حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد ومحمد بن المثنى كلهم عن يحيى القطان قال زهير حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته حفظ
القارئ : حدثني زهير بن حرب وعبيد الله بن سعيد ومحمد بن المثنى كلهم عن يحيى القطان قال زهير حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعا لمكان جبهته ).
الشيخ : هذا فيه دليل على مشروعية سجود التلاوة، وسجود التلاة هو الذي سببه التلاوة، ولكنه ليس مجرد التلاوة يكون سبباً، بل مواضع السجود في القرآن محددة معروفة، في بعض الآيات يَمر ذكر السجدة ولا يُشرع السجود، مثل قوله : (( فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) هذه ما فيها سجود، فسجود التلاوة محدد توقيفي، فيها أحاديث وقد جُمعت وكُتبت ووزعناها على الطلبة سابقاً، ولا أدري توجد الآن أو لا، توجد؟ الحمد لله.
هذا السجود اختلف العلماء أولاً في مشروعيته هل هو مشروعية وجوب أو مشروعية استحباب؟ فذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن السجود واجب، وأن من لم يسجد فهو آثم، لأن الله ذم من لم يفعل في قوله : (( وإذا قُرء عليهم القرآن لا يسجدون ))، فهذا ذم، (( فما لهم لا يؤمنون وإذا قُرء عليهم القرآن لا يسجدون ))، وذهب أكثر العلماء إلى أنها -أي سجدة التلاوة- مستحبة، وهو الصحيح، أنها مستحبة، لأنه ثبت أن زيد بن ثابت قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها زيد، فلو كان السجود واجباً ما أقره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ترك السجود، وأما الآية فإما ان يُقال: (( فما لهم لا يؤمنون وإذا قُرء عليهم القرآن لا يسجدون ))، لأنهم كفار، حيث قال : (( لا يؤمنون ))، أو يقال : إن المراد بالسجود هنا ما هو أعم من الهيئة المعروفة، وأنه سجود التذلل، كقوله تعالى : (( ولله يسجد من في السماوات والأرض ))، وذكر الله تعالى: الشمس والقمر والنجوم والجبال وكثير من الناس، وهذا أقرب للصواب، أن المراد بقوله : (( لا يسجدون )) أي : لا يتذللون لما جاء في القرآن.
المسألة الثانية : هل هذا السجود حكمه حكم الصلاة، بحيث يُشترط له ما يشترط للصلاة من الطهارة، والستارة، واستقبال القبلة، والتسبيح، وما أشبه ذلك؟ أو هو سجودٌ مُستقل ليس له حكم الصلاة، في هذا أيضاً خلاف بين العلماء منهم من قال : إنه صلاة، وقال : لا بد أن يُكبر إذا سجد، ويسبح، ويكبر إذا قام، ويُسلم، ولكن اختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه ليس بصلاة، وأنه سجودٌ مجرّد يُقصد به التذلل، واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم، وسجد معه المسلمون والمشركون، والمشرك لا تُقبل منه الصلاة ، وأيضاً لم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يكبر للسجود ويسلم، وهذا يدل على أنه ليس بصلاة، وما ذهب إليه رحمه الله هو الصحيح -أنه ليس بصلاة-، يعني ليس له حكم الصلاة، لكن لا شك أنه لا ينبغي أن يُقال : اسجد ولو كانت القبلة خلف ظهرك، أو يُقال : اسجد ولو كنت على غير وضوء، فإن الإنسان لا يجرأ أن يُقال هذا، وإن كان شيخ الإسلام رحمه الله يقول بذلك، لكن الإنسان يتهيَّب أن يسجد لله وهو قد ولّى بيته دُبُرَه، أو يسجد لله على غير طهارة، أو على غير ستارة.
المسألة الثالثة : هل يُكبر أو لا يُكبر؟ قلنا في معرض سياقنا لقول شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يكبر، لكن قد روى أهل السنن حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر إذا سجد فقط، لا إذا رفع، ولا يسلم، إذن ليس فيها إلا تكبير السجود يعني الهوي فقط، وليس فيها تسليم، إلا إذا كانت السجدة في الصلاة، فلا بد من التكبير إذا سجد وإذا رفع، لأن الذين وصفوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه كان يكبر كلما خفض وكلما رفع، ومن المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام يقرأ آية السجد في في الصلاة ويسجد فيها، ولم يستثنوا سجود التلاوة، فدل ذلك على أنه لا بد من التكبير عند السجود وعند الرفع إذا كان ذلك في أثناء الصلاة.
السألة الخامسة : هل يسجد في أوقات النهي؟ الجواب على هذا سهل : إن قلنا إنها ليس لها حكم الصلاة فليسجد، لأن النهي عن الصلاة لا عما سواها، وإذا قلنا إنها صلاة ينبني السجود في أوقات النهي على الخلاف في جواز النافلة ذات السبب، فإذا قلنا بجواز النافلة ذات السبب جاز أن يسجد وقت النهي، وإذا قلنا لا فإنه لا يسجد وقت النهي، والمذهب عند الحنابلة أنه لا يسجد للتلاوة وقت النهي، لأن سجود التلاوة صلاة وصلاة النافلة لا تجوز وقت النهي، ولكن الصحيح أنه يسجد للتلاوة، في أي وقت يتلو، سواء في أوقات النهي أو في غير أوقات النهي.
طيب المسألة السادسة في سجود التلاوة : هل يسجد السامع، والمستمع، وهل إذا قلنا بالسجود أنهما يسجدان وإن لم يسجد التالي أو لا؟ نقول : السامع لا يسجد، لأن السامع لا يُشارك القارئ في الأجر، والمستمع يسجد لكن إذا سجد القارئ، ويدل لذلك أن أسامة بن زيد لما لم يسجد لم يسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأنه -أي القارئ- هو الأصل، فهو إمام المستمع، فإذا لم يسجد الإمام لم يسجد التابع، وهذا هو الصحيح، لكن قد تقولون : ما الفرق بين السامع والمستمع؟ السامع : الذي يشتغل لنفسه بقراءة أو صلاة أو غيرها ويسمع شخصاً يقرأ القرآن ويمر بسجدة، والمستمع هو الذي يُصغي إليه، ويُنصت إليه ويُتابعه بقلبه.
السائل : لكن قول ابن عمر : حتى لا يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته، ويش معناها يا شيخ؟
الشيخ : الظاهر أنها مبالغة، مبالغة ولوصف ضيق المكان.
السائل : أما يدل يا شيخ على أنهم كانوا حلقة ؟
الشيخ : فيه احتمال أنهم كانوا حلقة وأنهم تقابلت رؤوسهم، هذا يدل على جواز أن استقبال القبلة ليس بشرط لكنه ليس يقيناً لا يحتمل الأمر سواه وإلا لكان الأمر واضح.