب فيما لا يسقط بالنسيان، لأن ذلك من باب النصح، إذا نسي الإمام شيئاً يجب التذكير به وجب على المأموم أن يذكر، وبأي شيء يذكّر؟ بالتسبيح، أو بالفتح عليه إذا كان في قراءة أو ما أشبه ذلك، إذا كان غير مشارك فالظاهر وجوب التذكير فيما لا يسقط النسيان. مثلاً رأيت رجلاً صائماً يأكل تعلم أنه ناسي هل يجب عليك أن تذكره؟ نعم يجب أن تذكره، لأن الكف عن الأكل واجب، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، أما قول بعض العامة : لا تحسده، لا تقطع رزقه، ما دام الله أطعمه وسقاه خله يشبع ويروى، هذا خطأ نقول : ذكّر.
ومن فوائد هذا الحديث : ما أشرنا إليه سابقاً بأن الإنسان مع الشك إذا كان يمكنه أن يتحرى فإنه يتحرى، وهذا ينبغي أن يكون قاعدة في كل ما شك فيه الإنسان وأمكنه التحري فيه، فإنه يتحرى، فلو شك في طهارة الماء ونجاسته هذا يبني على الأصل واضح، لكن لو شك في إناءين أحدهما طاهر والآخر نجس، فهنا أيش؟ يتحرى فإذا غلب على ظنه أن الطاهر هو الإناء الأيمن أخذ به، وإن غلب على ظنه أن الطاهر الإناء الأيسر أخذ به، وهذا يمكن أن يقال أن يكون مأخوذ من قوله : ( فليتحرّ الصواب ).
ومن فوائد هذا الحديث : وجوب كون السجدتين في هذا الحال بعد السلام، لقوله : فليتم عليه ثم ليسجد ، وثم للترتيب، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال : " ما كان من سجود السهو مشروعاً بعد السلام فإنه مشروعاً وجوباً، وما كان مشروعاً قبله فإنه مشروعاً وجوباً "، لكن المشهور من المذهب أنه على سبيل المدح لا على سبيل الوجوب، وحملوا الأمر في قوله: ثم ليسجد سجدتين على أن الأمر في أصله سجدتين وليس بوصفهما والله أعلم. الراجح لولا المشقة لكان قول شيخ الإسلام، أرجح وأقرب للصواب، وبه نعرف أنه يجب على الأئمة - على الأئمة وعلى غيرهم لكن يتأكد في حق الأئمة أكثر- أن يدرسوا درساً تاماً حتى يعرفوا ما كان قبل السلام وما كان بعده.