فوائد حفظ
الشيخ : هذا الحديث طويل وفيه فوائد: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله غدا ) وهذا يشعر بأنهم كانوا محتاجين إلى الماء، وفيه أنه ينبغي للإنسان أن يقول لشيء مستقبل إلا مقرونا بالمشيئة لقوله: ( وتأتون الماء غدا إن شاء الله ) وقد ذكر الله ذلك في كتابه حيث قال : (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله )) وهذا إذا قصد الإنسان الفعل أما إذا قصد الإخبار عما في نفسه فلا بأس أن يدع قول إن شاء الله يعني لو قيل أتسافر غدا؟ قال نعم سأسافر غدا ولا يقصد بذلك الفعل لأن الفعل لا يملكه قد يحصل عليه مانع أو قد تنثني همته وما أشبه ذلك لكن يقصد أنه عازم، وهذا خبر عن شيء موجود لا خبر عن شيء مستقبل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلعه الله عز وجل على ما شاء من الغيب إلا أن يقال لعل للنبي صلى الله عليه وسلم خبرا في هذا الطريق ويعرف أن الماء قريب فوعدهم به فهذا محتمل، وفيه هذه الفضيلة والمنقبة لأبي قتادة رضي الله عنه وجزاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنا خيرا حيث كان كلما نعس النبي صلى الله عليه وسلم ومال عن راحلته دعمه حتى يستقيم وهذا من حفظه رضي الله عنه لنبينا صلى الله عليه وسلم ولا شك أن له فضلا ولهذا كافأه النبي صلى الله عليه وسلم هذه المكافأة العظيمة فقال: ( حفظك الله بما حفظت به نبيه ) والباء هنا للسببية أي بسبب أنك حفظت نبيه صلى الله عليه وسلم من أن يقع على راحلته وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يأخذه النوم كما يأخذ غيره من البشر والنوم كما يقول العامة سلطان جائع لا يرحم أحدا، إذا كان الإنسان فيه نوم لا بد أن ينام ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نعس في صلاته أن يخرج من الصلاة وأن يدع الصلاة حتى ينام وهذا يدل على كمال الله عز وجل حيث قال عن نفسه تبارك وتعالى: (( لا تأخذه سنة ولا نوم )) وذلك لكمال حياته جل وعلا لا تأخذه لا يمكن أن ينام ولا أن ينعس وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ) يعني مستحيل أن ينام لأنه كامل الحياة عز وجل وكامل القيومية، فمن يقوم بالخلق لو أخذه النوم؟ لا أحد، وهو أيضا لا يحتاج إلى النوم لأن النوم إنما يحتاج إليه من يتعب فينام ليستريح من تعب سابق ويستجد نشاطا لعمل لاحق، وفيه أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لأنه سأل من؟ أبا قتادة قال يعني من أي وقت تعمل هذا؟ قال منذ الليلة يعني من أول الليل وهذه فرد من آلاف الأفراد تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب بل إن الله أمره أن يعلن هذا فقال: (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك )) أمره أن يبلغ هذا تبليغا خاصا، وقد مر علينا في أصول التفسير أن القرآن كله قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغه حيث قال الله له: (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته )) لكن هناك أشياء مهمة ينص الله عز وجل على الأمر لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغها مثل (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم )) (( وقل للمؤمنان يغضضن من أبصارهن )) وأمثال ذلك كثير، هنا أمره الله أن يقول: (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله )) فلست أنا الذي أغنيكم وإنما هو قاسم والله هو المعطي عز وجل ولا أعلم الغيب يعني ما غاب عني لا أعلمه حتى ما كان موجودا لكنه لا يحس به فهو لا يعلمه لأن الغيب نوعان غيب نسبي وغيب حقيقي مطلق، فما كان في المستقبل فهو حقيقي مطلق لا أحد يعلمه إلا الله عز وجل ومن أطلعه عليه، وغيب نسبي أي أنه غائب عن شخص وليس غائبا عن شخص آخر فمثلا الذين في السوق الآن هم في عالم المشاهدة ولكنهم بالنسبة لنا في عالم الغيب لا نعرفهم، وفي هذا الحديث أيضا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ينفرد عن أصحابه أحيانا لسبب من الأسباب إما لوعورة طريق أو لاختلافهم بعضهم عن بعض في الضياع أو غير ذلك لأن الرسول كان معه أبو قتادة ثم جاء آخر وآخر وآخر حتى كانوا كم؟ سبعة، والقوم كلهم ليسوا معه مع أن عادته صلوات الله وسلامه عليه أنه لا يتجاوز أصحابه بل إنه يكون في آخرهم كما في حديث جابر رضي الله عنه حين كان على جمل قد أعيا فلحقه النبي صلى الله عليه وسلم لأن ارسول في آخر القوم لحقه والقصة مشهورة وهذه عادته أنه كان صلى الله عليه وسلم يكون في الساقة ليتفقد أصحابه ويعين من يحتاج إلى إعانة وهذا من تمام رعايته وحسن خلقه لكن هذا السفر لا بد أن يكون هناك سبب لاختلاف بعضهم عن بعض قال: ( فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه ) فيه أيضا من فوائده أنه لا ينبغي للإنسان أن ينزل في الطرقات، أولا أن هذا تضييق على أهل الطريق، وثانيا أنه يعرض نفسه للخطر، وثالثا أن الطريق ممشى الهوام لأن الهوام تتبع الطرق لعلها تجد شيئا ساقطا أوما أشبه ذلك فلأجل هذه الثلاث لا ينبغي لإنسان أن ينزل في الطرقات ولهذا مال النبي صلى الله عليه وسلم عن الطريق ووضع رأسه، وفيه أيضا جواز التوكيل في مراقبة الأوقات لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( احفظوا علينا صلاتنا )، وفيه أيضا من المحافظة على الصلاة أن تصلى في الوقت وأن قوله تبارك وتعالى: (( والذين هم على صلاتهم يحافظون )) يدخل فيه من يحافظ عليها في وقتها أيضا وكذلك (( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى )) لقوله ( من يحفظه علينا صلاتنا ) وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنام عيناه عن الأمور المحسوسة كغيره من الناس لكنّ قلبه لا ينام، أما نحن فتنام أعيننا وتنام قلوبنا لكن أحيانا يعرض لبعض الناس أن تنام عيناه ولا ينام قلبه بمعنى أنه مشتغل بشيء من الأشياء فتجده يستيقظ في الوقت الذي يريد أن يستيقظ فيه وحدثني بعض الناس عن آخرين أنهم كانوا ينامون ويقولون متى تريدون أن نقوم؟ قال مثلا الساعة الثلاثة إذا كانت الساعة ثلاث قام بدون أن يكون هناك منبه، الساعة أربعة كذلك بدون أن يكون هناك منبه وهذه لا شك أنها من نعمة الله على الإنسان أنه يستيقظ عندما يريد أن يستيقظ أما بعض الناس فلا يستيقظ حتى لو أراد أن يستيقظ ما يستيقظ حتى لو كان عنده منبه لا يسمعه وكأنه حلم ثم يغلقه، وكان بعض الشباب يضع المنبه في تنكة تعرفون التنكة ويبعدها عنه يخشى أن يقوم ثم يغلقه ويرجع ينام فوجد في هذا فائدة كبيرة والتنكة إذا صوت فيها المنبه يكون لها صدى، يقول إني استعملت هذا وجدت فيه فائدة كبيرة نعم لكن عاد لا تملأون في مقر سكناكم تنك هذه كل واحد يكون عند رأسه واحدة طيب وفي هذا الحديث دليل على جواز استدبار القبلة عند النوم يعني معناه ألا يتجه إليها ما هو استدبارها ألا يتجه إليه من أين تؤخذ يا خالد؟
الطالب : ...
الشيخ : كيف هذا كيف عرفنا أنه لم يستقبل القبلة في نومه؟
الطالب : ...
الشيخ : طيب المدينة قبلتها الجنوب لكن قد يكون بعيدا عن المدينة إلا أن هذا في الغالب ألا تختلف به القبلة وعلى كل حال فالمشروع في النوم أن يكون على الجنب الأيمن هذا صح به الحديث كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، أما استقبال القبلة فإلى الآن لم أعلم حديثا ينص أن الإنسان ينبغي له أن يستقبل القبلة فإن وجدتم شيئا فأسعفونا به، ومن فوائد هذا الحديث أن الإنسان يسير إذا غلبه النوم عن مكانه كما سبق في الحديث الأول وفيه أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم بأن الميضئة التي كانت مع أبي قتادة سيكون لها شأن وسيأتي إن شاء الله بيان هذا الشأن الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه أن القضاء يحكي الأداء وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يؤذن لهذه الصلاة وسبق أنه يصلي ركعتين السنة وهنا يقول رضي الله عنه يقول: ( فصنع كما كان يصنع كل يوم ) يقول: ( فصلى ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم ) إذا جهر فيها أو لا؟ نعم جهر فيها لأنه كل يوم يجهر بها مع أنه صلاها في النهار وعلى هذا فإذا قضى الإنسان صلاة ليل في النهار إيش؟ جهر وإن قضى صلاة نهار في ليل أسر، ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) وهاء تعود على الصلاة كمية وكيفية وبناء على ذلك أيضا لو نسي صلاة سفر وذكرها في الحضر صلاها ركعتين، وإن نسي صلاة حضر وذكرها في السفر صلى أربعا نعم وفي الحديث أيضا دليل على تساؤل الناس عما حصل منهم من تقصير لأن الصحابة كانوا يتهامسون يقولون ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في الصلاة؟ يتساءلون وكأنهم رضي الله عنهم هابوا أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأنه كان شريكهم كما هابوا أن يسألوه حين سلم من ركعتين في الظهر أو العصر لأنه كان شريكهم فيخشون أن يكون هذا السؤال سوء أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهذا لم يسألوه ولكن جعلوا يهمسون بهذا، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما لكم فيّ أسوة ) وهذا يدل على أن ما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم في المقام الذي يحتاج إلى الكلام في السنة السكوت عنه وعدم البحث عنه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت ولم يقل عليكم كفارة ولا شيء فهو يقول: ( أما لكم في أسوة ؟ ) وفيه أيضا أنه يجب علينا أن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ونجعله أسوتنا في الأمور الواجبة نقوم بها على وجه الواجب وفي الأمور المستحبة نقوم بها على وجه الاستحباب، وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن النائم ليس منه تفريط، لأن النوم يوجب رفع التكليف عن المكلف وترون قصة أصحاب الكهف قال الله تعالى فيها: (( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال )) نقلبهم مع أنهم هم يتقلبون لكن لما كان لا إرادة لهم في هذا التقلب نسبه الله إلى من؟ إلى نفسه فقال ونقلبهم فهذا دليل على أن النائم لا ينسب إليه فعل وهذا في حق الله، أما في حق الآدمي مثل أن تنقلب الأم على طفلها في المنام فيهلك فهنا عليها الكفارة وعليها ضمان الدية لوارثيه لأن حقوق الآدميين مبنية على الشح، ولأن كفارة القتل لا يشترط فيها القصد ولهذا إنما وجبت على من؟ على المخطئ أما المتعمد فليس عليه كفارة لأنه يقتل ومن ثم قال بعض العلماء إن كفارة القتل تجب حتى على الصغير إذا قتل خطأ، لأنه لا يشترط فيها العمد وعمد الصبي خطأ وهذا هو المشهور من المذهب أن الكفارة تجب حتى على الصغير فلو أن صغيرا حذف حصاة وأصابت إنسانا ومات فعلى هذا الصغير الكفارة وقال بعض العلماء إنه لا كفارة عليه لأنه ليس أهلا لها بخلاف النائم الذي نام على صغيره ومات لأن النائم أهل للكفارة لكن وجد مانع وهناك فرق بين وجود المانع وبين عدم الشرط نعم، ومن فوائد هذا الحديث أن أوقات الصلوات متوالية لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى ) فإنّ ظاهره أنه لو أخّر صلاة الفجر إلى الضحى فلا بأس لأنه لم يأت وقت صلاة الظهر ولو أخّر العشاء إلى آخر اللّيل فلا بأس لأنه لم يأت وقت صلاة الفجر وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين قسم لا خلاف فيه وقسم فيه خلاف، أما ما لا خلاف فيه فهو اتصال صلاة العصر بصلاة الظهر واتصال صلاة المغرب بصلاة العصر واتصال صلاة العشاء بصلاة المغرب هذه الثلاث متوالية ليس بينها فرق هذا لا خلاف فيه وكذلك لا خلاف في أن صلاة الفجر لا يمتد وقتها إلى صلاة الظهر بل هي منفصلة عنها، إنما الخلاف هل يمتد وقت صلاة العشاء إلى طلوع الفجر أو لا يمتد، والصحيح أنه لا يمتد وأن وقت صلاة العشاء ينتهي بنصف الليل وينبني على ذلك لو طهرت الحائض بعد منتصف الليل فإن قلنا بأن الوقت يمتد إلى الفجر وجب عليها صلاة العشاء وإن قلنا لا يمتد وهو الراجح لم تجب عليها صلاة العشاء، لأن وقت العشاء ينتهي بماذا يا أخ؟ أنت اللي جنبك يا فهد بماذا؟
الطالب : ..
الشيخ : كيف لا تعلم وأنت عندنا؟! يا بني اطلب العلم حقيقة حضّر دروسك وانتبه أما تقعد متكئا على الجدار و... نعم كأن بيدك تلفون فهذا غلط طالب العلم يحرص يكون معه كتابه ويبحث ويسأل انتبهت الآن، لا أراك بعد اليوم إلا ومعك الكتاب ماذا تقولون في الجواب؟ نعم عبيد الله؟
الطالب : إلى نصف الليل.
الشيخ : نعم هذا هو والصحيح أن ما بعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتا للفريضةكما بين طلوع الشمس وزوال الشمس ليس وقتا لفريضة، وفيه أيضا تساؤل الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحق لهم أن يتساءلوا لأنه نبيهم هل هو قد تقدم أو تأخر إن كان تقدم فيجب أن نحث مطايانا حتى نلحقه، وإن كان قد تأخر فإننا ننتظره أبو بكر وعمر قالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم بعدكم لم يكن ليخلفكم لماذا؟ لأنهما يعلمان من حاله أنه يكون في أخريات القوم لا يتقدم، وفيه أيضا أن أبا بكر وعمر قولهما حجة ورشاد وصلاح وسداد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا ) والرشاد ضد الغي وهذا هو القول الراجح أنه إذا اجتمع أبو بكر وعمر فقولهما حق بلا شك، وإن انفرد أحدهما فقوله حق وإن اختلفا فينظر للراجح والغالب أن الرجحان مع أبي بكر رضي الله عنه، هنا نسأل هل الصواب مع أبي بكر وعمر أم مع الناس؟
الطلاب : ...
الشيخ : مع أبي بكر وعمر لقوله فلما انتهينا إلى الناس وإلى للغاية وهذا هو عادة النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق أن ذكرناه، ومن فوائد هذا الحديث أنه ينبغي للقائد ومن يوجه الناس أن يذكر لهم ما فيه الأمل والفأل لأن الصحابة قالوا: عطشنا هلكنا الوقت حار والماء قليل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا هُلك عليكم ) وهذا فتح أمل للإنسان وكلّما فتح الإنسان الأمل لإخوانه كان في ذلك إدخال السرور عليهم وإدخال السرور على إخوانك من الأمور المطلوبة بأنك تفرحهم وربما يكون من جزائك عند الله عز وجل أن يشرح الله صدرك دائما فإن الله تعالى يجازي الإنسان بحسب عمله، فإذا كان دائما يدخل السرور على إخوابنه ويؤملهم ويفرحهم جعل الله تعالى صدره منشرحا ومسروا دائما، وفيه أيضا من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ما جرى لميضئة أبي قتادة حيث رَوي كلهم مع أنها في الأصل ليس فيها إلا ماء قليل ..