شرح الحديث شرحا مفصلا . حفظ
الشيخ : هذا الحديث الطويل الذي رواه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلّم أنه كان إذا قام إلى الصلاة، وظاهر الحديث أنه إذا قام إلى صلاة الفريضة والنافلة لكن سياقه في باب صلاة الليل يدل على أن مسلما رحمه الله يرى أن هذا في صلاة الليل، وهذا هو الأليق لأن هذا الإستفتاح طويل وكان النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلّم يطوّل في صلاة الليل، يقول عليه الصلاة والسلام: ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) ، ( وجهت وجهي ) يشمل الوجه وجه البدن ووجه القصد، كما قال تعالى (( وَلِكُلٍّ وِجهَةٌ هُوَ مُوَلّيها )) فالإنسان عند الصلاة يوجّه وجهه البدني إلى الله ويوجّه وجهه إيش؟
الطالب : القصدي.
الشيخ : القصدي إلى الله عز وجل، وقوله ( فطر السماوات والأرض ) أي خلقهما على غير مثال سبق، فهو أول ما خلق السماوات والأرض، ( حنيفا ) حال من وجهت أي حال كونه حنيفا، ومعنى حنيفا أي مائلا عن الشرك مستقيما على توحيد الله، وأكد ذلك بقوله ( وما أنا من المشركين ) .
( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) ، هذا فيه التفويض الشرعي والقدري فإن صلاتي ونسكي هذا الشرعي يعني أنني صلاتي لله ونسكي لله، والنسك هنا قيل إنه ما يتقرّب به إلى الله من الذبائح وقيل إنه جميع العبادات، فعلى الأول يكون عطفه على الصلاة من باب عطف العام على الخاص، وعلى الثاني من باب عطف المغاير على غيره، وإذا دار الأمر بين العموم والخصوص فالأولى حمله على العموم فيكون المراد بالنسك جميع العبادات.
( إن صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي ) هذا الأمر الكوني فمحيا الإنسان وممات الإنسان كله لله عز وجل هو الذي يحيي ويميت ويمد في العمر ويقصّر في العمر، نعم، ( رب العالمين ) وهم كل من سوا الله، لأن الوجود إما خالق وإما مخلوق، فالخالق رب والمخلوق مربوب، وعلى هذا فيكون المراد بالعالمين كل من سوا الله، ( لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ، ( وبذلك أمرت ) أي بهذا الإعتراف والإخلاص أمرت كما قال تعالى ءامرا نبيّه (( فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلِصًا لَهُ الدّينَ )) .
( وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ، قيل إن المراد أول المسلمين من هذه الأمة، وقيل المراد بالأولية هنا أولية السبق لا أولية الزمن، يعني معناه أنا أسبَق المسلمين إلى الإسلام، لقوة إخلاصه عليه الصلاة والسلام وثقته بالله عز وجل، نعم؟
الطالب : ... .
الشيخ : الرواية الثانية بارك الله فيكم، الرواية الثانية أولى لأنها مطابقة للأية، الأية (( وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ )) اللي بين أيدينا وأنا من المسلمين لكن الرواية الثانية أوفق من هذا لأن فيها زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ولأنها المطابقة لإيش؟
الطالب : للأية.
الشيخ : للقرءان، طيب، ( اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ) الملك هذا توحيد الربوبية، ( لا إله إلا أنت ) توحيد الألوهية، ومعنى لا إله إلا أنت، أخانا، الأخ، أي نعم، نعم.
الطالب : لا معبود بحق إلا ... .
الشيخ : لا معبود بحق وإلا لا معبود حق؟
الطالب : ... .
الشيخ : إلا أنت؟ نعم، وهذه الكلمة هي كلمة التوحيد التي بها يدخل الإنسان الإسلام وإذا قلت لا معبود حق إلا أنت لزم من ذلك أن تقيم العبادة كلها لله وأن لا تتبع الهوى وأن لا تبتدع في دين الله ما ليس منه، ( أنت ربي وأنا عبدك ) هذا اعتراف أيضا بربوبية الله تعالى وعبودية العبد، والتكرار في مثل هذا حسن لما فيه من تثبيت العقيدة وترسيخها.
( اللهم أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي ) ، ( ظلمت نفسي ) الإنسان يظلم نفسه؟ نعم يظلم نفسه إذا أوردها المهالك لأن نفسك أمانة عندك يجب عليك أن ترعاها حق رعايتها، وإذا كان الإنسان مسؤول عن أهله فهو مسؤول عن نفسه، ولهذا قال ( ظلمت نفسي ) ، بماذا يظلم الإنسان نفسه؟ بواحد من أمرين: إما بترك الواجب وإما بفعل المحرم، ومن المحرم أن يفعل ما يضر البدن، فإن الإنسان منهي عن أن يفعل ما يضر بدنه فإن فعل فقد ظلم نفسه، ( واعترفت بذنبي ) أي أقررت بذنبي، والذنب هو المخالفة سواء ترك مأمور أو فعل محذور، ( فاغفر لي ذنوبي جميعا ) ، ( اغفر لي ) أي استرها وتجاوز عن العقوبة، لأنه مأخوذ من المغفر وهو ما يوضع على الرأس اتقاء السهام، وفيه أي في المغفر ستر وإيش؟
الطالب : وقاية.
الشيخ : ووقاية، وعلى هذا فطلب الإنسان المغفرة من الله يتضمن شيئين: الأول عقيل؟ الستر بحيث لا يطلع عليها إلا الله والثاني العفو والتجاوز حتى يكون وقاية، وفي هذا دليل على أن الإنسان مجبول على محبة ستر الله عليه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ) والمجاهر هو الذي يفعل الذنب ثم يصبح يتحدّث به إلى الناس، فهذا قد جنى على نفسه وظلم نفسه وظلم غيره أيضا، لأن غيره إذا رأى مثل هذا الرجل يتهاون بالواجبات أو يفعل المحرمات إيش؟
الطالب : ... .
الشيخ : اقتدى به وتجرأ، ( فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) ، هذا من باب التوسّل بأفعال الله تعالى وصفاته أنه لا يغفر الذنوب إلا الله، كما قال تعالى (( وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أَو ظَلَموا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللَّهَ فَاستَغفَروا لِذُنوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنوبَ إِلَّا اللَّهُ )) لو اجتمعت الأمة على أن يغفروا لك ذنبا واحدا ما استطاعوا، ولكن الله هو الذي يغفر الذنوب جميعا.
( اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) ، هذا وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، أحسن الناس خلقا يسأل الله تعالى أن يهديه، فإذا قال إنسان كيف يسأل الله أن يهديه وهو عليه الصلاة والسلام قد أوتيها؟ قلنا هذا يتضمن شيئين أولا الإستزادة من حسن الخلق لأنه قال ( لأحسن الأخلاق ) ، وثانيا الثبات على حسن الخلق فيطلب أمرين، الإستزادة والثاني.
الطالب : ... .
الشيخ : الثبات على ذلك، ( اهدني لأحسن الأخلاق ) ، والأخلاق جمع خلق وهو الصورة الباطنة في النفس، وأما الخَلق فهو الصورة الظاهرة، ( لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها ) أي سيء الأخلاق لا يصرف عني سيئها إلا أنت، وهذا هو الحق وهو واضح، مهما بلغ الإنسان من محاولة اكتساب الخلق الحسن واجتناب الخلق السيء فإنه لن يتمكّن من ذلك إلا بمن؟
الطالب : ... .
الشيخ : إلا بالله عز وجل، ولهذا نفى أن أحدا يهديه لأحسنها أو يصرف عنه سيئها إلا الله، نعم، إلا أنت ( لبيك وسعديك والخير كله في يديك ) ، لبيك أي إجابة لك وثني للتكرار لا لإرادة التثنية، يعني أنك إذا قلت لبيك ليس المعنى أنك تلبي الله مرتين فقط بل مرة بعد أخرى، كقوله تعالى (( ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَينِ )) أي كرّة بعد كرة، فالمراد مطلق التعدّد وليس خصوص التثنية، وقول سعديك أي إسعادك يعني كأن الإنسان يقول أنا لبيتك يا ربي فأسعدني، أسعدني يعني أزل عني همي وغمي واكتب لي السعادة، ففيها طلب شيئين، إزالة الغم والهم، الثاني حصول السعادة، والخير كله في يديك أنت الذي تجلبه إلى من تشاء من عبادك يعني فكأنه بهذا الثناء على الله يقول أعطني من خيرك ( والشر ليس إليك ) ، الشر لا ينسب إلى الله إطلاقا، ولهذا لا يحل للإنسان أن يقول بيدك الخير والشر، لأن الشر لا يُنسب إلى الله إطلاقا، وإنما يكون الشر في المفعولات لا في الفعل، ووجه ذلك أن الله إذا قدّر على الناس أمراضا، المرض شر بالنسبة للإنسان لكن قد يقدّره الله تعالى لخير، لخير للإنسان لأن المرض يكفّر به عن سيئاته ومع الصبر والإحتساب يرفع له في درجاته وهذا خير، لأن المرض مهما كان مأله إلى الزوال إذ أن مأله في النهاية إلى الموت والموت غاية كل حي لكن ما يحصل فيه من الأجر والثواب ورفعة الدرجات خير للإنسان يقدر الله سبحانه وتعالى الجدب والقحط، الجدب في الأرض والقحط في السماء فيمتنع المطر وتجدب الأرض، وهذا بالنسبة للناس.
الطالب : شر.
الشيخ : شر، لكنه بالنسبة لتقدير الله خير، كما قال تعالى (( ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِما كَسَبَت أَيدِي النّاسِ لِيُذيقَهُم بَعضَ الَّذي عَمِلوا لَعَلَّهُم يَرجِعونَ )) إذًا فنفس تقدير الله ولو لما يُكره ولو لما هو شر يُعتبر خيرا، أما بالنسبة للمفعول فنعم، المفعول فيه شر، فالحيات والعقارب والزنابير والبعوض وما أشبهها كلها شر بالنسبة للآدمي، لكن إيجاد الله لها.
الطالب : خير.
الشيخ : خير ولهذا صح عنه قال ( الشر ليس إليك ) ، ولم يقل ليس منك، لأنه لو قال ليس منك لكان هذا يوافق مذهب القدرية الذين يقولون إن السيئات ليست مخلوقة لله، ولكنه ليس إليه، فلا يقال أنك شرير والعياذ بالله، أو أن فعلك شر بل فعله خير كله وهو سبحانه وتعالى المتفضل على عباده بالنعم، لكن لا ينسب الشر إليه، نعم، ولذلك لا ينسب الشر إليه ولكن ينسب إلى.
الطالب : ... .
الشيخ : أه؟ إلى المفعول، نعم، ( والشر ليس إليك، أنا بك وإليك ) أنا بك وجودا وإمدادا وإعداد، أنا بك إيجادا من أوجدك؟
الطالب : الله.
الشيخ : طيب، إمدادا من أمدك بالرزق؟ الله وأنت في بطن أمك يأتيك الغذاء وأنت في بطن أمك، من الذي أعدك لمنافعك؟ هو الله، فأنا بك إيجادا وبعدها يا سامي؟
الطالب : ... .
الشيخ : والثالث؟ إعدادا، كلنا بالله عز وجل، لولا أن الله أوجدنا ما وجدنا، لولا أن الله أمدنا ما بقينا ولولا أن الله أعدنا ما عرفنا مصالحنا فنحن بالله.
( وإليك ) أي أمري يرجع إليك وأنا واحد من العالم والله عز وجل يقول (( وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ )) كل الأمر يرجع لله عز وجل، فأمري أيضا يرجع إلى الله، ( أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ) ، تباركت أي تعاظمت وحلّت البركة في اسمك ولهذا كان اسمه سبحانه وتعالى إذا حصل في شيء صار مباركا، أرأيت بهيمة الأنعام تذبحها لا تسمي عليها تكون ميتة، تسمي عليها تكون طيبة، في الأول تكون خبيثة، في الثاني تكون طيبة إذا قلنا بوجوب التسمية في الوضوء، توضأت بلا تسمية ليس معتدا به شرعا، بتسمية معتد، أيضا كل مقام يذكر فيه اسم الله ويصلى فيه على النبي يكون خيرا للإنسان ( وما جلس قوم مجلسا لا يذكرون الله فيه ولم يصلوا على نبيّه إلا كان عليهم ترة ) أي حسرة وقطيعة، وقوله تعاليت أي ترفّعت عن كل نقص وعلو الله عز وجل علو ذاتي وعلو وصفي، أي هو العلي في ذاته العلي في وصفه، ولهذا عندما تقول سبحان ربي الأعلى في السجود، ماذا تستشعر؟ أنه فوق كل شيء وأنه الأعلى في جميع صفاته، الأعلى في علمه، الأعلى في سمعه الأعلى في بصره الأعلى في قدرته، الأعلى في حكمته، الأعلى في عزته وهلم جرا، إمشي على هذا، يعني لا تظن إنك عندما تقول سبحان ربي الأعلى في السجود إن المعنى الأعلى بذاته فوق كل شيء، هذا صحيح لكن ليس هذا فقط، بل هو الأعلى في كل وصف من صفاته، ويجمع هذا قوله تعالى (( وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعلى وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ )) .
يقول ( أستغفرك وأتوب إليك ) ، أستغفرك يعني أسألك المغفرة وهذا كما تعلمون مكرّر مع قوله ( فاغفر لي ذنوبي ) لكن مقام الدعاء ينبغي فيه.
الطالب : ... .
الشيخ : التكرار والبسط لسببين: أولا لزيادة الأجر وزيادة الإفتقار إلى الله واللجوء إليه وثانيا أنك بدعائك تُخاطب ربك سبحانه وتعالى، والحبيب يُحب أن يُطيل المناجاة مع.
الطالب : ... .
الشيخ : مع حبيبه، فلذلك كان البسط في الدعاء أفضل ومع ذلك قد يأتي الإجمال في الدعاء، مثل (( ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار )) .
يقول ( أستغفرك ) أي من الذنوب ( وأتوب إليك ) أي أعود إليك وأرجع والتوبة والإستغفار إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، أستغفرك يعني من الذنوب وأتخلّى عنها، أتوب أرجع إليك ولهذا عُديت بإلى أرجع إليك بماذا؟ بالعمل الصالح والطاعة، فيكون في قول القائل ( أستغفرك وأتوب إليك ) تخل عن المحرمات وإقبال على الطاعات، ( أستغفرك وأتوب إليك ) وإذا ركع قال ( اللهم لك ركعت ) لك، اللام للإختصاص فتفيد الإخلاص لك وحدك ركعت ولهذا نقول إن تقديمها على عاملها يُفيد الحصر، ( وبك ءامنت ) الإيمان بالله عز وجل هو الإقرار المتضمن للقَبول والإذعان، هذا الإيمان، الإقرار المتضمن للقبول والإذعان أما مجرد الإقرار فهذا ليس بإيمان، ولهذا نقول إن أبا طالب إيش؟
الطالب : ... .
الشيخ : غير مؤمن مع أنه مقر، مقر بالله وبرسول الله وبصدق رسول الله، لكن لما لم يقبل ولم يذعن لم يكن مؤمنا فالإيمان شرعا هو إيش؟ الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، أيضا لا يكفي الإذعان لابد من قبول يعني لا يكفي إن الإنسان يقوم ويصلي ويزكي حتى يكون ذلك مقرونا بالقبول والرضى بما فرض الله عز وجل، طيب، ( بك ءامنت ولك أسلمت ) أي انقدت والإسلام والإستسلام معناهما واحد أي انقدت لك انقيادا تاما وهنا جمع بين الإيمان والإسلام فيكون الإيمان إيش؟
الطالب : ... .
الشيخ : باطنا والإسلام علانية، ( خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ) ، هكذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام خشع له كل قواه، خشع لله كل قواه عليه الصلاة والسلام، وهذا غاية ما يكون من الذل، والخشوع هو التطامن والذل، وقوله ( وإذا رفع قال اللهم ربنا لك الحمد ) ، اللهم أصلها يا الله هذا أصلها لكن حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم وأخّرت عن مكانها، انتبه، فأنت الأن تحويل من مكان إلى مكان وعندنا تبديل وتعويض، وإنما حذفت ياء النداء لكثرة الإستعمال وعوض عنها الميم لما فيها من الجمع الذي يُفيد اجتماع القلب على الله عز وجل، وكانت في الأخر تبرّكا بالإبتداء باسم الله عز وجل، يقول ( اللهم ربنا لك الحمد، ملأ السماوات وملأ الأرض وملأ ما بينهما وملأ ما شئت من شيء بعد ) ، وقد اختلف العلماء في معنى هذا الملأ، فقال بعضهم المعنى لو كان الحمد أجساما لملأ هذه الأماكن السماوات والأرض وما بينهما وما زاد عليها لقوله ( وملأ ما شئت من شيء بعد ) ، وقيل المعنى أن كل ما في السماوات والأرض فإنه دال على حمدك والثناء عليك لأن كل شيء في الوجود فإنه متضمن لحمد الله عز وجل، وهذا أقرب إلى الصواب، أن المعنى أن الإنسان يستحضر السماوات والأرض وما بينهما وما شاء الله من بعد وأن كل هذا حمد لله عز وجل ممتليء بحمد الله، ثم قال ( وإذا سجد قال اللهم لك سجدت وبك ءامنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين ) ، ( سجد وجهي لله الذي خلقه ) والسجود معروف هو الخرور على الجبهة والأنف فيسجد الإنسان للذي خلقه لأنه هو المستحق لهذا السجود لكونه خلق، والثاني يقول صوّره، صوره على أحسن صورة ولهذا لا يوجد صورة أحسن من صورة الإنسان، وقوله وشق سمعه وبصره أما شق بصره فظاهر لأن البصر في الوجه، لكن شق سمعه هذا من باب إلحاق الشيء بمجاوره لأن السمع ليس من الوجه بدليل أن الأذن لا تغسل مع الوجه في الوضوء بل ولا تمسح مع الوجه وإنما تكون مع الرأس وقد ورد في ذلك حديث ( الأذنان من الرأس ) ولكن هذا من باب ذكر الشيء أو إلحاق الشيء بمجاوره ( سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين ) ، سبق الكلام على قوله تبارك ومعناه.
الطالب : ... .
الشيخ : نعم، عظمت بركته ( أحسن الخالقين ) الخلق يقولون هو الإيجاد بعد التقدير، يعني الذي لا يأتي هكذا صدفة بل لابد من تقدير أول ثم خلق، ومن ذلك قوله تعالى (( وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقديرًا )) وقد اختلف في قوله قدره، هل المراد التقدير السابق على الخلق أو المراد التسوية بعد الخلق؟ على قولين: فإن قلنا بالأول صار تركيبه بعد الخلق من باب التركيب الذكري كقول القائل:
" إن من ساد ثم ساد أبوه *** ثم ساد من بعد ذلك جده " .
وإذا قلنا إنه بمعنى التسوية صار الترتيب على حسب الترتيب الوضعي ويؤيّد هذا القول الأخير قوله تعالى (( الَّذي خَلَقَ فَسَوّى )) يقول خلقه، إذًا أحسن الخالقين من؟ الخالق هو الذي إيش؟ يوجد بعد التقدير ثم يكون ءاخر ما يكون بين التشهّد والتسليم، ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ) ، ثم ذكر المؤلف اللفظة الثانية في الحديث وهو قوله ( إذا استفتح الصلاة كبّر ثم قال ) وكلمة كبّر سقطت من اللفظ الأول لأنه قال ( إذا قام إلى الصلاة قال ) ، فهل نقول يكبر ثم يقول؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أجيبوا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم لأنه زيادة علم وفيه أيضا يقول، ( ثم قال وجهت وجهي ) وقال ( أنا أول المسلمين ) ، سبق الكلام على هذا، ( وإذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ) ، فيه إسقاط اللهم، لأن اللفظ اللي هنا يقول ( اللهم ربنا لك الحمد ) وهنا يقول ( ربنا ولك الحمد ) فيه إسقاط كلمة وزيادة كلمة، الزيادة هي الواو وقال أيضا ( صوّره فأحسن صوره ) ، وفيها زيادة ( صوره فأحسن صوره وشق سمعه وبصره ) ، ويقول ( وإذا سلم قال اللهم اغفر لي ) وقال ( وإذا سلم قال اللهم اغفر لي ما قدمت ) إلى ءاخر الحديث ولم يقل بين التشهّد والتسليم والصواب الرواية الأولى إنه بيّن التشهّد والتسليم لأن هذا هو الموضع الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلّم إلى دعاء الله فيه، حيث قال حين ذكر التشهّد ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ) .
الطالب : القصدي.
الشيخ : القصدي إلى الله عز وجل، وقوله ( فطر السماوات والأرض ) أي خلقهما على غير مثال سبق، فهو أول ما خلق السماوات والأرض، ( حنيفا ) حال من وجهت أي حال كونه حنيفا، ومعنى حنيفا أي مائلا عن الشرك مستقيما على توحيد الله، وأكد ذلك بقوله ( وما أنا من المشركين ) .
( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) ، هذا فيه التفويض الشرعي والقدري فإن صلاتي ونسكي هذا الشرعي يعني أنني صلاتي لله ونسكي لله، والنسك هنا قيل إنه ما يتقرّب به إلى الله من الذبائح وقيل إنه جميع العبادات، فعلى الأول يكون عطفه على الصلاة من باب عطف العام على الخاص، وعلى الثاني من باب عطف المغاير على غيره، وإذا دار الأمر بين العموم والخصوص فالأولى حمله على العموم فيكون المراد بالنسك جميع العبادات.
( إن صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي ) هذا الأمر الكوني فمحيا الإنسان وممات الإنسان كله لله عز وجل هو الذي يحيي ويميت ويمد في العمر ويقصّر في العمر، نعم، ( رب العالمين ) وهم كل من سوا الله، لأن الوجود إما خالق وإما مخلوق، فالخالق رب والمخلوق مربوب، وعلى هذا فيكون المراد بالعالمين كل من سوا الله، ( لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ، ( وبذلك أمرت ) أي بهذا الإعتراف والإخلاص أمرت كما قال تعالى ءامرا نبيّه (( فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلِصًا لَهُ الدّينَ )) .
( وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ، قيل إن المراد أول المسلمين من هذه الأمة، وقيل المراد بالأولية هنا أولية السبق لا أولية الزمن، يعني معناه أنا أسبَق المسلمين إلى الإسلام، لقوة إخلاصه عليه الصلاة والسلام وثقته بالله عز وجل، نعم؟
الطالب : ... .
الشيخ : الرواية الثانية بارك الله فيكم، الرواية الثانية أولى لأنها مطابقة للأية، الأية (( وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ )) اللي بين أيدينا وأنا من المسلمين لكن الرواية الثانية أوفق من هذا لأن فيها زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ولأنها المطابقة لإيش؟
الطالب : للأية.
الشيخ : للقرءان، طيب، ( اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ) الملك هذا توحيد الربوبية، ( لا إله إلا أنت ) توحيد الألوهية، ومعنى لا إله إلا أنت، أخانا، الأخ، أي نعم، نعم.
الطالب : لا معبود بحق إلا ... .
الشيخ : لا معبود بحق وإلا لا معبود حق؟
الطالب : ... .
الشيخ : إلا أنت؟ نعم، وهذه الكلمة هي كلمة التوحيد التي بها يدخل الإنسان الإسلام وإذا قلت لا معبود حق إلا أنت لزم من ذلك أن تقيم العبادة كلها لله وأن لا تتبع الهوى وأن لا تبتدع في دين الله ما ليس منه، ( أنت ربي وأنا عبدك ) هذا اعتراف أيضا بربوبية الله تعالى وعبودية العبد، والتكرار في مثل هذا حسن لما فيه من تثبيت العقيدة وترسيخها.
( اللهم أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي ) ، ( ظلمت نفسي ) الإنسان يظلم نفسه؟ نعم يظلم نفسه إذا أوردها المهالك لأن نفسك أمانة عندك يجب عليك أن ترعاها حق رعايتها، وإذا كان الإنسان مسؤول عن أهله فهو مسؤول عن نفسه، ولهذا قال ( ظلمت نفسي ) ، بماذا يظلم الإنسان نفسه؟ بواحد من أمرين: إما بترك الواجب وإما بفعل المحرم، ومن المحرم أن يفعل ما يضر البدن، فإن الإنسان منهي عن أن يفعل ما يضر بدنه فإن فعل فقد ظلم نفسه، ( واعترفت بذنبي ) أي أقررت بذنبي، والذنب هو المخالفة سواء ترك مأمور أو فعل محذور، ( فاغفر لي ذنوبي جميعا ) ، ( اغفر لي ) أي استرها وتجاوز عن العقوبة، لأنه مأخوذ من المغفر وهو ما يوضع على الرأس اتقاء السهام، وفيه أي في المغفر ستر وإيش؟
الطالب : وقاية.
الشيخ : ووقاية، وعلى هذا فطلب الإنسان المغفرة من الله يتضمن شيئين: الأول عقيل؟ الستر بحيث لا يطلع عليها إلا الله والثاني العفو والتجاوز حتى يكون وقاية، وفي هذا دليل على أن الإنسان مجبول على محبة ستر الله عليه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ) والمجاهر هو الذي يفعل الذنب ثم يصبح يتحدّث به إلى الناس، فهذا قد جنى على نفسه وظلم نفسه وظلم غيره أيضا، لأن غيره إذا رأى مثل هذا الرجل يتهاون بالواجبات أو يفعل المحرمات إيش؟
الطالب : ... .
الشيخ : اقتدى به وتجرأ، ( فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) ، هذا من باب التوسّل بأفعال الله تعالى وصفاته أنه لا يغفر الذنوب إلا الله، كما قال تعالى (( وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أَو ظَلَموا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللَّهَ فَاستَغفَروا لِذُنوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنوبَ إِلَّا اللَّهُ )) لو اجتمعت الأمة على أن يغفروا لك ذنبا واحدا ما استطاعوا، ولكن الله هو الذي يغفر الذنوب جميعا.
( اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) ، هذا وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، أحسن الناس خلقا يسأل الله تعالى أن يهديه، فإذا قال إنسان كيف يسأل الله أن يهديه وهو عليه الصلاة والسلام قد أوتيها؟ قلنا هذا يتضمن شيئين أولا الإستزادة من حسن الخلق لأنه قال ( لأحسن الأخلاق ) ، وثانيا الثبات على حسن الخلق فيطلب أمرين، الإستزادة والثاني.
الطالب : ... .
الشيخ : الثبات على ذلك، ( اهدني لأحسن الأخلاق ) ، والأخلاق جمع خلق وهو الصورة الباطنة في النفس، وأما الخَلق فهو الصورة الظاهرة، ( لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها ) أي سيء الأخلاق لا يصرف عني سيئها إلا أنت، وهذا هو الحق وهو واضح، مهما بلغ الإنسان من محاولة اكتساب الخلق الحسن واجتناب الخلق السيء فإنه لن يتمكّن من ذلك إلا بمن؟
الطالب : ... .
الشيخ : إلا بالله عز وجل، ولهذا نفى أن أحدا يهديه لأحسنها أو يصرف عنه سيئها إلا الله، نعم، إلا أنت ( لبيك وسعديك والخير كله في يديك ) ، لبيك أي إجابة لك وثني للتكرار لا لإرادة التثنية، يعني أنك إذا قلت لبيك ليس المعنى أنك تلبي الله مرتين فقط بل مرة بعد أخرى، كقوله تعالى (( ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَينِ )) أي كرّة بعد كرة، فالمراد مطلق التعدّد وليس خصوص التثنية، وقول سعديك أي إسعادك يعني كأن الإنسان يقول أنا لبيتك يا ربي فأسعدني، أسعدني يعني أزل عني همي وغمي واكتب لي السعادة، ففيها طلب شيئين، إزالة الغم والهم، الثاني حصول السعادة، والخير كله في يديك أنت الذي تجلبه إلى من تشاء من عبادك يعني فكأنه بهذا الثناء على الله يقول أعطني من خيرك ( والشر ليس إليك ) ، الشر لا ينسب إلى الله إطلاقا، ولهذا لا يحل للإنسان أن يقول بيدك الخير والشر، لأن الشر لا يُنسب إلى الله إطلاقا، وإنما يكون الشر في المفعولات لا في الفعل، ووجه ذلك أن الله إذا قدّر على الناس أمراضا، المرض شر بالنسبة للإنسان لكن قد يقدّره الله تعالى لخير، لخير للإنسان لأن المرض يكفّر به عن سيئاته ومع الصبر والإحتساب يرفع له في درجاته وهذا خير، لأن المرض مهما كان مأله إلى الزوال إذ أن مأله في النهاية إلى الموت والموت غاية كل حي لكن ما يحصل فيه من الأجر والثواب ورفعة الدرجات خير للإنسان يقدر الله سبحانه وتعالى الجدب والقحط، الجدب في الأرض والقحط في السماء فيمتنع المطر وتجدب الأرض، وهذا بالنسبة للناس.
الطالب : شر.
الشيخ : شر، لكنه بالنسبة لتقدير الله خير، كما قال تعالى (( ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِما كَسَبَت أَيدِي النّاسِ لِيُذيقَهُم بَعضَ الَّذي عَمِلوا لَعَلَّهُم يَرجِعونَ )) إذًا فنفس تقدير الله ولو لما يُكره ولو لما هو شر يُعتبر خيرا، أما بالنسبة للمفعول فنعم، المفعول فيه شر، فالحيات والعقارب والزنابير والبعوض وما أشبهها كلها شر بالنسبة للآدمي، لكن إيجاد الله لها.
الطالب : خير.
الشيخ : خير ولهذا صح عنه قال ( الشر ليس إليك ) ، ولم يقل ليس منك، لأنه لو قال ليس منك لكان هذا يوافق مذهب القدرية الذين يقولون إن السيئات ليست مخلوقة لله، ولكنه ليس إليه، فلا يقال أنك شرير والعياذ بالله، أو أن فعلك شر بل فعله خير كله وهو سبحانه وتعالى المتفضل على عباده بالنعم، لكن لا ينسب الشر إليه، نعم، ولذلك لا ينسب الشر إليه ولكن ينسب إلى.
الطالب : ... .
الشيخ : أه؟ إلى المفعول، نعم، ( والشر ليس إليك، أنا بك وإليك ) أنا بك وجودا وإمدادا وإعداد، أنا بك إيجادا من أوجدك؟
الطالب : الله.
الشيخ : طيب، إمدادا من أمدك بالرزق؟ الله وأنت في بطن أمك يأتيك الغذاء وأنت في بطن أمك، من الذي أعدك لمنافعك؟ هو الله، فأنا بك إيجادا وبعدها يا سامي؟
الطالب : ... .
الشيخ : والثالث؟ إعدادا، كلنا بالله عز وجل، لولا أن الله أوجدنا ما وجدنا، لولا أن الله أمدنا ما بقينا ولولا أن الله أعدنا ما عرفنا مصالحنا فنحن بالله.
( وإليك ) أي أمري يرجع إليك وأنا واحد من العالم والله عز وجل يقول (( وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ )) كل الأمر يرجع لله عز وجل، فأمري أيضا يرجع إلى الله، ( أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ) ، تباركت أي تعاظمت وحلّت البركة في اسمك ولهذا كان اسمه سبحانه وتعالى إذا حصل في شيء صار مباركا، أرأيت بهيمة الأنعام تذبحها لا تسمي عليها تكون ميتة، تسمي عليها تكون طيبة، في الأول تكون خبيثة، في الثاني تكون طيبة إذا قلنا بوجوب التسمية في الوضوء، توضأت بلا تسمية ليس معتدا به شرعا، بتسمية معتد، أيضا كل مقام يذكر فيه اسم الله ويصلى فيه على النبي يكون خيرا للإنسان ( وما جلس قوم مجلسا لا يذكرون الله فيه ولم يصلوا على نبيّه إلا كان عليهم ترة ) أي حسرة وقطيعة، وقوله تعاليت أي ترفّعت عن كل نقص وعلو الله عز وجل علو ذاتي وعلو وصفي، أي هو العلي في ذاته العلي في وصفه، ولهذا عندما تقول سبحان ربي الأعلى في السجود، ماذا تستشعر؟ أنه فوق كل شيء وأنه الأعلى في جميع صفاته، الأعلى في علمه، الأعلى في سمعه الأعلى في بصره الأعلى في قدرته، الأعلى في حكمته، الأعلى في عزته وهلم جرا، إمشي على هذا، يعني لا تظن إنك عندما تقول سبحان ربي الأعلى في السجود إن المعنى الأعلى بذاته فوق كل شيء، هذا صحيح لكن ليس هذا فقط، بل هو الأعلى في كل وصف من صفاته، ويجمع هذا قوله تعالى (( وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعلى وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ )) .
يقول ( أستغفرك وأتوب إليك ) ، أستغفرك يعني أسألك المغفرة وهذا كما تعلمون مكرّر مع قوله ( فاغفر لي ذنوبي ) لكن مقام الدعاء ينبغي فيه.
الطالب : ... .
الشيخ : التكرار والبسط لسببين: أولا لزيادة الأجر وزيادة الإفتقار إلى الله واللجوء إليه وثانيا أنك بدعائك تُخاطب ربك سبحانه وتعالى، والحبيب يُحب أن يُطيل المناجاة مع.
الطالب : ... .
الشيخ : مع حبيبه، فلذلك كان البسط في الدعاء أفضل ومع ذلك قد يأتي الإجمال في الدعاء، مثل (( ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار )) .
يقول ( أستغفرك ) أي من الذنوب ( وأتوب إليك ) أي أعود إليك وأرجع والتوبة والإستغفار إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، أستغفرك يعني من الذنوب وأتخلّى عنها، أتوب أرجع إليك ولهذا عُديت بإلى أرجع إليك بماذا؟ بالعمل الصالح والطاعة، فيكون في قول القائل ( أستغفرك وأتوب إليك ) تخل عن المحرمات وإقبال على الطاعات، ( أستغفرك وأتوب إليك ) وإذا ركع قال ( اللهم لك ركعت ) لك، اللام للإختصاص فتفيد الإخلاص لك وحدك ركعت ولهذا نقول إن تقديمها على عاملها يُفيد الحصر، ( وبك ءامنت ) الإيمان بالله عز وجل هو الإقرار المتضمن للقَبول والإذعان، هذا الإيمان، الإقرار المتضمن للقبول والإذعان أما مجرد الإقرار فهذا ليس بإيمان، ولهذا نقول إن أبا طالب إيش؟
الطالب : ... .
الشيخ : غير مؤمن مع أنه مقر، مقر بالله وبرسول الله وبصدق رسول الله، لكن لما لم يقبل ولم يذعن لم يكن مؤمنا فالإيمان شرعا هو إيش؟ الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، أيضا لا يكفي الإذعان لابد من قبول يعني لا يكفي إن الإنسان يقوم ويصلي ويزكي حتى يكون ذلك مقرونا بالقبول والرضى بما فرض الله عز وجل، طيب، ( بك ءامنت ولك أسلمت ) أي انقدت والإسلام والإستسلام معناهما واحد أي انقدت لك انقيادا تاما وهنا جمع بين الإيمان والإسلام فيكون الإيمان إيش؟
الطالب : ... .
الشيخ : باطنا والإسلام علانية، ( خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ) ، هكذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام خشع له كل قواه، خشع لله كل قواه عليه الصلاة والسلام، وهذا غاية ما يكون من الذل، والخشوع هو التطامن والذل، وقوله ( وإذا رفع قال اللهم ربنا لك الحمد ) ، اللهم أصلها يا الله هذا أصلها لكن حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم وأخّرت عن مكانها، انتبه، فأنت الأن تحويل من مكان إلى مكان وعندنا تبديل وتعويض، وإنما حذفت ياء النداء لكثرة الإستعمال وعوض عنها الميم لما فيها من الجمع الذي يُفيد اجتماع القلب على الله عز وجل، وكانت في الأخر تبرّكا بالإبتداء باسم الله عز وجل، يقول ( اللهم ربنا لك الحمد، ملأ السماوات وملأ الأرض وملأ ما بينهما وملأ ما شئت من شيء بعد ) ، وقد اختلف العلماء في معنى هذا الملأ، فقال بعضهم المعنى لو كان الحمد أجساما لملأ هذه الأماكن السماوات والأرض وما بينهما وما زاد عليها لقوله ( وملأ ما شئت من شيء بعد ) ، وقيل المعنى أن كل ما في السماوات والأرض فإنه دال على حمدك والثناء عليك لأن كل شيء في الوجود فإنه متضمن لحمد الله عز وجل، وهذا أقرب إلى الصواب، أن المعنى أن الإنسان يستحضر السماوات والأرض وما بينهما وما شاء الله من بعد وأن كل هذا حمد لله عز وجل ممتليء بحمد الله، ثم قال ( وإذا سجد قال اللهم لك سجدت وبك ءامنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين ) ، ( سجد وجهي لله الذي خلقه ) والسجود معروف هو الخرور على الجبهة والأنف فيسجد الإنسان للذي خلقه لأنه هو المستحق لهذا السجود لكونه خلق، والثاني يقول صوّره، صوره على أحسن صورة ولهذا لا يوجد صورة أحسن من صورة الإنسان، وقوله وشق سمعه وبصره أما شق بصره فظاهر لأن البصر في الوجه، لكن شق سمعه هذا من باب إلحاق الشيء بمجاوره لأن السمع ليس من الوجه بدليل أن الأذن لا تغسل مع الوجه في الوضوء بل ولا تمسح مع الوجه وإنما تكون مع الرأس وقد ورد في ذلك حديث ( الأذنان من الرأس ) ولكن هذا من باب ذكر الشيء أو إلحاق الشيء بمجاوره ( سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين ) ، سبق الكلام على قوله تبارك ومعناه.
الطالب : ... .
الشيخ : نعم، عظمت بركته ( أحسن الخالقين ) الخلق يقولون هو الإيجاد بعد التقدير، يعني الذي لا يأتي هكذا صدفة بل لابد من تقدير أول ثم خلق، ومن ذلك قوله تعالى (( وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقديرًا )) وقد اختلف في قوله قدره، هل المراد التقدير السابق على الخلق أو المراد التسوية بعد الخلق؟ على قولين: فإن قلنا بالأول صار تركيبه بعد الخلق من باب التركيب الذكري كقول القائل:
" إن من ساد ثم ساد أبوه *** ثم ساد من بعد ذلك جده " .
وإذا قلنا إنه بمعنى التسوية صار الترتيب على حسب الترتيب الوضعي ويؤيّد هذا القول الأخير قوله تعالى (( الَّذي خَلَقَ فَسَوّى )) يقول خلقه، إذًا أحسن الخالقين من؟ الخالق هو الذي إيش؟ يوجد بعد التقدير ثم يكون ءاخر ما يكون بين التشهّد والتسليم، ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ) ، ثم ذكر المؤلف اللفظة الثانية في الحديث وهو قوله ( إذا استفتح الصلاة كبّر ثم قال ) وكلمة كبّر سقطت من اللفظ الأول لأنه قال ( إذا قام إلى الصلاة قال ) ، فهل نقول يكبر ثم يقول؟
الطالب : نعم.
الشيخ : أجيبوا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم لأنه زيادة علم وفيه أيضا يقول، ( ثم قال وجهت وجهي ) وقال ( أنا أول المسلمين ) ، سبق الكلام على هذا، ( وإذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ) ، فيه إسقاط اللهم، لأن اللفظ اللي هنا يقول ( اللهم ربنا لك الحمد ) وهنا يقول ( ربنا ولك الحمد ) فيه إسقاط كلمة وزيادة كلمة، الزيادة هي الواو وقال أيضا ( صوّره فأحسن صوره ) ، وفيها زيادة ( صوره فأحسن صوره وشق سمعه وبصره ) ، ويقول ( وإذا سلم قال اللهم اغفر لي ) وقال ( وإذا سلم قال اللهم اغفر لي ما قدمت ) إلى ءاخر الحديث ولم يقل بين التشهّد والتسليم والصواب الرواية الأولى إنه بيّن التشهّد والتسليم لأن هذا هو الموضع الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلّم إلى دعاء الله فيه، حيث قال حين ذكر التشهّد ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ) .