حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن المسيب بن رافع عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد حفظ
القارئ : حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن المسيب بن رافع عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال : ( كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ).
الشيخ : إذا فرغ من الصلاة وسلم ظاهره أنه يقول هذا الذكر بعد السلام مباشرة، لكن سبق في حديث ثوبان وعائشة أنه كان إذا فرغ من صلاته يقول : أستغفر الله، وعلى هذا فالبداءة بالاستغفار و اللهم أنت السلام أولى، لأنه ألصق بالصلاة من هذا الذكر.
وقوله : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له: إله بمعنى المألوه، والمألوه هو المعبود محبّة وتعظيماً، فعبادة الله مبنية على المحبة والتعظيم، فبالمحبة تفعل الأوامر، وبالتعظيم تُترك النواهي، وهي أيضاً -أعني هذه الجملة العظيمة - مكونة من نفي وإثبات، وهما ركنا الإخلاص والتوحيد، هما الضمير يعود على أيش؟ على النفي والإثبات، الإخلص والتوحيد، إذ لا يمكن ذلك -أعني التوحيد والإخلاص- إلا بكلمة التوحيد، لم؟ لأن النفي نفي عدم، والإثبات بدون نفي لا يمنع المشاركة، فإذا قلت مثلاً : ليس في البيت أحدٌ قائم، هذا أيش؟ نفي محض، إذن لا قيام، وإذا قلت : فلان قائم في البيت، هذا إثبات قيام زيد، لكن هل يمنع أن يكون غيره قائم غير زيد؟
لا، وإذا قلت : ليس في البيت قائم إلا زيد، فهذا نفي وإثبات، يمنع أن يُشارك أحد زيداً في البيت، ولهذا لا يتم التوحيد إلا بنفي وإثبات، أي بحصر سواء بنفي وإثبات أو بإنما أو بتقديم المعمول، وما أشبه ذلك،
وقوله : إلا الله الإعراب : لا نافية للجنس، وإله : اسمها، مركّب معها مبني على الفتح، وإلا أداة حصر ولا أداة استثناء؟ إذا قت أنها أداة حصر لزم أن تكون " الله " خبر لا، وهذا لا يستقيم، لا يستقيم لفظاً، ولا يستقيم معنىً، أما عدم استقامته لفظاً فلأن " لا " لا تعمل إلا في النكرات، ولفظ الجلالة أعرف المعارف، وأما معنى فلأنك إذا قلت لا إله إلا الله لا معبود إلا الله، أوهم ذلك أن تكون جميع المعبودات هي الله، لا معبود إلا الله ليس هناك شيء يُعبد إلا الله، فيلزم أو يوهم أن تكون المعبودات هي الله، وهذا لا شك أنه معنى فاسد.
قلنا لا يصلح أن يكون لفظ الجلالة خبر لا، من حيث اللفظ، والمعنى أيضاً : أما اللفظ فلأن " لا " لا تعمل إلا في النكرات، وأما من حيث المعنى فلأنه يوهم أن يكون جميع المعبودات هي الله وهذا معنى فاسد.
إذن : فخبر " لا " محذوف والتقدير : لا إله حقٌ إلا الله ، لا إله حقٌّ إلا الله، ويدل لذلك قول الله : (( ذلك بأن الله هو الحق وأنما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي القدير ))، فلا بد من هذا التقدير، ومن قدّره من النحاة بكلمة "موجود" فقوله خطأ، لا إله موجود إلا الله، لأن هناك آلهة سوى الله عز وجل، قال الله تعالى : (( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء ))، وإن كانت هذه الآلهة ليست آلهة حقاً، إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، لكن تنزّلاً مع هؤلاء العابدين نقول : هي آلهة.
فإن قال قائل : هل يُجزئ أن يقول الإنسان لا إله إلا الله دون أن يقدِّر حق؟ قلنا : نعم يجزئ، ومن قال لا يُجزئ فقد خالف القرآن والسنة وعمل المسلمين، كل المسلمين يقولون لا إله إلا الله ويكتفون، لكن لو سألتهم فقلت : هذه الأصنام تُعبد؟ يقول : هذه ليست آلهة، هذه باطل، فتقدير " حق " ليس بواجب، لكن لما نشرح الكلمة للناس تقول هذا.
وقوله : وحده لا شريك له هذا تأكيد للتوحيد.
وقوله : ( له الملك وله الحمد ) : جملة خبرية قدِّم فيها الخبر للحصر، له وحده الملك، ملك الأعيان، والأفعال، فالله تعالى هو الذي له الملك، يملك كل ما في السماوات والأرض، ويملك كل تصرف فيها وكل فعل.
وله الحمد : يقال فيها ما قيل في " له الملك ". في أنها تفيد الحصر، والحمد وصف المحمود بالكمال محبّة وتعظيماً، وذكرت بعد إثبات خصزصية الملك ليتبين أن جميع ما يفعله في ملكه فهو مستحق للحمد عليه، وأن ملكه مبني على الحمد، ولهذا قال : (( الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجع الظلمات والنور ))، وما أشبه ذلك مما يدل على أن ملك الله وخلق الله وأفعاله كلها مبنية على الحمد، فهو الذي يُحمد على كل حال.
وهو على كل شيء قدير : وهذه أيضاً جملة خبرية فيها الثناء على الله عز وجل بعموم القدرة، وهو على كل شيء قدير، وهذه الجملة تطلق كما جاءت، ولا يصح أن يُقال : وهو على ما شاء قدير ، لأنك إذا قلت على ما شاء : أوهم أن مفهومها أن ما لا يشاؤه لا يقدر عليه، وهو قادر على ما شاء وما لا يشاء، لكن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
ثم يوهم أيضاً أنه لا قدرة له على أعمال العباد على رأي المعتزلة الذين يقولون : إنها لا تقع بمشيئته فإذا لم تكن بمشيئة صار غير قادر عليه، ولهذا يُنهى أن يقول القائل : إنه على ما يشاء قدير، وأما قوله تبارك وتعالى : (( وهو على جمعهم إذا يشاء قدير )) فهذه متعلقة بالجمع، يعني : إذا شاء جمعهم لا يعجز عنه، وكذلك في قصة الرجل الذي يدخل الجنة آخر من يدخل يقول الله تعالى : إني على ما أشاء قادر، أن هذا مخصوص لفعل معيّن، يعني أنا قادر على أن أدخلك الجنة ولو كنت مسرفاً على نفسك، فلا تتوهم.
فيه عبارة للجلالين يقول : خص العقل ذاته فليس عليها بقادر، يعني على رأيه نقول : هو على كل شيء قدير إلا على ذاته، وهذا لا شك أنه غلط، لأنه تقييد لما أطلقه الله، ولأنه يحمل معنى فاسداً، لأننا نقول : ماذا تريد بكلمة خص العقل ذاته؟ هل تريد أنه لا يقدر أن يفعل؟ لا يقدر أن يستوي أو ينزل إلى السماء الدنيا أو ما أشبه ذلك؟ أو تريد أن يُهلك نفسه سبحانه وتعالى ؟ إن أردت الأول فهو باطل لأنه قادر أن يستوي على العرش وينزل متى شاء، وإذا أردت الثاني فهذا شيء مستحيل لا تتعلق به القدرة، ولهذا قال السفاريني في عقيدته : واقتدر ذي بقدرة تعلقت بممكن، لأن غير الممكن عدم، هو لا يمكن على اسمه. فالواجب أن نطلق كما أطلقه الله نقول : هو على كل شيء قدير.