فوائد حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن نبدأ في قول عروة رحمه الله في قوله: " إنها تأولت كما تأول عثمان " دليل العفو على المتأول والعفو عن المتأول ثابت في أصول الدين وفروع الدين وفي كل شيء ودل عليه القرآن في قول الله تعالى: (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) وقوله: (( ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به )) فكل إنسان متأول قد بذل جهده في الوصول إلى الحق ولكن لم يوفق فإنه معذور حتى في أصول الدين، ويدل لهذا قصة الرجل الذي كان مسرفا على نفسه فقال لأهله إذا مت فأحرقوني واذروني في اليوم يعني يخشى أن الله تعالى يعذبه قال: لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فظن هذا الظن فلما فعل أهله به ذلك جمعه الرب عز وجل بقدرته ثم قال: ( ما حملك على هذا؟ قال خشيتك يا رب فغفر له ) مع أن الرجل شاك في قدرة الله عز وجل، والشك في قدرة الله كفر لكنه كان متأولا، وكذلك أيضا إذا جرى الكفر على اللسان بلا قصد فإنه لا يؤاخذ به لعدم الإرادة، ودليله حديث التوبة ( أن الله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل كان في فلاة من الأرض ومعه راحلته وعليها طعامه وشرابه ففقدها فطلبها فلم يجدها فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بناقته قد حضرت فأخذ بخطامها وقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) وهذه الكلمة كلمة كفر إيش؟ لا شك ادعى أنه الرب وادعى أن الرب عز وجل هو الرب وهذا هو وصف لله بالنقص ووصف لنفسه بما لا يستحق من الربوبية ومع ذلك لم يؤاخذ لماذا؟ لعدم القصد ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أخطأ من شدة الفرح ) كذلك المكره إذا اكره على الكفر قولا كان الكفر أم فعلا فإنه إذا فعل ذلك لدفع الإكراه لا مطمئنا بما أكره عليه فإنه لا يلحقه حكم ذلك الفعل لقول الله تعالى: (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )) والآية عامة لجميع أنواع الكفر القولية والفعلية وبهذا نعرف ضعف حديث " دخل النار رجل في ذبابة ودخل الجنة رجل في ذبابة " فإن هذا ضعيف ولئن صح فإنه من شرائع من قبلنا لكنه لا يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساقه على سبيل العبرة والاتعاظ به ولكن نقول إذا أكره الإنسان على الكفر القولي أو الفعلي فإنه لا إثم عليه ولا يخرج بذلك من الإسلام حتى لو أكرهه إنسان قال اسجد لي من دون الله فسجد خوفا من القتل الذي ينفذه هذا المكره فإنه ليس كافرا، لكن هنا ثلاث مسائل: المسألة الأولى أن يسجد مطمئنا بهذا السجود فهذا إيش؟ يكفر لأن قلبه مطمئن بالكفر والعياذ بالله، الثاني المسألة الثانية أن يفعله لدفع الإكراه فقط ولا نوى السجود ولا شيئا فهذا لا يكفر والأمر فيه واضح، الثالث أن يسجد لا يقصد السجود لهذا الإنسان تعظيما له أو ذلا له لكن لأنه أكرهه فهذا مختلف فيه فقيل إنه يلحقه حكم الكفر لأنه لم ينو دفع الإكراه وإنما سجد امتثالا لهذا الأمر، والصحيح أنه لا يكفر لأنه لم يسجد لهذا الإنسان ذلا ولا تعظيما، وكون الإنسان يستحضر أنه فعل ذلك دفعا للإكراه بعيد ولا سيما من العوام الذين لا يفقهون، الحاصل أن هذه الأمة ولله الحمد عفا الله عنها إذا فعلت الشيء على وجه التأويل بل والأمم السابقة لأن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدة بولدها ولأن رحمته سبقت غضبه نعم.