فوائد حديث : ( ...قلت : ويحك والله لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : أحسنت فبينما أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر قال : فقلت : أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب لا تبرح حتى أجلدك قال : فجلدته الحد ... ) . حفظ
الشيخ : هذا أيضا فيه دليل على أنه يخطّأ من أخطأ في القرآن، ويبين له الأصل، وفيه أيضا شاهد للباب حيث قال قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأ عليه من؟ عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن مسعود هذا يقول إنه لما قرأها وقال هكذا قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له هذا الرجل أحسنت وكان في الأول يرد عليه وينكر عليه، لكنه سكران والسكران يهذي ويقول كلام وينقضه، فبعد أن رد عليه وقال ما هكذا يعني تكون الآية قال قرأتها على الرسول قال أحسنت، فالآن أقر هذا السكران بأنه على صواب، لكن يقول فبينما أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر فقلت أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب لا تبرح حتى أجلدك قال فجلدته الحد، قال فجلده عندكم؟
الطالب : فجلدته الحد.
الشيخ : في هذا دليل على أن من وجدت منه رائحة الخمر فإنه يقام عليه الحد، وهذه المسألة مسألة اختلف فيها العلماء إذا وجدت منه الرائحة أو تقيأها فهل يجلد أو لا؟ فقال بعض العلماء أنه لا يجلد لاحتمال أنه شربها خطأً لا يعرف أنها خمرا أو أنه أكره على شربها أو ما أشبه ذلك، والحدود تدرأ بالشبهات، وقال آخرون بل يحد ما لم يدع شبهة، الرجل هل ادعى شبهة وإلا سكت مقرا؟ سكت مقرا، طيب، سكت مقرا ولذلك جلده، والصواب أنه يقام عليه الحد برائحتها وبتقيئها، إلا إذا ادعى أيش؟ شبهة، بأن قال إنه شربها مخطأً أو يظنها شرابا مباحا أو قال إنه أجبر على ذلك فهنا يرفع عنه، وفيه أيضا دليل على أن كلام السكران لا حكم له، حتى ولو كان ردة، لأن ابن مسعود رضي الله عنه إنما جلده لشرب الخمر لا لكونه كذب بالكتاب، وهو إنما كذّب بالكتاب حال سكره، وعلى هذا فأقوال السكران لا عبرة بها سواء ما يتعلق بالعبادات أو بالمعاملات بالأحوال الشخصية أو بغيرها، وبناء على ذلك لو أن السكران أقر قال في ذمتي لفلان ألف ريال، فهل يثبت ذلك له؟
الطلاب : لا.
الشيخ : لا، أقر السكران بأنه وقّف جميع ما يملك، يؤخذ بإقراره؟ لا، طلق السكران زوجته، نعم؟ لا يؤخذ، قال السكران زوجت بنتي فلانا، وكان فلان حاضرا فقال قبلت، نعم؟ ينعقد؟ ما ينعقد، لأن جميع أقوال السكران لا يؤاخذ بها، ودليله هذا الأثر، وفي قوله فجلده الحد، فيه إشكالان: الإشكال الأول كيف ساغ لابن مسعود أن يجلده هل كان له ولاية؟ نعم إنه لا يمكن أن يقيم أحد الحد إلا الوالي، فإما أن يكون له ولاية خاصة، بمعنى أن ولي الكوفة جعل لابن مسعود إقامة الحدود، أو له ولاية عامة بأن كان أميرا وهذا يرجع فيه إلى التاريخ.
القارئ : في حمص.
الشيخ : في حمص؟ نعم في حمص، إما أن يكون له ولاية خاصة بأن قال له ولي الأمر هناك بأن أقم الحدود، أو أنها ولاية عامة نيابة عن أميرها أو استقلالا، وهذا يرجع إلى التاريخ، الإشكال الثاني قوله جلده الحد، فإن ظاهره أن عقوبة شارب الخمر حد، وهذا هو المشهور عند جماهير العلماء، أن العقوبة حد، لكن هل هو أربعون أو ثمانون؟ من العلماء من قال إنها أربعون ولا زيادة، ومنهم من قال إنها ثمانون ولا نقص، ومنهم من قال إنها أربعون ولا نقص ولكن لا بأس بالزيادة إلى ثمانين، فهذه أقوال ثلاثة، الأول أربعون بلا زيادة، والثاني ثمانون بلا نقص، والثالث أربعون بلا نقص وما بينها وبين الثمانين فهو راجع إلى اجتهاد الإمام، والصحيح أن عقوبة شارب الخمر ليست حدا وإنما هي عقوبة ودليل ذلك أن شارب الخمر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يؤتى به فيضرب بالجريد والنعال والرداء وما أشبه ذلك، بدون أن يقف ولي الأمر على الجَلَدة ويحدد لهم، لكن نحو أربعين، هذا دليل، الدليل الثاني أن عمر رضي الله عنه لما رأى أن الناس كثر شربهم إياها جمع الصحابة والمراد بهم أهل الشورى الذين لهم الرأي واستشارهم، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يا أمير المؤمنين أخف الحدود ثمانون فرفع عمر رضي الله عنه العقوبة إلى ثمانين، والدلالة من هذا من وجهين: الوجه الأول أنهم قالوا أخف الحدود ثمانون ولو كان حد شارب الخمر حدا لكان أخف الحدود أربعين، ثانيا أنه لو كانت عقوبة شارب الخمر بأربعين حدا لم يسغ لعمر ولا لغير عمر أن يزيد عليها، بدليل أنه لو فرض أن الزنا كثر في الناس هل نرفع عقوبة الزاني غير المحصن إلى مئتين؟!
الطلاب : لا.
الشيخ : لا، لا نرفعها، فالصواب أن عقوبة شارب الخمر تعزير يرجع إلى رأي الإمام ولكن قد يقول قائل إنه تعزير لا يجوز أن يقل عن أربعين، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حد شارب الخمر في عهده نحو أربعين، ولأن النقص عن أربعين ربما يؤدي إلى تهاون الناس بها حتى يشربوها على وجه كثير، نعم.